دمشق ـ القاعدة .. الخط الساخن
30 محرم 1433
أمير سعيد

[email protected]

 

لم أكن راغباً طوال الشهور الماضية عن الحديث عن ورقتين يمكن أن يلعب بهما النظام الصهيوني في دمشق مخافة أن ألفت النظر إليهما، لاسيما أن هذا النظام الإجرامي مع أنه لا تغيب عنه أهمية هاتين الورقتين فإنه لم يلجأ إليهما حتى أيام قليلة مضت، وقد كان هذا من قدر الله وفضله على الثورة السورية التي حافظت على نصاعتها ونضوجها خلال الشهور الثمانية الماضية، ولم ترتكب خلالها ما يمكن أن يشينها أو يبرر جرائم النظام الأسدي.. أما وقد بدأ شبيحة بشار في استخدامهما بهذه السذاجة فلا بأس من الحديث عنهما؛ فالأولى وهي ورقة القاعدة التي أشير إليها بالمسؤولية عما قيل إنهما تفجيران وقعاً في مبانٍ أمنية في دمشق، والثانية هي ورقة تنظيم جند الشام، والتي لم تستخدم بعد لكنها حرقت الآن تماماً.

 

والمفارقة اللافتة أن تنظيم القاعدة إما أنه لم يتبلغ من وسائل الإعلام إلا أول من أمس بوجود مذابح ترتكب بحق المسلمين في سوريا اصطفت آلافاً من الشهداء، ونحو عشرين ألفاً من المصابين ومثلهم من المعتقلين؛ فـ"تصادف" رد فعله حيالها في يوم زيارة مبعوثي الجامعة العربية لتقصي الحقائق حول ما يحصل من مجازر فولوا وجوههم شطر التفجيرين، وإما أنه قد تبلغ ـ وهو الراجح لأن فرع العراق تتمركز بعض عناصره غير بعيد من دير الزور والقامشلي ـ ولكنه انتظر أن تحل المسألة بـ"الطرق السلمية" فضن على أهل الشام حتى ببيان استنكار أو اكتفى بواحد منها يتيم، وبالتالي فهو "بريء" من التفجير ومذنب في الوقت نفسه بصمته المريب طوال تلك الشهور الطويلة، وعدم تعاطيه الإيجابي مع الثورة على الأقل ليدفع عن نفسه "شبهة" أنه مطية لإيران وسوريا ويأتمر بما يمليانه عليه.

 

والأكثر إلفاتاً، هو موقف ما يُسمى بـ"جند الشام" الذي يزعم أنه ينشط في سوريا لكنه لا ينبس ببنت شفة منذ أن قامت الثورة، بينما كان يصول من قبل ويجول كلما احتاجت دمشق إلى التباهي بأنها تكافح الإرهاب ولا ترعاه؛ فينسب إليه رضا أو كرها عمليات مجهولة وتفجيرات لا طائل من ورائها؛ فيما تثور براكين الثورة ولا حس ولا خبر لا لهذا ولا لذاك من "حملة لواء الجهاد" كما لو كانوا قد أداروا ظهرهم لمنهجهم واختاروا الحل السلمي على ما سواه!

 

والحق أن عمليتي التفجير "تبرئ" ساحة هذين التنظيمين (اللذين يقال عنهما أنهما أصل وفرع)، وتقذف بالاتهام في وجه الفاعل الرئيسي، أو الراعي الأساسي، وهو جهاز الاستخبارات السوري نفسه، الذي لو كان الغرب يريد تتبعه لنشط في جمع أدلة تدين الجهاز بتهمة رعاية الإرهاب، لكنه لم ولن يفعل؛ فـ"الاحتفاء" الذي بدا من ردود أفعال الغرب والشرق العربي على السواء بالحادثة الغامضة يضعهما معه في خانة المتهم لأنهما ببساطة لا يصدقان في قرارة أنفسهما ما قد حصل وتزامنه مع وصول طلائع البعثة العربية، غير أنهما ـ الغرب والجامعة العربية ـ لفرط "تعاطفهما" مع الجلاد يريدان أن يصدقا الرواية الرسمية الهزيلة على تهافتها وضعفها.

 

والذي يعرف النظام السوري جيداً يدرك أنه لا يتورع عن تفجير عشرات المباني (وهو يفعل في تلك اللحظة التي تكتب فيها هذه السطور بنفسه في مدن أخرى)، وليس مبنيين اثنين فحسب، ووضع معتقلين بداخلهما لقتلهم بطريقة مبتكرة ثم يوعز إلى البوطي لأداء صلاة الجنازة عليهم، وإلى العسكريين لتشييعهم في موكب مهيب، وإلى قناة دنيا لنصب المناحة وترويج ابتكاراتها الطبية عن تحديد "جنسية" الانتحاري من تحليل الـDNA (مثلما كتبت على شاشتها)، وربما تحديد عنوانه وفي أي الأزقة يسكن!