فن إعداد الزوجة
13 محرم 1433
د.ليلى بيومي

إنها ولاشك مشكلة تفرض نفسها على دوائر الثقافة العربية والإسلامية وهي كذلك مشكلة تلقي بظلالها على واقع اجتماعي حالي وآخر مستقبلي ستكتبه الأجيال  , مشكلة الكثرة الهائلة في أعداد المطلقين والمطلقات في المجتمع العربي التي لا يجب أن تمر دون متابعة أو أن نغمض الأعين عنها لأنها قنبلة موقوتة تهدد بنسف المجتمعات العربية من جذورها.

 

 ومشكلة انهيار العلاقات الزوجية ستصيب البنية الأساسية للمجتمع والوحدة المكونة له وهي الأسرة، وهذا الانهيار لن يصيب فقط الأطراف المباشرة وهم الأزواج والزوجات، ولن ينعكس فحسب على الأبناء، بل إن آثاره تتعدى ذاك كله إلى المجتمع ككل في هيئة أشخاص غير أسوياء نفسيا ومتعبين ومكدودين لا يقدرون على الإنتاج أو الإتقان في العمل أو الابتكار والإبداع وإنما سيكونون منغلقين أو منشغلين فقط بهمومهم الخاصة.

 

 وهذا في حد ذاته يسهل الطرق أمام شيوع الفساد بكل أشكاله ودرجاته .. وفي حين نجد مبادرات علمية جادة في بعض بلاد الغرب والشرق الأقصى لبحث المشاكل الحقيقية للمجتمع وبث دعوات للاهتمام بالقيم والنظام الأسرى، يتكفل العلمانيون ودعاة التسوية في العالم العربي ببث أفكار تساهم في هدم القيم الأسرية إلى جانب الإصرار على فصل الدين عن الحياة وإشاعة أجواء عامة لاستقواء المرأة ضد الرجل وضد المنظومة الأسرية ككل.

 

 وقد لفت نظري مؤخراً مقال في إحدى الجرائد العربية الكبرى، وفي صفحة المرأة، فبرغم الإحصائيات والدراسات الميدانية التي تقوم بها المؤسسات البحثية والاجتماعية والتي تؤكد على وجود أرقام مخيفة لطلاق حديثي الزواج، إلا أن المعالجة كما جاءت في المقال، تتم بمزيد من الاشتعال والتفريق، فيرون أن الحل هو رفع سن الزواج حيث أن المطلقات من سن 20 ـ 25 .. والأفضل أن تتزوج الفتيات وهن في سن كبيرة وكذلك الشباب. وهذا من المضحك المبكي لأن سن الزواج قد ارتفع والعنوسة قد انتشرت والظروف الاقتصادية الخانقة جاسمة على الصدور ورغم ذلك فإن الحل الأوحد دائما عند هؤلاء هو مزيد من التعقيد .. بدلا من التشجيع على الزواج المبكر وتهيئة الأجواء لنمو المشاعر الإنسانية بين الفتيات والشباب داخل الحصانة الزوجية.

 

 إحدى المهتمات بقضايا المرأة تؤكد أن الحل دائما في تغيير قوانين الأسرة، وكأن مثل تلك الدعاوي صارت من ضروريات الحياة ويجب أن يكون التغيير في تلك القوانين بشكل دوري ! . ويساهم هؤلاء بالدور الأكبر في تدمير الأسرة العربية وإشاعة الطلاق والتفكك من خلال الترويج لقيم الفردية والأنانية والتمرد والنشوز وعدم الرضا والتفلت لدى النساء تحت شعارات المساواة والحرية والتمكين والاستقلال وتنمية الذات. ويؤدي رواج هذه القيم إلى أن المرأة تعتبر أن تحقيق ذاتها وسعادتها ومعنى وجودها لا يتحقق أبدا داخل أسرتها، التي أصبحت الآن تصور على أنها سجن بغيض للمرأة ويعوق حريتها ويعطلها عن مواصلة نشاطاتها خارج الأسرة مثل التعليم والعمل وما شابه ذلك ولذلك توضع بذرة التفكك أو بذره النهاية داخل الأسرة حتى قبل أن تبدأ حياتها.

