قدوة على الطريق
26 محرم 1433
يحيى البوليني

إذا نظر كل منا في تصرفاته وطريقة تفكيره وردود أفعاله , ودقق فيها جيدا فسيخرج بنتيجة حتمية وانطباع وحيد أنه يقلد في تصرفاته ويضع نصب عينيه سلوك أحد من الناس .
فالإنسان كائن اجتماعي يتأثر بأناس ويقتدي بهم ويؤثر في آخرين , شاء أو أبى , وكلما علت همة المرء سمت قدوته قولا وعملا , خلقا وسلوكا , فكرا وعقيدة .

وهناك من القدوات نوعان : قدوة صالحة تدل الناس على الحق والخير ويجد المرء بالإقتداء بهم سبل الوصول لكل غاية شريفة , وقدوات سيئة تسلك بالمرء سبل الهلاك والردى ويتعلم منهم المقتدون كل خلق ردئ وفعل سيئ , وللناس أئمة في الخير والشر , وسيحشر يوم القيامة كل قوم خلف إمامهم الذين ائتموا به واقتدوا طريقته , قال تعالى " يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ فَمَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُوْلَئِكَ يَقْرَؤُونَ كِتَابَهُمْ وَلاَ يُظْلَمُونَ فَتِيلاً .

ولهذا فان المسلم مطالب بأمر الله سبحانه بأن يُرقي قدوته ليجعلها في رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو القدوة الحسنة العالية التي لا تدانيها قدوة , فقال سبحانه " لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا " .

والإقتداء لا يلغي شخصية المقتدي ولا يصادر رأيه , ولا يجعل منه إمعة , بل يحدد له نمطا سلوكيا يسير عليه ومعيارا قيميا يتحرك به , ولهذا يسبقه عملية عقلية من التوافق والامتزاج بين المقتدي والمقتدى به في الأهداف والغايات , وأسلوب الوصول لتلك الغايات .

ويمكن أن تتعدد القدوات إذا كانت متفقة في الأهداف والغايات , أو إذا كانت مقتبسة من القدوة الكبرى وهي الرسول صلى الله عليه وسلم , فهناك من يكون قدوة في العلم وآخر في الجهاد وثالث في الورع والزهد وكلهم من رسول الله مقتبس قبسا من هديه وسائر على دربه .

وكل قدوة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم لابد وأن تُعرض على ميزانه , فالقدوة المطلقة كانت له صلى الله عليه وسلم في جميع أقواله وأفعاله , أما القدوات بعده قدوات مقيدة بقيد موافقة قول وفعل النبي صلى الله عليه وسلم , وإلا يُطرح بكلامها وأفعالها عرض الحائط إن خالف هديه الشريف .

ولا ينبغي للإنسان أن يقتدي بمن هو حي في كل أحواله إقتداء مطلقا , فالحي معرض للابتلاء ولا ندري ما يحدث له في قادم الابتلاءات , فالقلوب بين إصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء , ولا ندري لأي الفتن ستثبت تلك القدوة , وتحت أي الفتن ستضعف أو ستنهار قواها , وهكذا نصحنا ابن مسعود رضي الله عنه " اقتدوا بمن مات ولا تقتدوا بمن هو حي , فإن الحي لا تؤمن عليه الفتنة "