ثبوت النسخ في حق المكلَّف قبل علمه بالناسخ (2)
3 ربيع الأول 1433
د. عبد الرحمن بن محمد القرني

 

<a href="http://www.almoslim.net/node/93769"> الإلزام بالتأمين وتأمين المركبة (1)

الإلزام بالتأمين وتأمين المركبة (2)

 
المطلب الثاني
أدلة القائلين بالثبوت ومناقشتها
استدل القائلون بثبوت النسخ في حق المكلفين قبل العلم بالناسخ بأدلة، أهمها:
الدليل الأول:
أنه لو لم يكن الناسخ ثابتاً في حق المكلف قبل علمه؛ لَ‍مَا لزمه قضاء العبادات إذا عَرَف النسخ.
وقد قال مالك والشافعي(1) فيما حكاه القاضي عياض(2): إن مَنْ أسلم في دار الحرب ولم يجد مَنْ يسأل عن الواجبات الشرعية ثم وجد بعد ذلك مَنْ أخبره فإنه يقضي. وهذا الذي في مسألتنا مثله(3).
*    واعترض علىٰ هذا الدليل من وجهين:
أحدهما: لا نسلم أن المكلف يجب عليه القضاء إذا عَرَف النسخ؛ لأنه إنما يجب القضاء بأمر جديد من نصٍّ أو إجماع أو قياس.
وعليه فلا يستلزم وجوباً قبله، وربما وجب القضاء حيث لا يجب الأداء، كما في الحائض فإنها لو صامتْ عصتْ مع أنه يجب عليها القضاء.
وكما نقول في النائم إذا استيقظ والمغمىٰ عليه إذا أفاق يلزمهما قضاءُ ما(4) لم يكن أداؤه واجباً عليهما(5).
ثانيهما: أن ما نقل في المسألة الفرعية المذكورة عن مالك والشافعي – رحمهما الله – معارضٌ بما نقل عن أبي حنيفة وسحنون(6) رحمهما الله :أنه لا قضاء عليه(7).
الدليل الثاني:
أن الناسخ حكمٌ متجدِّد(8)، فلا يعتبر في إيجابه علىٰ المكلفين علمهم به كسائر الأحكام الشرعية المتجددة؛ فإنها أُوْجِبتْ عليهم وإن لم يعلموها، وكما إذا بلغ بعضَ المكلفين دون بعض فإنه يثبت في حق الكل مع أن فيهم مَنْ لم يبلغه(9).
*    واعترض علىٰ هذا الدليل بأن قولكم: «علم المكلفين بالناسخ غير معتبر» مسلَّم، ولكنْ هناك أمران:
أحدهما: عدم التمكن من العلم به، فهذا الذي نمنعه لئلا يلزم تكليف الغافل – وهو مَنْ ليس له صلاحية العلم لا مَنْ ليس عالماً – وتكليف الغافل محال.
ثانيهما: التمكن من العلم به، فهذا هو ا لصورة المتفق عليها، وحكمها كما ذكرتم.
والتمكن من العلم بالناسخ منتفٍ في مسألتنا؛ لأن ما لا سبيل إليه إلا بإعلام الشارع فعلمه بدونه محال، والفَرْض في مسألتنا أن المكلف غير عالم به، وعليه فلا يثبت الحكم في حق المكلف لا لعدم علمه بل لعدم تمكنه من العلم الذي هو شرطٌ للتكليف(10).
*    وأجيب عن هذا الاعتراض من وجوه:
أ- أن التكليف بالمحال إنما يندفع بالعلم بالناسخ لا بالتمكن من العلم به.
ب- أن النزاع إنما هو في التكليف بالناسخ بمعنىٰ الاستقرار في الذمة لا طلب امتثاله في الحال، والثبوت في الذمة لا يستدعي العلم ولا التمكن منه؛ إذْ قد يستقر الشيء في ذمة مَنْ لم يعلم به(11).
* وأجيب عن هذا الأخير بأننا لا نسلم التعلق بذمة المكلفين؛ لأنه لا فائدة منه لا في الأداء ولا في القضاء علىٰ ما سبق(12).
ج- أننا لا نسلم عدم التمكن من العلم بالناسخ؛ لأنه إذا بلغ بعضَ المكلفين أمكن الباقين العلمُ به؛ ولذا شَرَطنا بلوغ الناسخ بعض المكلفين ليثبت التعلق في حق الجميع، وهذا بخلاف ما إذا بلغ الناسخ النبيَّ صلىٰ الله عليه وسلم وحده(13).
* وفي هذا التفريق بين الصورتين نظر؛ لأن النبي صلىٰ الله عليه وسلم أحد المكلفين وإذا علم بالناسخ أمكن المكلفين استحصاله منه، فيحصل التمكن من العلم به(14).
الدليل الثالث:
أن النسخ إسقاطُ حقٍّ لا يُعتبر فيه رضىٰ مَنْ يسقط عنه، فلا يعتبر فيه علمه، كالطلاق والعِتاق والإبراء(15).
وذلك لأن دليل النسخ قد قام، ولا دليل علىٰ اعتبار علم مَنْ يعمل النسخ في حقه، وإذا لم يكن هناك دليل؛ ثبت النسخ علىٰ العموم؛ وهذا لأن الخطاب بالشرعيات يثبت بإثبات الله تعالىٰ، فإذا كان قد رفعه الله تعالىٰ لم يبقَ ثابتاً(16).
*    واعترض علىٰ هذا الدليل من وجوه:
أحدها: قولكم بأن «النسخ إسقاط حق» غير ُ مسلَّم، بل هو تكليفٌ تضمَّنَ رفع حكم الخطاب الأول، ولكونه تكليفاً فإنه يتعلق به الثواب والعقاب، فلا يلزم مَنْ لا يعلمه(17).
ثانيها: أنه لا يلزم من عدم اعتبار العلم في الصور المذكورة عدم اعتباره في النسخ؛ فإنه لا مانع أن يكون عدم اعتبار العلم في تلك الصور الثلاث هو لعدم تضمنها رفع حكم خطاب سابق، ولأن الطلاق والعتاق إتلافٌ للمتعة، والإبراء أيضاً إتلافٌ؛ لأنه إزالة ملكٍ لا إلىٰ مالك، وكل ذلك لا يقتضي خطاباً، بخلاف ما نحن فيه، فصار قياساً مع وضوح الفارق(18).
ثالثها: أن ما ذكرتموه يلزم فيما إذا كان الناسخ مع جبريل عليه السلام ولم يبلغه بَعْدُ إلىٰ النبي صلىٰ الله عليه وسلم، واللازم باطل بالاتفاق فيبطل الملزوم(19).
الدليل الرابع:
أنَّ نسخَ الحكم إباحةُ ترك الفعل بعد إيجابه أو إباحة فعله بعد حظره، فلا يتوقف ثبوته علىٰ علم مَنْ أُبيحَ له، كما لو قال لامرأته: «إنْ خرجتِ بغير إذني فأنتِ طالق» ثم إنه أَذِنَ لها في الخروج وهي لا تعلم، ثم خرجتْ فإنه يثبت حكم الإباحة في حق الزوجة ولا يقع الطلاق بخروجها، كذلك ههنا(20).
*    واعترض علىٰ هذا الدليل من وجوه:
أحدها: أنه قياس من غير علة جامعة، فيكون باطلاً(21).
ثانيها: لا نسلم الحكم في المقيس عليه، فإنها لو خرجتْ الزوجة من غير إعلامٍ منه لإذنها فإنها تطلق؛ لأن الإذن من الإعلام، قال الله تعالىٰ: ﴿ وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ﴾(22) يعني إعلاماً من الله(23).
ثالثها: أنه قياس مع الفارق؛ إذْ لا يصح أخذ الحكم من جهة الآدميين للحكم من جهة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ، وذلك لما يتعلق علىٰ أحكام الشرع من الثواب والعقاب، ومثل ذلك يؤثر فيه عدم العلم، بخلاف حقوق الآدمي التي يستوي حكمها مع اختلاف الأحوال(24).
 الدليل الخامس:
أن النسخ يكون بإباحة محظور، والإباحة تكون تارةً من الله تعالىٰ، وتارة تكون من جهة الآدمي، ثم الإباحة من جهة الآدمي يثبت حكمها قبل العلم، مثل أن يقول: «أبحتُ ثمرة بستاني لبني فلانٍ» ولم يعلموا بإباحته لهم، فتناوله واحد منهم قبل العلم لم يجب الضمان وكان ذلك جائزاً في حقه، فكذلك الإباحة من قِبَل الله تعالىٰ يجب أن يثبت حكمها قبل العلم بها(25).
