5 ذو القعدة 1434

السؤال

أنا متزوج منذ 22 سنة، ولدي أربعة أطفال، أكبرهم عمره 15 سنة، وأصغرهم 6 سنوات، وزوجتي من أقاربي. مشكلتي عدم التفاهم معها، وهي عنيدة وعصبية، حاولت أن أكسب ودها بالمال، فيكون أثره يوم أو يومين، ثم تسوء حالتنا، عند اشتداد الخصام تطلب الطلاق، ومن المستحيل أن تقوم بالاعتذار مني، حتى لو كانت هي المخطئة، وأقوم أنا بالمبادرة والصلح.
أعترف أنني غير رومانسي، فهو طبعي، مع أنني أحاول اصطناع الرومانسية في أوقات متباعدة. زوجتي تحمل الشهادة الجامعية من جامعة الإمام، قسم الدعوة، درست وتخرجت، وهي معي لم نرزق أطفالاً إلا بعد سبع سنوات من زواجنا. دائمًا تتهمني بالبخل، ولا أدري هل أنا بخيل أم لا؟، لا استطيع أن أحكم على نفسي، مع أنني سافرت مع الأولاد بصحبتها إلى دول خارجية، وداخل المملكة، ونسكن في سكن ملك جيد، ووفرت للعائلة سائق وخادمة.
زوجتي لا تعمل، وبدأت قبل ثلاث سنوات بعمل نشاط منزلي، حيث تقوم بعمل الحلويات والكيك وبيعها، وقد شجعتها لشغل وقت فراغها، وتحقق من خلال عملها دخلاً جيداً جدًا، وأنا أفرح لذلك.
المشكلة التي أعاني منها، وأقلقتني كثيرًا، وأخبرتها بذلك، هي أن عملها زادت حدته، وأصبح يشغل أغلب وقتها، فهي من الصبح حتى المساء تكون مشغولة بتجهيز طلبات الزبائن، واستقبال الطلبات عبر الجوال، وأصبح البيت معملاً لتجهيز الطلبات وتوصيلها.
بالسابق كانت تقوم إضافة إلى عملها بتجهيز الغداء والعشاء، إلا أنها في الآونة الأخيرة أصبحت لا تقوم بالطبخ لي، وتقوم أمها بتوصيل الغداء لنا، وقلت لها أنا لا أسمح بذلك، إلا أنها لم تعرني أي اهتمام، واستمرت أمها بتوصيل الغداء لبيتنا، مما أصابني بضيق.
لا أعرف كيف أتصرف، ونحن الآن لا نكلم بعضنا البعض، رغم أنني أرسل لها رسائل حب، لطلب ودها، ولكنها تكابر. أرجو منكم إذا كان لديكم حل أو استشاره لمشكلتي، وشكرًا لكم.

