مصر بين "ضبابية" المشهد السياسي ومخاوف "الانقلاب" على الثورة
9 جمادى الأول 1433
همام عبدالمعبود

خبراء ومحللون يتوقعون السيناريوهات المحتملة

 

اعتبر خبراء ومحللون سياسيون وقانونيون، أن المشهد السياسي الراهن في مصر، يتسم بالضبابية الشديدة، وذلك على خلفية الجدل الدائر بين الإسلاميين من جهة، وتحالف غير الإسلاميين (الليبراليين والعلمانيين واليساريين والأقباط) من جهة أخرى، في ظل إصرار الكتلة الإسلامية في البرلمان على سحب الثقة من حكومة الدكتور كمال الجنزوري، وتشكيل حكومة وطنية يقودها حزب "الحرية والعدالة" الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين، وهو ما يرفضه المجلس العسكري، وأكده رفض الجنزوري تقديم استقالته، ملوحًا بان البرلمان لا يملك سحب الثقة منه.

 

وشدد الخبراء والمحللون في تصريحات خاصة لموقع "المسلم"، على أن الأيام المقبلة تحمل الكثير من المخاوف والمحاذير من تطور الأوضاع، وارتفاع وتيرة الشد والجذب بين الإخوان والعسكري، على خلفية تهديد العسكري بحل البرلمان، وذلك في أعقاب إقرار مجلسي الشعب والشورى، المشاركة بنسبة 50% في اللجنة التأسيسية لوضع الدستور، خاصة مع تزايد حالات انسحاب غير الإسلاميين من اللجنة بعد انتهاء تشكيلها، وبدء أعمالها، ولجوء البعض للطعن فيها أمام القضاء الإداري بمجلس الدولة.

 

محاولة الانقلاب على الثورة
في البداية، أوضح الباحث والمحلل السياسي حمدي عبد العزيز أن "المشهد الراهن الذي يتسم بممارسة المجلس العسكري لصلاحيات مطلقة، وفرض شرعية الأمر الواقع، في مقابل التهديد بنزع الشرعية الشعبية التي يمثلها البرلمان، من خلال التهديد بحل البرلمان نفسه، إضافة إلى عدم التعامل الجدي مع الأزمات الأمنية والمعيشية، ودعم "حكومة الإنقاذ الوطني" التي لم تنقذ شيئاً!، هو في الحقيقة استمرارٌ لمشهد ما بعد الثورة، حيث قامت المؤسسة العسكرية بانقلاب أبيض على "الثورة"، ومطالب الشباب، بعد تكليفها من قبل الرئيس المتنحي بإدارة شئون البلاد".

 

وقال عبد العزيز، في تصريحات خاصة لموقع "المسلم": إن "المجلس الأعلى يعيد إنتاج النظام السابق، وخصوصاً فيما يتعلق بوضعية الجيش في الدولة، والعلاقة الوطيدة مع القوى الخارجية والإقليمية، وربط الاقتصاد المصري بالاقتصاد الدولي، بما يعني أن مصر لم تتحرر بعد من التبعية، ولن يكون لها دور في النظام الإقليمي العربي يتعلق بإعادة تقويته، في مقابل النظام الشرق أوسطي، أما الاختلاف الوحيد فيتمثل في إطلاق الحريات السياسية، ودمج الإسلاميين في العمل السياسي".
وحول التصعيد بين الإخوان والمجلس العسكري، اعتبر عبد العزيز، أنه "يجيء على خلفية التهديد بحل البرلمان، ومساندة "العسكري" لحكومة الجنزوري، وأن "التوافق" هو السيناريو الأقرب للحدوث، رغم الحديث عن حل الجمعية التأسيسية والبرلمان نفسه، ودخول قوى ليبرالية، ومثقفة على الخط، تطالب المجلس العسكري بذلك".
وأشار إلى أن "الإخوان سينزلون إلى الشارع وحدهم، وتحكمهم عقدة الخوف من وقوع دماء كثيرة تُعَقِد الأوضاع، أما المجلس العسكري فيسعى إلى تحقيق الأهداف الكاملة من "انقلابه" على الثورة، وسيعوقه نزول الإخوان بكثافة إلى الشارع، بما يعني أنه سيمزج بين الضغط والحوار لتحقيق تلك الأهداف".

