أنت هنا

مقدمة الملف
13 صفر 1433
اللجنة العلمية

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
في هذه الأيام يتردد على أسماعنا الحديث عن الشتاء، بل ونحسه ونستشعره استشعاراً، فنشتاق إلى لياليه، وننتظر أيامه. وقد نكون الآن ممن يعيشه.
وإن أحسن ما أتفقت فيه الأنفاس التفكر في آيات الله وعجائب صنعه، والانتقال منها إلى تعلق القلب والهمّة به دون شيء من مخلوقاته.
وكم لله من آياته في كل ما يقع الحس عليه، ويبصره العباد، وما لا يبصرونه، تفنى الأعمار دون الإحاطة بها وبجميع تفاصيلها. لكن تأمل معي هذه الحكمة البالغة في الحر والبرد، وقيام الحيوان النبات عليهما. وفكر في دخول أحدهما على الآخر بالتدريج والمهلة حتى يبلغ نهايته. ولو دخل عليه مفاجأة لأضنَّ ذلك بالأبدان وأهلكها، وبالنبات، كما خرج الرجل من حمام مفرط الحرارة إلى مكان مفرط البرودة، ولولا العناية والحكمة والرحمة والإحسان لما كان ذلك
قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (( الصوم في الشتاء الغنيمة الباردة)) . السلسلة الصحيحة (4/ 554) برقم 1922.
قال الحافظ ابن رجب الحنبلي - رحمه الله - :
"روى ابن المبارك عن صفوان بن عمرو عن سليم بن عامر قال: كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه إذا حضر الشتاء؛ تعاهدهم وكتب لهم بالوصية: (إن الشتاء قد حضر, وهو عدو فتأهبوا له أهبته من الصوف والخفاف والجوارب، واتخذوا الصوف شعاراً ودثاراً؛ فإن البرد عدو سريع دخوله، بعيد خروجه).
وإنما كان يكتب عمر إلى أهل الشام لما فتحت في زمنه، فكان يخشى على من بها من الصحابة وغيرهم ممن لم يكن له عهد بالبرد أن يتأذى ببرد الشام، وذلك من تمام نصيحته، وحسن نظره وشفقته وحياطته لرعيته رضي الله عنه......
و ليس المأمور به أن يتقي البرد حتى لا يصيبه منه شيء بالكلية؛ فإن ذلك يضر أيضاً, و قد كان بعض الأمراء يصون نفسه من الحر و البرد بالكلية حتى لا يحس بهما بدنه فتلف باطنه و تعجل موته.
فإن الله بحكمته جعل الحر و البرد في الدنيا لمصالح عباده فالحر لتحلل الأخلاط و البرد لجمودها؛ فمتى لم يصب الأبدان شيء من الحر و البرد تعجل فسادها.
ولكن المأمور به اتقاء ما يؤذي البدن من الحر المؤذي و البرد المؤذي المعدودان من جملة أعداء ابن آدم" اهـ من كتاب لطائف المعارف فيما لمواسم العام من الوظائف .
قال عمر رضي الله عنه: ( الشتاء غنيمة العابدين)
وقال ابن مسعود: ( مرحباً بالشتاء تتنزل فيه البركة ويطول فيه الليل للقيام، ويقصر فيه النهار للصيام).