 

 ولا يقتصر الخطر على مرحلة الأسر الناشئة أو الجديدة بل إن الأسر القديمة أصبحت تعاني من هذه المشكلة من ناحية تربية الأبناء، وبالذات البنات، على هذا النمط من القيم التي لا تعير اهتماما للحياة الأسرية في تصور الفتاة بل ويجعل هذه الحياة الأسرية هي آخر ما تهتم به أو تفكر فيه إن كانت تفكر فيه على الإطلاق. وبدلا من التصور بأن هذه الحياة هي محور السعادة والنضج والاكتمال العاطفي والنفسي أصبحت الفتيات الآن يضعن اهتمامات أخرى لا تقتصر كما يتصور على التعليم أو حتى العمل وإنما تمتد لدى بعض الفتيات إلى إقامة العلاقات العاطفية والغرامية بدون ربطها بالزواج أو وضع الزواج كنهاية ضرورية لها.. وفي خضم هذه الانشغالات يغيب إعداد الفتاة للزواج والحياة الأسرية نفسيا واجتماعيا وعمليا بالتربية على فنون الحياة وعلى مسئوليات المنزل وتربية الأولاد ورعاية الزوج وبناء عش سعيد يصلح لتنشئة أسرة مترابطة ومتكاملة.

 

 صحيح إن أسباب الطلاق عديدة .. فهناك الضغوط المادية وتشابك العلاقات الاجتماعية غير المواتية، ولكن كل هذه المشاكل يمكن ببساطة أن لا يكون لها أي أثر لو توافرت الأسس النفسية والأوضاع القيمية التي تعلى من شأن الأسرة وتجعلها محور اهتمام الفتى والفتاة والتي تؤكد على دور المرأة داخلها وعلى ضرورة التعاون والتكامل في الأسرة بالنسبة للزوجة وليس على الصدام والنفور والأنانية الفردية التي تشير إلى المرأة بالخروج من هذا الإطار الذي يوصف بالسجن الضيق بدلا من أن ترحب به ليس كقيد وإنما كعلاقة تحرر حقيقية وعلاقة تحقيق للذات الإنسانية لها ولزوجها وللأبناء بل أيضا للأسرة الواسعة.

 

 وأتذكر في هذا الصدد وبشدة وصية المرأة الأعرابية والتي لم تتلق تعليما نظاميا إلا أنها كانت على وعي ودراية اجتماعية فاعلة فأوصت ابنتها في ليلة عرسها بوصيتها المشهورة ـ كوني له أمة يكن لك عبدا ... الخ.
 وتتوالى وصاياها الجامعة الموجزة التي تلخص ميثاقا للحياة الزوجية يجمع بين الجانب المادي والمعنوي .. وتلك المرأة هي ذاتها جدتنا في الماضي القريب .. تلك المرأة الفطرية الواعية والتي كانت تدفع بابنتها إلى حياتها الزوجية ولا تسمع ولا ترحب بشكواها الأولى بل تدعمها باتجاه الالتحام بزوجها وأهل زوجها حتى لا تعود إليها فاشلة ومهزومة.

 

 والتكيف مع الأشخاص والأسر الجديدة يحتاج إلى بعض الصبر والتنازل لأنها تعي جيدا أن الرجل في النهاية لزوجته بمثابة الحارس بالليل والأجير بالنهار .. لكننا نجد الآن كثيراً من الأمهات والفتيات يجتهدن في ادخار مزيد من الأدوات المنزلية بدءً بالأواني والزجاج والمفروشات حتى بعض الأثاث وأحدث الأجهزة المنزلية .. ويجهدن ميزانية الأسرة ويخترن بعناية ويبحثن في التفاصيل الدقيقة لتلك المهمة الإستراتيجية التي يتباهين ويتبارين فيها مع الأقارب والأصدقاء وذلك على حساب الإعداد المعنوي للفتاة منذ الصغر لمهام الزوجية ورعاية الزوج والأسرة. وقد يبدو للبعض أن هذا تكريس وتقديس للرجل وتحيز ضد المرأة لكن الحقيقة أن هذه القيم في البداية والنهاية لصالح المرأة أولا لأنها دفاعا عن مملكتها الأولى وعن حقها في الأمومة والزوجية والسكن والاستقرار المعنوي والأسرى والاجتماعي.