 

ويعلق عبد العزيز "مسئولية ما يجري من محاولة انقلاب على الثورة، وأهدافها المتمثلة في تحقيق الحرية والكرامة الإنسانية والعدالة والتحرر من التبعية للخارج على القوى الإسلامية والثورية والعلمانية على السواء، فالقوى الثورية لم تستطع تعزيز التماسك، والبقاء في الميدان لحين تنصيب رئيس جديد، وإطلاق عجلة التغيير، فيما حدث ما يشبه "المفاصلة" وتبادل الأدوار بين الاسلاميين والعلمانيين، حيث يرغب الإسلاميون الآن في النزول إلى الشارع، وتنحية حكومة الجنزوري، فيما تركوا بالأمس رفاقهم في شارع محمد محمود، وشارع مجلس الوزراء، بمفردهم، مطالبين بإعطاء الجنزوري فرصة"!.
واختتم عبد العزيز حديثه، مؤكدًا على أن "الحل يكمن في صناعة رؤية إستراتيجية من جانب الإسلاميين، حتى لا يقودهم منطق رد الفعل من جهة، وعودة التوافق مع القوى الثورية والعلمانية حول الثورة وأهدافها من جهة أخرى، وإلا فسيستمر الانقلاب الأبيض على الثورة، وربما نحتاج ستين عاماً أخرى لتحقيق الحريات والتحرر الكامل".

 

الرغبة في الحفاظ على الصورة
أوضح الخبير السياسي الدكتور أحمد الطويل أن "المشهد الحالي به أزمات كثيرة، فهناك أزمة إصرار الإخوان المسلمين على إقالة حكومة الدكتور كمال الجنزوري، وتشكيلهم الحكومة الجديدة من داخل البرلمان، باعتبارهم حزب الأكثرية، وهناك أزمة إحالة قانون انتخابات البرلمان إلى المحكمة الدستورية العليا للنظر في دستوريته، الأمر الذي سيفضي إلى حل مجلسي البرلمان في حالة قبوله، وإجراء انتخابات جديدة لهما، وأخيراً هناك أزمة تشكيل الجمعية التأسيسية للدستور، وهيمنة أغلبية واضحة للإخوان المسلمين والتيار الإسلامي عموماً عليها".

 

وقال الطويل، الخبير المتخصص في النظام السياسي المصري، في تصريح خاص لموقع "المسلم": "وأخطر أزمة واجهت الثورة، هي أزمة تشكيل الجمعية التأسيسية للدستور، فالجمعية بعد الانسحابات الكثيرة منها أصبحت فاقدة لجزء كبير من شرعيتها، وهذا وضعٌ جد خطير يفتح مستقبل البلاد على سيناريوهات خطيرة، ولكنني أعتقد أن الأمر سينتهي إلى حل هذه الأزمة بوساطة المجلس العسكري، أو بحكم قانوني يبطل اللجنة، وفي الحالتين سيتم تشكيل لجنة أخرى ستحظى بالتوافق".
وفيما يخص العلاقة بين العسكر والإخوان، يرى الطويل أن "هناك مبالغة في التوتر الحادث بين الطرفين، ولا أعتقد أن هذا التوتر سيتحول إلى صدام، حيث يدرك الطرفان فداحة النتائج التي يمكن أن تترتب على هذا الصدام، سواءً على مستقبل البلاد أو على الطرفين ذاتهما"، مشيرًا إلى أن "المجلس يرغب في الحفاظ على صورة القوات المسلحة كقوة صلبة، حتى نهاية مرحلة تسليم السلطة للمدنيين، وهذا ما يدفعه إلى التمسك بحكومة الجنزوري التي عينها هو".

 

وردًا على سؤال: وما هي بنظركم أسباب الصدام المحتمل بين المجلس العسكري والإخوان؟، أجاب قائلاً: "أعتقد أن هذا الصدام سببه فشل العسكري في تمرير وثيقة نائب رئيس الوزراء السابق علي السلمي، التي كانت تطالب بوضع خاص للمؤسسة العسكرية في الدستور الجديد، حيث رفض التيار الإسلامي هذه الوثيقة بشكل قاطع، وكان هو من أسقطها، بعد أن تخاذلت كثير من القوي غير الإسلامية في هذه القضية".
وأضاف الطويل: "كما أن من أسباب الصدام فشل المجلس في تمرير صيغة مرشح توافقي للرئاسة، فالمجلس يرغب بأن يحظى مرشح محسوب عليه بدعم التيار الإسلامي، حتى يكون هناك رئيس موالٍ له في السلطة"، فضلاً عن أن "المجلس العسكري يخشى أن ينتهي الأمر إلى احتكار الإخوان للسلطة، وتهميش التيارات غير الإسلامية، وهو الذي وعد، منذ توليه إدارة البلاد، بدولة مدنية تستوعب الجميع".

