فضائيات مصر الخاصة.. مصالح خفية وسقوط مهني
20 محرم 1433
علا محمود سامي

كان الجميع يتوقعون أن يشهد الإعلام المصري وبخاصة غير الحكومي ،تبدلات إيجابية جوهرية في محتواه وفي أدائه المهني بعد ثورة25 يناير،لكن الواقع سار على نقيض التوقعات التي ثبت أنها كانت أمنيات،فقد عمدت أكثر وسائل الإعلام غير الرسمية إلى ممارسة وصايتها على أكثرية المصريين التي لا تنسجم مع توجهات هذا الإعلام،ولذلك عملت على تشويههم،ولا سيما عبر الفضائيات  الخاصة التي تدعي  أنهم يمثلون الأغلبية الصامتة، أو ما صار يطلق عليه سخرية ب"حزب الكنبة" في إشارة إلى صمت المصريين ، ووصفهم بالأغلبية الصامتة ، وهي الفضائيات التي سبق أن أطلق لها النظام المخلوع العنان على نطاق واسع.

 

ولكون قيادة الثورة المضادة من الليبراليين ومن لف لفيفهم تسعى إلى تعميق حالة الفوضى الإعلامية والأمنية التي تشهدها مصر حاليا، فقد استغلت هذه القوى حالة هذه الفوضى لتمارس إعلاما يتفق مع سياساتها وأساليبها، حتى أصبحنا أمام إعلام جديد، يخالف  ما هو ثابت في أكاديميات الإعلام النظرية، وهو ما انعكس على مضامين ما يتم تقديمه  في هذه الفضائيات.

 

استقطاب إيديولوجي

هذه القوى مارست شكلا من أشكال الاستقطاب، الذي ظهر مضادا لحشد الإسلاميين جمهور الناس لتأييد للتعديلات الدستورية، والذي نظرت إليه الفضائيات الخاصة بأنه شكل من أشكال الاستقطاب الديني، وجعلت منه فزاعات وبنت عليه العديد من الشائعات، وتناسى هذا الإعلام أن الإسلاميين من حقهم حشد من يشاؤون إلى أدبياتهم ، وأنهم في ذلك ليسوا بأقل من أي فصيل آخر بالساحة المصرية.

 

استشعرت  الفضائيات الخاصة خطورة هذا الحشد وأدركت دلالاته،ما جعلها تؤجج حملاتها لتشوية الإسلاميين، بإثارة فزاعات بحقهم، وخاصة التيار السلفي منهم من ادعاءات بلجوء السلفيين إلى إقامة الحد على آحاد الناس بقطع الأذن، متناسين أو متجاهلين أنه لاوجود في الإسلام لحد قطع الأذن، ما يؤكد أن مثل هذه ما هى إلا فزاعات ضمن حزمة أخرى من الفزاعات التي روج لها هذا الإعلام ، وخاصة منذ تشكيل لجنة التعديلات الدستورية. فعلى الرغم من أن هذه اللجنة ضمت ألوان الطيف القضائي، فإن الإعلام المشبوه صب جام غضبه فقط على  رئيسها المستشار طارق البشري وعضوها المحامي صبحي صالح، بسبب انتمائهما للتيار الإسلامي.

 

هذا الإعلام لم يسمع له المشاهدون صوتاً، ولم يروا له صورة في مواجهة  حالات الإخفاق التي صار إليها وزراء بحكومة عصام شرف السابقة يمثلون أحزابا ليبرالية وشيوعية  إذ عجزوا عن تلبية الحاجات الأساسية  للمواطنين، ولم توجه ذات الفضائيات الخاصة أي انتقادات لأمثال هؤلاء المحسوبين على أصحاب هذه الأفكار التي فشلت في بلد المنشأ ، وأثارت الفتنة بين المصريين، وذلك على خلاف ما صدره أحد رموز حكومة شرف من وثيقة للمبادئ فوق الدستورية، أثارت فتنة بين المصريين، وتسببت في ما آل إليه ما وصل إليه ميدان التحرير، وما أسفر عنه من اشتباكات داخل ساحاته لقتلى وجرحى ، بجانب أسباب أخرى، وهو ما عمل إعلام الفتنة على إثارتها، وتجاهل معالجة أسبابها الحقيقية، ومن يقفون خلفها من راغبي إلغاء الانتخابات، وتعطيل هذا الاستحقاق.

