أنت هنا

سحابة صيف "مصرية/أمريكية".. أم أزمة عاصفة؟!
23 ربيع الأول 1433
موقع المسلم

بإطلالة سريعة على الصحافة المصرية الرسمية لن يخطئ المطالع وجود أزمة ما في العلاقات المصرية/الأمريكية، لها سبب معلن يتعلق بالتدخل الأمريكي في الشؤون الداخلية المصرية، والتدفق المالي الكبير لأموال رسمية وغير رسمية آتية من الولايات المتحدة لدعم منظمات "المجتمع المدني"، والتي فتحت قضية قضائية في المحاكم المصرية تدقق وتلاحق المتهمين بتلقي نحو مليار جنيه مصري في الشهور التي تلك الثورة المصرية.

 

وثمة إجماع غير مسبوق تنتظم فيه الحكومة المصرية إلى جانب القوى الإسلامية، وتحويل تام للمسألة إلى الشأن القضائي ومحاولة تفريغ التأثير السياسي الأمريكي من محتواه عبر تحويلها رسمياً إلى مسألة قضائية بحتة، من جهة، ومن جهة أخرى تجييش كل وسائل التأثير الفاعلة من صحافة وقنوات رسمية، وفتح المجال رحباً للقوى الإسلامية لنقد التدخل الأمريكي، والذي أخذ أعلى مستوياته مع التهديد بقطع المعونة الأمريكية عن مصر في حال لم تفرج عن المتهمين الأمريكيين وغيرهم من منسوبي منظمات "المجتمع المدني" المتهمين بالتورط في تلقي الدعم الأمريكي.

 

الإسلاميون من جهتهم بدوا متحمسين للهجوم على الولايات المتحدة؛ فمن هجوم ضارٍ من الدكتور رشاد بيومي نائب المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين، الذي قال: إن وجود السفيرة الأمريكية في مصر "آن باترسون" يؤكّد وجود مخططات "صهيو أمريكية" لإحداث الفتنة بمصر، حيث إن هذه المخططات وراء تكرار الاعتصامات والإضرابات والاحتجاجات، وبيان صريح من الجماعة يؤكد أن الولايات المتحدة أنفقت أكثر من 105 مليون دولار من قيمة المعونة السنوية لمصر بعد الثورة على هدم مصر وتدمير المجتمع، فيما أنفقت 60 مليون دولارًا على مدار 10 أعوام سابقة بكاملها، إلى الناطق الرسمي لحزب النور الأستاذ نادر بكار الذي هاجم بدوره ربط المعونة الأمريكية بالإفراج عن المتهمين، والسماح لواشنطن بالتدخل في الشؤون الداخلية لمصر، وإلى الشيخ محمد حسان الذي أطلق حملة بدت مقننة ومرتبطة بالمزاج الرسمي العام في مصر، ولاقت ترحيباً كبيراً من شيخ الأزهر نفسه، لتعويض قيمة المعونة الأمريكية بالجهود الذاتية وبرعاية كبار الدعاة والمشايخ في مصر.

 

كل ذلك، أتى مرافقاً لقنبلة مدوية غير مسبوقة من وزيرة التعاون الدولي د.فايزة أبو النجا التي فاجأت الجميع بشهادتها في التحقيقات بشأن التمويل الأجنبي، والتي أكدت فيها أن "الهدف الأمريكى للتمويل المباشر للمنظمات خلال الفترة من عام 2005 وحتى 2010 كان يقتصر على مضايقة النظام الحاكم السابق فى مصر والضغط عليه بدرجة محسوبة لا تصل إلى حد إسقاطه, حيث إن الوضع فى النظام السابق على ثورة يناير، كان وضعا مثاليا لكل من الولايات المتحدة للولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل، وبالتالى لم تكن أى منهما ترغب فى إسقاطه"، ولذا ـ وحسب الوزيرة ـ فإن "مثل هذا التدخل فى الشئون المصرية ومزاولة مثل هذه الأنشطة يمثل تحديًا سافرًا للسيادة المصرية ويخدم أهدافًا غير معلنة تمثل ضررًا بالغًا بمصر وأمنها القومي".

 

ومن يتابع مسار العلاقات المصرية /الأمريكية سيلحظ أن هذه هي أعنف لحظات الأزمات بين البلدين منذ أكثر من ثلاثين عاماً، وربما تبادر إلى ذهنه أن ثمة تحول استراتيجي قادم في مستقبل تلك العلاقة، وقد يكون هذا صحيحاً بدرجة ما، لكنه مع كل هذا لا يمكنه تجاهل صعوبة أن تتخذ القاهرة برغم كل حنقها على الأمريكيين بسبب إشاعة الفوضى والاضطرابات في البلاد، قراراً مفصلياً بإدارة ظهرها لواشنطن كدولة لم تتعامل معها مصر منذ ثلاثة عقود كند، وإنما ولاية تابعة، ربما الآن تسعى لما أطلقت عليه صحيفة الفتح السلفية بالقاهرة إلى "استقلال مصر".