* واعترض علىٰ هذا الدليل بعين الاعتراضات الواردة علىٰ الدليل الذي قبله، وهو أنه قياس بغير جامعٍ، ومَنْعُ الحكم في المقيس عليه فإذا أباح ماله من غير أن يعلم المباح له لم يزل الحظر في حقه، وأنه قياس مع وضوح الفارق فإن أخْذ الإذن من تصرفات الآدميين وتنزيل أحكام الله تعالىٰ عليها لا يصح؛ لأن الإباحة والحظر من طريق الشرع خطابٌ؛ ولهذا يصير بامتثاله مطيعاً مثاباً وبمخالفته عاصياً معاقباً، ولا كذلك تصرفات الآدميين فافترقا(26).
الدليل السادس:
أن المكلف في التزام الأحكام بالنسبة إلىٰ أوامر الله تعالىٰ كالوكيل في التصرفات بالنسبة إلىٰ إذن الموكِّل، والجامع بينهما أن كل واحد منهما – أعني المكلَّف والوكيل – لا يجوز له التصرف إلا بمقتضىٰ الإذن وينعزل بالعزل.
فإذا قال الموكِّل لوكيله: «بعْ هذه السلعة» ثم عزله ولم يعلم بعزله؛ فإنه ينعزل ولو باع السلعة بطل بيعه، فكذلك لو أمر الله تعالىٰ المكلفَ بعبادة مثلاً ثم أسقطها عنه لسقطت عنه ولا يجوز له بعد ذلك أن يتصرف في العبادات بما كان يتصرف فيه قَبْلُ(27).
*    واعترض علىٰ هذا الدليل من وجوه:
أحدها: أن قياس الأصول علىٰ الفروع وأخذ أحكامها منها يخالف الوضع، وإنما يؤخذ حكم الفرع من الأصل وتخرَّج الفروع علىٰ الأصول(28).
ثانيها: سلمنا صحة قياس الأصل علىٰ الفرع، لكننا نمنع الحكم في المقيس عليه، فلا نسلّم أن الوكيل ينعزل بعزل الموكِّل من غير علمه، ولذا نقول بصحة بيعه وانعقاد سائر العقود التي وكِّل فيها ولو حصل كل ذلك بعد عزله حيث لم يبلغه العزل(29).
ثالثها: سلمنا الحكم في المقيس عليه، لكنه قياس مع الفارقِ، والفارقُ أن حق الله تعالىٰ يتعلق به الثواب والعقاب، وذلك يتوقف علىٰ العلم ويؤثر فيه العذر، وحق الآدمي يتعلق به الغرم الذي لا يختلف بالعلم والجهل والخطأ والعمد(30).
* وأجيب عن الأخير بأن إذن الموكِّل يتعلق به صحة التصرف وفساده، وذلك يعتبر فيه علم الوكيل، فلا فرق بينهما(31).
الدليل السابع:
أن النسخ يحصل بورود الناسخ لا بالعلم بالناسخ، فيثبت حكمه في حق المكلف وإن لم يصل إليه.
بيان ذلك: أن النسخَ رفعُ الحكم، وبورود الناسخ يحصل الرفع سواء عَلِمَ المكلفُ الناسخ أو لم يعلمه، وهذا يدل علىٰ أن العلم غير مؤثر، فيقتضي ذلك أن يثبت النسخ في حقه مطلقاً بلغه أو لم يبلغه.
وإذا لم يبلغه الناسخ فأخلَّ بامتثال حكمه كان مخطئاً، لكنه معذور لعدم علمه لا لأنه لم يُرفع الحكم في حقه، ومن ثَمَّ يلزمه الاستدراك بالقضاء، ووجوبُ القضاء علىٰ المعذور غير ممتنع، كالحائض والنائم يقضيان ما فاتهما من العبادات وقتَ الحيض والنوم مع أنهما معذوران(32).
*    واعترض علىٰ هذا ا لدليل من وجوه:
أحدها: أننا نسلم أن النسخ يحصل بورود الناسخ، لكن علم المكلف به شرطٌ للزوم حكمه له، فلا يثبت في حقه بدونه؛ لاستحالة ثبوت المشروط بدون شرطه، وإنما قلنا بأن العلم بالناسخ شرط لأن ثبوت حكم الناسخ في حقه يعني تكليفه بمقتضاه، والعلم شرط من شروط التكليف(33).
ثانيها: قولكم بأن المكلف مخطئ إذا لم يعمل بحكم الناسخ وهو غير عالم به قولٌ باطل؛ لأن اسم «الخطأ» يطلق علىٰ مَنْ طلب شيئاً فلم يصبه، أو علىٰ مَنْ وجب عليه الطلب فقصَّر، وجميع ذلك غير متحققٍ في مسألتنا(34).
ثالثها: قياسكم مَنْ لم يبلغه الناسخ علىٰ الحائض والنائم في وجوب القضاء قياس مع الفارق؛ وذلك أن الحائض والنائم قد عَلِما التكليف، أي علما أنهما مكلفان بالصوم مثلاً، فَشَرْط لزوم الحكم لهما موجود، بخلاف مانحن فيه فإن الذي لم يبلغه الناسخ لا يعلم أنه مكلف بالفعل، فلم يوجد شرط لزوم الحكم له، فظهر الفرق(35).
الدليل الثامن:
أن الحُسْن والقبح عقليان، فإذا ورد الناسخ فإنما يَرد إذا زال حسن المنسوخ وثبت الحُسْن في حكم الناسخ، وعليه فبحُسْنِ الناسخ يتعلق حكمه بذمة المكلف ولو لم يعلم بالدليل الناسخ، ويسقط الحكم المنسوخ لزوال حُسْنه(36).
*    وأجيب عن هذا الدليل من وجهين:
أحدهما: لا نسلم أن الحسن والقبح عقليان، بل هما شرعيان، وعليه فلن يقف المكلف علىٰ معرفة حسن الناسخ وزوال حسن المنسوخ إلا ببلوغ الدليل الشرعي الناسخ إليه، وفَرْض المسألة أنه لم يبلغه.
ثانيهما: سلمنا أن الحُسْن والقبح عقليان وأن انتقال صفة الحسن من الحكم المنسوخ إلىٰ الحكم الناسخ لازمٌ للنسخ، لكن الانتقال إنما يكون عند الله تعالىٰ عند التبليغ للمكلفين؛ إذْ هو وقت التعلق، لا عند النزول، ولو جوّز حصول الانتقال قبل التبليغ للزم منه تأخير التبليغ عن وقت الحاجة(37).
الدليل التاسع:
أن حكم الخطاب الشرعي يلزم المعدوم، فَلَأَن يلزم الموجود الذي لم يبلغه من باب أَولىٰ(38).
* ويمكن الجواب عن هذا الدليل بأنه – بعد تسليم لزوم الخطاب للمعدوم – لم يقل أحدٌ ممن قال بتوجه الأمر للمعدوم بأنه تثبت الأوامر في ذمته حال عدم وجوده، وأنتم تقولون تلزم المكلف تلك الأوامر حال عدم علمه، فقياسكم مختلف الحكم، وعليه فإما أن تقولوا بعدم لزوم التكاليف في الذمة حال عدم علمه كما لم تلزم في حال عدم وجوده، وإما أن تَبْقوا علىٰ القول بلزومها في ذمته حال عدم علمه فيلزمكم القول بلزومها في ذمة المعدوم حال عدمه وهو ظاهر البطلان.
المطلب الثالث
دليل القائلين بالتفصيل ومناقشته
استدل أصحاب المذهب الثالث وهم القائلون بثبوت النسخ في حق المكلف قبل علمه إذا كان في الأحكام الشرعية الوضعية، وعدم ثبوته في حقه إذا كان في الأحكام الشرعية التكليفية بدليلٍ، تقريره: أن معنىٰ ثبوت النسخ في مسألتنا هو الاستقرار في الذمة بحيث يجب القضاء، والقضاء حكم من الأحكام الوضعية، فالقول بثبوته في حق مَنْ لم يبلغه ممكنٌ وليس من قبيل المحال؛ ولذا يجب قضاء الصلاة علىٰ النائم والناسي، وأما الأحكام التكليفية فالقول بثبوتها في حق مَنْ لم تبلغه تكليفٌ محال؛ لأنه من قبيل تكليف الغافل، وهو ممتنع فلا يصح القول بالثبوت فيها(39).
*     ويمكن الاعتراض علىٰ هذا الدليل بأنه أخصُّ من الدعوىٰ، إذْ لو سُلِّم مقتضىٰ هذا الدليل – جدلاً – في القضاء فأنَّىٰ يجري في السبب والشرط وسائر أحكام الوضع!
ثم إن إلزامه القضاء هو فرع ثبوت الحكم التكليفي في حقه لتعذر الأداء مع عدم العلم، فإن كان صاحب هذا المذهب لا يرىٰ أن الأمر بالأداء أمرٌ بالقضاء؛ فلا دليل معنا في مسألتنا يوجب القضاء علىٰ مَنْ لم يبلغه الناسخ(40).
وعلىٰ كلٍّ فهذا الدليل يشهد بأن قائله لم يُحْسِن تصور المسألة(41)، فلا يليق الوقوف عنده كثيراً.

