30 ذو القعدة 1433

السؤال

بعد معرفتي أنَّ زوجتي على اتصال مع إحدى النِّساء من الوسط الفنِّي (مطربة شعبيَّة)، طلبت منها قطع علاقتها معها، وشرحت لها وجهة نظري؛ فوعدتني بذلك، لكنها لم تفعل، ولاحظت من واقع فاتورة الهاتف أنَّها تتصل معها في أوقات مختلفة، فقرَّرت مراقبة الهاتف، وتسجيل المحادثات مع كرهي لذلك، ولكن كنت مضَّطراً قبل أن أتَّخذ قراراً على الشَّكِّ أندم عليه، وتأكدت أنها تلتقيها كثيراً أثناء غيابي، وأنَّها تحدِّثها عن أسرار البيت، وأنَّها لا تحبُّني وغيرها، فقرَّرت مواجهتها، وأنَّ عليها أن تختار: إمَّا أنا أو تلك المطربة، فقالت: أعطني فرصة، فقلت: إنَّ عليها ألا تعود إلى المنزل قبل أن تعدني بقطع علاقتها معها، وللأسف بقيت عدَّة أيام، وبعد وساطات من أهلها وأولادها، وافقت على عودتها، واستقبلتها استقبالاً حارَّاً، وقدَّمت لها هدية قيِّمة ولكنَّها للأسف لم تبد أي أسف أو اعتذار، ولازلت في حيرة من أمري؛ لأنِّي أيضاً ما سمعته في محادثاتها أنَّها تكرهني، وتدعو عليَّ ألا أعود للمنزل عند خروجي منه، وأنَّها لن تفقدني عند موتي، وهذا أثَّر فيَّ كثيراً، وهذا عكس ما كانت تقوله لي من كلام حب وغيره، وقد كنت أقول لها مدى حبِّي لها، ولا أبخل عليها في الهدايا، ويغلب الظَّنُّ أنَّ هذه المطربة أثَّرت عليها، وغسلت مخَّها، فأصبحت تسمع الأغاني، وتشرب المعسِّل من ورائي، بقي أن أقول لكم، إنَّ زواجنا مضى عليه ثلاثون عاماً، وعمرها على مشارف الخمسين، وأنا أحبُّها، ولم نرزق إلا بأولاد والحمد لله. ويبدو أنَّ لديها فراغاً، وهي تصلِّي، وكنت أظنُّ أنَّها تخاف الله، ولكنَّها والله كذبت في 90 % من الكلام الذي قالته عنِّي للآخرين، سواء لأهلها أو لهذه المطربة، وقد كانت بوجهين، وليتها صارحتني، والله لولا محبَّتي لها وتقديري لهذه السَّنوات الطويلة، وتقديري لأولادها وأهلها، كنت طلقتها وأنهيت الأمر، خاصَّة بعد ما سمعت منها، وخيانتها لعهد الزوجيَّة، ومخالفتها الشَّرعيَّة، والتَّعامل معي بوجهين وعدم إبداء النَّدم، أو الاعتذار.
أرجو أن تنصحوني بما ترونه، كما أرجو إبداء رأيكم في تسجيلي لمحادثاتها الهاتفيَّة، والتي كنت مضَّطراً إليه لمعرفة الحقيقة، لأنَّه لو استمرَّ الوضع، قد يذهب الأمر إلى الأسوأ، وفي ذلك محافظة عليها. أودُّ أن أضيف إلى رسالتي السَّابقة، أنِّي سمعتها تقول في محادثاتها: أنَّها ممكن تستمر معي، إذا وجدت أحد يعمل لي عمل، بحيث أزيح عن وجهها، وتخرج وتدخل على كيفها، فكيف لامرأة مسلمة تقول ذلك، ولمن؟. لزوجها!! فأين تعاليم الشَّريعة؟!.

