"حقوق الإنسان" بين نشر الرذيلة وحجب الفضيلة
8 جمادى الثانية 1433
علا محمود سامي

تحت دعاوى حماية حقوق الإنسان وحماية الحريات، صدرت الدول الكبرى، وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية للعالم العربي والاسلامي آلاف المنظمات الحقوقية للعمل بهذا المجال ، للدرجة التي أصبح فيها بمصر وحدها قرابة 30 ألف جمعية مدنية، تعمل تحت هذا الشعار المتعلق بحقوق الانسان، الى غيره من شعارات مماثلة.

 

ولهذا الغرض قامت الولايات المتحدة بتخصيص ملايين الدولارات لدعم هذه المنظمات، للدرجة التي جعلتها تدعم المنظمات المصرية بنحو 240 مليون دولار خلال العام الماضي، تحت الشعار نفسه، وهو حقوق الانسان، الأمر الذي اعترفت به السفيرة الأمريكية بالقاهرة آن باترسون أمام الكونجرس الأمريكي منتصف العام الماضي، وذلك قبل تولي مهام منصبها الحالي.

 

هذا الشعار جعلته ادارة البيت الأبيض مكفولا لشريحة دون غيرها، بأن يكون الدفاع عن هذه الحقوق وفق ما تراه هى ، وبمعايير مزدوجة، وإتباع أكثر من مكيال للتعبير ، كما تعمل الشئ نفسه في الدول التي تقوم باحتلالها، على نحو ما ظهر في أفغانستان والعراق، بدعاوى الدفاع عن الحقوق، والتي تحت شعار الدفاع عنها أثار أربابها العديد من أشكال الفوضى والتخريب في داخل البلدان، وكان محصلة ذلك اتهام منظمات حقوقية أجنبية باتهامات عدة ، استهدفت الضلوع في العمل السياسي، ما نتج على إثره احالة متهمين أجانب بينهم أمريكيين الى محكمة الجنايات، كما هو الحال في مصر، على سبيل المثال.

 

ودون الخوض في تفاصيل رفع الحظر عن تهريب هؤلاء الأجانب خارج البلاد، فإن دور منظمات المجتمع المدني، أمر يسترعى الانتباه، ويستحق التأمل في ظل ما تستهدفه هذه الجمعيات من دعم "أجندات" وتوجهات لاتصب في مجملها للداخل المصري، والحفاظ على مقومات البلاد، بقدر ما تدعم"اجندات" خاصة على نحو ما تبدو فيه أنماط عمل هذه المنظمات.

 

هذه الجمعيات دائما ما نراها تتحمس لكل ما قد يهدد مقومات الدولة وتماسكها، سواء على المستوى المؤسساتي أو الأخلاقي أو القيمي، وفي هذا السياق لم نسمع من هذه المنظمات ما يمكن أن يعمل على تماسك مؤسسات الدولة بكل كياناتها وروافدها، على نحو ما صرنا نقرأ من بيانات بل وممارسات ترجمتها الى احتجاجات ووقفات واعتصامات تدعو الى تطهير المؤسسات القضائية والشرطية والعسكرية. وتدقيقا لمصطلح التطهير، فإنه يعرف أن هذا المصطلح فاشيا، يستهدف الاقصاء، دون أن يكون حاملا لأي شكل من أشكال التطوير الجاد أو اعادة الهيكلة.

 

أمثال هذه الدعوات تدرك جيدا طبيعة المطالبة بالتطهير، وأنها لاتعني الاصلاح بقدر ما تعني التفكيك، فهم لايدون اصلاحا، بل يريدون انبطاحا لمؤسسات الدولة المصرية، على نحو ما آلت اليه العراق، بأن تكون مهام الجيش منحصرة على مكافحة الارهاب، والانهاك الداخلي في تأمين الداخل، دون أن يكون له دور خارجي، بحدود الحدود، ومواجهة الأعداء.

 

وهذا بالطبع يصب في مصلحة العدو الصهيوني الذي يسعى الى اضعاف الجيش المصري، والذي يدرك أنه من أقوى الجيوش في المنطقة، وأن مساندته الأخير لثورة 25 يناير، كانت لها تداعيات ظهرت في تلاحم الشعب مع جيشه، باعتباره جزءا من شعبه، وهو ما أثار حفيظة العدو ومن لف لفيفه بالداخل المصري.