المبحث السادس
سبب الخلاف
ذكر غير واحد من الأصوليين أن الخلاف في هذه المسألة يبنىٰ علىٰ الخلاف في مسألة: هل كل مجتهد مصيب؟ أو المصيب واحد؟
حيث قال الزركشي – رحمه الله – نقلاً عن بعضهم: الخلاف ينبني علىٰ أن كل مجتهد مصيب أو المصيب واحد، فمَنْ قال بأن كل مجتهد مصيب وأن الحكم ما غلب علىٰ ظنه لم يجوِّز النسخ في حق المكلفين قبل علمهم بالناسخ، ومَنْ قال بأن المصيب واحد وأن في كل واقعةٍ حكماً معيناً جوَّز النسخ في حقهم قبل العلم(42).
وقال حُلولو(43) رحمه الله: «وأجرىٰ الأبياري(44) الخلاف في المسألة علىٰ أن كل مجتهد مصيب أو المصيب واحد؟ قال: فعلىٰ أن المصيب واحد؛ تلزمه العبادة إن أدرك وقتها بذلك الطلب، وإن خرج وقتها افتقر القضاء إلىٰ أمرٍ جديد»(45) اهـ. وقوله: «افتقر القضاء إلىٰ أمرٍ جديد» يعني عند مَنْ يقول بهذا منهم؛ إذْ من ا لأصوليين مَنْ قال بعدم افتقاره إلىٰ أمر جديد فيثبت بالأمر الأول.
أقول: ولعل من أسباب الخلاف بين الفريقين – علىٰ ما ظهر من دلائل المسألة ومناقشتها – هو اختلافهم: هل إلزام المكلف بحكم الناسخ وهو لا يعلمه من باب تكليف ما لا يطاق أم لا؟ فمن قال بأنه من تكليف ما لا يطاق قال بمنع ثبوت النسخ في حقه، ومَنْ قال بأنه ليس من تكليف ما لا يطاق قال بثبوت النسخ في حقه.
وتكليف ما لا يطاق لا يختلف الفريقان علىٰ منعه شرعاً، إلا أن اختلافهم في تحقيق مناطه هنا سَبَّبَ اختلافهم في المسألة، وكذا هو سببٌ في مسائل أخرىٰ.

المبحث السابع
الترجيح
أرجح المذاهب الثلاثة في نظري القاصر هو مذهب الجمهور وهو القول بعدم ثبوت النسخ في حق المكلفين قبل علمهم به؛ وذلك للأمور التالية:
أولاً: ضعف دلائل المخالفين لهذا القول، فقد تبيَّن مما سبق في مناقشتها أنه لم يسلم منها دليل واحد.
ثانياً: قوة كثير من أدلة الجمهور، وأقواها عندي هو حديث أهل مسجد قباء ومسجد بني حارثة، فقد صلىٰ أهل قباء ركعة من الفجر جهة بيت المقدس والأخرىٰ جهة الكعبة، وصلىٰ الأنصار في مسجد بني حارثة ركعتين من العصر جهة بيت المقدس وركعتين جهة الكعبة، وأقَرَّهم المصطفىٰ صلى الله عليه وسلم.
والحديثان لا مغمز في إسنادهما فإنهما مخرَّجان في الصحيحين، وتبيَّن عند مناقشة المخالفين لهما سقوط جميع ما أُوردَ علىٰ الاستدلال بهما من إيرادات.
ثالثاً: أن النسخ تكرر وقوعُه في حياة النبي صلى الله عليه وسلم ، والأحكام الشرعية المبتدأة كانت تنزل الفينة تلو الفينة، ومحال أن يقع علم المكلفين بذلك كله عند أول وروده، ولم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم نصٌّ يوجب علىٰ مَنْ لم يبلغهم الناسخ حين وروده بقضاء ما فاتهم، ولا أنه كان يرسل الآحاد إلىٰ الأصقاع يأمرهم بالقضاء، مع تكرر وقوع النسخ وتوالي نزول الأحكام المبتدأة وعموم البلوىٰ بذلك(46).
وما أحسن ما قاله ابن العربي(47) رحمه الله حيث قال: النسخ إنما يثبت إذا بلغ المكلف، فأما قبل ذلك فلا مؤاخذة به سمعاً وإن جازتْ عقلاً، ولم يَرِدْ بذلك سمعٌ فبقينا علىٰ أصل النفي(48).
رابعاً: وإذا جرينا علىٰ أن محل النزاع هو فيما إذا ورد الناسخ ولم يبلّغه النبي صلى الله عليه وسلم للأمة بَعْدُ؛ إذا جرينا علىٰ ذلك زاد استبعاد القول بثبوت النسخ؛ إذْ لم ينقل عن الصحابة رضي الله عنهم أنهم كانوا كلما نزل ناسخ أو حكمٌ مبتدأ علىٰ الرسول صلى الله عليه وسلم وأخبرهم به سألوه: متىٰ نزل عليك هذا الناسخ أو هذا الحكم حتىٰ نقضي ما فاتنا؟! فدل علىٰ أن الناسخ إنما يلزمهم حين سماعهم له.
فائدتان:
الأولىٰ: أجرىٰ بعض الأصوليين الخلاف الوارد في المسألة فيما هو أعمُّ من النسخ وهو الأحكام المُبْتَدأة(49)، وصَفَحَ الأكثرون – فيما رأيتُ – عن ذكر الأخيرة(50).
هذا وقد ذكر ابن تيمية(51)– رحمه الله – ثلاثة مذاهب في الصورتين، حيث قال: «ولأصحابنا وغيرهم في هذا الأصل ثلاثة أقوال:
أحدها: لا يثبت حكم تحريم ولا إيجاب لا مبتدأ ولا ناسخ إلا في حق مَنْ قامت عليه الحجة في ذلك الحكم.
والثاني: يثبت حكمهما قبل العلم والتمكن منه، لا بمعنىٰ التأثيم لكن بمعنىٰ الاستدراك إما بإعادة أو نزعِ ملكٍ.
والثالث: يثبت المبتدأ، ولا يثبت الناسخ»(52) اهـ.
ولم أقف علىٰ دليل المفصِّلين.
* وأجرىٰ العبَّادي – رحمه الله – الخلاف في المسألة في غير النسخ وهو التخصيص، حيث قال: ينبغي جريان القول المختار ومقابِلُه في غير النسخ كالتخصيص، بحيث لو نفىٰ الشارع الوجوبَ مثلاً عن كل واحد من جماعةٍ وأُرِيدَ تخصيصهم بغير زيد لم يثبت التخصيص قبل بلوغ المخصِّص علىٰ القول المختار، ويثبت قبل بلوغه علىٰ القول الآخر بمعنىٰ الاستقرار في الذمة فيجب القضاء(53).
الثانية: قال إمام الحرمين(54) رحمه الله: هذه المسألة قطعية، وذهب بعض العلماء إلىٰ إلحاقها بال‍مُجْتَهَدات حتىٰ نقلوا فيها قولين من القولين في الوكيل إذا عُزِل ولم يبلغه العزل.
وهذا ظنٌّ من قائله؛ فإن الصحيح الذي يجب القطع به أن التكليف لا ينقطع عمن لم يبلغه الناسخ بل يبقىٰ عليه الحكم الأول، ولا يثبت عليه الحكم الثاني مع الجهل بالدَّالِّ
عليه؛ إذْ لا يسوغ ثبوت التكليف مع الجهل بسببه ومقتضيهِ، وهذا مما يُقْطع به(55).
أقول: دعوىٰ القطعية مع ما رأيتَه من الخلاف والأدلة فيه ما فيه!

المبحث الثامن
آثار الخلاف في المسألة
وفيه ثلاثة مطالب:
المطلب الأول
نوع الخلاف في المسألة
المطلوب بهذا المطلب بيان نوع الخلاف في هذه المسألة هل هو خلاف حقيقي عملي؟ أو خلاف صُوْري لفظي؟ فأقول:
الجمهور القائلون بأن النسخ لا يثبت في حق مَنْ لم يبلغه متفقون علىٰ أنه مخاطَب بالحكم الأول إلىٰ أن يبلغه النسخ، لكنهم اختلفوا: هل يوصف الدليل الناسخ بأنه «ناسخ» قبل البلوغ؟ أو أنه لا يوصف بذلك إلا بعد البلوغ(56)؟
قال القاضي الباقلاني(57)– رحمه الله – تعقيباً علىٰ هذا الخلاف بين الجمهور: «وهذا راجع إلىٰ اختلافٍ في العبارة؛ فإن الفريقين صاروا إلىٰ أنه مخاطَب بحكمه الأول، وما يَبْدر منه علىٰ القضية الأولىٰ فهو حكم الله تعالىٰ.
فإذْ قد اتفقنا علىٰ ذلك ثم اتفقنا علىٰ أنه إذا بلغه الناسخ يتبدل – عند بلوغه – التكليفُ عليه؛ فقد تقرر رجوع الاختلاف إلىٰ عبارة.
