لماذا فاز "الإسلاميون" في المغرب؟
10 محرم 1433
مولاي المصطفى البرجاوي

في الوقت الذي تمكَّن فيه الشعب التونسيُّ الأبِيُّ من إسقاط رمز الفساد والاستبداد في بلدها "زين العابدين بن علي"؛ نتيجةَ المُمارسات الفاسدة التي عانَاها منه ردحًا طويلاً من الزَّمن، إنْ على مستوى الاقتصاديِّ (الليبرالية المتوحِّشة الخالية من القِيَم)، أو الفساد الإداري (البيروقراطي) أو الاجتماعي، بل الأدهى والأمَرُّ ما عاناه منه من تضييقٍ في ممارسة شعائره الدِّينية؛ إذْ عَمِل الديكتاتور على تمييع المجتمع التونسيِّ مسخًا وإفسادًا خلقيًّا، كل هذه المعطيات دفعَت الشعب التونسيَّ المسلم التوَّاق إلى حرِّية مُمارسة شعائره التعبُّدية، إلى التصويت بكثافةٍ على "حزب النَّهضة"؛ علَّه يبعث من جديدٍ ما اندثَر إبَّان فترة الهالك "بورقيبة"، والهارب "بن علي" من قِيَم ومَعاهد علميَّة شرعية، خاصة جامع الزيتونة؛ التي كانت وكرًا للمتسكِّعين في عهدَيْهما، ولا حول ولا قوَّة إلا بالله، ولا ننسى ما مُورس على الشباب التونسيِّ المتديِّن من حرمانِ ارتياد المساجد.

 

جاءت التَّجربة المغربية - بكلِّ أمانة - مختلفةً عن التجربة التونسيَّة؛ إذْ أقدم النِّظام المغربيُّ على جملةٍ من الإصلاحات قبل خروج الثَّورات العربية؛ من قبيل تحريك عجَلة التنمية على جميع الأصعدة؛ من خلال مجموعة من الورش الإصلاحيَّة؛ إنْ على المستوى الاقتصادي، أو الاجتماعي (المُبادَرة الوطنية للتنمية البشريَّة)، أو التعليمي (تخصيص ميزانيَّة ضخمة لقطاع التعليم لأجرأة مضامين الميثاق الوطنيِّ للتربية والتكوين والبرنامج الاستعجالي...)، والسياسي (من خلال الانفتاح على مختلف المَشارب الإيديولوجيَّة، بما فيها التيَّار الإسلامي الذي عانى في عهد وزير الداخليَّة السابق "إدريس" من صنوف القمع والتَّضييق).

 

ورَغْم ذلك، بات لوبي الفساد ينخر جسد المغرب اقتصاديًّا وسياسيًّا، من هنا تحرَّكَت - انسجامًا مع الرَّبيع العربي - حركةُ 20 فبراير لإسقاط رموز الفَساد في البلاد، كل ذلك أسهَم في انتقام الشَّعب المغربي من أصحاب النُّفوذ؛ الذي يستغِلُّون السُّلطة للاستِحْواذ على ثَروات البلاد، من خلال التَّصويت على حزب "العدالة والتَّنمية" الإسلاميِّ بكثافة، الذي حصل على 107 من المقاعد البرلمانيَّة.

 

والسُّؤال المطروح - على ضوء المعطيات السابقة -: ما هي الأسباب التي جعلَتْ حزب "العدالة والتنمية" المغربيَّ يتسلَّق قائمة الفائزين في الانتخابات البرلمانيَّة بالمغرب؟

 

من خلال الاطِّلاع على المشهد العالمي والواقع السياسي المحلِّي، يمكن إرجاع هذا التفوُّق إلى جملةٍ من العوامل التالية:

• السياسة الأمريكية والموقف العالمي الغربي: منذ أحداث 11 سبتمبر، عملَت الولايات المتَّحدة الأمريكيَّة بالضغط على الأنظمة الحاكمة في البلدان العربيَّة والإسلامية؛ لِتَضييق الخناق على الإسلاميِّين بالسجن العبَثِي، أو من خلال إصدار قانون الإرهاب، الذي يستهدف الإسلاميِّين في مُمارسة شعائرهم الدينيَّة والسياسية، ولم يتوقَّف الأمر عند هذا الحدِّ، بل استَهْدف الجمعيات الخيريَّة الإسلامية، كما استهدف البرامجَ التعليميَّة؛ من خلال حَذْف درس الجهاد في مادة التربية الإسلاميَّة؛ الذي يحرِّض - على حدِّ زعمهم - على الإرهاب، دون أن يلتَفِتوا إلى البرامج التعليميَّة للكيان الصِّهيوني، المليء بثقافة الحِقْد والعنصرية؛ مِمَّا جعل الشُّعوب العربية والإسلاميَّة، بل وحتى غير الإسلامية تتعاطف مع كلِّ ما هو إسلامي، بل دفع الأمرُ بعضَهم - بدافع الفضول العلمي - إلى الاطِّلاع على ثقافة المسلمين، وكان ذلك سببًا في إسلامهم!!