 

أبرز السيناريوهات المحتملة
وعن أبرز السيناريوهات المتوقعة، يقول الطويل: "أعتقد أن الأزمة ستحل، ولن يتحول التوتر الحاصل بين الإخوان والعسكر إلى صدام، كما ستحل أيضًا أزمة اللجنة التأسيسية، وأعتقد أن الإخوان سيعملون على حل هذه الأزمة للمضي في مسار تسلم السلطة، وعدم إثارة مشكلات تعرقل هذا المسار، وبالفعل فإن الدكتور محمد البلتاجي عضو الهيئة البرلمانية لحزب الحرية والعدالة، عضو المكتب التنفيذي للحزب، أكد أن الحزب لديه استعداد للحوار مع المنسحبين من تأسيسية الدستور، لسحب بعض أعضاء اللجنة المنتمين للحزب واستبدالهم بآخرين".

 

وحول رؤيته للخروج من هذا المأزق، يوضح الطويل أنه "لابد من حصول تفاوض سياسي بين قيادات أطراف الأزمة، سواء كانوا من الإخوان المسلمين أو المجلس العسكري أو القوى والأحزاب السياسية، وهناك مبادرة مهمة طرحها ضياء رشوان، مدير مركز الدراسات السياسية والإستراتيجية بالأهرام، وأنا موافق عليها تماماً، تدعو إلى استقالة حكومة الجنزوري، على أن يقوم المشير طنطاوي، رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة، بتكليفه تشكيل حكومة مصغرة، لا يزيد عدد وزرائها على 15 وزيراً، تحت مسمى "حكومة تسيير الأعمال".
ويضيف: "على أن يكون معظمهم من الوزراء الحاليين، وتقتصر مهامها على رفع مستوى الأمن، وإجراء انتخابات رئاسية نزيهة، ووقف النزيف الاقتصادي، وتتحدد مدة هذه الحكومة باستلام رئيس الجمهورية المنتخب مهام منصبه، بحيث يتم وقتها تكليف الحكومة الدائمة، وفقاً لما سينتهي إليه الدستور الجديد"، مضيفًا "وبخصوص أزمة الجمعية التأسيسية تقترح المبادرة أن تختار الجمعية هيئة تنفيذية لها، من عدد لا يزيد على 30 عضواً منها، تفوض في صياغة نصوص الدستور الجديد، على أن يعرض فقط بعد ذلك على الجمعية لإقراره".

 

ويتابع: "وتتشكل هذه الهيئة التنفيذية من عدد متساوٍ من الممثلين لكل حزب، أو تيار سياسي، أو هيئة رسمية أو نقابية، أو فئة اجتماعية، بحيث يتفاوضون معاً حول النصوص المقترحة من كل منهم لمواد الدستور، ويتوصلون دون تصويت، وبالحوار إلى أوسع مساحة توافق ممكنة، وحيث إن مساحة الاتفاق حول مواد الدستور تصل لنحو 95% كما تؤكد كل الأطراف، فإن الهيئة تتوصل فيما يخص المواد القليلة التي حولها خلاف إلى اقتراحين أو أكثر لكل منها".
"بحيث تطرح في الاستفتاء العام على المصريين – يكمل الطويل- مع المواد المتفق عليها لكي يختاروا ما يريدون، وبذلك يعود الحسم بالتصويت إلى صاحب الحق الأصيل، أي الشعب المصري، وليس أي جمعية أو مجموعة ترى نفسها مفوضة منه أو وكيلة عنه" كما تطرح المبادرة أيضًا "تضمين مواد الدستور المتوافق حولها مواد انتقالية، تحصن مجلسي البرلمان من الحل، بأية طريقة في دورتهما الانتخابية الأولى، بما يعطي المتخوفين من ذلك ضماناً دستورياً بهذا".

 

الدستور قمة الهرم التشريعي
ومن جهته، يرى الخبير القانوني الدكتور السيد مصطفى أبو الخير أن "قرار إنشاء الجمعية التأسيسية صحيحٌ قانونًا، لأنه ليس هناك ما يقول بخلاف ذلك، أما آراء المخالفين فهي مخاوف وهلاووس سمعية، لا أساس لها من القانون الدستوري، لأن نشأة الجمعية التأسيسية إما أن يعينها رئيسُ الدولة، وقد اعترض الفقه على ذلك، وإما أن تنتخب على درجة واحدة من الشعب مباشرة، ولم يحدد القانون العدد، ولكن ترك ذلك لظروف كل دولة على حدة، وإما أن تنتخب على درجتين، أي ينتخب الشعبُ ممثليه في البرلمان، ويقوم البرلمان بانتخاب أعضاء الجمعية التأسيسية سواء من داخله أو خارجه".
ويقول أبو الخير، المحامى بالنقض والدستورية العليا، في تصريحات خاصة لموقع "المسلم": "أما القول بأن انتخاب عضو مجلس الشعب هو لكي يشرع القوانين، وليس ليضع الدستور، فهذا كلام لا أساس له من القانون، أولاً لأن الدستور ملك للشعب، والشعب انتخب النائب في البرلمان لممارسة التشريع كله، وليس هناك أي فقيه في العالم قال بما تقوله التيارات غير الإسلامية أبدًا، فالسلطة التشريعية لها حق التشريع كاملاً دون غيرها من السلطات".