أجاب عنها:
سعد العثمان

الجواب

الحمد لله وحده، والصَّلاة والسَّلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه...
ألخِّصُ لك - أخي الفاضل - جواب استشارتك في النِّقاط الآتية:
أولاً: أشكرك على ثقتك، بموقع المسلم، ومتابعتك له، ونسأل الله - عزَّ وجلَّ - أن يجعلنا أهلاًّ لهذه الثِّقة، وأن يجعلَ في كلامنا الأثر، وأن يتقبَّل منا أقوالنا وأعمالنا، وأن يجعلها كلَّها خالصة لوجهه الكريم، وألا يجعل فيها حظَّاً لمخلوق..آمين.
ثانياً: أنت تذكر – أخي الحبيب - أنَّك تحبُّ زوجتك، وأنَّها تصلِّي، وأنَّك رزقت منها الذكور من الأولاد، وأنَّك شككت في علاقتها مع مطربة شعبيَّة، وأنَّك تابعت الأمر، وراقبت الوضع، وتأكدت من علاقتها بهذه المطربة، عن طريق مراقبة مكالماتها الهاتفيَّة، فصعَّدت الأمر إلى أن وصل إلى أهل زوجتك، وغاضبت زوجتك، ومكثت عند أهلها أياماً، ولتدخل أهلها وأولادها أثَّروا عليك فرددها إلى المنزل، وشرطت عليها قطع العلاقة مع المطربة، ومع ذلك لم تقطع الصِّلة بها، وتذكر أنَّها قد تلجأ إلى أن تسحرك، من أجل أن تفعل ما تشاء، تدخل وتخرج من البيت كما ترغب، أهمُّ شيء عندها أن تستمرَّ علاقتها مع المطربة.
لا تقلق " كلُّ مشكلة لها حلٌّ "، فزوجتك ليست الوحيدة والفريدة في هذا الزَّمان، التي تتصف بما ذكرت من محامد ومثالب، فكلُّ البشر – إلا من رحم ربُّك - فيهم صفات حسنة وأخرى سيئة، وعلى الإنسان أن يحمد الله على ما آتاه من خلق حسن، وأن يدعو الله أن يبعد عنه الأخلاق المذمومة.
ثالثاً: قال الشَّاعر: عن المرءِ لا تسلْ وسلْ عن قرينِه فكلُّ قرينٍ بالمقارنِ يقتدي
أرى أن تبحث لزوجتك عن رفيقات صالحات، ذوات أخلاق عالية، وصفات حميدة، فهذا سبيل وطريق لأن تتحلَّى زوجتك بصفاتهنَّ وأخلاقهنَّ وسلوكيَّاتهنَّ، فمن صادقت الكريمة تعلَّمت الكرم، ومن صادقت الحرَّة الشَّريفة تعلَّمت العفَّة والإباء والأنفة، ومن صادقت الحليمة تعلَّمت الهدوء والأناة والرَّويَّة.
رابعاً: قالوا في المثل: " التِّكرار يعلِّم الشُّطَّار ".
لا تكلَّ ولا تملَّ من دوام نصحها، ولفت نظرها إلى خلقها السَّيئ، وليكن ذلك بعد فترة من تصرُّفها، وتخيَّر الوقت والمكان المناسبين لنصحها، وإيَّاك من نصيحتها وهي غضبى، أو نصيحتها أمام النَّاس، أو تعنيفها أمام أهلك وإخوتك وأخواتك، أو أمام أولادها وأهلها، فلربَّما أخذتها العزَّة بالإثم. ونوِّع النَّاصحين لها، ولا تكن وحدك في السَّاحة، مرَّة أنت، ومرَّة أمها، ومرَّة أبوها، ومرَّة أختها، ومرَّة أخوها، ومرَّة أولادها...
خامساً: قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: (قلوب العباد بين أصبعين من أصابع الرحمن، يقلِّبهما كيف يشاء) رواه مسلم.
وقلب زوجتك تحت قدرة الله وإرادته ومشيئته، فعليك بالدُّعاء لها بظهر الغيب، أن يهديها الله تعالى لأحسن الأخلاق والأعمال، وأن يصرف عنها سيئ الأخلاق والأعمال، واطلب الدُّعاء لها ممَّن تتلمَّس منهم الصَّلاح والتُّقى، واطلب من والديها أن يدعُوَا لها بصلاح دينها وخلقها وسلوكها.
