تحقيق : وسائل "حديثة" للتأديب بين الأزواج .. هل يرضاها الله ؟!
6 صفر 1433
حسن الأشرف

ورد التأديب بين الزوجين في القرآن الكريم في قوله تعالى: (واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا).. والمعنى أن يؤدب الرجل زوجته  عند النشوز والعصيان بواسطة الوعظ والنصح والإرشاد، فإذا لم ينفع ذلك ينتقل إلى الهجر في الفراش ، ثم إن لم ترجع عن غيها يكون حينئذ الضرب ضربا غير مبرح، فالرجل هنا له حق التأديب باعتباره القوام على الزوجة.

غير أن الكثير من الأزواج لم يكتفوا بهذه الطرق الثلاثة التي أوردها القرآن، بل ابتدعوا طرقا أخرى يرونها وسائل لتأديب الزوجة، وأيضا لا تتردد بعض الزوجات في "عقاب" أزواجهن بطرق وحيل نسائية !!..

ويعرض هذا التحقيق لبعض وسائل التأديب بين الزوجين في المجتمع المغربي، نعرضها كحقائق واقعة لا نتفق على أكثرها , ولانرضى إلا بما رضي به شرعنا لكننا نعرض تل الوسائل المعمول بها والتي صار يتبعها عمدا طرفا العلاقة الزوجية، دون استحضار للمخاطر المحدقة وراء ذلك.. لنتابع الموضوع:

المصروف..  وزيارة الحماة

مبدأ : يقر الشرع الحكيم بالعديد من  الوسائل التأديبية بين الزوجين بما ذكر في القرآن الكريم من الوسائل الثلاثة: الوعظ والهجر، ثم الضرب غير المبرح وبشروط أسهب فيها العلماء، والأولى ـ  حسب الكثير منهم ـ  ترك الضرب ونهج أساليب الوعظ والنصح بالتي هي أحسن، ثم الانتقال إلى الهجر إن لم يتحسن الحال , ولايقر الشرع كل وسيلة فيها معصية لله سبحانه أو إضرار للآخر أو تعد على حرمته أو تقبيحه أو غيره

غير أن أحمد، موظف ومتزوج منذ 15 عاما، ينهج وسيلة فريدة من نوعها لتأديب زوجته، حيث يقول إنه مافتئ يستخدم وسيلة فعالة في تأديب زوجته في حالة ما إذا أغضبته أو عصت له أمرا، إذ يخفض من مبلغ المصروف اليومي  الذي تعتاد عليه في الأيام العادية.

ويقول أحمد في هذا الصدد: "حين أنقص من حصة الميزانية اليومية  لزوجتي، تشعر تلقائيا بأنني لست راضيا عنها،  ولأنني عودتها على مستوى مادي جيد، فإنه كلما حدث خصام بيننا وتكون هي سببه أو تكون هي المخطئة في حقي ولا تريد أن تعتذر ، إلا ونهجت خطة تأديبية تجديني نفعا، فما إن يمر اليوم أو اليومان أو ثلاثة أيام على أقصى تقدير، حتى ترجع زوجتي إلى رشدها وتعتذر عما بدر منها،  لأنها تعتمد علي كليا في مسألة التسيير المادي اليومي للبيت".

 ويذهب سعيد، متزوج قبل سنتين، إلى أكثر من ذلك فهو يؤدب زوجته بمنعها من زيارة أمها كلما حنت إلى زيارتها، ويقول في هذا السياق: "أعلم أنني أكون قاسيا مع زوجتي حين أمنع عنها زيارة أمها، لكني أعلم أيضا أن زيارتها لوالدتها تعتبر  بالنسبة لها أمرا هاما ومحوريا في حياتها، لهذا  إن حدث و"نشزت" وعصتني في أمر ذي بال وأهمية، فإنني لا أتردد  في منعها من الذهاب إلى والدتها لكن بطريقة ذكية، حيث دائما أجد العذر لعدم مصاحبتها إلى هناك بسيارتي، فمرة الشغل ومرة عطب في العجلات،  وأحيانا السفر، وهكذا..".

