السقوط الحتمي للربا والنقود الورقية
10 محرم 1433
منذر الأسعد

لا نحتاج -نحن المسلمين- إلى شهادات يدلي بها كهنة الربا في معاقله الراسخة في الغرب، لكي نقتنع أن الربا شر مستطير، فعندنا الخبر اليقين من رب العالمين الذي يعلم ما خَلَقَ وما يَصْلُح لعباده وهو اللطيف الخبير.قال الحق تبارك وتعالى في محكم التنزيل: {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ * يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ * إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ} [البقرة:275-279].

 

لكن المرء يفرح عندما يشهد بالحق شاهدٌ من أهلها بالرغم من بغضاء القوم لديننا الحنيف جملة وتفصيلاً، كما ينتفع الدعاة في دعوة غير المسلمين إذا توفرت بين أيديهم حقائق علمية تؤيد ما نزل على نبينا الكريم منذ نحو خمسة عشر قرناً، وهو ما نجده جليّاً في الكتاب الذي ننصح بقراءته وعنوانه: نقود العالم متى ظهرتْ؟ ومتى اختفتْ؟ للباحث المرموق: السيد محمد الملط، الذي نشرته الهيئة المصرية العامة للكتاب في عام1993م، ويتكون من242صفحة.

 

والمؤلف الهمام لا يخفي طبيعة كتابه وإنما صرح بها في عنوان فرعي لكتابه نصه: دراسة مقارنة لوجهتي نظر الحضارة الغربية والحضارة الإسلامية، وذلك من خلال إجابته الموضوعية عن أسئلة جوهرية هي:ذَهَبُ العالَم أين ذَهَبَ؟من المستفيد من التضخم النقدي ومن المتضرر؟هل يمكن معالجة التضخم النقدي بغير الذهب والفضة؟ هل هنالك علاقة مباشرة بين النقود والعرض والطلب؟

 

وقد تجلت جدية الباحث في فصول كتابه، التي جاءت ضمن ثلاثة أبواب، ففي باب النقود نطالع فصول:النقود-اكتشاف النقود-الإسلام والنقود-الحضارة الغربية والنقود-المنظمات النقدية الدولية.وفي باب التضخم النقدي نقرأ فصول:التضخم النقدي-تحديد مفهوم التضخم النقدي-الآثار الاقتصادية للتضخم النقدي.وقد خصص الباب الثالث لتفسير التضخم النقدي وعلاجه، وتحته جاءت فصول:تفسير التضخم النقدي وعلاجه في ظل النقود الورقية-تفسير التضخم النقدي وعلاجه :وجهة نظر إسلامية-فصل تطبيقي:كيفية تطبيق النظام النقدي النموذجي.

 

والمؤلف يدعو صراحة وبلا مواربة إلى العودة إلى اعتماد الذهب والفضة كنقود حقيقية محايدة لا تؤثر سلباً في آليات السوق وقوانين العرض والطلب على السلع والخدمات، وذلك من خلال قراءة علمية لظهور النقود الورقية والآثار الكارثية التي ترتبت عليها مبدئياً، ثم تفاقمت تلك النتائج الخطيرة منذ تخلي الولايات المتحدة الأمريكية قبل أربعين عاماً عن ربط الدولار بتغطية ذهبية فعلية بحسب اتفاق بريتون وودز.

 

ويرافع الملط بكفاءة واضحة عن رؤيته المستمدة من الحضارة الإسلامية، مستنداً إلى رصيد معرفي سبقه إلى تشخيص الداء مثل المفكر الاقتصادي ذائع الصيت كينز، الذي حدد العلة بموضوعية وهي اعتماد النقود الورقية، لكنه خان نظريته في العلاج الذي اقترحه!!

 

ويعرض المؤلف  خطة نموذجية لمصر من خلال نظريته ويعززها بالأرقام والمعطيات الواقعية، وهي جرأة يُحْمَدُ عليها، وبخاصة أن كتابه الذي نعرضه هنا صدر بعد سنوات قليلة على مذبحة شركات توظيف الأموال التي قام بها نظام حسني مبارك بتأثير حفنة من غلاة التغريبيين الذين يهيج سعارهم ضد كل ما يحمل هوية إسلامية.

 

بل إن الملط مضى في شجاعته النادرة شوطاً أبعد، بتبنيه حريات الشعب وتوقعه  اندلاع ثورة شعبية بسبب  خلطة القمع والإفقار والتغريب المسيطرة على مصر وأكثر الدول العربية.