سادساً: عُدْ إلى نفسك، فقد يكون السَّبب هو أنت.
فقد يكون السَّبب كثرة خروجك مع الأصحاب والأصدقاء، والسَّهر معهم إلى الفجر، وحكر الزَّوجة في المنزل، فحاول ألا تترك زوجتك لفترة طويلة في البيت لوحدها، وقد يكون السَّبب أنَّك لا تهتمُّ بزوجتك عاطفيَّاً، فتجد ضالتها عند غيرك كالمطربة الشَّعبيَّة، عليك أن تكثر من الجلسات العاطفيَّة مع زوجتك، وأسمعها كلمات رقيقة رقراقة، وكلمات إطراء وإعجاب، فالمرأة محتاجة لهذه الكلمات كحاجتها للطَّعام والشَّراب، وإذا لم تحصل عليها من حلالها، لربَّما بحثت عنها عند غيره، اهتمَّ بنفسك وأناقتك وقيافتك، واملأ قلب وروح وعقل وتفكير زوجتك بك، واجعلها متعلقة بك تعلق السِّوار بالمعصم، فلا تفكِّر ببشر سواك، تنسى النَّاس جميعاً، ولا تهتمَّ إلا بمن ملك روحها وقلبها، المرأة كائن ضعيف، وضعفها عاطفتها، دغدغ عاطفتها بأسلوب حسن وجميل وظريف تجد الحبَّ الأنس واللُّطف والولاء والإخلاص.
سابعاً: يحرم على الزَّوج أن يتجسَّس على زوجته، مادامت ملتزمة بالأحكام الشَّرعيَّة، لأنَّ الأصل فيها هو السَّلامة من المعاصي والآثام، ولأنَّ التَّجسُّس على الزَّوجة يعتبر من باب إساءة الظَّنِّ، والتَّجسُّس على الزَّوجة يؤدِّي إلى الفساد والإفساد، وممَّا يدلُّ على حرمة التَّجسُّس على الزَّوجة أنَّ النَّبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم نهى أن يطرق الرَّجل أهله طروقاً، أي المجيء باللَّيل من سفر على غفلة، وقد بوَّب الإمام البخاري في صحيحه باباً سمَّاه: «باب لا يطرق أهله ليلاً إذا أطال الغيبة مخالفة أن يتخوَّنهم أو يلتمس عثراتهم»، ثم روى بإسناده عن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: «إذا أطال أحدكم الغيبة فلا يطرق أهله ليلاً». قال الإمام الشُّوكاني: قوله: "يتخوَّنهم أو يطلب عثراتهم"، والتَّخوُّن أن يظنَّ وقوع الخيانة له من أهله، وعثراتهم جمع عثرة: وهي الزَّلة. وأمَّا تبرير الزَّوج بأنَّه يتجسَّس على زوجته من باب الغيرة، فهذه الغيرة مذمومة، والغيرة من غير ريبة نوع من الإفراط، وأمَّا التَّفريط في الغيرة فهو من لا يغار على زوجته ومحارمه مع وجود الرِّيبة، فهذا ينطبق عليه وصف الدِّيوث الوارد في الحديث، وخلاصة الأمر: أنَّه يحرم شرعاً على الزَّوج أو الزَّوجة أن يتجسَّس كلُّ واحد منهما على الآخر من دون موجب، وأنَّ التَّجسُّس وسوء ظن أحد الزَّوجين بالآخر، يؤدِّي إلى الدَّمار، وخراب البيوت، وإفساد الحياة الزَّوجية، ويفقدها الشُّعور بالثِّقة والسَّكن المشار إليه، في قوله تعالى:«ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون».
ثامناً: القيام بالسَّحر بواسطة الشَّياطين يعتبر من أكبر الكبائر وقد يصل إلى الشرك في بعض حالاته، فيتعيَّن عليك أن تنصح زوجتك، وتعلِّمها، وتحذِّرها من خطر الشِّرك، فإن تابت فذاك، وإن أصرَّت فإنَّه يجب عليك فراقها.