 

وتكتمل الثلاثية في المطالبات المتكررة لمنظمات حقوق الانسان ومن على شاكلتها في الدعوة لتطهير الشرطة والقضاء، ووقت أن يتحقق لهم ذلك فان عرى الدولة المصرية ستصبح على المحك، إذ أنه مع تفكيك مؤسستي الشرطة والقضاء بدعوى التطهير، فانه لايمكن لدولة قوية أن تنهض دون أن يتحقق فيها الأمن، ودون أن تكون لديها مؤسسة قضائية تنصف المظلومين وتردع الظالمين وتقتص منهم.

 

هذه الثلاثية تتحرك عليها ما تسمى بالمنظمات الحقوقية وجمعيات المجتمع المدني منذ الثورة ، كونها تدرك أن الوقت الحالي هو أنسب الأوقات للدعوة لمطالبها، بغية تنفيذها اعتمادا على ممارسات خاطئة وإدارة مرتبكة وأفعال تلوث هذه المؤسسات العريقة في دورها. غير أن هناك فارق كبير بين النقد بهدف اعادة البناء وتحقيق التطوير والاصلاح، وفرق آخر يدعو الى الشئ ذاته بهدف التفكيك وإنهاك أهم مقومات الدولة.

 

وإذا كانت أهداف هذه المنظمات قد اتفقت مع ممارسات استبدادية للنظام المخلوع في مصر قبل الثورة، فإنها كانت تستهدف وقتها خلع نظام ، أما اليوم فانها لاتستهدف اعادة بناء نظام جديد بعد الثورة، بقدر سعيها الى اضعاف مؤسسات الدولة الحيوية.

 

هذه هى حدود عمل هذه المنظمات ليضاف اليها دعاوى متكررة بالحديث عن المساواة بين الرجل والمرأة، للدرجة التي جعلت نفر من أعضاء هذه الجمعيات يقومون بتسيير مظاهرات في قلب القاهرة، كان شعارها الوحيد تحرير المرأة، وهو المفهوم المطاط لدى هذه المؤسسات، فالتحرير يعني بالنسبة لها كل شئ، مقابل قمع وحجب كل ما يمكن أن يحول دون هذا التحرير.

 

وفي هذا السياق تفهم هذه المنظمات الحرية على اطلاقها ، بدعوى انها حرية شخصية. والواقع فانه تحت شعار الحرية الشخصية هذه مورست كل الموبقات، وظهرت دعوات لنشر الرذيلة، بدعوى الحريات الشخصية، والمساواة بين الرجل والمرأة في كل شئ.
ونسى هؤلاء أو تناسوا أن الغرب بات يصدح من خطورة الحرية الشخصية، وتأثيراتها على تفكيك المؤسسات ونشر الرذيلة في داخل مجتمعه وظهور ذلك في تفكيك بنيانه الأسري، غير أنه يبدو أن ما يلفظه الغرب أو يعمل على اقامة جدار لصده، قد أصبح يصدره الى بلاد العرب والمسلمين بدعوى الحريات ونشر الديمقراطية.

 

أمثال هذه المنظمات لم نسمع لها صوتا ولم نقرأ لمنسوبيها تصريحا أو نشاهد لها دعوة مثلا تطالب بضرورة السماح  للمنتقبات بممارسة دورهن الطبيعي في المجتمع المصري بأن يحق لهن دخول الجامعات وتولي الوظائف بها، وأن يتساوين بغيرهن في الحقوق والواجبات، بل على العكس فقد حركت هذه المنظمات كتائبها لوصف المرأة المتمسكة بدينها، بغرض تشويهها، وأنها ستعيد الأمة الى عصور الجاهلية. فالحرية لدى هذه المنظمات منقوصة، بل وتفهمها بشكل أحادي.

 

خلاف هذا ، لم نسمع من هذه المنظمات صيحات تنصر ضباط وأفراد الشرطة الذين قاموا بإعفاء لحاهم وتم طردهم من وظائفهم، بل وإحالتهم للتحقيق، فلم نسمع لهذه المنظمات الحقوقية صوتا يدعو لحرية هؤلاء، أو الدفاع عنهم ، أو قلب الدنيا كما لايقعدونها في حال توقيف مدون يسخر من الذات الإلهية، أو ناشطة تدعو الى نشر الرذيلة.

 

لقد أفرزت المرحلة الحالية مثل هذه المنظمات التي كشفت عن وجهها الحقيقي، وأنها لاتعرف سوى الارتماء في أحضان الغرب وملايينه بإهدار مقومات بلادهم، إن كانوا أصلا حريصون على الانتماء اليها، بل وصاروا يعلمون في اتجاهات معاكسة لنشر الرذيلة، وحجب الفضيلة، كل هذا تحت شعارات براقة بدعوى نشر حقوق الانسان وصيانة الحريات وضرورة التطهير، الى غيرها من الشعارات الجوفاء، التي لاتعرف سندا لها من الممارسات.