22 ربيع الثاني 1433

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
أشكركم على موقعكم المبارك وأسأل الله أن يسدد منا ومنكم القول والعمل.. عندي مشكلة ألا وهي: أنا طالب جامعي، وأبي معلم ابتدائي، وعندي إخوتي في البيت من زوجة أبي الثانية، وهما صغيران في السن فتاة 12 سنة وأخي الآخر 9 سنوات.. والبيت للأسف غير محافظ؛ فالقنوات التي تثير الشبهات والشهوات كثيرة جدا ولي إخوة من الأم والأب قد أفسدتهم هذه القنوات وسلكوا طريق الانحراف... ما واجبي تجاه إخوتي الصغار في السن من أبي؛ حيث إنهم:
1- يعانون كثيرا من الفراغ.
2- يقضون جل وقتهم أمام التلفاز علما أن القنوات أكثرها أستحيي أن أجلس وهم يشاهدونها هم والأهل مما يحدث فيها.
3- أخشى أن يجرهم الفراغ إلى ما هو أسوأ وأن يسبب مشاكل لا قبل لنا بها وأنا لا أعلم ماذا علي أن أفعل تجاههم.
4- عندي أختي الصغرى البالغة 12 سنة عليها مظاهر بلوغ وقد سمعت أن لا بد أن تحتوى عاطفتها فتحتاج لمن يضمها من أبيها وأمها وأنهم إن لم يفعلوا ذلك قد تسلك طريقاً آخر غير جيد على ما فهمت منهم، وأنا أرى أبي وعمتي يعدون ضمها عيبا فهي بعض الأحيان تأتيني وتضمني فأقع في حرج كبير! كيف أتصرف فهي ولله الحمد تحبني من بين إخوتي ولكن لو فعلتها مع أبي أو عمتي فهذا شيء عادي، ولكن معي أشعر بصعوبة الأمر وأخاف أن أرى في مثل هذا الوضع فما واجبي تجاهها...
5- كيف أطورهم وأصقل مواهبهم لأني أرى أن مواهبهم مهمشة في البيت فلا يلتفت لها ولا تطور بل قد يصل الأمر من الأهل إلى التحطيم لهذه المواهب.
6- كيف أحميهم من الانحراف سواء الفكري أو غيره التي في القنوات. أرجو أن تدلوني وتساعدوني وتنصحوني وترشدوني فأنا والله محتار ومهموم من هذا الأمر... وجزاكم الله خيرا...

أجاب عنها:
د. سلوى البهكلي

الجواب

تلعب الأسرة دورا كبيرا في تنشئة الفرد، فهي اللبنة الأولى التي تساهم في تربيته وصقل أفكاره ومبادئه وسلوكه الاجتماعي. وأي خلل فيها سيؤثر لا محالة بشكل مباشر أو غير مباشر على سلوك الفرد منذ طفولته وسيخل من توازنه وسيعرضه بشكل أو بآخر إلى التقلبات النفسية والعاطفية الخطيرة، التي قد تعود عليه وعلى أسرته بل وعلى مجتمعه بالضرر الكثير. لذا علينا أن لا نستهين أبدا بتربية أطفالنا وان لا نحرص على سلامتهم البدنية فقط بل نتنبه إلى سلامتهم النفسية أيضاً، فعدم وجود الدعم والتوجيه التربوي قد يؤديان إلى الفساد أو الانحراف.
ويجب أن لا نستهين في الدور الذي تلعبه وسائل الإعلام في تغيير العادات والأفكار والتقاليد مهما ترسخت وتعمقت أسسها داخلنا. وهذه من الظواهر الخطيرة التي تهدد كيان الأسرة بل تهدد المجتمع بأسره. ومن أهم أسباب هذه الظاهرة ضعف الوازع الديني واتباع الهوى والشهوات وعدم الإحساس بالمسئولية، كما قال تعالى: (أفرأيت من اتخذ إلهه هواه وأضله الله على علم وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة فمن يهديه من بعد الله أفلا تذكرون).
ولو يعلم كل منا الأبعاد الحقيقية لهذه الظاهرة، لحرصنا جميعا على تفاديها. وللأسف الشديد فقد غزا الإعلام معظم منازلنا وسيطرت قوته المهيمنة على معظم أفكارنا ومعتقداتنا وأساليبنا. فتغيرت حياتنا وتدهورت الكثير من الأسر التي تركت له المجال للسيطرة عليها. لذا علينا جميعا أن نتنبه لذلك ولا نترك للإعلام الماجن الفرصة للفتك بأبنائنا وأسرنا ونقف مكتوفي الأيدي دون أن نبذل الأسباب للحد من ذلك الخطر.
