"العسكري" يشد عضلاته لمواجهة الإسلاميين
14 محرم 1433
تقرير إخباري ـ نسيبة داود

المعلومات الخطيرة التي كشفتها صحيفة "نيويورك تايمز" في تقرير لها من القاهرة حمل عنوان "الجيش يشد عضلاته في مواجهة مكاسب الإسلاميين في مصر" تشير بقلق إلى مخططات المجلس العسكري الحاكم الذي يريد من خلالها البقاء في السلطة والتحكم في الحياة السياسية لصالح الليبراليين. فقد كشفت الصحيفة أن المجلس العسكري عقد جلسة مغلقة دعي إليها صحفيون أجانب بينهم ثمانية أمريكيين وبريطاني واحد، ولم يدع إليها أي من الصحفيين المصريين.

 

وفي تلك الجلسة التي وصفت بأنها جلسة أسئلة وأجوبة فوق العادية، قال اللواء مختار الملا عضو المجلس العسكري إن نتائج الانتخابات التي كان الإسلاميون فيها الرابح الأكبر "لا تعبر عن عموم الشعب المصري". وتساءل قائلا: "هل تعتقدون أن المصريين انتخبوا أحدا يهدد مصالحهم واقتصادهم وأمنهم وعلاقاتهم بالمجتمع الدولي؟"، مجيبا: "بالطبع لا". ورغم ادعائه بأنه يحترم حياد ونزاهة الانتخابات، إلا أن الملا قال إن "في هذه الظروف غير المستقرة، فالبرلمان لا يمثل كافة المصريين".

 

جدير بالذكر أن الإقبال على التصويت في المرحلة الأولى من الانتخابات كان كبيرا جدا حيث وصلت نسبة الناخبين الذين أدلوا بأصواتهم 52% من إجمالي من يحق لهم التصويت. الصحيفة نوهت إلى أن الملا "بدا أنه يقول إن نتيجة التصويت لن تكون معبرة عن الشعب لأن الشعب المصري لا يمكن أن يدعم الإسلاميين، خاصة التيار السلفي الأكثر تحفظا الذي حاز نحو ربع الأصوات في المرحلة الأولى من الانتخابات". كما رأت أن إطلاق هذه التصريحات بتلك الطريقة ولهؤلاء الأشخاص دون غيرهم تدل على أنها موجهة للإدارة الأمريكية بهدف إثنائها عن دعم مطالب المحتجين المصريين بتسليم السلطة "فورا" للمدنيين. وقالت إن المجلس العسكري توقع أن التخويف من سيطرة الإسلاميين على الحكم من خلال الاقتراع قد يدفع الإدارة الأمريكية لوقف ضغطها لتسليم السلطة.

 

وعلاوة على الضرب عرض الحائط بالشرعية التي منحها الشعب للإسلاميين في الجولة الأولى من الانتخابات، قال الملا إن البرلمان الذي سيكون غالبيته من الإسلاميين لن يكون له دور فعال في كتابة الدستور، قائلا: "أيا كانت الأغلبية في مجلس الشعب، فهم محل ترحيب شديد، لأنهم لن يكون بمقدورهم فرض أي شيء لا يريده الشعب"، مضيفا أن تشكيلة البرلمان لا تهم لأنها لن يكون لها سلطة على صياغة الدستور. فالمجلس العسكري لا ينوي السماح بتنفيذ المتفق عليه حول آلية نقل السلطة للمدنيين والتي كان أعلنها بعد الاستفتاء على التعديلات الدستورية في مارس الماضي والتي تقتضي أن يختار البرلمان المنتخب لجنة تكلف بصياغة الدستور. ولقد أكد الملا هذا بالقول: "أغلبية مجلس الشعب لن تكون هي الوحيدة الممثلة في الجمعية التأسيسية". وشكك في جدوى التعهدات السابقة، خاصة وأنه اعتبر أن الكيان البرلماني المنتخب لا يمثل عموم الشعب، مبررا ذلك بالقول: "لدينا الكثير من الفصائل الأخرى غير الموجودين في البرلمان مثل العمال والفلاحين والمهندسين والأطباء". وذلك رغم أن تشكيلة البرلمان نصفها على الأقل من العمال والفلاحين طبقا للإعلان الدستوري الذي تلا الاستفتاء.

