الخبراء يحددون لـ"المسلم" أبرز تحديات وتحالفات البرلمان القادم بمصر
27 صفر 1433
همام عبدالمعبود

أثنى خبراء ومحللون سياسيون مصريون؛ على حالة التوافق التي توصلت إليها الأحزاب السياسية، التي التقت، ظهر الاثنين 16/1/2012م، وأعلنت اتفاقها على تشكيلة مكتب أول برلمان مصري بعد ثورة 25 يناير التي أطاحت بنظام الرئيس المخلوع حسني مبارك، والذي ظل جاثمًا على صدور المصرين لثلاثة عقود متواصلة، مثمنين توافقهم على أن يتولى حزب الحرية والعدالة منصب رئيس مجلس الشعب (الذي رشح بدوره الدكتور محمد سعد الكتاتني الأمين العام للحزب)، وأن يقتسم حزبا "النور" و"الوفد" منصبي الوكيلين، على أن تشارك جميع الأحزاب في مناصب رؤساء وأمناء ووكلاء لجان المجلس.

 

واعتبر الخبراء والمحللون، في تصريحات خاصة لموقع "المسلم"، أن التحدي الأكبر الذي يواجه البرلمان هو التوحد والتكاتف والتعاون لحمل المهام الجسام التي ينتظرها الشعب من أول برلمان حقيقي منتخب بشفافية، فضلا عن الاتفاق على اختيار أعضاء اللجنة التأسيسية التي ستكلف بإعداد دستور جديد للبلاد، مؤكدين أن النجاح في تحقيق هذا الهدف سيكون المؤشر على نجاح أو فشل البرلمان في مواجهة بقية التحديات التي تعتبر أبرزها الاقتصادية والأمنية.

 

وأشار الخبراء والمحللون، إلى أن خريطة المشهد البرلماني القادم تكشف عن سيطرة الإسلاميين، ممثلين في حزب "الحرية والعدالة"، الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين، وحزب "النور" السلفي، إضافة إلى أحزاب "الوسط"، و"الفضيلة"، و"البناء والتنمية"، على نحو 75 % من مقاعد البرلمان، فيما تشكل بقية القوى الليبرالية والقومية وفلول النظام البائد، وبقايا الحزب الوطني المنحل، فضلاً عن المستقلين، بقية المقاعد.

 

النور يلتزم خط المعارضة

في البداية، يرى الباحث والمحلل السياسي، أحمد تهامي، أن "الاحتمال الأرجح أن يكون هناك تحالف برلماني يضم الإخوان وحزب الوفد إلى جانب بعض الأحزاب الصغيرة، ويصير نظرياً بإمكان هذا التحالف أن يشكل حكومة جديدة، تعبر عن تحالف القوي الفائزة في الانتخابات، ولكن هذه الإمكانية ستظل محل الشك، لأن الإعلان الدستوري لا ينص على ذلك صراحة، إلا أن العرف الديمقراطي يؤكد أهمية هذا الطرح"؛ على الجانب الأخر "يتوقع أن يلتزم حزب النور بخط المعارضة، مع إمكانية انفصال حزب الجماعة الإسلامية (البناء والتنمية)، واقترابه من تحالف الإخوان البرلماني".

 

ويقول تهامي، الخبير بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية، في تصريح لموقع "المسلم": "بصفة عامة ستكون هناك نقاط وقضايا متعددة، تتوافق أو تختلف حولها الأحزاب، وفقاً لحسابات مؤقتة، وليس تحالفات دائمة، وهذه التحالفات والتوافقات مهمة من جانبين هما: تحديد رئاسة مجلس الشعب، والوكيلين، ورؤساء اللجان كما تم بالتوافق في اجتماع الأحزاب ظهر الاثنين 16/1/2012م، من جهة، ودور مجلس الشعب في المرحلة المقبلة، في مواجهة المجلس العسكري، خصوصًا بعد تزايد الاقتراح بتولي رئيس مجلس الشعب لرئاسة الجمهورية لفترة انتقالية".

 

ويستبعد تهامي؛ الباحث الملتحق ببرنامج الدكتوراه في كلية الحكومات والعلاقات الدولية بجامعة درهام بالمملكة المتحدة، تحالف الإخوان والسلفيين في البرلمان، قائلاً: "ما يمنع هذا التحالف، إن الطرفين يمثلان لوناً واحداً، ويهمش الأحزاب الوسطية والليبرالية وممثلي الأقباط في المجلس، وعلى الجانب الأخر، فهناك صعوبة حقيقية في التعاون بين حزب النور والقوي الليبرالية في حكومة ائتلاف وطني، على الأقل في هذه المرحلة".