 

ويستدرك  هذا الزوج معترفا أنه لا يليق أن يكذب أو يدعي شيئا غير حقيقي، لكنه لم يجد طريقة لتفادي الخصام،  أو الجدال الحاد حين يرفض صراحة عدم مرافقة زوجته عند أمها، لهذا يختار هذا النوع من "التأديب" ، والعجيب ـ يقول سعيد ـ  إنه يؤتي أكله، فحين تشعر زوجته بأنها لم تزر أمها مدة طويلة، فإنها تأتي لتتمسح بأكتاف زوجها، وتطلب منه الصفح، وتعده أن لا يتكرر الأمر أبدا...".

الصديقات أو الصمت القاتل
ويعتبر فؤاد، متزوج وله أبناء، أن تأديبه لزوجته يكون بنهج أسلوب الصمت القاتل، مبرزا أنها طريقة فعالة، ولها ثمار واضحة  في حياته الزوجية ويشرح ذلك بالقول: "إن الصمت أسلوب تأديبي بامتياز، ذلك أنني أدرك أن زوجتي لا تطيق صمتي، وتقول لي دائما أنها تفضل أن أذبحها على أن أظل صامتا لا تعرف ما بي
وفيم أفكر.

 ولهذا ـ يتابع الزوج ـ  فإنني أعاقبها بالصمت الذي تكرهه في سلوكي،  وأؤدبها به حتى لا تثير حنقي وغضبي أو تعصي أمري في المعروف طبعا،  فيصير اليوم عندها كما تقول لي بعد أن نتصالح كأنه عام  أو دهر، حين ألتزم الصمت الثقيل.. فلا أحدثها ولا أنظر إليها وهذا يؤثر فيها نفسيا، الأمر الذي يضطرها للتساؤل عن الجرم أو  الخطأ الذي اقترفته، فيتبين لها أنها فعلت كذا وكذا، وتـأتي إلي محاولة أن أتحدث ولو بنصف كلمة".

ويضيف فؤاد، وابتسامة ترتسم على شفتيه: "طبعا أنا أتثاقل في الحديث وفي تلبية رغبتها بالكلام، حتى تتعلم  الدرس وتستوعبه بشكل جيد، فلا تعيد الكَرة معي، وتفكر قبل أن تخطئ أو تقوم بتصرف غير لائق اتجاهي".

أما " ولد الشاوية" فيؤدب زوجته بأنه يُحرج زوجته أمام صديقاتها، فكلما جاءت عندها صديقاتها أو زميلاتها إلا وحاول إرباك استقبالهن، حيث يتعمد مضايقتها أو حتى منع زيارة صديقاتها لها.

 يقول هذا الزوج: "ما إن تخالفني زوجتي حتى أعاقبها في صديقاتها الكثيرات، والتي تحرص امرأتي على أن تعتني بهن وتستضيفهن بترحاب كبير أكثر من أفراد أسرتي أنفسهم، ففكرت كيف أحاول تأديبها؛ فوجدت أن صديقاتها هن القريبات إلى قلبها، ومن ثَم  سعيت لتأديبها من خلال رفيقاتها".

ويردف الزوج " ما إن يدخلن عندها حتى أربك سير الاستقبال، وأشغلها بأموري، فتحرج كثيرا أمام صويحباتها، إلى أن توسلت لي أكثر من مرة أن أكف عن مضايقتها أمام صديقاتها نظرا لمظهرها الاجتماعي أمامهن، فكانت تعتذر عما بدر منها، فأكف حينها عن إزعاجها حين تحضر صديقاتها في البيت، فوجدت أنها طريقة جيدة في تأديب زوجتي لأنني أعرف جيدا حدود نفسيتها".