أجاب عنها:
همام عبدالمعبود

الجواب

أخانا الحبيب:
السلام عليكَ ورحمة الله وبركاته، وأهلا ومرحبا بكَ، وشكر اللهُ لكَ ثقتكَ بإخوانِكَ في موقع (المسلم)، ونسأل الله (عز وجل) أن يجعلنا أهلا لهذه الثقة، آمين.. ثم أما بعد:
قرأت رسالتك؛ وفهمت منها النقاط التالية:
1- أنك "متزوج منذ 22 سنة". وأن لديك منها "أربعة أولاد". وأن ن أن زوجتك من أقاربك. وأن "مشكلتي عدم التفاهم معها"، والحقيقة أن هذا أمر غريب حقًا، فمن المتعارف عليه أن تستمر حالة عدم التفاهم بين الزوجين لبضعة سنوات بعد الزواج، وقد يكون مقبولاً أن تستمر هذه الحالة طوال السنوات السبع الأولى التي لم يرزقكما فيها الله بالولد، لكن أن تستمر هذه الحالة لأقل من ربع قرن من الزمان، وبعدما وهبكما الله بأربعة أولاد، مع كونها من أقاربك، فهو أمر يستحق التوقف عنده، والبحث في أسبابه الحقيقية.
2- تقول إنها "عنيدة وعصبية"، وهذا أمر يشكو منه غالب الرجال إلا من رحم ربك، وقليل ما هم، وتقول إنك كلما "حاولت أن أكسب ودها بالمال، فيكون أثره يوم أو يومين، ثم تسوء حالتنا"، وهذا مؤشر طبيعي فغالبية النساء ترضيهن الهدية، ويسعدهن المال، خاصة إذا كانت من ذلك النوع الذي يطمح إلى جمع المال، أما كونها "عند اشتداد الخصام تطلب الطلاق"، فهذا سلوك اعتادته غالب بنات حواء، فما أسهل كلمة "طلقني" على لسانها، دون أن تدرك عواقبها عليها وعلى البيت والأولاد والأسرة، لكن الحق أن غالبيتهن يلفظنها بألسنتهن فقط، ثم يبادرن بالندم والاعتذار منها إن وجدن الأمر يسير في طريق الطلاق حقًا.
3- أما عن قولك "من المستحيل أن تقوم بالاعتذار مني، حتى لو كانت هي المخطئة"، فلا حرج في هذا، فهي امرأة مكسورة الجناح، وطبيعة المرأة من كونها وديعة عند زوجها، وأمانة لديه، يجعلها تتأخر في المبادرة بالاعتذار رغم كونها لا ينقص من فقدرها بل يزيدها مكانة وحبًا في عين زوجها، لكن عليك ألا تجعل من هذا الأمر مشكلة، وكن أنت البادئ بالود، فهي ضعيفة مهيضة، أقبل عليها، أنظر إليها، اقترب منها، ضمها إلي صدرك، اربت على كتفها، أشعرها بالأمان واغمرها بالحب، وسيذهب عنادها وإصرارها، وتلين بين يديك.
4- أشكر لك قولك "أعترف أنني غير رومانسي"، فقليل من الرجال من يعترف بعيبه، وقد أكبرت قولك "هو طبعي، مع أنني أحاول اصطناع الرومانسية"، فهو دليل على صدق توجهك ورغبتك في إصلاح عيوبك، واعلم أخي– حفظك الله- أن المرأة تحتاج إلى قليل من الغذاء، وإلى كثير من الرومانسية والتدليل، وهو ما يفهم من كلام سيدنا محمد (صلى الله عليه وسلم): "....لاعبوهن وداعبوهن وأرسلوا لهن الرسل، قبل وما الرسل يا رسول الله؟، قال القبلات فإنها أصدق الرسل". وقوله (صلى الله عليه وسلم): "رفقًا بالقوارير".
5- أما كون زوجتك "تحمل الشهادة الجامعية من جامعة الإمام، قسم الدعوة، درست وتخرجت)، فهذا أدعى أن تعرف حقوق زوجها عليها، وألا تقصر في أدائها، فبئس العلم الذي لا يعمل به صاحبه، فزوج المرأة أكثر الناس جميعًا حقوقًا عليها. ويقول الإمام ابن تيمية - رحمه الله- (المرأة إذا تزوجت كان زوجها أملك بها من أبويها وطاعة زوجها عليها أوجب). وروى الترمذي عن أم سلمة (رضي الله عنها) قالت: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): {أيما امرأة ماتت وزوجها راض عنها دخلت الجنة}. قال الترمذي حديث حسن.