 

ويضيف: "فتحالف إخواني سلفي سيحول دون تعاون إخواني ليبرالي، ولا يفضل الليبراليون والأحزاب الليبرالية واليسارية التعاون مع السلفيين، ويتوقع أن يحصل فرز داخل التحالفات الانتخابية، فلا تستمر كما هي، فالتحالف الإسلامي الممثل في حزب النور قد لا يستمر طويلاً، ونفس الأمر مع تحالف الكتلة المصرية، التي يمكن أن تنسحب منها بعض الأحزاب مثل: الديمقراطي الاجتماعي، فهذه مرحلة تشكل وتغيير في التحالفات".

 

وحول ما تم التوافق عليه مؤخرًا بين عدد من الأحزاب، بخصوص رئاسة المجلس والوكيلين ورؤساء اللجان الـ19في البرلمان، أوضح تهامي أن "هذه خطوة جيدة، وهي تنشر بالخير، وتنبي عن إدراك حزب الحرية والعدالة لجسامة المهمة، ورغبته في التشارك مع كل الأحزاب، وليس كما كان يدعي البعض الانفراد بالقرار، معتبرًا أن تولي الحرية والعدالة رئاسة المجلس، وتقسيم الوكيلين على النور والوفد، ومشاركة الجميع في رئاسة اللجان هي قسمة العدل، فضلا عن أنها لا تؤدي إلى تهميش الأحزاب الأخرى".

 

وحول أبرز التحديات التي ستواجه البرلمان المقبل في مصر، قال: "طبعاً أبرز التحديات متعلقة بتشكل تحالف قوي ومستقر، يساعد البرلمان في انجاز مهامه الثلاث الأساسية، وهي تشريعات تساهم في حلحلة مشكلات المجتمع الاقتصادية والاجتماعية، وثانيها الرقابة على الحكومة، وإدارة العلاقة الصعبة مع السلطة التنفيذية، ممثلة في الحكومة والمجلس العسكري، وثالثها اختيار لجنة إعداد الدستور بصورة توافقية مرضية للجميع".

 

وردًا على سؤال: وهل تتوقع أن ينقل العسكري الجزء التشريعي من الاختصاصات التي يديرها لصاحبها (البرلمان) بسلاسة؟؛ أوضح تهامي أنه: "وفقاً للإعلان الدستوري، بانعقاد مجلس الشعب تُنقَل إليه السلطة التشريعية، فهذا أمرٌ لا خلاف حوله، ولكن التأثير سيظل للمجلس العسكري، بسبب سيطرته على الأجهزة التنفيذية والحكومة، وربما لوجود قوى مساندة له في البرلمان"؛ معتبرًا أنه من المهم أن "تضغط القوي الثورية في الشارع، من أجل التعجيل بعقد انتخابات الرئاسة، كي يتولي الرئيسُ المنتخب السلطات التنفيذية التي يملكها حاليًا المجلس العسكري".

 

الإسلاميون يسيطرون على البرلمان

وفيما يتعلق بالمجلس القادم، يعتقد الخبير الأكاديمي والسياسي، الدكتور علاء عبد الحفيظ "أن يسيطر حزب الحرية والعدالة على الأغلبية في المجلس، شريطة استمرار أحزاب التحالف الديمقراطي التي دخلت معه في قائمة موحدة أثناء الانتخابات، في إطار التحالف، ونجاح الحرية والعدالة في التحالف مع أحد الأحزاب الليبرالية"؛ متوقعًا "أن الوفد هو أقرب الأحزاب الليبرالية للتحالف مع حزب الحرية والعدالة داخل البرلمان".

 

ويرى، عبد الحفيظ، أستاذ العلوم السياسية بجامعة أسيوط، في تصريح لموقع "المسلم" أن "البرلمان القادم ستغلب عليه التيارات ذات المرجعية الإسلامية، ولكنني أستبعد حدوث تحالف بين الإخوان والسلفيين، نظرًا للاختلاف الإيديولوجي فيما بينهما، في العديد من الموضوعات، ومن بينها التطبيق الفوري للشريعة الإسلامية، كما يرى السلفيون، والتدريجي كما يرى الإخوان".

 

ويتابع: "وبالتالي فقد يتفق حزبا الحرية والعدالة، والنور، في بعض الموضوعات المطروحة على المجلس، ويختلفان في موضوعات أخرى متعددة، وهذا ينطبق على العلاقة بين الحرية والعدالة وباقي الأحزاب الإسلامية الأخرى كالوسط والبناء والتنمية، وكذلك الأحزاب الليبرالية كالوفد والمصريين الأحرار"؛ مشيرًا إلى أنه لا يتوقع "حدوث تحالفات دائمة داخل المجلس، ولكن الموضوعات والقضايا هي التي ستحدد إمكانية حدوث تحالفات من عدمه داخل المجلس".