وإنما الخلاف الحقيقي مع الذين قدمنا ذكرهم حيث قالوا: إن الحكم يرتفع عمن لم يبلغه الناسخ»(58) اهـ، وكذلك قال القاضي عياض(59) رحمه الله.
*  فأنتَ ترىٰ أن الباقلاني قد اختار أن النزاع بين الجمهور ومخالفيهم من الشافعية نزاع حقيقي، وهذا هو اختياره في كتابه (مختصر التقريب) وكان قبل ذلك في كتابه (التقريب) قد اختار أنه خلاف لفظي، قال تاج الدين السبكي رحمه الله: «وذكر القاضي في (التقريب) أن الخلاف لفظي، وذكر في (مختصره) أن القائلين بثبوته يقولون: لو قُدِّرَ ممن لم يبلغه الناسخ إقدامٌ علىٰ الحكم الأول؛ كان زللاً وخطأً، بَيْدَ أنه لا يؤاخذ به ويُعذر لجهله»(60) اهـ.
 قال الزركشي رحمه الله: «وقد تبع إمامُ الحرمين القاضيَ في جعل الخلاف لفظياً»(61) اهـ، وهذا هو الواقع في (البرهان) حيث قال فيه الجويني رحمه الله: وعندنا أن المسألة إذا حُقِّقَ تصويرها لم يبقَ فيها خلاف؛ لأنه إن كان المراد أن عليهم الأخذ بالناسخ قبل بلوغه إليهم فتكليفُ ما لا يطاق، وإن كان المراد إلزامهم تدارك ما مضىٰ فهذا لا امتناع فيه.
وإذا رُدَّتْ المذاهب المطلقة في النفي والإثبات إلىٰ هذا التفصيل لم يبقَ للخلاف تحصيل(62).
غير أن قطب الدين الشيرازي تعقَّب إمامَ الحرمين في ذلك حيث قال رحمه الله: «وفيه نظر؛ لأنه لا يلزم من عدم الامتناع في الشيء عدم النزاع فيه؛ فإن أكثر المسائل التي اختُلِف في جوازها لا امتناع فيها مع وجود النزاع.
نعم إن أراد بقولـه: (فهـذا ممـا لا امتنـاع فيـه) أي لا نزاع – والظاهر أن هذا مراده – صحَّ ما قاله فاعرفه»(63)اهـ.
 أقول: قوله: «صح ما قاله» لا يصح علىٰ هذا التأويل؛ لما رأيتَ من قبل من وقوع النزاع فيه؛ فإن الجمهورَ لا يُلْزمونه التدارك، والمخالفين من الشافعية يُلْزمونه.
* ووافق أبو حامد الغزالي في (المنخول) شيخه إمام الحرمين علىٰ هذا الرأي(64)، والذي استظهره تاج الدين السبكي أنه خلاف عملي، حيث قال: «قد قدمنا عن (التقريب) أنه قال فيه: (إن الخلاف في هذا لفظي)، والأظهر أنه معنوي»(65)اهـ.
وكذا قال غيره(66) ولذا استكثر غير واحد من الأصوليين والفقهاء التخريجَ علىٰ هذا الخلاف كما سيأتي إن شاء الله تعالىٰ، وهو الذي دلَّ عليه كلام القاضي الباقلاني الذي سبق آنفاً في (مختصر التقريب)؛ ولذا قال المرداوي عَقِبَه: «فهذا دليل علىٰ أن الخلاف غير لفظي، وهو الذي صححناه بدليلِ ما يُذكر في دليل المسألة»(67) اهـ، أي فإن في أدلة المسألة وما أُوردَ عليها من نقود وردود دليلاً علىٰ أن الخلاف حقيقي؛ حيث ظهر فيها أن الجمهورَ لا يوجبون عليه التدارك بالقضاء، والمخالفين لهم يوجبون عليه القضاء.

المطلب الثاني
الآثار الشرعية للخلاف في المسألة
يتعلق بهذه المسألة جملة من الأحكام الشرعية، بعضها يتفق عليه المختلفون في المسألة وبعضها وقع فيه النزاع بسبب الخلاف فيها، وهذا المطلب معقود لبيان الأحكام المترتبة علىٰ هذه المسألة الأصولية من حيث التأثيم وعدمه والقضاء وعدمه وغير ذلك، وأنا أذكرها لكَ الآن في فقرات موجزة:
أولاً: الناسخ إذا بلغ المكلف ثبت حكمه في حقه قطعاً(68)، فهو آثمٌ إن خالفه.
ثانياً: إذا ورد الناسخ ولم يبلغ المكلف فاستمر علىٰ العمل بالحكم الأول فهو غير آثمٍ بالإجماع(69).
ثالثاً: إذا ورد الناسخ ولم يبلغ المكلف فهو مأمور بالحكم الأول عند الجمهور، ومأمور بالحكم الجديد عند مخالفيهم من الشافعية، وهذا معنىٰ الخلاف في المسألة، وجعله بعضهم ثمرةً للخلاف فيها(70).
رابعاً: انبنىٰ علىٰ ما ذكر في «ثالثاً» أنه إذا عمل المكلف بحكم الناسخ من غير أن يعلمه فهو آثمٌ عند الجمهور، وغير آثمٍ عند مخالفيهم(71) من هذه الجهة(72).
وهذا يعني أن المخالفين من الشافعية لا يؤثمونه – أعني مَنْ لم يصله الناسخ – لا في حالة فعله للحكم الجديد ولا في حالة بقائه علىٰ الحكم الأول!
خامساً: إذا استمر المكلف علىٰ العمل بالحكم الأول بعد ورود الناسخ الذي لم يعلم به فهو – كما سبق في «ثانياً» – غير آثم بالإجماع، لكن اختلفوا في تسميته مخطئاً.
فقال الجمهور: هو غير مخطئ بل مأجور، وقال مخالفوهم: هو مخطئ معذور(73).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: «الصحيح إذا ثبت أن في الباطن حكماً في حقه أن يقال: هو مصيب في الظاهر دون الباطن، أو مصيب في اجتهاده دون اعتقاده، أو مصيب إصابة مقيدة لا مطلقة، بمعنىٰ أن اعتقاد الإيجاب والتحريم لا يتعداه إلىٰ غيره وإن اعتقده عامَّاً، هذا في الظاهر فقط»(74) اهـ، وأمَّا في الباطن فهو مخطئ قطعاً، ولا يتصور في مثله نزاع.
سادساً: إذا ورد الناسخ ولم يعلمه المكلف إلا بعد مدة فلا يلزمه تدارك ما مضىٰ بالقضاء عند الجمهور، ويلزمه تدارك ما مضىٰ بالقضاء عند مخالفيهم إلا عند مَنْ يقول منهم بأن القضاء لا يكون إلا بأمر جديد لا بالأمر الأول، أي إن الأمر بالأداء ليس أمراً بالقضاء(75).
*    وينبغي أن يقال بمثل ذلك كله في الأحكام المبتدأة، إلا عند مَنْ فرق في مسألتنا بينها وبين النسخ.
المطلب الثالث
أثر الخلاف في المسألة في الفروع الفقهية
كان لهذه المسألة الأصولية أثرٌ ظاهر في الحكم علىٰ أفعال المكلفين وتصرفاتهم، وقد أكثرَ الأصوليون من المذاهب الأربعة التخريجَ علىٰ هذه القاعدة، وأثَّرَ الخلاف فيها في كثير من الفروع.
غير أني سأمهد بين يدي ذلك مسألة مهمة تعلقت بفرع واحد من تلك الفروع، وهو انعزال الوكيل بعزل موكِّله من غير علمه.
وبيان هذا الفرع هو أن الموكِّل إذا عزل الوكيل ولم يعلم بذلك فهل ينعزل بمجرد العزل فلا تصح عقوده التي وُكِّلَ فيها؟ أو أنه لا ينعزل إلا بعلمه بالعزل؟
وأهميتها ليس لخصوص هذا الفرع، بل لتعلق كلامهم في ذلك بكثير من قواعد أصول الفقه، حيث شاع في كثير من مصنفات الأصول تخريج أقوالٍ في المذهب الواحد من اختلاف الفروع المأثورة فيه، وربما تخريج قول الإمام في الأصل من فروعه الفقهية، إلىٰ غير ذلك من صور استخراج الأصول من الفروع، ثم إنه يقع في بعض تلك المصنفات ردّ تلك الفروع إلىٰ أصلها الذي هو أصلاً مفرَّعٌ منها.