6- أما قولك (وهي معي لم نرزق أطفالاً إلا بعد سبع سنوات من زواجنا). فهو أمر محمود لك، حيث إن كثيرًا من الرجال لا يصبر كل هذه السنوات على زوجه، بل إن بعضهم قد يعجل بتطليقها إن مر عامان على زواجه بها ولم تنجب، فصبرك عليها سبع سنوات دون أن تنجب دليل على حبك لها، وتمسكك بها، وهو أمر كان حري بها أن تجعله نصب عينيها، وأن يدفعها إلى الاهتمام بزوجها، وألا تقصر في حقه.
7- أما قولك (دائمًا تتهمني بالبخل، ولا أدري هل أنا بخيل أم لا؟، لا استطيع أن أحكم على نفسي)، فظاهر الأمر أنك لست بخيلا بدليل قولك بعدها (سافرت مع الأولاد بصحبتها إلى دول خارجية، وداخل المملكة)، وقولك (نسكن في سكن ملك جيد)، وقولك (وفرت للعائلة سائق وخادمة)، وهي كلها مقدمات تعكس أمك كريم – على الأقل- مع أهلك (زوجك وأولادك). غير أن غالب النساء جبلن على حب المال، والإسراف في النفقة، ومن ثم فإنهن قد ينظرن للزوج المقتصد على أنه قتور.
8- وبخصوص قولك (زوجتي لا تعمل، وبدأت قبل ثلاث سنوات بعمل نشاط منزلي، حيث تقوم بعمل الحلويات والكيك وبيعها)، فهذا أمر جيد، لا بأس به، وفيه بعض الخير، حيث يعود عليها بالربح، ويشعرها بذاتها، ويشغل وقت الفراغ الذي قد تعاني منه بعض النساء اللائي لا يعملن، غير أن لهذا الأمر عيوبه لدى بعض النساء أيضًا، ومنه ما ذكرت من انشغالها بعملها ومشروعها الاقتصادي، لدرجة أن ينسيها بيتها وزوجها وأولادها، وهنا تقع المشكلة، عندما يشغل أغلب وقتها، كما تقول في رسالتك (فهي من الصبح حتى المساء تكون مشغولة بتجهيز طلبات الزبائن، واستقبال الطلبات عبر الجوال)، ليس هذا فحسب بل قد يصبح (البيت معملاً لتجهيز الطلبات وتوصيلها)!.
9- آنئذ يتهدد الكيان الأسري، ويضيع الاستقرار، ويذهب السكن، وتروح المودة والرحمة، ويصبح البيت أقرب إلى المطعم أو الفندق، وهو ما يحذر منه الخبراء، فلا مانع أن تمارس الزوجة عملاً، تشغل به وقتها، وتشبع به رغبتها، شريطة ألا يتحول هذا العمل إلى معول هدم للأسرة، وسبب شقائها وتعاستها، فالله عز وجل كلف الرجل بالنفقة، فقال تعالى: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ..) [النساء/ 34]. وطالما أن الرجل لم يقصر في الإنفاق على زوجته وأولاده فليس هناك من مبرر لكي تبحث عن الشقاء والعناء.
10- وفي ختام الرسالة تقول (لا أعرف كيف أتصرف)، أقول لك: اجلسا سويًا على انفراد، جلسة مصارحة، أخبرها فيها بما تراه تقصيرًا منها في حقك، وأكد لها أنك حريص على عشرتها، متمسك بمواصلة الطريق معها، وأخبرها أنك تحبها، وأفهمها أنك لم تقصر في الإنفاق عليها، وأن هذه التجارة توشك أن تفرق بينكما، واطلب منها أن تعود لبيتها وزوجها وأولادها، فأنا لا أؤيدك في قولك (نحن الآن لا نكلم بعضنا البعض)، ولا يصح أن يعيش زوجان تحت سقف واحد وهما يتواصلان بالرسائل النصية عبر الهواتف الجوالة. الأمر يحتاج إلى وقفة واضحة، فإن كانت متمسكة بزوجها وبيتها وأسرتها فستضحي بهذا المشروع الذي يوشك أن يهدم البيت، وإن تمسكت بمشروعها وفضلته عن بيتها وزوجها وأولادها، فهي إذن التي اختارت وعليها تحمل العواقب.
وختامًا؛ نسأل الله (عز وجل) أن يتقبل منك نيتك الطيبة وأن يثيبك عنها خيرًا، وأن يصرف عنكما كيد الشيطان ومكره.. وأن يهد لك قلب زوجك، وأن يجمعكما على طاعته ورضاه، وأن يذهب عنكما هذا الكابوس الذي يتهددكما.. اللهم آمين.. وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.