عقوبة الفراش والنزهة
والزوجات أيضا لا يترددن في عقاب أزواجهن؛ كل واحدة تجتهد لفعل ذلك، حسب سلطتها المعنوية في البيت، وحسب حضورها وحظها من الأخلاق والجرأة، ووفق درجة انفعالها وتقديرها لأخطاء زوجها و"نشوزه" أيضا.
والحق أن الشرع الإسلامي منع من ذلك وأمر المرأة الا تغضب زوجها أو تضيره أو تؤلمه , لكن للأسف فإن الواقع يبين غفلة كثير من النساء عن ذلك !!

 

سعاد، زوجة في الثلاثين من عمرها، تقر بأنها تضطر لعقاب زوجاها اضطرارا،  ذلك أنها تلجأ إلى بعض الحيل الكثيرة حتى لا يقرب إليها زوجها في الفراش تحت ذريعة المرض أحيانا أو التعب أحيانا أخرى، مما يجعل نفسية الزوج غير مرتاحة بسبب تمنعها عليه، وعدم منحها له حقه الطبيعي في ذلك يوما عن يوم.
وتعتبر هذه الزوجة أنها تفعل بزوجها ذلك،  وليست هي الوحيدة بل تعرف  كثيرات من صديقاتها وجاراتها يتمنعن عن أزواجهن ويهجرنهم في الفراش، عقوبة لهم وتأديبا لبعض التصرفات والسلوكيات المؤذية، ولا تعود هذه الزوجة إلى سلوكها المعتاد وإعطاء زوجها حقه المشروع إلا بعد أن ينصلح أمر زوجها، ويتوب من خطئه.
( ومعلوم أن ذلك محرم في الشريعة الغراء , ففي الحديث " أيما امرأة باتت وزوجها عليها غضبان باتت تلعنها الملائكة ")

وتذكر بشرى، أم لطفلين، أنها أيضا تعاقب زوجها بطريقتها الخاصة، والتي قد لا تخطر على بال كير من الزوجات، إذ تقول إنها تقوم بتأديب زوجها برفضها الخروج معه إلى النزهة رفقة الأولاد، وتحرص على أن تخرج رفقة أبنائها لكن حين يطلب منها الخروج معها للتنزه ليلا أو الذهاب إلى مطعم للعشاء أو الذهاب إلى غابة ترفض رفضا قاطعا.

 والذرائع الكثيرة موجودة: "كثيرا ما يقول لي زوجي إنه يشعر بنفسه غير متزوج حيث لا أخرج معه إلا في ساعات الصفاء، وأعاقبه على "نشوزه" بأنني أمتنع عن الخروج برفقته وأنا أعلم مدى حبه الخروج برفقتي متأبطا ذراعي، لكني أحرمه هذه الرغبة التي تتملكه بسبب إرادتي في تأديبه، كما يؤدبني هو  أيضا بسلوكيات لا تخطر على بالي".

تأديب بالإهمال والتبذير

وتقول زوجة أخرى ـ رفضت ذكر اسمها ـ  إنها تقوم بعقاب زوجها من خلال الظهور أمامه بملابس لا تريح البصر، أو بألوان فاقعة أو تصر على ارتداء أزياء تفوح منها  رائحة البصل والثوم دون تنظيف، وذلك لأنها تعلم يقينا كم يتألم  من تلك المشاهد؛ فتتعمد ذلك وهي القادرة حسب قولها بأن ترتدي أجمل الثياب وتتعطر له..
وفعلا ـ تردف هذه الزوجة ـ هذا ما أفعله حين نكون في حالة الوئام والتفاهم، لكن حين تصلني عنه أخبار سيئة هنا أو هناك بدون أن يحترمني كزوجة، فإني أتعمد إيذاءه وعدم احترامه من خلال مظهري ذلك، تأديبا له"..

وتستدرك هذه الزوجة بالقول: أعي جيدا أن سلوكي ذاك وعقابي له قد يزيد  من عصيانه وتمرده أو من حدة أخطائه، لكني لم أجد سبيلا آخر، ولا طريقة أخرى لتأديبه".