والحاصل في مسألتنا أن أبا الخطاب الحنبلي(76)– رحمه الله – أخذ من إحدىٰ الروايتين عن الإمام أحمد – رحمه الله – بأن الوكيل ينعزل ولو لم يعلم بالعزل أخذ منها القول بلزوم النسخ للمكلف ولو لم يعلم بالناسخ، وخَرَّج ذلك وجهاً في المذهب(77)، وكذلك صنع الشافعية خَرَّجوا وجهين في المسألة الأصولية من القولين في المذهب في مسألة الوكيل(78)، ثم عاد الفريقان وغيرهم فخرَّجوا مسألة الوكيل علىٰ المسألة الأصولية، فمن هنا رأىٰ الطوفي(79) بأن هذا تخريجٌ دَوْريّ، حيث قال رحمه الله: «تخريج أبي الخطاب لهذه المسألة علىٰ مسألة انعزال الوكيل يلزم منه الدَّوْر(80)؛ لأن هذه المسألة أصولية، ومسألة عزل الوكيل فروعية، فهي فرع علىٰ مسألة النسخ؛ لأن العادة تخريج الفروع علىٰ الأصول، فلو خرَّجنا هذا الأصل المذكور في النسخ علىٰ الفرع المذكور في الوكالة لزم الدور؛ لتوقف الأصل علىٰ الفرع المتوقف عليه، فيصير من باب توقف الشيء علىٰ نفسه بواسطةٍ»(81) اهـ.
 وهذا الذي عابَهُ الطوفي علىٰ أبي الخطاب لم يرتضه الحنابلة بعده، ونفوا أن يكون تخريجاً دوريًّا(82)، وأحسنهم سياقاً في ذلك – علىٰ ما رأيتُ – هو علاء الدين الكناني(83) حيث قال رحمه الله: «إن كان المصنف يعني الطوفي يحيل هذا فليس بشيء؛ لأنه ليس من باب توقف الشيء علىٰ نفسه ولا علىٰ غيره بواسطة، فلا يكون تخريجاً ممتنعاً، وإنما هو قياسٌ وتخريج علىٰ خلاف الوضع؛ إذْ من شأن الأصول وضعاً واصطلاحاً أن تُبنىٰ عليها الفروع، وتُسْتخرج أحكامها منها.
هذا إن كان أبو الخطاب خرَّجه قياساً، وإلا فيحتمل أنه إنما خرَّجه استدلالاً منه علىٰ أن مذهب أحمد في النسخ كذا، لا أنه أخذ حكم النسخ من حكم الوكالة، ويكون حينئذ تخريجاً صحيحاً موافقاً للوضع.
ويدل علىٰ هذا التأويل أنه وُجِدَ فريق من أصحابنا أثبتوا حكم الأصول من نصه علىٰ الفروع، كما فعله القاضي(84) وغيره في غالب ظني»(85) اهـ.
 إلا أن جمعاً من الحنابلة والشافعية والمالكية بعد تسليمهم بهذه الطريقة في استخراج الأصول ضعَّفوا خصوص هذا التخريج بأنه تخريج أو قياس مع الفارق، وذكروا سنداً لذلك فروقاً من أهمها أن النسخ حكم الله تعالىٰ، وأحكامه سبحانه يتعلق بها الثواب والعقاب فلا جرم أن يعتبر فيها العلم، وأما الوكالة فمن تصرفات الآدميين، والإذن في التصرف والرجوع فيه لا يتعلق بهما ثواب ولا عقاب، فلا يلزم في اعتبارهما العلمُ.
وفي تصحيح هذا الفرق وغيره نزاع(86)، وسبق شيء من الكلام علىٰ هذا الموضوع عند مناقشة دلائل مخالفي الجمهور.
* وإذْ عرفتَ هذا فبقي أن تعرف شيئاً من الفروع المخرَّجة علىٰ هذا الأصل والخلاف فيه، فإليك جملة منها أسوقها بإيجاز(87):
1-      تصرفات الوكيل بعد العزل الذي لم يبلغه هل تكون نافذة؟
هذه هي المسألة المذكورة آنفاً، وقد ذكر فيها المالكية والشافعية والحنابلة قولين بناءً علىٰ القولين أو الوجهين في مذهب كلٍّ منهم في مسألة ثبوت النسخ قبل العلم(88).
وجزم الحنفية بأنه لا يصير معزولاً وتنفذ تصرفاته(89).
2-   إذا أودعه وديعةً ثم فسخها في غيبة المُوْدَع ولم يعلم، فهل تنفسخ الوديعة وتصير في يده أمانة؟ أو أنها لا تنفسخ إلا بعلمه؟
ذكر الحنابلة هذا الفرع ونقلوا فيه قولين في المذهب(90).
3-      إذا عُزِل القاضي ولم يعلم بذلك، فهل تمضي تصرفاته وأقضيته التي قضىٰ بها بعد العزل؟ أو أنها لا تمضي؟
خلافٌ علىٰ قولين عند كلٍّ من المالكية والشافعية والحنابلة(91).
وجزم الحنفية بنفوذها(92).
4-      إذا عُزِل الخطيب ولم يعلم بذلك، فهل تصح خطبته للجمعة التي وقعتْ بعد العزل؟ أو أنها لا تصح؟
ذكر المالكية هذا الفرع ونقلوا فيه قولين في المذهب(93).
5-   إذا قَتَلَ مسلم رجلاً لم تبلغه دعوة نبينا صلى الله عليه وسلم وكان ذلك المقتول علىٰ دين نبيٍّ، فهل يُقْتَصُّ منه؟ أو أنه لا يُقتصّ؟
ذكر الشافعية فيها وجهين مبنيين علىٰ الخلاف في القاعدة(94)، فإذا قلنا بأنَّ ذلك الدين الذي عليه المقتول قد نُسِخ في حقه بمجرد ورود شريعة الإسلام فإنه لا يُقْتَصّ من قاتله؛ لأنه قَتَلَ كافراً إذاً، وإذا قلنا بأنه لم يُنْسَخ دينه إلا بعلمه بشريعتنا فإنه يُقْتَصّ من قاتله.
وقال التُّمُرْتاشي(95) من الحنفية: أمَّا عند أصحابنا فينبغي أن يُقْتَصَّ منه؛ لأن المسلم يقتل بالذمي عندنا، فلا يصح تخريجه علىٰ ما ذُكِرَ من القاعدة عندنا(96).
6-   إذا وهبتْ المرأة نوبَتَها لضرتها ثم رجعتْ عن ذلك ولم يعلم الزوج برجوعها إلا بعد مدة، فهل يلزمه قضاء ما فات؟ أو أنه لا يلزمه؟
ذكر الشافعية فيها وجهين في المذهب مبنيين علىٰ الخلاف فيه في ثبوت النسخ قبل العلم(97).
7-   إذا زَوَّجَ المرأةَ وليُّها الأبعدُ لمانعٍ في الولي الأقرب، ثم زال ذلك المانع ولم يعلم الأبعدُ بزواله إلا بعد العقد، فهل يصح النكاح؟ أو أنه لا يصح؟
ذكر الشافعية والحنابلة في مذهبيهما وجهين وبنوهما علىٰ الخلاف في هذه القاعدة(98).
8-   إذا أَذِن السيد لعبده في الحج ثم رجع في إذنه ولم يعلم العبد فذهب وأحرم بالحج، فهل للسيد تحليله من إحرامه؟ أو ليس له ذلك؟
ذكر الشافعية أن في ذلك قولين في المذهب مبنيين علىٰ اختلافهم في هذا الأصل(99).
9-   لو عَتَقتْ الأمةُ ولم تعلم بذلك ثم صَلَّتْ وهي ساترة عورة الأمة فقط(100)، فهل تلزمها إعادة الصلاة؟ أو أنه لا تلزمها الإعادة؟
ذكر المالكية والشافعية في مذهبيهما وجهين(101).
10-إذا أسلم بدار الكفر أو نشأ علىٰ شاهق جبلٍ ولم يعلم بوجوب الصلاة والصوم، ثم عَلِمَ بعد مدة، فهل يجب عليه القضاء؟ أو أنه لا يجب عليه؟
ذكر المالكية والحنابلة في مذهبيهما قولين(102).
11-لو عفا وليُّ الدم عن القاتل ولم يعلم بذلك الجَلَّاد فاقتصَّ منه، فهل يجب علىٰ الجلاد الدية؟ أو أنه لا تجب عليه؟
ذكر الشافعية هذا الفرع ونقلوا فيه قولين في المذهب(103).
12-إذا قال: «مَنْ رَدَّ عبديَ الآبِق(104) فله كذا» ورجع بعد ذلك عن هذه الجعالة، ثم ردّه شخصٌ لم يعلم بالرجوع، فهل يستحق الجُعْل؟ أو أنه لا يستحقه؟
ذكر الشافعية هذا الفرع ونقلوا فيه وجهين في المذهب مبنيين علىٰ الخلاف في القاعدة(105).
إلىٰ غير ذلك من المسائل(106).