 

وأثنى عبد الحفيظ على "التقسيم التوافقي الذي تم الاتفاق عليه ظهر الاثنين 16/1/2012، بين حزب الحرية والعدالة وعدد من الأحزاب الفائزة، حول منصب رئيس المجلس، الذي حسم لصالح حزب الحرية والعدالة، ومنصبي الوكيلين، واللذيّن حسما للنور والوفد"، مشيرًا إلى أن "الاتفاق بينهم عل تقسيم رئاسة لجان البرلمان الـ19 على جميع الأحزاب الفائزة، هي خطوة بعيدة المدى، وتعكس فهمًا للواقع، ورغبة في العمل المشترك لإثراء المناقشات داخل اللجان"

 

وعن التحديات التي ستواجه البرلمان القادم في مصر، يرى أنها "تحديات متعددة، أهمها عدم حدوث خلافات كبيرة داخل البرلمان، خاصة في جلساته الأولى، لأن حدوث ذلك سيؤدي إلى انعكاسات سلبية على الشارع المصري، أما التحدي الثاني فيتمثل في حسن اختيار أعضاء الجمعية التأسيسية التي ستضع الدستور، وتمثيلها لمختلف التيارات الموجودة في مصر، وذلك للرد على الاتهامات والتخوفات، بأن أعضاء تلك اللجنة سيعبرون عن اتجاه فكري واحد، مما يتعارض مع كون الدستور ذا طبيعة توافقية".

 

أما التحدي الأهم من وجهة نظر الدكتور علاء عبد الحفيظ، أستاذ العلوم السياسية بجامعة أسيوط "فيتمثل في ضرورة أن يقوم البرلمان القادم بممارسات برلمانية كنا نفتقدها فيما مضى، كسن القوانين بعد مناقشات جادة حولها، وعدم تسلمها جاهزة من الحكومة، بالإضافة إلى مراقبة جادة للمسئولين التنفيذيين (رئيس الحكومة والوزراء والمحافظين) وسحب الثقة منهم إذا اقتضت الضرورة، بعد استجوابهم، وتقديم طلبات الإحاطة لهم".

 

الكتاتني رئيسًا لبرلمان الثورة

يرى الخبير والمحلل السياسي الدكتور أحمد الطويل أن "الأصل فيمن يتولى منصب رئيس مجلس الشعب أن يكون لديه خبرة سياسية وقانونية، لأن هذا المنصب يحتاج بشدة لمثل هذه الخبرة، غير أنه من المهم للغاية أن يكون قادرًا على صنع توافق وطني داخل المجلس، لأن المجلس لديه أجندة أعمال متخمة للغاية، وستكون هناك آراء متباينة حولها، لا تشمل فقط مسألة الدستور، ولكن المجلس مطالب بغربلة كل القوانين والتشريعات القائمة، بحيث تتوافق مع طبيعة المرحلة الراهنة، وهذا يتطلب أن يكون رئيس المجلس منفتح سياسيًا وفكريًا، وقادرٌ على التعامل مع كل التيارات السياسية بقناعاتها الفكرية المختلفة".

 

ويتمنى الطويل؛ الباحث المهتم بمتابعة الشأن المصري، في تصريح لموقع "المسلم"، "أن يوفق الدكتور محمد سعد الكتاتني، الأمين العام لحزب الحرية والعدالة، والذي تم التوافق عليه في الاجتماع الذي عُقِدَ الاثنين 16/1/2012م، في حمل هذا العبء الكبير، خاصة في هذه المرحلة الدقيقة التي تمكر بها مصر بعد ثورة 25 يناير 2011، حيث ارتفع سقف طموحات وآمال الشعب المصري"؛ مشيرًا إلى خبرة الكتاتني، وقيادته الحكيمة لفريق الكتلة البرلمانية للإخوان المسلمين (88 نائبًا) في مجلس 2005 – 20110".

 

وأثنى الخبير السياسي على التوافق الذي تم بين الأحزاب على أن يتولى حزب النور صاحب المركز الثاني في البرلمان، أحد منصبي الوكيل، بينما ترك منصب الوكيل الثاني لحزب الوفد، رغم أنه غاب عن حضور الاجتماع، وإمهاله حتى الخميس 19/1/2012"؛ مشددًا على أهمية أن يتم اختيار رؤساء اللجان وفقًا لعامل الخبرة، لأنها المطبخ البرلماني الحقيقي، الذي سيكون عليه عبءٌ ثقيلٌ جدًا، وإذا تم تجاهل عنصر الخبرة واعتماد عنصر الانتماء السياسي سيكون هذا الأمر ضارًا جدًا بعمل تلك اللجان".

 

الإخوان والوفد التحالف الأمثل!

