15 رجب 1433

السؤال

زوجتي امرأة فاضلة ومستقيمة، ولي منها ولدان، كثرت المشاكل في حياتنا، وأحياناً لا نتكلم مع بعض لفترة طويلة، قد تستمر 10 أيام مثلاً، ثمَّ نتصالح، وهكذا. أصبحت لا أطيق صبراً على حياتنا، يوم عسل، وأيام كثيرة مشاكل، بل أصبحت أخاف أن أتحدَّث، وأحاسب على كلِّ كلمة أقولها؛ لكيلا تؤول من طرفها بسوء في غير ما أقصد. أعترف بأنِّي مقصر كثيراً، ولي سلبيَّات كثيرة، علماً بأنَّها الزَّوجة الثَّانية، وعلاقتها مع الأولى ممتازة و لله الحمد، ولكن !! زهقت وطفشت من المشاكل لأتفه الأسباب، وبسبب تأويلها للأمور بشكل عجيب !!.
سؤالي: قرَّرت أن أطلِّقها إكراماً لي ولها. أريد طريقة للطَّلاق بهدوء مع كامل حقوقها، لكي أرتاح ، والله إنِّي محتار في الطَّريقة .. دلوني إخوتي.

أجاب عنها:
سعد العثمان

الجواب

الحمد لله وحده، والصَّلاة والسَّلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه...
أخي الفاضل: أشكرك على ثقتك، بموقع المسلم، ومتابعتك له، ونسأل الله - عزَّ وجلَّ - أن يجعلنا أهلاً لهذه الثِّقة، وأن يجعلَ في كلامنا الأثر، وأن يتقبَّل منا أقوالنا وأعمالنا، وأن يجعلها كلَّها خالصة لوجهه الكريم، وألا يجعل فيها حظَّاً لمخلوق..آمين.
أخي الكريم: أنت رجل معدِّد للنِّساء، وزوجتاك متَّفقتان ومؤتلفتان، وزوجتك الثَّانية فاضلة ومستقيمة، ورزقت منها ولدين، ولكنَّك تشكو من خلافات تحدث بينكما، قد أوصلتك تلك المشاكل إلى حدِّ أنَّك تفكِّر بطلاقها جدِّياً، وتسأل عن الطَّريقة التي تسلكها؛ لإنجاز عمليَّة الطَّلاق، وتظنُّ أنَّ الطَّلاق هو الحلَّ والرَّاحة لك ولها، جوابي على استشارتك سيكون من خلال النِّقاط الآتية:
أولاً: كلُّ الأسر لا تخلو من مشاكل، والأسر التي فيها أبٌ معدِّد للزَّوجات أكثر مشاكل، وهذا أمر قد أصبح شبه طبيعي، ولكن!! نسبة المشاكل تختلف من أسرة إلى أخرى، وكلُّنا يقرأ سورة التَّحريم في القرآن الكريم، التي نوَّهت إلى حدوث المشاكل في أنقى وأطهر بيت زوجيَّة في التَّاريخ البشريِّ، ومن أعظم أنموذج زوجين في الوجود كلِّه، إنَّه رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم مع أحبِّ النَّاس إلى قلبه عائشة الصِّدِّيقة بنت الصِّديق، بل تذكر لنا كتب السِّيرة والتَّاريخ، أنَّ النَّبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم وصل إلى حدِّ أنَّه كاد أن يطلِّق زوجته عائشة الطَّاهرة النَّقيَّة في حادثة الإفك، بل وورد في كتب السِّيرة أنَّه هجر نساءه شهراً كاملاً، حينما طلبن منه زيادة عن المطلوب في النَّفقة، وخيرهنَّ بين البقاء على حاله وحالهنَّ أو الطَّلاق.