* وفَرَّع عبدالله الشنقيطي(107)– رحمه الله – علىٰ الخلاف في قاعدتنا مسألةَ رفع الخمسين صلاة بخمس هل يسمىٰ نسخاً؟ أو أنه لا يسمىٰ نسخاً؟(108)
وتابعه محمد الأمين الشنقيطي(109) حيث قال رحمه الله: «ويتفرع علىٰ هذا الخلاف نسخُ خمسة وأربعين صلاةً ليلةَ الإسراء، فعلىٰ أن الحكم يثبت بمجرد الورود فهي منسوخة في حق الأمة، وعلىٰ عكسه فلا»(110) اهـ.
أقول: في هذا التفريع نظر، بل تُبنىٰ مسألة رفع الخمسين صلاة بخمس علىٰ الخلاف في أصلٍ آخر وهو ثبوت النسخ قبل العلم بالمنسوخ، وما نحن فيه هو ثبوت النسخ قبل العلم بالناسخ.
ثم إن قاعدتنا – علىٰ ما سبق في موضعه – محلّها ورود النسخ في دار التكليف وهي الأرض، وما ذُكِر من نسخ الخمسين بخمس وردَ نسخه في غير دار التكليف وهو السماء، فتأمل!

الخاتمـة
بعد انقضاء البحث في مسألة ثبوت النسخ قبل علم المكلف به؛ يمكن إيجاز أهم ما جاء فيه في الأمور التالية:
أولاً: إن الناسخ بمجرد نزوله علىٰ المصطفىٰ صلى الله عليه وسلم في دار التكليف وهي الأرض؛ فقد ثبت أنه من شريعة النبي صلى الله عليه وسلم ، وثبت حكمه في حقه عليه الصلاة والسلام، وإنما الكلام في ثبوته في حق الأُمَّة.
ثانياً: إن الأصوليين لم تتفق كلمتهم في تعيين محل النزاع في هذه المسألة، حيث انقسموا فريقين: فمنهم مَنْ فَرَضَ الخلاف الوارد فيها فيما إذا نزل الناسخ علىٰ النبي صلى الله عليه وسلم ولم يبلّغه بَعْدُ إلىٰ الأمة، ومنهم مَنْ فَرَضه فيما إذا بلّغه النبي صلى الله عليه وسلم إلىٰ طائفةٍ من الناس ولم يَبْلغ بعْدُ الباقين.
وقال العلامة قطب الدين الشيرازي بأن الصورة الثانية هي المشهور في المسألة.
ثالثاً: انحصر الخلاف في المسألة في ثلاثة أقوال، فالأكثرون علىٰ نفي ثبوت حكم الناسخ في حق المكلفين قبل وصوله إليهم، وكثيرٌ من الشافعية علىٰ ثبوته، وبعض المتأخرين علىٰ ثبوته في الأحكام الشرعية الوضعية دون التكليفية.
رابعاً: إن معنىٰ ثبوت حكم الناسخ في مسألتنا هو الاستقرار في الذمة الموجِب للقضاء، لا طلب الامتثال في الحال فإنه محال.
خامساً: إن الخلاف يُبْنَىٰ – علىٰ ما صرَّح به بعضهم – علىٰ الخلاف في أن كل مجتهد مصيب أو المصيب واحد.
وظهر لي ابتناؤه علىٰ سبب آخر أيضاً، وهو اختلافهم في تحقيق مناط قاعدة تكليف ما لا يطاق، فمن تحققت عنده في صورة النزاع مَنَعَ من ثبوت النسخ، ومَنْ لم تتحقق لم يمنع الثبوت.
سادساً: ترجح في نظري القاصر مذهب الجمهور وهو أن ثبوت النسخ بالوصول لا بالنزول.
سابعاً: أثمرت هذه المسألة الأصولية في أحكام الفروع شيئاً كثيراً في أبواب متعددة.
 
--------------------------------------------------------------------------------
(1) هو محمد بن إدريس بن العباس المطلبي القرشي أبو عبدالله، أحد الأئمة الأربعة، وكان ذكياً فصيحاً وأفتىٰ وهو ابن عشرين سنة، من كتبه (الأم) و(المسند) و(الرسالة في أصول الفقه) مولده سنة 150هـ وتوفي سنة 204هـ. انظر (الوافي بالوفيات) 2/171 و(الأعلام) 6/26.
(2) هو عياض بن موسىٰ بن عياض اليَحْصبي السَّبْتي أبو الفضل، فقيه مالكي من كبار علماء الحديث، من كتبه (إكمال المعلم في شرح صحيح مسلم) و(الإلماع في ضبط الرواية وتقييد السماع) و(الإعلام بحدود قواعد الإسلام) مولده سنة 476هـ وتوفي سنة 544هـ. انظر (الديباج المذهب) 2/46 و(الأعلام) 5/99.
(3) انظر (المستصفىٰ) 1/229 و(شرح مختصر ابن الحاجب) لقطب الدين الشيرازي ق 229/ب و(تحفة المسؤول) 3/428-429.
(4) «ما» هنا موصولة.
(5) انظر المصادر السابقة.
(6) هو عبدالسلام بن سعيد بن حبيب التنوخي أبو سعيد، فقيه مالكي قاضٍ من أعيان المذهب، انتهت إليه رئاسة العلم بالمغرب، وهو راوي (المدونة) عن ابن القاسم عن الإمام مالك، مولده سنة 160هـ وتوفي سنة 240هـ. انظر (الديباج المذهب) 2/30 و(الأعلام) 4/5.
(7) انظر (تحفة المسؤول) 3/429.
(8) حكمٌ متجدّد: أي ظَهَرَ وكُلِّف به ا لناس لنزول الوحي به. انظر (التقرير والتحبير) 3/74 و(فواتح الرحموت) 2/91.
(9) انظر (بديع النظام) 2/551 و(شرح مختصر ابن الحاجب) لقطب الدين الشيرازي ق299/ب و(زوائد الأصول) ص315 و(شرح مختصر ابن الحاجب) لبهرام ص254 و(فصول البدائع) 2/158 و(الدرر اللوامع) 2/497.
(10) انظر (شرح العضد وحاشية التفتازاني) 2/201 و(أصول الفقه) لابن مفلح 3/1178 و(رفع الحاجب) 4/113 و(تحفة المسؤول) 3/429 و(فصول البدائع) 2/158 و(التقرير والتحبير) 3/74 و(فواتح الرحموت) 2/91.
(11) انظر (رفع الحاجب) 4/113 و(بلاغ النهىٰ) ص475 و(فواتح الرحموت) 2/91.
(12) انظر(فواتح الرحموت) 2/91 وقد سبق ذلك في أدلة الجمهور.
(13) انظر (التقرير والتحبير) 3/74 و(فواتح الرحموت) 2/91.
(14) انظر (التقرير والتحبير) 3/74.
(15) انظر (التبصرة) ص282 و(شرح اللمع) 1/525 و(التمهيد في أصول الفقه) 2/397 و(الواضح في أصول الفقه) 4/287 و(الإحكام) للآمدي 3/169 و(أصول الفقه) لابن مفلح 3/1177.
(16) انظر (قواطع الأدلة) 3/186.
(17) انظر (التمهيد في أصول الفقه) 2/397 و(أصول الفقه) لابن مفلح 3/1177 و(التحبير) 6/3092.
(18) انظر (التمهيد في أصول الفقه) 2/397 و(الواضح في أصول الفقه) 4/287 و(الإحكام) للآمدي 3/169 و(شرح مختصر ابن الحاجب) لقطب الدين الشيرازي ق300/أ.
(19) انظر (التمهيد في أصول الفقه) 2/397 و(أصول الفقه) لابن مفلح 3/1177 و(التحبير) 6/3092.
(20) انظر (التبصرة) ص282 و(شرح اللمع) 1/525 و(التمهيد في أصول الفقه) 2/397 و(الواضح في أصول الفقه) 4/287 و(الإحكام) للآمدي 3/169 و(شرح مختصر ابن الحاجب) لقطب الدين الشيرازي ق300/أ و(أصول الفقه) لابن مفلح 3/1177-1178.
(21) انظر (التمهيد في أصول الفقه) 2/397.
(22) من الآية 3 سورة التوبة.
(23) انظر (التمهيد في أصول الفقه) 2/397 و(الواضح في أصول الفقه) 4/288 و(الإحكام) للآمدي 3/169 و(أصول الفقه) لابن مفلح 3/1178 و(التحبير) 6/3092.
(24) انظر (الواضح في أصول الفقه) 4/288.
(25) انظر (التبصرة) ص283 و(شرح اللمع) 1/525 و(قواطع الأدلة) 3/186 و(التمهيد في أصول الفقه) 2/397 و(الواضح في أصول الفقه) 4/287 و(الإحكام) للآمدي 3/169.
(26) انظر (التمهيد في أصول الفقه) 2/397 و(الواضح في أصول الفقه) 4/288 و(الإحكام) للآمدي 3/169 و(أصول الفقه) لابن مفلح 3/1178 و(التحبير) 6/3092.
(27) انظر (العدة في أصول الفقه) 3/824 و(التمهيد في أصول الفقه) 2/398 و(الواضح في أصول الفقه) 4/286 و(الإحكام) للآمدي 3/169 و(شرح مختصر ابن الحاجب) لقطب الدين الشيرازي ق300/أ و(شرح مختصر الروضة) 2/309-310.
