الاتجاهات الحديثة في الإسلام
14 ربيع الأول 1433
منذر الأسعد

هذا الكتاب في الأصل عبارة عن محاضرة ألقاها البحاثة العراقي الراحل محمد بهجة الأثري، قبل 61 سنة، بدعوة من الجامعة الأمريكية في بيروت، وقد نشر نصها في صيغة كتاب ضئيل الحجم -56صفحة- جليل القيمة غني المحتوى، المفكر والمؤرخ الكبير محب الدين الخطيب، وقدم بين يدي النص مقدمة ضافية، لاحظ فيها الفرق الشاسع بين القرون الثلاثة الهجرية الذهبية عندما كانت أمة التوحيد تدرك حقيقة الصراط المستقيم الذي تسأل الله تعالى  في صلواتها كل يوم أن يهديها إليه، لتتخبط الأمة في القرون العشرة التالية في بحر لجي تداخلت فيه الشبهات وتسللت الأفكار الدخيلة والسلوكيات المريبة...

 

يستهل الأثري محاضرته -أو: كتابه- بتسجيل احتراز مبدئي جليل، هو أن الإسلام لا يواجه مشكلات في نفسه عند من يؤمنون به ويلتزمونه عقيدة وشريعة وأخلاقاً مثلما جاء في كتاب الله سبحانه وفي سنة نبيه صلى الله عليه وآله وسلم. من هنا ركّز الباحث على نوعين من المشكلات يواجههما الإسلام في العصر الحاضر، نوع موروث من ركام الماضي، وآخر فرضته سياسات الغرب المناوئة في زماننا.

 

فأما المشكلات القديمة فانطلقت -بحسب الكتاب- عبر المؤامرة اليهودية المجوسية التي نفذها أبو لؤلؤة المجوسي -الذي يسميه المجوس الجدد: بابا شجاع- باغتيال ثاني الخلفاء الراشدين الفاروق عمر ابن الخطاب رضي الله عنه. لكن تلك المؤامرة فشلت في تمزيق الأمة التي كانت في ذروة مناعتها، فلجأ الأعداء إلى الدس من الداخل، فما لم ينجح بالقتل والمكر السياسي، قد يجد في تخريب دين الناس وسيلة أكثر نجاعة. وقد نجح هذا الأسلوب بكل أسف، وأدى إلى تمزيق الأمة تبعاً للعصبيات الجاهلية البائدة، وتفككت الدولة الموحدة ووهن مركزها حتى صار سلطانه شكلياً.ويفسر الأثري سبب النجاح الأثيم بتركيز السرطان الخبيث على ضرب الأصل الذي يقوم عليه الإسلام-أي: التوحيد-فعكرت على شرائح من الناس نقاءه بدس الشركيات الخفية أول الأمر، من خلال التلبيس واقتطاع النصوص من سياقها، والترويج لأكذوبة وجود "حقيقة باطنية" لا يعلمها إلا سدنة الشرك المدخول!! وتبعاً لذلك أصبح جمهور الأمة يألف أموراً ينكرها الإسلام أشد الإنكار وكأنها من الإسلام.

 

ولولا الله عز وجل الذي حفظ القرآن لاندثر الدين وضاعت معالمه، وبخاصة أن الدجل الذي استشرى استفاد من فشو الجهل وسيطرة التصوف البدعي والغالي، تبعته غارات استئصالية هائلة تمثلت في همجية المغول من الشرق، ووحشية الصليبيين من الغرب.

 

وينصف المؤلف دعوة التوحيد التي نهض بها الشيخ المجدد محمد بن عبد الوهاب رحمه الله، ويوضح أثرها العظيم في يقظة الأمة، منبهاً إلى أنها كانت سَتُحْدِثُ آثاراً أكبر في عصرها لولا الحرب الظالمة التي شنتها عليها الدولة العثمانية، التي كانت واقعة تحت سيطرة غلاة المبتدعة من المتصوفين وغلاة المتعصبين مذهبياً.

 

وختاماً، أجد لزاماً عليّ تعريف الأجيال الناشئة بصاحب البحث القيم، العلامة محمد بهجة الأثري   (1322-1416هـ ، 1904-1996م)، فهو من أبرز علماء العراق في العصر الحديث في علوم العربية والشريعة والأدب. وُلد ببغداد وأتم قراءة القرآن الكريم تلقينًا وتجويدًا في السادسة من عمره. توجه في سن مبكرة إلى تعلم اللغة العربية وآدابها وعلوم الشريعة الإسلامية على يد مجموعة من جلّة العلماء. عمل بالتدريس عام 1345هـ، 1926م، ثم عهد إليه سنة 1355هـ، 1936م بمديرية أوقاف بغداد، ثم عين عضوًا في لجنة التأليف والترجمة والنشر عام 1366هـ، 1947م.

 

وفي عام 1369هـ 1949م، انتخب نائبًا لرئيس المجمع العلمي العراقي، ثم نائبًا أول له من سنة 1375هـ، 1955 إلى 1383هـ، 1963م، ثم عضوًا عاملاً في المجمع الموحد عام 1979م. قام بتدريس الأدب والأخلاق في كلية الشرطة عام 1372هـ، 1952م. عين عام 1378هـ، 1958م مديرًا عامًا للأوقاف. له أكثر من عشرين عملاً من المؤلفات والتحقيقات التي خدم بها اللغة وآدابها وفكرها، من أهمها: أعلام العراق؛ محمود شكري الألوسي: حياته وآراؤه اللغوية؛ الاتجاهات الحديثة في الإسلام؛ المدخل في تاريخ الأدب العربيّ؛ المجمل في تاريخ الأدب العربي؛ مأساة الشاعر وضاح اليمن؛ ديوان شعر بعنوان ¸ملاحم... وأزهار•.

حاز الأثري رحمه الله جائزة الملك فيصل العالمية للأدب العربي عام 1406هـ ، 1986م.