 

ويوضح أبو الخير أن "الدستور هو قمة الهرم التشريعي، الذي يبدأ من الدستور، ثم القوانين، ثم اللوائح التنفيذية، أو لوائح الضرورة، أو اللوائح التنظيمية، كلها مصطلحات لاسم واحد، ثم بعد ذلك القرار الإداري"، معتبرًا أن "التفرقة بين سَن القوانين ووضع الدستور هو قول غريبٌ وشاذ، ولم نسمع به في أي فقه دستوري، لا عربي ولا غربي، كما أن البرلمانات في العالم وضعت طبقًا لإحصائية صحيحة ومستقرة، 51% من دساتير العالم، ولم يقل أحدٌ بما قال به أصحاب التيارات غير الإسلامية".
ويتابع: "وإذا كان ما يقولون صحيحًا، فلماذا قبلوا الاشتراك في عملية التصويت على انتخاب أعضاء اللجنة من البداية، إذن قبولهم ذلك يعنى موافقتهم على الإجراء الذي تم طبقًا لصحيح القانون، وقد صدر عن المحكمة الدستورية العليا بيانٌ بالانسحاب من الجمعية، وهذا خطأٌ قانونيٌ فادح من المحكمة، حيث كان على المحكمة ذات التاريخ العريق والخبرة المتميزة إن كان قرارُ إنشاء الجمعية غير دستوري أن تنأى بنفسها عن الدخول والاشتراك بترشيح أحد أعضائها في اللجنة من الأساس".

 

انسحاب الدستورية العليا قرار سياسي
ويستدرك أبو الخير قائلاً: "أما انسحاب المحكمة الدستورية، المتوافق مع التيارات غير الإسلامية، فيجعل موقف المحكمة سياسيًا وليس قانونيًا، لذلك فهو في غير اختصاص المحكمة، وتسييس لمسألة قانونية بحتة، مما يضع المحكمة في موقف سياسي، وليس تكييف قانوني، مما يفقدها المصداقية".
وأشار الخبير القانوني إلى أن "الطعن على ما يصدر من السلطة التشريعية من قوانين وقرارات فيها ما يجوز الطعن فيه، وفيه ما لا يجوز الطعن عليه، فهناك في الفقه الدستوري ثلاث آراء، الأول: أخذ بالمعيار الشكلي: ومضمونه أن كل ما يصدر عن السلطة التشريعية يعتبر قانون، ولا يجوز الطعن عليه إلا أمام المحكمة الدستورية العليا (الرقابة اللاحقة) أو المجلس الدستوري الرقابة السابقة، والثالث رأي الجمع بين المذهبين: أن يكون الصادر شكلاً وموضوعًا، أي أن يصدر بصفته سلطة تشريعية".

 

وردًا على سؤال: ما هي أبرز السيناريوهات المتوقعة؟، أوضح أبو الخير أن "قرار إنشاء وتشكيل الجمعية التأسيسية صدر بصفتها سلطة تشريعية، لاجتماع البرلمان بشقيه الشعب والشورى، لذلك لا يجوز الطعن عليه أمام القضاء الإداري، والانسحابات موقف سياسي وليس موقفًا قانونيًا، ولكن دخول المحكمة الدستورية في الموضوع فاضح، مما أكد أن المجلس العسكري يرغب في تصعيد الأمور، لأنه فشل في حماية نفسه من المساءلة".
وأضاف: "كما فشل في إدخال فلول النظام السابق في اللجنة التأسيسية، وعلى رأسهم تهاني الجبالي التي عينتها سوزان مبارك، ونور فرحات أستاذ تاريخ القانون وفلسفته، وليس أستاذ القانون الدستوري كما يدعي، وهو يساري شيوعي، وللأسف القضاء لم يكن محايدًا في هذا الموقف، وهو الحصن الأخير بموقف المحكمة الدستورية العليا".

 

وردًا على سؤال: ما رؤيتكم للخروج من هذا المأزق؟، قال أبو الخير: "الخوف من أن تصدر محكمة القضاء الإداري حكمًا ببطلان قرار تشكيل اللجنة التأسيسية، وهذا سيكون كارثة، لأنه قرار باطل ومنعدم، ومخالف لمبدأ الفصل بين السلطات، وهو مبدأ عام لا يجوز حتى الاتفاق على مخالفته"، معتبرًا أن "الحصن الأخير أن تصدر محكمة القضاء الإداري حكمًا بعدم اختصاصها في الطعن على قرار إنشاء وتشكيل اللجنة التأسيسية، هنا يكون الحكم الفصل".
ــــــــــــــــــ