(28) انظر (الواضح في أصول الفقه) 4/287 و(شرح مختصر الروضة) 2/310.
(29) انظر (العدة في أصول الفقه) 3/824 و(التمهيد في أصول الفقه) 2/398 و(الإحكام) للآمدي 3/169 و(شرح مختصر ابن الحاجب) لقطب الدين الشيرازي ق300/أ.
(30) انظر (العدة في أصول الفقه) 3/825 و(التمهيد في أصول الفقه) 2/398 و(الواضح في أصول الفقه) 4/286-287 و(القواعد) لابن اللحام 2/536.
(31) انظر (التمهيد في أصول الفقه) 2/398 و(أصول الفقه) لابن مفلح 3/1176.
(32) انظر (المستصفىٰ) 1/229 و(التنقيحات) ص206 و(روضة الناظر) 1/319 و(الإحكام) للآمدي 3/169 و(شرح مختصر ابن الحاجب) لقطب الدين الشيرازي ق300/أ و(نهاية الوصول) 6/2314 و(شرح مختصر الروضة) 2/312-313 و(أصول الفقه) لابن مفلح 3/1178.
(33) انظر (المستصفىٰ) 1/229 و(التنقيحات) ص207 و(لباب المحصول) 1/310 و(الإحكام) للآمدي 3/169 و(شرح مختصر الروضة) 2/314 و(أصول الفقه) لابن مفلح 3/1178 و(التحبير) 6/3092.
(34) انظر (المستصفىٰ) 1/229-230 و(التنقيحات) ص207.
(35) انظر (شرح مختصر الروضة) 2/314.
(36) انظر (فواتح الرحموت) 2/89.
(37) انظر المصدر السابق.
(38) انظر بعض هذا في (التمهيد في أصول الفقه) 2/395 و(أصول الفقه) لابن مفلح 3/1177.
(39) انظر (المجموع المذهب) 2/68 و(البحر المحيط) 4/84 و(تشنيف المسامع) 2/891 و(التحبير) 6/3090 ذكروه كلهم باختصار.
(40) سبق في أدلة المذهب الثاني أن لا دليل لهم علىٰ لزوم القضاء إلا القياس علىٰ أصحاب الأعذار، وهو قياس سبق بيان ضعفه.
(41) تقدم أن هذا المذهب لا يُعْرف قائله.
(42) انظر (سلاسل الذهب) ص297-298.
(43) هو أحمد بن عبدالرحمن بن موسىٰ الزليطني القيرواني أبو العباس المعروف بحلولو، فقيه مالكي أصولي من القضاة، من كتبه (الضياء اللامع في شرح جمع الجوامع) و(التوضيح في شرح التنقيح) للقرافي و(شرح مختصر خليل) مولده سنة 815هـ وتوفي سنة 898هـ. انظر (توشيح الديباج) ص52 و(الأعلام) 1/147.
(44) هو علي بن إسماعيل بن علي الأَبْياري شمس الدين أبو الحسن، فقيه مالكي أصولي محقِّق، من كتبه (شرح البرهان) لإمام الحرمين و(سفينة النجاة) مولده سنة 557هـ وتوفي سنة 616هـ. انظر (الديباج المذهب) 2/121 و(معجم المؤلفين) 7/37.
(45) (الضياء اللامع) 2/148.
(46) انظر بعض هذا في (مجموع الفتاوىٰ) لابن تيمية 19/226-227. 
(47) هو محمد بن عبدالله بن محمد المعافري الإشبيلي أبو بكر المعروف بابن العربي، فقيه مالكي أصولي مفسِّر من القضاة، من كتبه (أنوار الفجر) في تفسير القرآن و(المحصول في أصول الفقه) و(القبس علىٰ موطأ مالك بن أنس) مولده سنة 468هـ وتوفي سنة 543هـ. انظر (الديباج المذهب) 2/252 و(الأعلام) 6/230.
(48) انظر (الناسخ والمنسوخ) لابن العربي 2/6.
(49) انظر (اللمع في أصول الفقه) ص137 و(المسودة) 1/449 و(شرح مختصر الروضة) 2/310 و(القواعد) لابن اللحام 2/536 و(التحبير) 6/3091 و(نشر البنود) 1/294.
(50) وأفرد الدبوسي الأخيرة بباب منفصل، انظر كتابه (تقويم أصول الفقه) 3/479 وراجع (قواطع الأدلة) 5/220.
(51) هو أحمد بن عبدالحليم بن عبدالسلام النميري الحراني تقي الدين أبو العباس المعروف كآبائه بابن تيمية، فقيه حنبلي أصولي مشارك في فنون كثيرة، من كتبه (الإيمان) و(الاستقامة) و(منهاج السنة النبوية) مولده سنة 661هـ وتوفي سنة 728هـ. انظر (الذيل علىٰ طبقات الحنابلة) 4/491 و(الأعلام) 1/144.
(52) (بيان الدليل) ص343-344 وراجع أيضاً (مجموع فتاوىٰ ابن تيمية) 19/226.
(53) انظر (الآيات البينات) 3/215.
(54) هو عبدالملك بن عبدالله بن يوسف الجويني إمام الحرمين أبو المعالي، فقيه شافعي أصولي وأحد أعيان المذهب، من كتبه (غياث الأمم في التياث الظلم) و(البرهان في أصول الفقه) و(نهاية المطلب في دراية المذهب) مولده سنة 419هـ وتوفي سنة 478هـ. انظر (طبقات الشافعية) لابن قاضي شهبة 1/255 و(الأعلام) 4/160.
(55) انظر (التلخيص) لإمام الحرمين 2/539 وراجع (رفع الحاجب) 4/113 و(البحر المحيط) 4/84 و(التحبير) 6/3091 وأخطأ أمير بادِشاه فنسب إلىٰ إمام الحرمين أنها ليست بقطعية، انظر (تيسير التحرير) 3/218.
(56) انظر (التلخيص في أصول الفقه) 2/540 و(رفع الحاجب) 4/116 و(البحر المحيط) 4/84 وهذا الخلاف نظير اختلافهم في الأمر للمعدوم هل يوصف بكونه أمراً؟ أو أنه لا يوصف بذلك إلا علىٰ شرط وجود المأمور؟ انظر تحقيق منشأ الخلاف في (المسائل المشتركة) ص149-156.
(57) هو محمد بن الطَّيِّب بن محمد الباقلاني البصري أبو بكر، فقيه أصولي متكلم من القضاة، كان شيخ المالكيين في وقته، من كتبه (إعجاز القرآن) و(كشف أسرار الباطنية) و(التقريب والإرشاد) في أصول الفقه، توفي سنة 403هـ. انظر (ترتيب المدارك) 7/44 و(الأعلام) 6/176.
(58) (التلخيص في أصول الفقه) 2/540 وعنه تاج الدين السبكي في (رفع الحاجب) 4/116 والزركشي في (البحر المحيط) 4/84 ومسألتنا وقعت في القسم المفقود من (مختصر التقريب) للباقلاني.
(59) انظر كتابه (إكمال المعلم) 2/446 غير أن عياضاً ــ رحمه الله ــ وصف فيه القائلين بثبوت النسخ في حق مَنْ لم يبلغه الناسخ بأنهم ليس لهم قوة تحصيل في علم الأصول! ولا يخفاك أن هذا جناية علىٰ أئمة فضلاء  هم من مفاخر الشافعية. ثم إنه ــ أعني القاضي عياضاً ــ ادعىٰ الإجماع علىٰ عدم ثبوت النسخ، وجعله حجة تردّ دعوىٰ هؤلاء المخالفين، ولا يخفاك بطلان القول بالإجماع بعدما رأيتَه من الخلاف والأدلة، فما قاله الصنعاني ــ رحمه الله ــ في (العدة) 2/207 من أن كلام عياض هو التحقيق في المسألة؛ فيه ما ترىٰ!
(60) (رفع الحاجب) 4/112 وكذا هو في (تشنيف المسامع) 2/889-890 و(التحبير) 6/3090.
(61) (البحر المحيط) 4/84 وراجع (تحفة المسؤول) 3/428 و(سلاسل الذهب) ص297.
(62) انظر (البرهان في أصول الفقه) 2/855-856 وعنه الزركشي في (البحر المحيط) 4/84.
(63) (شرح مختصر ابن الحاجب) لقطب الدين الشيرازي ق300/أ.
(64) انظر (المنخول) ص301.
(65) (رفع الحاجب) 4/116.
(66) انظر (البحر المحيط) 4/81، 84.
(67) (التحبير) 6/3090.
(68) انظر (التلخيص في أصول الفقه) 2/538 و(تشنيف المسامع) 2/889.
(69) انظر (رفع الحاجب) 4/111 و(تشنيف المسامع) 2/889 و(التحبير) 6/3090.