وحول خريطة البرلمان القادم؛ يرى الباحث والمحلل السياسي، أحمد فوده، أنه "وفقًا لنتائج المراحل الثلاث من الانتخابات، فإن خريطة البرلمان ستتشكل من: حزب الحرية والعدالة، الذراع السياسية لجماعة الإخوان، والذين سيكون لهم النصيب الأكبر من المقاعد، يليهم في المشهد البرلماني حزب النور السلفي، الحصان الأسود في الانتخابات، ثم حزب الوفد، يليه تحالف الكتلة المصرية، ثم حزب الوسط، إضافة إلى بقية الأحزاب الأخرى التي حصلت على بضعة مقاعد قليلة، فضلا عن المستقلين".

 

وقال فوده، مدير مركز النخبة للدراسات بالقاهرة، في تصريح لموقع "المسلم": "أما بشأن التحالفات السياسية داخل البرلمان المقبل، فأعتقد أن البديل الأمثل أمام الإخوان سيكون حزب الوفد، خاصة وأن الطرفين كانا متحالفين قبل الانتخابات، ولكن الوفد قام بفض التحالف، بسبب اعتراض جزء من قاعدته، فضلا عن إغراءات الكنيسة بإعطاء أصوات المسيحيين للحزب"؛ مستبعدًا أن "يتم التحالف بين الإخوان والسلفيين لأسباب كثيرة".

 

ويضيف أن "مشكلة الوفد أنه يضع شروطًا مسبقة للتحالف مع الإخوان، وفي عالم السياسة تعد الشروط المسبقة نوعا من التجميل السياسي، فضلاً عن محاولة رفع الأنصبة السياسية التي سيحصل عليها، لكن أما وأنه لم يتجاوز نسبة الـ9 %، فلا أعتقد أن يظل متمسكًا بالحديث عن شروط مسبقة"؛ مشيرًا إلى أن الإخوان يسعون لاستكمال نسبة الثلثين، والحصول على الأغلبية الاستثنائية، التي تمنحهم القدرة على إصدار التشريعات رغم إرادة المجلس العسكري (الحاكم)".

 

وأوضح فوده أن "وزن حزب الوفد الحقيقي ظهر قبل الانتخابات، وكان متوقعًا ما حدث خاصةً بعد الانهيارات التي شهدها الحزب قبل الانتخابات، وهو ما أدى إلى خروجه من المشهد الانتخابي مبكرًا، وظهر ذلك في نتائج المرحلة الأولى التي كانت صادمة بالنسبة له، فضلاً عن أن غدر الكنيسة به سيدفعه دفعًا إلى الدخول في تحالف مع الإخوان في البرلمان، من أجل العودة إلى المشهد السياسي مرة أخرى، وإلا فإنه سيكون كمًا مهملاً لا قيمة له، خاصة وأن هناك قوى سياسية أخرى راغبة في التحالف مع الإخوان، لكن الجماعة لا تريد هذا التحالف لأسباب سياسية وتاريخية".

 

وأضاف: "أعتقد أن المعارضة الأساسية ستتشكل من حزب النور والكتلة، رغم الخلافات الأيديولوجية بين الطرفين"؛ مثمنًا ميل حزب الحرية والعدالة إلى التوافق لتقسيم مناصب الوكيلين ورؤساء وأمناء اللجان الـ18 التي يتكون منها المجلس، وفق قاعدة المشاركة لا المغالبة التي أعلنتها الجماعة منذ بداية الانتخابات، والتي تمثلت في التزامها بوعدها بعدم الدفع بمرشحين على جميع مقاعد البرلمان".

 

وحول أبرز التحديات التي ستواجه البرلمان المقبل في مصر؛ أوضح فوده أن "هناك العديد من التحديات، أبرزها بناء تكتل سياسي طويل الأمد لحكم مصر، في الفترة الانتقالية التي ستبدأ بعد الانتخابات الرئاسية، والتي سيتم خلالها بناء النظام السياسي الجديد، من خلال استبدال منظومة القيم الحاكمة الآن بمنظومة جديدة تقوم على مبادئ الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان".

 

ويختتم المحلل السياسي، أحمد فوده، مدير مركز النخبة للدراسات بالقاهرة، بقوله: "وهناك أيضًا الملفين، الاقتصادي والأمني، حيث تواجه مصر ظروفًا اقتصاديةً صعبة، نتيجة الانهيار الاقتصادي الذي كان موجودا قبل الثورة، وزاد بعدها بشكل كبير، وكذلك هناك المشكلة المتعلقة بإعادة صياغة القواعد القانونية الحاكمة للمجتمع المصري، بما بتوافق والدستور الجديد، فلدينا كمًا هائلاً من القوانين التي لا تتوافق مع مبادئ هذا الدستور تحتاج إلى الإلغاء أو إعادة الصياغة".