1 شعبان 1434

السؤال

بسم الله الرحمان الرحيم، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته: مشكلتي أنني لا أتكلم مع إخواني وأخواتي إلا بكلام قليل جدًا، حتى إنني لا أستطيع أن أحدق في عيونهم، علمًا بأنني في محيطي العملي اجتماعي، ومتحدث جيد، وأمتلك بفضل الله ثقافة لا بأس بها، ومن يجلس معي يقول إنني مؤنس. أفيدوني بارك الله فيكم، وجهدكم مبارك. جزاكم الله خيرًا.

أجاب عنها:
همام عبدالمعبود

الجواب

أخانا الحبيب:
السلام عليكَ ورحمة الله وبركاته، وأهلا ومرحبا بكَ، وشكر اللهُ لكَ ثقتكَ بإخوانِكَ في موقع (المسلم)، ونسأل الله (عز وجل) أن يجعلنا أهلا لهذه الثقة، آمين.. ثم أما بعد:
يجب أن لا تقلق ولا تنزعج لكونك قليل الكلام، فإيثار الصمت وقلة الكلام في الأساس ميزة وليس عيبًا. وليت الناس جميعًا يتعلمون لغة الصمت، فإنها في أحيان كثيرة تكون أبلغ من الكلام، يقول الله تعالى: {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [قّ:18].
وقد ورد في فضل الصمت أحاديث كثيرة، منها:
• حديث سفيان بن عبد الله الثقفي قال: "قلت يا رسول الله ما أخوف ما تخاف على؟، قال: هذا وأخذ بلسانه".
• وعندما سأل الصحابي الجليل معاذ بن جبل (رضي الله عنه) رسول الله (صلى الله عليه وسلم): أو إنا لمؤاخذون بما نتكلم به بألسنتنا؟، وذلك ردًا على نصيحة النبي الكريم له: أمسك عليك لسانك، فقال له رسول الله (صلى الله عليه وسلم): "وهل يكب الناس في النار على وجوههم ـ أو قال على مناخرهم ـ إلا حصائد ألسنتهم".
• وفي كتاب الإيمان في صحيح البخاري قوله: "المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده"، وعن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: "قلت يا رسول الله ما النجاة؟ قال: "أمسك عليك لسانك".
• وقال صلى الله عليه وسلم: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت"، وهو من جوامع كلمه صلى الله عليه وسلم.
• وعن سهل بن سعد عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أنه قال: "من يضمن لي ما بين لحييه وما بين رجليه أضمن له الجنة".
• وعن أبي هريرة رضي الله عنه إنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن العبد ليتكم بالكلمة ما يتبين فيها يزل في النار أبعد ما بين المشرق"، وأخرجه مسلم بلفظ "أبعد ما بين المشرق والمغرب".
ومن الآثار الواردة في ذلك أيضًا:
• عن عبد الله بن مسعود (رضي الله عنه) قال: "والله الذي لا إله إلا هو ليس شيء أحوج إلى طول سجن من لساني". وكان يقول: "يا لسان قل خيراً تغنم واسكت عن شر تسلم من قبل أن تندم".
• وعن أبي الدرداء (رضي الله عنه) قال: "أنصف أذنيك من فيك، وإنما جعل لك أذنان وفم واحد لتسمع أكثر مما تتكلم".
• وعن الحسن البصري (رضي الله عنه) قال: كانوا يقولون: "إن لسان المؤمن وراء قلبه فإذا أراد أن يتكلم بشيء تدبره بقلبه ثم أمضاه، وإن لسان المنافق أمام قلبه فإذا هم بشي أمضاه بلسانه ولم يتدبره بقلبه".
• وعن الحسن (رضي الله عنه) قال: "ما عقل دينه من لم يحفظ لسانه".
هذه أخي الكريم بعض الآثار العظيمة من ديننا الإسلامي الحنيف، والتي تبين لنا فضل الصمت وقلة الكلام، وقديما قالوا: "إذا كان الكلام من فضة فإن السكوت من ذهب". وينسب للإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه قوله: " وزن الكلام إذا نطقت ولا تكن ثرثارة في كل ناد تخطب *** واحفظ لسانك واحترز من لفظه فالمرء يسلم باللسان ويعطب".
ومن ثم فيجب ألا تقلق ولا تنزعج – أخي الحبيب- من صمتك وقلة كلامك مع إخوانك وأخواتك، وربما كان هذا بسبب احترامك لإخوانك وتأدبك معهم، خاصة إن كانوا أكبر منك سنًا. وما يدعوني لطمأنتك هو ما ورد في الجزء الثاني من رسالتك، مثل قولك: "علمًا بأنني في محيطي العملي اجتماعي، ومتحدث جيد"، فالأمر إذا ليس له علاقة بكونك تعاني من مرض الرغبة في الانعزال عن الناس، كما أنه غير ناتج عن قلة الثقافة حيث تقول: "أمتلك بفضل الله ثقافة لا بأس بها"، كما أن صمتك ليس له علاقة بكونك شخصًا لا يأنس الآخرون بالجلوس إليه والحديث معه، وهذا ظاهر من قولك: "من يجلس معي يقول إنني مؤنس".
لكنني – رغم كل ما سبق – أنصحك بالتدرج في الأمر، والتحدث مع إخوانك وأخواتك، وخاصة الذين يصغرونك في السن، فحديثك معهم مهمٌ لهم، ويمكن التغلب على هذا بنقل خبرتك الحياتية لهم، في صورة نصائح مركزة، كما أنصحك بمشاركة إخوانك وأخواتك الحديث في الأمور العائلية التي تخص الأسرة، وشيئًا فشيئًا ستتخلص من هذه العادة، وبالتدريج سيزول عنك هذا الإحساس، فهو ليس مجرد إحساس بعدم الرغبة في الدخول في نقاشات معهم. كما يمكنك البدء بالحديث الفردي مع أحدهم، ثم تتدرج إلى الحديث الثنائي، وصولاً إلى الحديث الجماعي.
وختامًا؛ نسأل الله (عز وجل) أن يبارك لك في حديثك مع إخوانك، وأن يزيل عنك هذه الإحساس بعدم الرغبة أو عدم القدرة على الحديث معهم، وأن يصرف عنك كيد الشيطان ومكره.. اللهم آمين.. وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.