13 ربيع الثاني 1434

السؤال

نحن أسرة مكونة من أب وأم وخمسة إخوة وأخوات، مشكلتي تبدأ بحزن شديد يملأ قلبي لتفضيل أمي لأخي الأكبر، وكانت تبرر حبها في أول الأمر لأنه كان مريضا فبعد ذلك شفاه الله. أما الأمر الآخر وجدت من أخي كثرة الخصام لي عند عقابي لأي خلاف يحدث بيننا وقد تطول فترة هذا الخصام مدة سنة أو سنتين، حاولت أمي أن تصلح بيننا دون جدوى فكانت أمي أيضا كثيرة الخصام معنا وحتى مع أبي، فقد نجح أخي هذا ودخل كلية الطب ورغم حزني منه وألمي فرحت له فرحاً شديدا، توفى أبي وأصبح الأخ الأكبر هذا هو المسيطر على كل أفراد الأسرة أولهما أمي وأقبلت أنا على الصف الثالث الثانوي فوعدتني أمي إذا حصلت على درجة عالية سوف تشتري لي هاتف جوال وجهاز كمبيوتر وذلك لتشجيعي، فنجحت بدرجة 98.3 % ودخلت كلية الصيدلة، ولكن لم تف أمي بوعدها لأن أخي قال نحن عندنا جهاز كمبيوتر وهذا يكفي رغم إمكانياتنا المادية الميسورة، فانهرت في البكاء حتى ارتفع صوتي على صوت أمي فضربني أخي ضربة على أذني سببت لي مشكلة كبيرة، وكان أخي يأخذ دروسا في كليته فتخلى عنه وعندما طلبت منه أن آخذ درساً في إحدى المواد رفض، وقال لي: إن كنت تريدين فخذي من ميراثك، فاضطررت إلى بيع سلسلة ذهبية لدفع ثمن الدرس المطلوب مني، أخي ملتحي وأنا منتقبة والمشكلة عندما نتخاصم نتصالح لوقت قليل جدا ويرجع الخصام مرة ثانية لفترات طويلة، والآن ما زلنا متخاصمين لا نكلم بعضنا، هل هذا إسلامنا؟ هل سأدخل الجنة عندما أموت؟!