 

أما فيما يخص الأطباء والمهندسين الذين "افتقدهم" العسكري في تشكيلة المجلس؛ فعلاوة عن كون ذلك مناف للحقيقة حيث فاز عدد من الأطباء -من بينهم الطبيب مصطفى النجار عن حزب العدل- وكذلك المهندسين والقضاة المحامين وغيرهم من المهنيين في الانتخابات في المرحلة الأولى، فإن انتخابات نقابات الأطباء والمهندسين والمعلمين المصريين التي عقدت خلال الشهرين الماضيين أظهرت هي الأخرى اكتساحا للإسلاميين بنسبة بلغت في بعض الأحيان 96% ! ولتعويض هذا "النقص" الذي يجعل البرلمان المنتخب "غير ممثل للشعب" -من وجهة نظر الملا والمجلس العسكري- قال الملا إن المجلس العسكري سيعين مجلسا استشاريا يضم ممثلي الأحزاب وعدد من "الفنانين" و"المثقفين". ورغم علم الجميع بأن هؤلاء "المثقفين" هم الذين يعرفون بـ"النخبة" التي تتحدث بلسان ليبرالي علماني، إلا أن لا أحد يمكنه تخمين وظيفة الفنانين في هذه اللجنة التي ستتولى "تمثيل" المجلس أمام البرلمان. هذا التمثيل بالطبع لن يتعدى المثول أمام البرلمان عوضا عن معالي أعضاء المجلس، لأن البرلمان الجديد لن يكون بمقدوره مساءلة المجلس العسكري. فقد قال الملا في رد على سؤال حول ما إذا كان الجيش سيُخضع ميزانيته في النهاية للإشراف البرلماني، بالقول إنه "لم يسمع عن جيش يعلن ميزانيته على الملأ".

 

المجلس العسكري الذي لا يريد أن يعترف بشرعية برلمان منتخب ويقول إنه لا يمثل الشعب، رأى أن هذه اللجنة المختارة والمعينة والمفروضة على الشعب من جانبه "من المفترض أن يمثلوا كافة الشعب المصري، ولا أحد يمكنه بالفعل معارضة هذا الطلب"، على حد قوله. أما عن صياغة الدستور في ظل هذه القيود والافتئات على الشرعية، فقد قال الملا إن الدستور القديم لا يحتاج إلى الكثير من التعديلات!! رغم أنه مفصل لصالح حكم الحزب الواحد ولا ينص على فصل واضح بين السلطات أو على استقلال القضاء، إلى جانب كونه مثقلا ببقايا الاشتراكية الناصرية. وقال الملا: الكثير من المشرعين يقولون إن لدينا دستور جيد جدا ومتميز باستثناء الفصل الخامس الذي ينص على الانتخابات الرئاسية، لذا سنقوم فقط بتعديل هذا الفصل".

 

العيب الوحيد الذي يراه المجلس العسكري في الدستور القديم الذي يريد الشعب إلغاؤه هو ما يتعلق بصلاحيات الرئيس، وقد تجاوز المجلس هذه العقبة بالفعل عندما أعلن قبل أيام أن صلاحيات الرئيس ستنقل إلى رئيس الحكومة المعين من قبل المجلس نفسه. اختتمت نيويورك تايمز تقريرها باقتباس من كلام الملا، قال فيها إن "القوات المسلحة لا يمكنها التدخل في الحياة السياسية لمصر طالما أن الشعب سيتوافق على الهياكل البرلمانية"، وبعد إنشاء مؤسسات حكومية جديدة، "لن يكون هناك حاجة للتدخل". ومعنى الكلام أن التدخل سيظل طالما لم يتم "التوافق" على البرلمان بالشكل الذي يرضي المجلس وليس الشكل الذي يرضي الشعب الذي اختار الإسلاميين.