وأعظم سبيل للتصدي لهذا الخطر المندفع هو تعزيز قوة الإيمان لدينا نحن وأبنائنا. فهي السبيل بإذن الله للنجاة.
أخي الفاضل
جزاك الله خيرا على حرصك واهتمامك الواضح بتربية إخوتك التربية السليمة، وهذا إنْ دل فإنما يدل على مبادئك السامية ووعيك الديني وحياة قلبك الذي نبهك إلى أهمية هذا الأمر. وكما يبدو أن جو الأسرة لديكم تسوده الحرية الزائفة وعدم الانضباط، الذي لا يفرق بين الحلال والحرام، أو المبادئ والقيم، وأخوتك للأسف الشديد هم من سيدفعون الثمن في المستقبل، فأبنائنا هم في الغالب الضحية الحقيقية لنا بسبب أفعالنا دون أن ندرك ذلك.
فالموازنة بين الانفتاح والحرية، والتقييد والانضباط شيء ضروري، لكي لا يتعقد الأبناء أو يضيعون أو يفشلون في حياتهم المستقبلية.
أنت بحاجة إلى أن تتفاعل وتتعامل مع أفراد أسرتك بشكل خاص باستخدام التقنيات الحديثة والطرق التربوية المناسبة لتتمكن من تخليصهم من السلوكيات غير المرغوبة، لتحل محلها السلوكيات السليمة . فيمكنك الاطلاع على كتب التربية الحديثة والاستفادة منها في طريقة التعامل معهم.
عليك أن تتحمل عبء الأسرة على كاهليك، وان تبدأ وتجاهد قدر المستطاع في تغيير العادات السيئة التي سيطرت على أفرادها. ولكن لا تحاول أن تغير إخوتك الصغار فقط، بل عليك أن تحاول تغيير والدك وزوجته فهما أساس الفساد دون أن يدركا ذلك.
عليك أن تتذكر أن من أهم الأسباب التي تؤدي إلى انحراف الأبناء وتعلقهم بالقنوات الفضائية والانترنت وغيرها هو عدم ترابط أفراد الأسرة الواحدة ببعضهم البعض، وضعف التواصل فيما بينهم . لذا حاول أن تتقرب إليهم جميعا، ولا تنس والدك وزوجته فعليك أن تتقرب إليهما بقدر الإمكان، ودعهم يشعران بتقديرك لهما واهتمامك بهما إلى أن تكسب ثقتهما لتتمكن من تغيير أسلوب حياتكم والنهج الذي تتبعه أسرتك.
حاول أن تعزز الثقة والمحبة بينك وبين زوجة أبيك، دعها تشعر بأنك تعتبرها في مقام والدتك. استشرها في بعض أمورك وأشعرها بتحملك مسئولية الأسرة وحرصك عليهم جميعا. وعندما تكسب ثقتها حدثها عن مخاوفك على إخوتك، ولا تخص بالذكر إخوتك من أمك بل إخوتك جميعا.
حاول أن تتحاور معها بهدوء وتناقشها في الأمر وابذل قصارى جهدك أن تصل وإياها إلى اتفاق ما يمكنك من إنقاذ إخوتك من هذا المستنقع الذي يعيشون فيه. ومن الأفضل أن تجعلها تشعر أن ذلك هو قراراها هي وليس أنت، وأن ذلك ما تريده هي وتسعى إليه.
لا بد من رقابة شديدة راشدة دون مبالغة -أي لا إفراط فيها ولا تفريط- لتتمكن من التنبه إلى وجود الخطر قبل وقوعه، واحتوائه ومعالجته إذا وقع.
حاول أن تزرع داخلهم حب الله ومراقبته، والمعايير الأخلاقية والإسلامية السليمة، والشعور الدائم بمراقبة الذات، وعزز لديهم الخوف من الله، ولا تنس أن تبدأ بنفسك دوما لتكون لهم القدوة الحسنة.
أخي الفاضل ..
