تونس.. خارطة طريق لم تقرأها مصر
19 محرم 1433
تقرير إخباري ـ إيمان الشرقاوي

في الوقت الذي لا تزال فيه مصر تسير بشكل متخبط في مسار العملية الانتقالية فيما يتعلق بإقرار دستور جديد وانتخاب رئيس وحكومة جديدة، تسرع تونس نحو الديمقراطية بخطوات ثابتة تجعلها تتقدم بشكل كبير عن توأمتها في الربيع العربي، وذلك بعد أن أقر المجلس الوطني التأسيسي دستورا مؤقتا يمهد الطريق لإقامة سلطة تنفيذية شرعية في البلاد وإطلاق عمل المؤسسات، واختار عبد المنصف المرزوقي رئيسا مؤقتا للبلاد بغالبية أصوات المجلس التأسيسى الذي يهيمن عليه حزب النهضة الإسلامي.

 

 

ففي خلال شهور قليلة تم انتخاب المجلس التأسيسى التونسي الذى يقود البلاد ومن مهامة كتابة الدستور الجديد الذي يحدد شروط وإجراءات ممارسة صلاحيات السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية إلى حين إجراء الانتخابات العامة المتوقعة خلال عام، وإقرار دستور جديد نهائي لتونس في مرحلة ما بعد سقوط زين العابدين بن علي لتضح معالم العملية الانتقالية بالنسبة لتونس، بينما لا تزال مصر تتخبط ما بين استفتاء على تعديلات على دستور فاقد للشرعية، إلى إعلان دستوري وغموض بشأن نقل السلطة من المجلس العسكري الحاكم، وسط خلافات تعصف بالأحزاب والقوى السياسية المختلفة وتصاعد لهجة التخوين بينهم.

 

 

ويعتبر الدستور القضية الأولى الآن التي تشغل القوى السياسية في مصر ويشتد الخلاف حولها بشكل كبير خاصة فيما يتعلق بالجهة المنوط بها إعداد الدستور، كان آخر جولات معركة الدستور هي ما يسمى بالمجلس الاستشاري الذي يشكله المجلس العسكري والذي خرج بعد ذلك أحد قياداته ليقول إن البرلمان القادم لن يكون مسئولاً عن اختيار لجنة إعداد الدستور، الأمر الذي جعل حزب الحرية والعدالة التابع لجماعة الإخوان المسلمين ينسحب من المجلس الاستشاري الذي يضم قوى وشخصيات سياسية أخرى فما كان من المجلس العسكري أن طلع بتطمينات بالقول إن أعضاء البرلمان هم الذين سيختارون الجمعية التأسيسية.

 

 

ويثير المتابعون للتجربة التونسية والمصرية تساؤلات لماذا نجحت تونس فى الاستقرار وسرعة عمل مجلس انتقالى لإدارة البلاد بينما دخلت مصر فى معركة وهمية كبيرة تتعلق بالدستور أولا أم الانتخابات أولا الذى أدخل البلاد فى حالة من الصراع والجدل ثم بدأت تظهر المبادئ فوق الدستورية ثم وثيقة علي السلمي (نائب رئيس الوزراء السابق) لمبادئ الدستور وأخيرا المجلس الاستشاري، وجاءت الانتخابات البرلمانية التي تشهد حاليا استقطابا شديدا بين القوى الإسلامية والليبرالية؟

 

 

تساؤل آخر يطرحه المتابعون حول الرئيس التونسي الجديد حيث إن المرزوقي ليس من صفوف حزب النهضة الإسلامى الذى نجح فى اكتساح انتخابات المجلس التأسيسى وإنما جاء من حزب يسارى قومى دون حدوث تشكيك أو تخويف أو خلافات تعرقل مثل هذه الخطوة، وهو ما يحدث في مصر.

 

 

وانتخب المرزوقي رئيساً في إطار اتفاق لتقاسم السلطة بين النهضة ، وشريكيها العلمانيين الأصغر في الائتلاف "التكتل من أجل العمل والحريات" و"حزب المؤتمر من أجل الجمهورية". وفازت حركة النهضة بالأغلبية في المجلس التأسيسي عندما أجرت تونس أول انتخابات ديمقراطية في أكتوبر 2011، وبموجب اتفاق الائتلاف سيشغل حمادي الجبالي الأمين العام للنهضة منصب رئيس الوزراء.

 

 

ويشير بعض الدبلوماسيين الغربيين إلى أن الوضع مختلف قليلا في مصر عن تونس التي حصل فيها شعبها على فرصة تاريخية ليبني البلاد على أسس جديدة تستند إلى الديمقراطية والحريات، بينما الأمر يشوبه الغموض وعدم الشفافية في عملية التغيير في مصر بسبب إصرار المجلس العسكري الحاكم على الإمساك قدر الإمكان بصلاحياته ونفوذه ، فضلا عن الصراعات بين قوى التغيير والمؤسسة العسكرية.

 

 

يذكر أن إصدار الدساتير في العالم يتم بعدة طرق أهمها طريقة الجمعية التأسيسية وهو ما تم في تونس وهو نظام معمول به في معظم دساتير العالم وهناك طريقة دستور المنحة وهو الدستور الذي يصدر بالإرادة المنفردة من الحاكم وهي الطريقة التي صدر بها دستور 1923 في مصر وهناك طريقة الاستفتاء الدستوري حيث يتم استفتاء الشعب علي نصوص الدستور باعتباره مصدر السلطات.

 

 

والسؤال الآن متى سيتحقق الاستقرار لمصر وتضع دستورا وتنتخب رئيسا يتخطى كل العقبات ويوحد الصفوف لنستطيع أن نقول إن الثورة نجحت وإن الشعب نجح في إسقاط النظام؟ وهل فات آوان السير على خطى تونس كما سارت على خطاها في مسار الثورة؟