(70) حيث قال الجلال اليمني: «وثمرة الخلاف إنما تظهر في الحكم ببقاء طلب الأول ولوازم الطلب»اهـ. (بلاغ النهىٰ) ص474.
(71) انظر (قواطع الأدلة) 3/185، 187 و(نهاية الوصول) 6/2314-2315 و(رفع الحاجب) 4/112 و(تيسير التحرير) 3/216-217 وغيرها.
(72) إنما يؤثمونه علىٰ الجرأة وقصْد المخالفة.
(73) انظر (المستصفىٰ) 1/229 و(التنقيحات) ص207 و(تشنيف المسامع) 2/890.
(74) (بيان الدليل) ص365 وانظر أيضاً من نفس الكتاب في هذا الموضوع ص343-347، و364-366.
(75) انظر (المنخول) ص302 و(لباب المحصول) 1/309-310 و(الجامع لأحكام القرآن) 2/431 و(نهاية الوصول) 6/2315 و(بيان الدليل) ص344، 365 و(البحر المحيط) 4/81، 84 وغيرها.
(76) هو محفوظ بن أحمد بن الحسن الكَلْوَذاني أبو الخطاب، فقيه حنبلي أصولي من أعيان المذهب، من كتبه (الهداية في الفقه) و(التمهيد في أصول الفقه) و(التهذيب في الفرائض) مولده سنة 432هـ وتوفي سنة 510هـ. انظر (المنهج الأحمد) 3/57 و(الأعلام) 5/291.
(77) انظر (التمهيد في أصول الفقه) 2/395 وراجع الروايتين عن الإمام أحمد في مسألة عزل الوكيل في (العدة في أصول الفقه) 3/824، 825 و(تقرير القواعد) 1/512.
(78) انظر (التلخيص في أصول الفقه) 2/539 و(رفع الحاجب) 4/113 و(البحر المحيط) 4/83.
(79) هو سليمان بن عبدالقوي بن عبدالكريم الطُّوفي الصَّرْصري نجم الدين أبو الربيع، فقيه حنبلي أصولي مشارك في عدة فنون، من كتبه (مختصر روضة الناظر) و(شرح مقامات الحريري) و(الإكسير في قواعد التفسير) مولده سنة 657هـ وتوفي سنة 716هـ. انظر (المنهج الأحمد) 5/5 و(الأعلام) 3/127.
(80) الدَّوْر: هو توقف كل واحد من الشيئين علىٰ الآخر. (الكليات) ص447.
(81) (شرح مختصر الروضة) 2/310.
(82) انظر مثلاً (أصول الفقه) لابن مفلح 3/1176 و(القواعد) لابن اللحام 2/536 و(التحبير) 6/3090.
(83) هو علي بن محمد بن علي الكناني العسقلاني علاء الدين أبو الحسن، فقيه حنبلي أصولي من القضاة، من كتبه (شرح مختصر الروضة) للطوفي، توفي سنة 776هـ. انظر (المنهج الأحمد) 5/146 و(تسهيل السابلة) 2/1169.
(84) هو محمد بن الحسين بن محمد الفَرَّاء البغدادي أبو يعلىٰ، فقيه حنبلي أصولي من القضاة وإمام المذهب في زمانه، من كتبه (أحكام القرآن) و(الأحكام السلطانية) و(الكفاية في أصول الفقه) مولده سنة 380هـ وتوفي سنة 458هـ. انظر (المنهج الأحمد) 2/354 و(الأعلام) 6/99.
(85) (سواد الناظر) ص305-306.
(86) انظر (المهذب) للبغوي 4/213 و(إكمال المعلم) 2/446 و(المسودة) 1/448 و(أصول الفقه) لابن مفلح 3/1176 و(رفع الحاجب) 4/114-115 و(سواد الناظر) ص306 و(المختصر في أصول الفقه) لابن اللحام ص139 و(القواعد) له أيضاً 2/536 و(التحبير) 6/3091، 3092. 
(87) وقد صفحتُ في هذه المسائل الفقهية عن ذكر الراجح من تلك الوجوه والأقوال المذكورة فيها؛ لعدم تعلق الغرض بذلك، ولأن الفرع قد تتجاذبه أصول عدة وأدلة مختلفة فيصرفه عن الرجوع إلىٰ الأصل المذكور أصل آخر يكون أوْلىٰ منه؛ ولذا احترز صلاح الدين العلائي في (المجموع المذهب) 2/68 عند شروعه في ذكر الفروع المخرَّجة فقال: «ولهذه القاعدة نظائر كثيرة فقهية لعلها ترجع إليها، لكن التصحيح فيها يختلف بحسب ما يقتضيه المقام في كل مسألة»اهـ، علىٰ أن بعض تلك المسائل ذُكِرتْ في بعض المصادر مطلقةً عن الترجيح، وكأنما أراد أصحابها المعنىٰ الذي ذكرتُه.
(88) انظر (الجامع لأحكام القرآن) 2/431 و(التمهيد في تخريج الفروع علىٰ الأصول) ص436 و(القواعد) لابن اللحام 1/299 و(الضياء اللامع) 2/148 و(إيضاح المسالك) ص268 و(شرح المنهج المنتخب) 1/386، 387 وغيرها.
(89) انظر (الوصول إلىٰ قواعد الأصول) ص269.
(90) انظر (تقرير القواعد) 1/514.
(91) انظر (الجامع لأحكام القرآن) 2/431 و(المجموع المذهب) 2/68 و(رفع الحاجب) 4/115 و(تقرير القواعد) 1/513 و(القواعد) لابن اللحام 1/302 و(القواعد) للحصني 3/222.
(92) انظر (الوصول إلىٰ قواعد الأصول) ص269.
(93) انظر (الضياء اللامع) 2/148 و(إيضاح المسالك) ص268 و(شرح المنهج المنتخب) 1/386.
(94) انظر (التمهيد في تـخريج الفروع علىٰ الأصول) ص435 و(الدرة الموسومة) 2/1017.
(95) هو محمد بن عبدالله بن أحمد الخطيب التمرتاشي شمس الدين، فقيه حنفي أصولي، من كتبه (تنوير الأبصار) في الفقه و(معين المفتي علىٰ جواب المستفتي) و(الوصول إلىٰ قواعد الأصول) مولده سنة 939هـ، والصحيح أنه كان حياً سنة 1007هـ وأنه لا تعرف سنة وفاته. انظر (الأعلام) 6/239 ومقدمة تحقيق (الوصول إلىٰ قواعد الأصول) ص84.
(96) انظر (الوصول إلىٰ قواعد الأصول) ص269.
(97) انظر (المجموع المذهب) 2/69 و(رفع الحاجب) 4/115 و(القواعد) للحصني 3/223 و(الدرة الموسومة) 2/1019.
(98) انظر (المجموع المذهب) 2/70 و(القواعد) لابن اللحام 1/300 و(القواعد) للحصني 3/225 و(الأشباه والنظائر) للسيوطي ص202.
(99) انظر (المجموع المذهب) 2/69 و(القواعد) للحصني 3/224 و(الأشباه والنظائر) للسيوطي ص202.
(100) بأنْ تصلي مكشوفة الرأس مثلاً.
(101) انظر (المجموع المذهب) 2/69 و(رفع الحاجب) 4/115 و(القواعد) للحصني 3/224 و(الأشباه والنظائر) للسيوطي ص202 و(إيضاح المسالك) ص268 و(شرح المنهج المنتخب) 1/386.
(102) انظر (القواعد) لابن اللحام 1/297 و(الضياء اللامع) 2/148 و(نشر البنود) 1/294 و(مذكرة أصول الفقه) ص147.
(103) انظر (المجموع المذهب) 2/70 و(القواعد) للحصني 3/224 و(الأشباه والنظائر) للسيوطي ص202.
(104) الآبِق: هو العبد إذا فَرَّ واستخفىٰ عن سيده. (تاج العروس) 13/3 «أبق».
(105) انظر (رفع الحاجب) 4/115.
(106) هي كثيرة انظرها في المصادر التي سبقت في هذا المطلب.
(107) هو عبدالله بن إبراهيم العلوي الشنقيطي أبو محمد، فقيه مالكي أصولي، من كتبه (مراقي السعود) منظومة في أصول الفقه و(نشر البنود علىٰ مراقي السعود) و(نَوْر الأُقاح) منظومة في علم البيان، توفي سنة 1235هـ. انظر (الأعلام) 4/65.
(108) انظر (نشر البنود) 1/294.
(109) هو محمد الأمين بن محمد المختار بن عبدالقادر الجكني الشنقيطي، فقيه أصولي مفسِّر، من كتبه (أضواء البيان) في تفسير القرآن و(دفع إيهام الاضطراب عن آي الكتاب) و(آداب البحث والمناظرة) مولده سنة 1325هـ وتوفي سنة 1393هـ. انظر (الأعلام) 6/45.
(110) (مذكرة أصول الفقه) ص147.