أجاب عنها:
أميمة الجابر

الجواب

رغم اهتمام الإسلام بالمرأة وتكريمها حيث إنها المحور الأساسي في الأسرة المسلمة فهي تخرج الأجيال وتعد النشء وتصنع على عينها الأبطال، لكن ما زالت توجد كثير من الأفكار التي تسيطر على بعض أذهان الآباء والأمهات بتفضيل الابن الولد عن أخته البنت، لا ننكر أن للولد دوراً حيث إنه سند للأب في حياته ويخلفه بعد وفاته فيحاول أن يكون سندا لإخوته لكن ذلك لا يمكن أن يكون سببا في عدم العدل بين الإخوة والأخوات في المعاملة، فقد يؤدي ذلك لكثير من الأمراض النفسية تجاه الأبناء بعضهم بعضا، ومن هذه الأمراض الكره فيما بينهم، والحقد، والغيرة، وشدة الضيق. فقد علمنا ديننا العظيم غير ذلك، وقد نص النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث كما في صحيح البخاري: "فاتقوا الله واعدلوا بين أولادكم"، وفي صحيح مسلم قوله صلى الله عليه وسلم: "إن شر الرعاء الحطمة" يعني العنيف الغليظ.
الابنة السائلة.. قد أكرمك الله تعالي بهذه الدرجة المتميزة ودخولك كلية الصيدلة، ذلك دليل علي ذكائك وتفهمك، لكن دعيني أقدم لك بعض العتاب في عدة نقاط:
أولا: عليك أن تعلمي أن الأخ الأكبر لا بد أن يكون له بعض الاحترام؛ فقد قال صلى الله عليه وسلم: "ليس منا من لم يحترم كبيرنا"، فكثير من البنات اليوم ترفض ذلك عندما تجد الأخ يقوم بدور الأب في سلوكياته ومعاملته لأخوته الأصغر ويريد إظهار رجولته في إعطاء الأوامر لأخوته والشدة في تعامله معهم، وأعرفك أن ذلك قد يكون خلقا جبليا فيه وليس مصطنعا فإن منع عليه ذلك قد يكبر الولد ضعيف الشخصية لا يستطيع أن يتحمل مسؤولية بيته بعد ذلك، فعليك أن تسامحيه في ذلك فالرجال قوامون علي النساء ولأنه فعلا الآن أصبح مكان والدك رحمه الله.
ثانيا: أعتب عليك فأنت الابنة المنتقبة التي ترتدي النقاب ابتغاء مرضات الله فكيف بعد ذلك ترفعي صوتك على أمك حتى وإن كانت هذه الأم وعدتك بشيء ولم تستطع تنفيذ وعدها، يقول الله عز وجل: {فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا} [الإسراء: من الآية23]؛ فضرب أخيك لك بهذه الشدة – وإن كان مرفوضا منا مادام بغير سبب مستحق - فقد كان رد فعل على ثورتك تجاه والدتك، فأنت مخطئة وأخوك أيضا مخطئ لرد فعله فالأمور لا تعالج بالضرب ولا بالصراخ.
ثالثا: شعرت منك حزنك الشديد من أخيك مع كثرة حبك له وذلك فهمته من فرحتك الشديدة عندما دخل كلية الطب، اعلمي أيتها الابنة أن علاقة الأخوة شيء من القلب فهي رابطة ربانية من عند الله عز وجل فاجعلي هذه العاطفة دوما في تزايد واعلمي أن على عاتق أخيك مسؤولية كبيرة فهو الآن أصبح بعد وفاة والدك الأخ الكبير والأب ولا تنسي أن هناك أصغر منك ثلاثة آخرين يريدون كثيرا من الرعاية والإنفاق المالي، وإن إمساك أمك عليك هذه الهدايا ليس تقتيرا عليك لكن لعله ترشيد للإنفاق، أما منعه من دفع أموال الدروس فقد منع نفسه قبلك، وعليك أن تفهمي أن احترام أمك له شيء لابد منه فهو ليس ابنا فاشل ولا خائبا بل هو طبيب وعلى درجة من الالتزام ولاشك أنه قد يصيب أحيانا ويخطئ فلا يوجد إنسان يعصم من الخطأ فانظري إليه بتوازن ولا يعميك الشيطان عن حسناته وفضائله فهو أخوك المحب.
رابعا: أما بالنسبة لموضوع الخصام الذي يطول بينكما فاعلمي أنكم مشتركون في ذلك، والمسئول الأول في ذلك في البداية هي الوالدة فيبدو أنها صفة مكتسبة منها فإنها كما ذكرت برسالتك كانت كثيرة الخصام معكما وأيضا مع والدك.
يقول صلى الله عليه وسلم: "لا تقاطعوا ولا تدابروا ولا تباغضوا ولا تحاسدوا وكونوا عباد الله إخوانا، ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث" متفق عليه.. أي لا يجوز الهجر أكثر من ثلاثة أيام.
خامسا: عليك بذكائك أن تصلحي العلاقة بينك وبين أخيك وذلك بأن تشعريه ببعض الاحترام من ناحيتك، مع شراء هدية بسيطة له من مالك الخاص وأيضا لوالدتك هدية بسيطة أخرى تقدميها لهما كاعتذار منك للإساءة التي حدثت تجاههما واحتسبي من قلبك في ذلك العمل ابتغاء مرضاة الله تعالى، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "تهادوا تحابوا" وعليك بالصبر حتى تعود العلاقة بينك وبينهما من جديد، وحاولي أن تجلسي معهم جلسة صفاء لفتح صفحة جديدة بينكما.
أما الأمر الأكثر أهمية عليك بركعتين في جوف الليل تكثرين فيهما الدعاء لله تعالى بأن يواصل بينكما وأن يصلح ذات بينكما وحاولي أن تتنازلي بعض الشيء واعلمي أن الجنة التي تبحثين عنها غالية.