ثانياً: رُوي أنَّ رجلاً جاء إلى عمر رضي الله عنه، يشكو خلق زوجته، فوقف على باب عمر ينتظر خروجه، فسمع امرأة عمر تستطيل عليه بلسانها وتخاصمه وعمر ساكت لا يرد عليها، فانصرف الرَّجل راجعاً، وقال في نفسه: إن كان هذا حال عمر مع شدَّته وصلابته، وهو أمير المؤمنين، فكيف حالي أنا؟. فخرج عمر فرآه مولِّياً عن بابه، فناداه وقال: ما حاجتك يا رجل؟. فقال يا أمير المؤمنين جئت أشكو إليك خلق امرأتي، واستطالتها عليَّ، فسمعت زوجتك كذلك، فرجعت وقلت: إذا كان هذا حال أمير المؤمنين مع زوجته فكيف حالي؟. فقال عمر: يا أخي إنِّي أحتملها لحقوق لها علي: إنَّها طبَّاخة لطعامي، خبازة لخبزي، غسالة لثيابي، مرضعة لولدي، ويسكن بها قلبي عن الحرام، فأنا أحتملها لذلك. فقال الرَّجل :يا أمير المؤمنين وكذلك زوجتي. قال عمر: فاحتملها يا أخي!! فإنَّما هي مدَّة قصيرة.
ثالثاً: أوصيك بالعدل بين زوجتيك، واحذر أن تأتي يوم القيامة وأحد شقيك مائل، فالعدلُ بين الزَّوجات يجب في كلِّ شيء يمكن العدل فيه، عدا الحب الباطن، فهذا شيء لا يملكه الإنسان، أمَّا الأمور الظَّاهرة فيجبُ العدل في ذلك. قال الشَّيخ ابن عثيمين رحمه الله:( القول الصَّحيح في العدل بين الزَّوجات أنَّه يجب على الزَّوج أن يعدل بينهن في كلِّ ما يمكنه العدل فيه، من الهدايا أو النَّفقات، بل وحتَّى الجماع إن قدر: يجب عليه أن يعدل فيه). وعن يحيى بن سعيد أنَّ معاذاً كانت له امرأتان، وكان يكره أن يتوضَّأ في يوم هذه عند هذه، أو يكون في يوم هذه عند هذه. وعن جابر بن زيد قال: كانت لي امرأتان فكنت أعدل بينهما حتَّى في القُبَل. وعن مجاهد قال: كانوا يستحبُّون أن يعدلوا بين النِّساء حتَّى في الطِّيب، يتطيَّب لهذه كما يتطيَّب لهذه.
رابعاً: بالتَّأكيد الطَّلاق هو آخر حلٍّ لبعض الحالات، التي لا تستقيم معها الحياة، وقد حلَّله الله وشرعه كونه حلٌّ، وليس مشكلة بحدِّ ذاته، فالمرأة النَّاشز والخائنة وخضراء الدِّمن، لابدَّ من طلاقها حتَّى لو كان لديها جيش من الأولاد، والرَّجل الفاسق الفاسد الخائن البخيل لابدَّ من خلعه، ولو كان أباً لجيش من الأولاد، إذاً لابدَّ أن يكون هناك سبب واضح وصريح وبيِّن للطَّلاق، وما نراه اليوم من طلاق لأسباب سخيفة، وتأويلات ما أنزل الله بها من سلطان، لا شكَّ أن في إجراء الطَّلاق بمثلها إثم وضرر.
خامساً: لا أنصحك أخي الكريم بطلاق زوجتك الثَّانية، فأنت تقول عنها فاضلة ومستقيمة، ولا تنس أنَّ لك منها ولدين، فلا تكن سبباً في ضياعهما، وفقدهما لحنان الأمِّ وعطفها ورعايتها، ونشوئهما تنشئة تربويَّة وصحيَّة سليمة، ومارس في علاج نشوز زوجته الطُّرق الشَّرعيَّة المتاحة، من الوعظ والهجر والضَّرب غير المبرح، ولا تنس أنَّ الاستعانة ببعض الرِّجال الصَّالحين والنِّساء الصَّالحات من أقربائك وأقرباء زوجتك، له دور كبير في علاج نشوز زوجتك، فزوجتك إنسانة تتأثَّر بمن حولها، وتخجل وتستحي من أن يعلم النَّاس الأقربون بحالها معك.
سادساً: عليك بدعاء الله تبارك وتعالى أن يؤلِّف قلب زوجتك لك، فالله قريب مجيب الدَّعوات، لاسيَّما إن كان الدُّعاء بإلحاح وحضور قلب، وكان ذلك في مواطن الإجابة، لاسيَّما في الثُّلث الأخير من الليل.