( ولاشك أن هذه الطريقة أيضا مما تكرهه الشريعة الغراء , فالإسلام يأمر المرأة أن تظهر أمام زوجها في أحسن صورة وألا تؤذه )

وتستمريء أم عبير طريقة تسلكها تأديبا لزوجها، وتتعلق بطريقة صرفها وتدبيرها للبيت، فهي تقوم بصرف الميزانية بشكل سيء  عقابا لزوجها أحيانا، أو تكون كثيرة الطلبات لزوجها.
تقول هذه الزوجة (38 عاما) إنها تعاقب زوجها بأن تصرف من ماله كيفما تشاء وتنفق على بيتها بكرم بالغ: "طبعا إنني لا أبذر مال زوجي على تفاهات أو أضيع راتبه في ما لا يستحق، لكني أكون كريمة إلى حد أقصى مع ابني وابنتي، وأيضا حتى مع أبناء أخواتي المتزوجات حيث أشتري لهم الملابس وما يحتاجونه، ومن  جهة أخرى أغرق زوجي بالطلبات المتزايدة، فلا  تمر الأيام التي  "أؤدبها فيه" دون أن أثقل كاهل بمتطلبات البيت والأبناء سواء كنا بحاجة ماسة إليها أو كنا سنحتاجها بعد مدة زمنية، وهذا الإغراق  ـ  تقول أم عبير ـ  يجعل زوجي يصغر ويتراجع ويطلب الصفح مني،  ويعدني بأن يصلح من حاله ولا يكرر فعلته".
 

   مخاطر محدقة
وتعليقا على كل هذه الوسائل التي يتبعها البعض لتهذيب سلوك زوجته أو معاقبتها، يؤكد الدكتور سعيد بندحمان الأخصائي في التواصل الأسري أنها طرق جميعها لا تؤتي أكلها التربوي والأسري والتواصلي، مضيفا أنها بالعكس قد تكون ذات فائدة لحظية وزمنية قصيرة، لكن تكون لديها عواقب وخيمة فيما بعد , كما أنه في كثير من الأحيان تكون تلك الطرق مما تكرهه الشريعة الإسلامية وتفضي إلى عدم رضا الرب سبحانه .

ويشرح الأخصائي بأن تأديب الزوجة مثلا بالخفض من ميزانية البيت قد يفضي بها مع مرور الوقت إلى أخذ المال من جيب زوجها دون علمه، وقد تكون ردة فعلها معاكسة تماما حيث تصير أكثر  إلحاحا على طلبات معينة، الأمر الذي يوقع بينها وبين زوجها العديد من المشاكل.

أما عقوبة الزوجة لزوجها ـ يضيف بندحمان ـ  بأن تصطنع البرود الجنسي أو تهرب من الفراش كما يستوجب الشرع، فهي طريقة أيضا غير سليمة البتة، بل محرمة وفيها معصية لله سبحانه , لكون هذا الوضع قد يدفع بالزوج خاصة إذا لم يكن محصنا دينيا من الانحراف الأخلاقي إلى البحث عن تلبية رغباته الطبيعية خارج عش الزوجية، وهو الأمر الذي لا تحبه جميع بنات حواء، فتتمزق أواصر الأسرة بسبب الخيانة، ويتهددها الطلاق وضياع الأبناء سيما صغار السن.

وهكذا دواليك، يتابع الأخصائي الأسري، تؤدي هذه الوسائل التي تُستعمل بكثرة بين الأزواج إلى نتائج عكسية لما يراد منها، فيحصل الندم بعد فوات الأوان، مؤكدا أنه من اللازم أن يكون حوار بين الطرفين قوامه الاحترام والإنصات إلى الآخر، وأن لا يراكم الزوج أو الزوجة أية رواسب نفسية اتجاه الطرف الثاني حتى لا تتفاقم الوضعية، ويكون بذلك الإصلاح متأخرا.