23 جمادى الثانية 1433

السؤال

كيف أنهي مشكلة الشَّكِّ بالآخرين والظَّنِّ السيئ؟ كيف أتوقف عن التَّكلم عن الآخرين نهائياً؟ كيف أخفِّف من كراهيتي المطلقة لإنسان لم يؤذني علناً؟ أرجو إجابتي.

أجاب عنها:
سعد العثمان

الجواب

الحمد لله وحده، والصَّلاة والسَّلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه...
أختي الفاضلة: أشكرك على ثقتك، بموقع المسلم، ومتابعتك له، ونسأل الله - عزَّ وجلَّ - أن يجعلنا أهلاً لهذه الثِّقة، وأن يجعلَ في كلامنا الأثر، وأن يتقبَّل منا أقوالنا وأعمالنا، وأن يجعلها كلَّها خالصة لوجهه الكريم، وألا يجعل فيها حظَّاً لمخلوق..آمين.
أختي الكريمة: أنت تشْكِين من مرض الشَّكِّ بالآخرين، وسوء الظَّنِّ بهم، وأنت نادمة ومتأثِّرة ومستاءة من هذا الخلق الذَّميم، وتطلبين حلاً لهذا المرض المذموم شرعاً، ويمكن أن أقدِّم لك العلاج، والجواب على استشارتك من خلال النِّقاط الآتية:
أولاً: الشَّكُّ وسوء الظَّنِّ وجهان لعملة واحدة، وداء قاتل إن استفحل في الإنسان، والشَّكُّ وسوءُ الظَّنِّ يأتيان من نقص الشَّخصيَّة، ونقص الدِّين واليقين، وحبِّ التَّطلُّع للآخرين، والانشغال بالغير عن النَّفس، وهو طريق واسع، وسبيل حتميٌّ للوقوع في الأمراض النَّفسيَّة.
ثانياً: التأمُّل في حقيقة البشر، من حيث الذُّهول والضَّعف والنِّسيان، فإذا تأمَّل المرء في حقيقة البشر، وجد نفسه مرغماً على التماس العذر لهم، وعدم مؤاخذتهم بما يصدر منهم من أمور يمكن حملها على الوجه الحسن، ولو باحتمال ضعيف، قال عمر رضي الله عنه: لا تظنَّنَّ بكلمة خرجت من أخيك المؤمن إلا خيراً، وأنت تجد لها في الخير محملاً.
ثالثاً: مراعاة حقِّ الأخوة، فإنَّ أخوة الإيمان تحمل لزوماً على حسن الظَّنِّ بالمؤمن، فالمؤمن في أصل الأمر لا يريد شراً، والتَّعامل معه، وحمْل ما يصدر عنه على هذا الأصل، يوجب حسن الظَّنِّ به، والبعد عن سوء الظن به، قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا ‏كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ ‏أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ)الحجرات:12. وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: رأيت رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يطوف بالكعبة ويقول: ما أطيبك وأطيب ريحك!! ما أعظمك وأعظم حرمتك!! والذي نفس محمد بيده لحرمة المؤمن أعظم عند الله حرمة منك، ماله ودمه، وأن يظنَّ به إلا خيراً. رواه ابن ماجه، وفيه ضعف.
رابعاً: على الإنسان الشاكِّ الظانِّ أن يسائل نفسه: ماذا أستفيد من الحقد على الآخرين؟. ما الذي يجعلني أكون كذلك؟. لماذا لا أكون أكثر قبولاً للآخر؟. لماذا لا أكون أكثر صبراً؟. لماذا لا أُحسن إلى النَّاس حتى يُحسنوا إليَّ؟. الإنسان يجب ألا يترك مثل هذه الأفكار والمشاعر السِّلبيَّة والمشوَّهة تسيطر عليه. وصفها أحد علماء النَّفس بأنَّ هذا فكر معرفيٌّ مشوَّه، والإنسان يمكن أن يستبدله، ويمكن أن يتوقَّف عن مثل هذا النَّوع من الفكر.
خامساً: البعد عن الشُّبهات، ومكان الرِّيب، وبناء علاقات حبٍّ ومودة، مع أناس مشهود لهم بالدِّين والورع، والأخلاق الحسنة، والسِّيرة الحميدة، والانضمام إلى جمعيَّات العمل الاجتماعي الخيريَّة، والاهتمام بالعمل التَّطوعي، لأنَّه يروض النَّفس البشريَّة، ويجعل الإنسان يحسُّ بقيمته، ويحسُّ أنَّ ما يقدِّمه للآخرين هو أفضل عمل قام به في حياته، فإنَّ أفضل النَّاس أنفعهم للنَّاس.
ختاماً: أختي الفاضلة: أوصيك بالالتجاء إلى الله ودعائه، وسليه العفو والعافية لقلبك وعقلك، والثَّبات على الإسلام، وحسن الخاتمة، والهداية، والتَّوفيق، والنَّجاح، والعون، لك ولمن تشكِّين وتظنِّين بهم ظنَّ السَّوء، وليت دعاءك هذا يكون بالليل في صلاة التَّهجد، وثقي ثقة تامَّة أنَّ من راقب النَّاس مات هماً وغماً، وبعد موته لا يجد من النَّاس من يقول له: الله يرحمه.
اللهمَّ إنَّا نسألك صدق التَّوكل عليك، وحسن الظنِّ بك، اللهمَّ إنَّا نسألك حسن الظنِّ بالمسلمين عموماً، وبالمخلصين الصَّادقين خصوصاً، اللهمَّ إنَّا نسألك قلوباً تقيَّة نقيَّة، من الشِّرك والحقد والضَّغينة وسوء الظنِّ بريَّة، لا كافرة ولا شقيَّة، يا دائم الفضل على البريَّة، يا باسطاً يديه بالعطية، يا ربَّ العالمين.