 

• التجربة التركية بقيادة حزب "العدالة والتنمية": لعلَّ ما حقَّقه من مكاسب على المستوى الداخليِّ (السَّماح للمحجبات بمتابعة دراستهم الجامعيَّة، تغيير بعض بُنود الدستور العلماني، توفير أكثر من 40 مليار دولار بمحاربة الفساد - كما صرَّح "أردوغان" - في برنامج "بلا حدود" على قناة الجزيرة القطَريَّة)، والخارجي (وقوفه ضد الكيان الصِّهيوني، وقوفه مع الشعب العربي ضد الاستبداد...)، كل ذلك أكسب حزب "العدالة والتنمية" التركيَّ شعبيَّة، إنْ على مستوى تركيا، أو مستوى الشعوب العربية، التوَّاقة إلى استنساخ تجربتها في بلدانها.

 

• ما حقَّقه الإسلاميُّون في تونس بقيادة حزب "النهضة": إنَّ نجاح حزب "العدالة والتنمية" المغربي، يندرج ضمن موجة النَّجاحات التي حقَّقتْها الأحزابُ ذات المرجعية الإسلاميَّة مع الربيع العربي "للدِّيمقراطية"، خاصة حزب "النهضة" في تونس، كما أنَّ هناك استطلاعاتٍ تُفيد بإمكانية فوز التيَّار الإسلامي في مصر الذي يقوده الإخوان المسلمون (حزب الحرية والعدالة)، والتيَّار السلفي (حزب النُّور).

 

• الإعلام ودوره في فوز الإسلاميِّين: نتيجة ما تعرَّض له الإسلاميُّون من تضييقٍ، جعَل الإعلام العربي والغربي يسلِّط الضوء عليهم؛ مِمَّا جعل الشعوبَ العربية تُصوِّت لصالحها، من مُنطلَقِ "كل ممنوع مرغوب".

 

• الحِرَاك العربي، أو ربيع الشُّعوب: الذي تجلَّى في المغرب من خلال "حركة 20 فبراير"، التي خدمَتْ كل مطامحها مشروعَ الحملة الانتخابيَّة لحزب "العدالة والتنمية" المغربي؛ إذْ رفعَتْ شعارات ضدَّ الفساد السياسي والاقتصادي، مما جعل كلَّ ذلك دعاية "مجانيَّة" للحزب الإسلاميِّ الفائز، من خلال ما قامت به السُّلطات من إلقاء القبض على المفسدين في الانتخابات؛ مِمَّا جعلَها تتَّسِم بالشفافية والنَّزاهة؛ خلافًا لما شَهِدته المراحل السابقة من تزويرٍ وتشويه للحقائق؛ إذْ كانت صناديق الاقتراع تعرف ما يوجد في أحشائها قبل فَرْز أصوات الناخبين.

 

• المضايَقات التي تعرَّضَت لها بموجب قانون مكافحة الإرهاب:كل المغاربة يتذكَّر ما مارسَه الإعلام الذي كانت تَقوده الحكومةُ السابقة من مُمارسات استفزازيَّة في حقِّ الحزب ذي المرجعيَّة الإسلاميَّة؛ من خلال مقالةٍ نُشِرت في جريدتهم "التجديد" إبَّان موجة "التسونامي" التي ضربَتْ مناطق جنوب شرق آسيا، وحذَّر الكاتب "حسن السرات" آنذاك من مغبَّة حدوث نفس السيناريو في المغرب، نتيجة انتشار السِّياحة الجنسيَّة في المغرب، فأقامَت الدُّنيا ولم تقعدها، ووصف الحزب بـ: الحزب "الإرهابي" و"الظَّلامي" وهلمَّ جرًّا من المصطلحات القدحيَّة، كما أنَّ اقتراحهم في البرلمان بإقامة بنكٍ إسلامي في المغرب لَقِيَ الصُّدود والإعراض، كل ذلك أكسبَه أيضًا تعاطُفًا من قبل الشعب المغربي.

 

• حسن التَّنظيم وتنفيذ البرامج المقترحة على المستوى المحلي:تجمع أغلب الأحزاب المنافسة وحتى العلمانيَّة، على حسن تنظيم حزب "العدالة والتنمية" المغربي - من خلال تصريحاتهم التلفزيونيَّة - أمَّا على مستوى تجربتهم التدبيريَّة للشأن المحلِّي (البلديَّات)، لم تُسجَّل في حقِّهم أيُّ اختلاسات لمال الشَّعب، بل أبانوا عن حُسْن التَّدبير.

 

بعد عرض الأسباب التي أسهَمت في فوز الإسلاميِّين في المغرب بقيادة حزب "العدالة والتنمية"، يكون من المصداقيَّة الحديثُ عن التحديات التي تنتظره، خاصَّة ما يخصُّ التشكيلة الحكوميَّة؛ إذْ يتحتَّم عليه التحالف مع الكتلة "الديمقراطيَّة"، التي تضمُّ بينها أحزابًا ذات توجُّهٍ اشتراكي، كما ينتظره حزمة من المهامِّ: التشغيل، مُحاربة الفساد... والله وليُّ التوفيق.

 

 المصدر: شبكة الألوكة