 

وفي السياق نفسه لم تشغل مثل هذه الفضائيات نفسها في البحث عن أسباب إخفاق رموز حكومة شرف من أصحاب التوجهات الفكرية في إدارة شؤون المرحلة الانتقالية الحالية، بل راحت تكبل نفسها بما يعاكس طبيعة المرحلة ، ويصادم دورها الذي ينبغي أن يكون خلالها ، على نحو ما فعله أحدهم عندما دس وثيقة التف فيها على إرادة الشعب ، وكان من تداعياتها ما شهده ميدان التحرير طوال الفترة الماضية.

 

أهداف دعائية

هذا الإعلام يعمل لتحقيق هدفين،الأول: خدمة ملاكه من أصحاب رؤوس المال والمنتفعين فالإعلام  لمن يملكه، ولكون ملاك هذه الفضائيات هم من أصحاب رؤوس الأموال، فإن هدف هذا الإعلام هو خدمة مصالح هؤلاء، وإن كان هذا حقه، فإنه لا ينبغي أن يكون بإدعاء أنه يقدم خدمة إعلامية هادفة، بقدر ما هي موجهة.

 

وعند هذا التوجيه يأتي الهدف الثاني من هذه الفضائيات التي أصبحت توجه جل برامجها لمحاربة الإسلاميين بالدرجة الأولى، ليبدو هذا هدفها، دون أن يؤسس هذا الهدف لبناء المجتمع ، أو بما يمكن أن يسعى إلى ترجمة برامج عملية على الواقع لخدمة البلاد، وسعت لتحقيق ذلك بالترويج إلى الكثير من حالات الاستقطاب وإثارة الفزع من الإسلاميين، وتحضير المناخات  الملائمة لإقصائهم، بل وتشويه السواد الأعظم من المصريين، بدعوى أنهم من الأغلبية الصامتة، وأن صمتهم هذا ينبغي الوصاية عليه من جانب من يدعون أنهم نخبة، حتى أصبح  المصريون ينطقون هذه الكلمة، على نحو ما ظهر في ميدان التحرير أخيرا .

 

هذه الفضائيات ظلت تصدر مثل هذه الفتن، وتعمل على تشويه صورة الإسلاميين منذ وقوع الثورة.ولم تكتف هذه العينة من الفضائيات في صورتها التي تقدمها لبسطاء المشاهدين، حتى حرص أصحاب رؤوس الأموال على مزيد من القنوات الخاصة، فوسعت بثها لمزيد من الفضائيات ، وأصبح رأس المال موجها لمضمون هذه الفضائيات، بل ومسيطرا عليه، وموجها إياه تجاه ما يخدم مصالح آنية من ناحية، وخدمة توجهات أخرى بالاستعانة من بقايا إعلاميي النظام السابق من ناحية أخرى، أو من صاروا يطلقون عليهم ب"الفلول"، بل ودعمت ذات الفضائيات من نفس التوجه في معاداة الإسلاميين، والعمل على تشويههم، للدرجة التي أوجدت معها تراكما يضاف إلى التراكم الإعلامي السابق لهذا الظهور، حتى أصبح أمام المشاهدين ما يعرف بالانفلات الإعلامي، الذي تعاظم بعد أيام قليلة من نجاح الثورة، إلى أن وجدت مثل هذه الفضائيات الساحة أمامها مفتوحة، لتبث ما تراه، غير عابئة بما يمكن أن يقيدها، حتى لو ميثاق شرف إعلامي، أو ضوابط مهنية وأخلاقية.

 

ولذلك رأت مثل هذه الفضائيات الفرصة سانحة أمامها لتعوض سنوات من الحرمان والقهر التي عاشتها إبان النظام البائد، فراحت تغالي وتزايد على المشاهد في قلب المائدة، بعدما كانت تضع لنفسها خطوطا حمراء تجاه نظام مبارك المخلوع إلى الانقلاب عليه، ودعم الثورة ، بصورة أو بأخرى، حتى أصبحت تمارس شكلا من أشكال المزايدات، وتغالي على الإسلاميين ، بإثارة فزاعات ضدهم، فضلا عن تشويه صورتهم حيث صوبت هذه الفضائيات  معظم مدافعها لإحداث هذا التشويه.