لكل فرد من أفراد أسرتك مفاتيحه الخاصة به، فعليك أن تفهم نفسيّاتهم وميولهم، وتتعرف على مفاتيحهم وطرق التعامل معهم لتتمكن من احتوائهم وتوجيههم إلى الطريق السليم.
أشعرهم بالحب والثقة المتبادلة، وحذار من المبالغة في التدليل، وتجنب القسوة المفرطة، فكلاهما ذو عواقب وخيمة تضر بصحة الأبناء النفسية وتزلزل من قدرتهم على مواجهة الأمور بالشكل السليم.
حاول أن تلفت انتباههم إلى السلوك السليم ورغبهم فيه، إلى أن يلتزموا به عن رغبة لا من رهبة.
لا تتساهل في اتخاذ موقف صارم في الأمور التي تتطلب الحزم، وتجنب قدر الإمكان العنف، وابحث عن الوسيلة المناسبة التي يمكن من خلالها أن تعبر عن غضبك واستيائك من أي سلوكيات غير محمودة دون أن تحطم مشاعرهم أو نفسياتهم أو تنفرهم منك. وحاول أن تتجنب اللوم المباشر، وتحري الزمان والمكان المناسبين لتناقشهم حول سلوكياتهم الخاطئة التي يتبعوها.
وحاول أن توفر لهم البيئة الصالحة، وهذا الأمر ليس سهلا في مثل حالتك، لذا حاول أن تشغلهم معك في مكان آخر بعيدا عن التلفاز والمحطات الماجنة لتتمكن من احتوائهم وشغلهم بما ينفعهم. ويمكنك أن تقص عليهم القصص والروايات المشوقة الهادفة، ذات المدلول الإسلامي والتربوي كي يتعلموا منها المواعظ والعبر. كما يمكنك شغلهم بالألعاب التي تشغل العقل والجسد معا كالرياضة والعاب الذكاء والمهارات المختلفة.
فإذا كان بإمكانك أن تكون لهم بعض العلاقات الاجتماعية مع بعض أقرانهم ممن تثق بهم فلا تتردد في ذلك ابدأ
وابذل ما بوسعك لتجنبهم الرفقة السيئة ورفاق السوء.
حاول أن تدعم أواصر الثقة والاحترام بينكم، أكثر من الجلوس مع جميع إخوتك وامدح إيجابياتهم وسلوكهم الطيب أمام الأسرة؛ لتعزز لديهم الثقة بأنفسهم وتشعرهم بأهميتهم عندك. وحاول أن تكون نعم الأخ والصديق لهم. احرص دوما على فتح الحوار بينك وبينهم، وأشركهم في النقاشات العائلية التي يمكنهم إبداء آرائهم فيها، واستمع جيدا إلى آرائهم وناقشهم بهدوء ومنطقيه في أفكارهم، وعودهم على مصارحتك في كل شيء لتتمكن من توجيههم دوما.
أغدق على إخوتك الحب والحنان وازرع الثقة بينك وبينهم قدر المستطاع. وحاول أن لا تعود أختك على أن تحتضنها دوما بشكل ملحوظ، خاصة وأنها الآن في سن المراهقة، فيمكنك أن تغدق عليها الحب والحنان دون أحضان. وإذا لاحظت تأثرها من ذلك اشرح لها السبب بهدوء وبأسلوب مبسط.
حاول أن تساعدهم على اكتشاف قدراتهم ومهاراتهم وتنميتها قدر الإمكان. شجعهم على حب القراءة وممارسة العديد من النشاطات الجديدة والمفيدة وساعدهم على التعلم الذاتي.
ابذل قصارى جهدك ووقتك لتعليمهم أمور دينهم بطريقة محببة لا منفرة، كل حسب عمره، وتأكد أن الله هو خير حافظ لهم، وهو الذي سيحفظهم بإذن الله خاصة إذا حفظوه وأدوا حقوقه وواجباته. ولا تنسَ أن تكون قدوة جيدة لهم.
عليك بالصبر والمثابرة، فلا تيأس أو تضجر أبدا من نصحهم وإرشادهم وتوجيههم.
عليك أن تتوكل على الله وتستعين به. ولا تنس أن تعلم أخوتك الأدعية المأثورة خاصة الأدعية التي تحفظهم بإذن الله
الجأ إلى الله بالدعاء مع الإلحاح عليه بطلب الصلاح لك ولأخوتك ولأهل بيتك، والحرص على ذلك في أوقات الإجابة وثق بالله.