سرقة من نوع خاص !
9 جمادى الأول 1433
أميمة الجابر

تتعدد المشاهد وتتنوع , وتتداعي الشياطين , خاصة ونحن واقفون لأداء الصلاة , بل قد نتذكر أثناء الصلاة الكثير من الأمور والمواقف والخلافات والحوارات , ما يشغل بالنا ويذهب فكرنا بعيدا عما نريده من تلك الصلاة , ننشغل فيها بشأن الدنيا والشئون الشخصية وغيرها , ونذهل فيها عن معانيها المرادة .

 

الكثير منا يدخل صلاته ويخرج وربما لايتذكر ماهي تلك الآيات التي قرأها بعد الفاتحة , بل قد يحدث من الكثير منا كثرة السهو في الصلاة , هل ياترى صلينا ثلاثا أو أربعا ؟ حتى صار سجود السهو شيئا ملازما لنا في صلاتنا المفردة

 

هل أصبحت شدة الالتزامات المعيشية والضغوط التي يمر بها أحدنا تشغله لدرجة نسيان تلك الدقائق الجليلة التي يقف فيها العبد أمام ربه ومولاه والتي تكون له ذخرا يوم القيامة  ؟
أم هل شدة الإحساس بالكروب والهموم جعل الكثير يدخل صلاته ويخرج وكأنه عابر سبيل لايلوي على شىء منها ولا من أثرها  ؟

 

ليتنا نتعلم من نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم , عندما كان يشعر بالهموم والكروب كان يقول لبلال رضي الله عنهه " ارحنا بالصلاة يابلال " أخرجه ابو داود , إذ هي الوقت الوحيد الذي على العبد أن يرتاح فيه من همومه وغمومه وانشغالاته وتجارته ومشكلات أسرته وأعبائه ويسلم نفسه بين يدي ربه مخلصا نقيا لايحدث نفسه بشىء من الدنيا ... لكن للاسف فما يحدث هو عكس ذلك

 

لقد اصبح ترك الطمأنينة في الصلاة هو اساس هذه دقائق المعدودة التي لم يعرف الكثير منا قدرها , وقد وضح لنا رسولنا صلى الله عليه وسلم قيمة الموقف بقوله : "أسوأ الناس سرقة الذي يسرق من صلاته لا يتم ركوعها و لا سجودها و لا خشوعها" أخرجه أحمد , وصححه الألباني

 

بل إن ترك الطمأنينة وعدم استقرار الظهر في الركوع والسجود والسرعة التي تنافي هذه العبادة اصبح من أكبر جرائم السرقة حقيقة , ذلك لأن العبد يدخل لقضاء هذه الفريضة وكأنه يؤدي عبئا عليه ليتخلص منه وحسب !

 

إن الصلاة إنما هي صلة بين العبد وربه فعندما يقول العبد " الحمد لله رب العالمين " يقدم كل الحمد له سبحانه ويتذكر نعمه عليه التي تحيطه , وعندما يقول " الرحمن الرحيم " فيذكر صفات ربه الرحيم سبحانه وأنه منه الرحمة لعباده وأنه رحمان الدنيا والآخرة ورحيمهما , , وهكذا إذن إذا تم التدبر للعبد في كل كلمة ينطق بها في صلاته فلن يريد أن تنتهي منه تلك الصلاة , بل سيستشعر النعيم فيها والأنس في المناجاة والذكر .

 

فالطمأنينة ركن هام والصلاة لاتتم إلا بها  , والأمر خطير , يقول صلى الله عليه وسلم " لاتجزىء صلاة الرجل حتى يقيم ظهره في الركوع والسجود " أخرجه أبو داود وصححه الألباني
وعَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الأَشْعَرِيِّ، قَالَ: صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلمَ بِأَصْحَابِهِ، ثُمَّ جَلَسَ فِي طَائِفَةٍ مِنْهُمْ، فَدَخَلَ رَجُلٌ، فَقَامَ يُصَلِّي، فَجَعَلَ يَرْكَعُ وَيَنْقُرُ فِي سُجُودِهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "أَتَرَوْنَ هَذَا، مَنْ مَاتَ عَلَى هَذَا، مَاتَ عَلَى غَيْرِ مِلَّةِ مُحَمَّدٍ، يَنْقُرُ صَلاتَهُ كَمَا يَنْقُرُ الْغُرَابُ الدَّمَ، إِنَّمَا مَثَلُ الَّذِي يَرْكَعُ وَيَنْقُرُ فِي سُجُودِهِ، كَالْجَائِعِ لا يَأْكُلُ إِلا التَّمْرَةَ وَالتَّمْرَتَيْنِ، فَمَاذَا تُغْنِيَانِ عَنْهُ، فَأَسْبِغُوا الْوُضُوءَ، وَيْلٌ لِلأَعْقَابِ مِنَ النَّارِ، أَتِمُّوا الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ".  أخرجه ابن خزيمة وصححه الألباني

 

والأغرب من ذلك أن الكثير منا يتعجل من صلاته وكأن وراءه ما سيفوته أهم له من صلاته , ولاشك أن الإنسان من طبعه العجلة إلا أن النبي صلى الله عليه وسلم كره العجلة والتعجل في مثل ذلك ,  فقال صلى الله عليه وسلم : " التأني من الله والعجلة من الشيطان  " أخرجه البيهقي وابو يعلى وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة  , بل أمر بالسكينة عند الصلاة والهدوء والروية ففي الصحيحين عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ : بَيْنَا نَحْنُ نُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ سَمِعَ جَلَبَةَ رِجَالٍ ، فَلَمَّا صَلَّى دَعَاهُمْ ، فَقَالَ : مَا شَأْنُكُمْ ؟ قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، اسْتَعْجَلْنَا إِلَى الصَّلاةِ ، قَالَ : لا تَفْعَلُوا ، إِذَا أَتَيْتُمْ فَعَلَيْكُمُ السَّكِينَةُ ، فَمَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا وَمَا سَبَقَكُمْ فَأَتِمُّوا .

 

لكن ينبغي على الإنسان حتى إذا تعجل في بعض أموره ألا يجعل تلك العجلة تطال وقته الذي بينه وبين ربه وصلاته التي فيها صلة بينه وبين خالقه , فلماذا تمر عليه بهذه الصورة إذن ؟!
إن لحظات الصلاة تتطلب منه الاستعداد للقاء الرحمن الرحيم الحي القيوم , فعليه عندما يأتي لها أن يقبل على الله طاهر القلب فارغ الصدر مرتديا أفضل الثياب ومتطهرا ظاهرا وباطنا , متعطرا بأفضل عطر , إنها اللحظة التي تصلح على إثرها الدنيا والآخرة