فلسطين والثمن الباهظ للحرية
25 جمادى الثانية 1433
حمزة إسماعيل أبو شنب

تعتبر القضية الفلسطينية محط أنظار العالم العربي والإسلامي بسبب الاحتلال الإسرائيلي لها منذ أربعة و ستين عاماً ، حيث ينظر بالاعتبار الديني لوجود المسجد الأقصى وكنيسة المهد فيها بالإضافة إلى العداء الكبير بين العالم العربي والإسلامي والحرب التي دارت بين العرب و" إسرائيل" الانتباه والتركيز جعل تفكير الشباب العربي على مدار الفترات المتلاحقة ينظر لفلسطين على أنها قضية الاضطهاد وسلب الحريات والقمع والتشريد والقتل مما جعلها مضرب المثل في الكفاح من أجل الحريات وطرد الاحتلال بالصمود والتضحيات من قبل شعبها والتأثر بالقضية الفلسطينية كانت إحدى السمات المشتركة بين كافة الثورات العربية هو شعار تحرير فلسطين  .

 

لقد عاش الشعب الفلسطيني حالات الطرد والتشريد من الوطن والقمع والملاحقة في شتى مجالات الحياة اليومية ، ناهيك عن عشرات الآلاف من الاعتقالات ولكن مفهوم الحرية لدى الفلسطينيين ارتبط بشكل خاص بقضية المعتقلين وقضية تقييد الحركة  حتى أضحت "الحرية والأسرى" مصطلحين متلاصقين ، ويعود ذلك إلى حالات الاعتقال الكثيرة التي عانى منها الفلسطينيون حيث عاش كل بيت في فلسطين حالة اعتقال من خلال اعتقال أحد أفراد أسرته بالإضافة إلى حالة منع التجوال التي كانت تفرض على الفلسطينيين لفترة طويلة تصل في بعض الأحيان إلى شهرين وهذان الأسلوبان كانا من أهم أساليب العقاب التي يفرضها الاحتلال  .

 

لقد كان للشباب الفلسطيني العدد الأكبر من الملاحقة و الاعتقال وقد دفع العديد منهم سنين شبابه في المعتقلات الإسرائيلية حيث كانت هذه الفئة التي تنادي بالحرية والتحرر وتدفع ثمنها بالرغم ذلك ظلت هذه الطبقة عبر الستين عاماً هي قائدة الحركة النضالية للقضية الفلسطينية وهي المحرك الأساسي لطموحات الشعوب ولعل الفئة الناضجة منها كانت تتحمل العبء الأكبر على عاتقها وتقدم التضحيات سواء كان على صعيد العمل الطلابي أو النشاط السياسي والنشاط العسكري ضد الاحتلال كل نشاطات هذه الفئة لم تكن بشكل مخطط أو تحريضي بل كانت نابعة من دوافع فردية لديهم وقناعات بأن المسئولية تقع عليهم لذلك تم تنظيم عملهم في إطار مجموعات وحركات وطنية وإسلامية بطرق منظمة وكانت كافة قيادات هذه التنظيمات منذ انطلاقها بقيادة شابة ومثقفة وواعية لمسئوليتها الذاتية .    

 

لقد دفع الشعب الفلسطيني أثماناً باهظة من أجل الحريات عبر السنوات المختلفة بمختلفة أعمارها معاناة كتب من أجلها المئات من المجلدات والمؤلفات فلقد مر الفلسطيني خلال السنوات الماضية بأبشع الاعتداءات من قبل الاحتلال ففي عام 2006 شن الاحتلال هجوم حربي واسع على قطاع غزة من أجل تحرير أحد مجنديها المختطف لدى المقاومة الفلسطينية حيث جاءت عملية الاختطاف في اطار الارتباط بين الأسرى والحرية فدفع الفلسطيني عدداً كبيراً من الشهداء وتكبد خسائر اقتصادية فادحة من أجل إطلاق سراح أسراه ولم يتوقف الأمر عند هذه الحرب بل إعادة الكرة عام 2008 وبطريقة أبشع وأفظع من أجل تركيع الشعب المنادي بالتحرير والحرية حيث قدم العديد من الشهداء والبيوت المدمرة ولكن هذه الأعباء والهموم الفلسطينية كلها تناثرت وذهبت مع إتمام صفقة التبادل وخروج عدد من الأسرى الذين قضوا حياتهم وزهرة شبابهم في الأسر هذه الأثمان لم تكن لتوقف المطالبين بالحرية أو تردعهم بل زادت من صلابتهم  .

 

لم يكن الاحتلال هو الوحيد الذي يعاقب الفلسطينيين على مطالبتهم بالحرية بل تحالف معه الكثيرون من العالم العربي الدكتاتوري وأنظمة الحريات الغربية المزيفة حيث تكاثفت الجهود بينهم على وأد   التجربة الديمقراطية الفلسطينية عام 2006 حيث سخرت هذه الدول كافة طاقتها من أجل إسقاط وإركاع الفريق الفائز بالانتخابات من أجل مصالحهم الذاتية والتي تتعارض مع تولي فصيل إسلامي الحكومة في فلسطين وقد عوقب الشعب بحصار شامل من أجل حرية التعبير عن الرأي .   

 

هناك أعداء كثر للحرية العربية بالذات وعلى الربيع العربي أن يتنبه لها ومن خلال تجربة فلسطين في الحرية هناك أعداء داخليين وهناك أعداء خارجين فأما العدو الداخلي فهو الذي يعتقد بأنه الشعوب لم نتضوج بعد وأن شريحة الزعمات هي الوحيدة القادرة القيادة بالإضافة إلى أصحاب المصالح أما على الصعيد الخارجي فالعدو الأول للحريات العربية هم الحكومات التي تبحث عن مصالحها ولا تتأثر في ويلات الشعوب فقد كانوا يدعمون الديكتاتوريات العربية من أجل مصالحهم والآن يتحدثون عن الحرية للشعوب للحفاظ على مصالحهم فكيف حيث دفعت الأموال من أجل ذلك .

 

الحرية تنطلق من إدارة الشعوب الحقيقية ولا يمكن لدعاة الحرية التعويل إلا على أنفسهم فقط وعلينا جميعاً أن نرسخ مبادئ الحرية التي تتوافق مع قيمنا العربية والإسلامية فلا تعارض بين الحرية والإسلامية ولا يوجد أحد يكفل الحرية الحقيقة في جميع الشائع السماوية والأرضية أكثر من الإسلام .