تونس بعد الثورة.. تصاعد الجدل حول المهنية الإعلامية
4 رجب 1433
عبد الباقي خليفة

لا تزال جدلية حرية التعبير وضرورة احترام الرأي والرأي الآخر، في صراع محتدم، قسم المجتمع التونسي إلى قسمين، وإن كانا غير متساويين، من حيث الكم والكيف إذ انتقلت البلاد من صحيفة واحدة في تونس سنة 1860 م ثم صحيفتين في عهد الرئيس المخلوع الأول الحبيب بورقيبة، وبعض العناوين الباهتة في عهد المخلوع الثاني ابن علي، إلى أكثر من 200 صحيفة يومية وأسبوعية وشهرية و12 محطة إذاعية و5 قنوات تلفزية بعد ثورة الكرامة في تونس.

 

الجدلية والصراع قائمان بين طرفين، ينادي الأول بحرية التعبير، دون تعريف يضبطه الدستور والقانون، ويطالب الثاني بالمهنية والمساواة وعدم الانحياز الإعلامي لأي جهة كانت، لا سيما داخل الإعلام العمومي المملوك للدولة، والذي يسهم أبناء الشعب التونسي في تمويله مباشرة من خلال استقطاع شهري يتم تسديده مع فاتورة الكهرباء. وبالتالي يرى أن "جميع الأسر التونسية وما تمثله الأغلبية يجب أن تؤخذ خياراتها وعاداتها وتقاليدها في الحسبان عند إنتاج وعرض المادة الإعلامية". علاوة على ذلك شهدت الساحة التونسية الكثير من التجاذبات الإعلامية حول كيفية التعاطي مع العديد من القضايا التي طرحت بقوة في الإعلام في المدة الأخيرة. ومنها قضية قناة، نسمة، المعروضة أمام القضاء، وقضية السلفية في تونس، ومنها منع المنقبات من أداء الامتحانات. وسجن مدير جريدة لنشره صوراً عارية للاعب كرة قدم تونسي في إسبانيا مع عارضة، قيل:إنها زوجته، وقيل غير ذلك(...) ثم زيارة الداعية المصري وجدي غنيم و"التي تعاملت معها معظم وسائل الإعلام في تونس بطريقة دعائية فجة".

 

جدلية حرية التعبير، والمهنية واحترام الثوابت، ظهرت بشكل جلي أثناء محاكمة قناة "نسمة" التي يشارك في تمويلها رئيس الوزراء الايطالي الأسبق، سلفيو برلسكوني، وشخصيات دولية أخرى، ولا تزال القضية التي رفعها 144 محامياً ضد صاحب القناة،أمام القضاء التونسي. بعد اتهامها بـ" بث البلبلة والتعدي على الأخلاق الحميدة" بينما ترتفع في الشارع التونسي لافتتان، تقول الأولى" الشعب يريد تطهير الإعلام" ومدعومة بشعار ثان"الشعب مسلم ولن يستسلم" ويطالب بحكم" الشعب يريد إغلاق القناة" ويزيد "زنقة زنقة دار، دارنحن وراءكم يا إعلام العار" ولم يقف الأمر عند الشعارات، فقد تبادل الطرفان في مناسبات مختلفة العنف وهددا به.

وكان سبب الأزمة بث "القناة المذكورة فيلم،برسيبوليس،الايراني الفرنسي، والذي يتضمن تجسيداً للذات الإلهية والسخرية منها.

 

ومن القضايا التي عرفت زخما إعلامياً في الفترة الماضية، قضية النقاب في الجامعة، والتي أثارتها إدارة كليتين إحداهما في مدينة سوسة الساحلية، والأخرى في كلية الآداب والعلوم الإنسانية في تونس العاصمة. وهي بدورها قسمت المجتمع التونسي، بين مؤيد للمنقبات، ومؤيد لإدارة الكلية. أو بتعبيرالاعلامي فوزي المجبري في حديثه مع " الشرق الأوسط" "بين دعاة حرية اللباس، ودعاة فرض نمط معين داخل الجامعة". كما "لم يخل المشهد من دور اعلامي آيديولوجي، بالغ في وصف ظاهرة اجتماعية ثقافية تتنامى في تونس، وهي،السلفية، إلى درجة اتهم فيها البعض السلفيين بإعلان إمارة اسلامية في منطقة سجنان. واعتبروا مظاهر التدين خطراً على مشروع تنميط المجتمع التونسي، من خلال القوانين، وعصا الشرطة، وتفجير المجتمع من الداخل، وخلق فوضى اجتماعية، مآلها التنظم في نهاية المطاف حسب تصوره". 

 

وقال وزيرالتعليم العالي والبحث العلمي التونسي، الدكتور منصف بن سالم" للأسف الشديد جزء كبير من الإعلام يساهم في التضليل، والتعتيم على ما تقوم به الحكومة وما يجري من نقاشات ومصاعب وعراقيل، ونحن نريد من الإعلام أن ينقل الصورة كاملة غير منقوصة وغير مجزأة. ولا نريد من الإعلام أن ينحاز لأي طرف، نحن لا نريد إعلاماً حكومياً، ولكن إعلاماً ينقل ما يدور في الساحة من آراء الحكومة والمعارضة والمجتمع".

 

وتابع"لدينا عديد الأمثلة، ومن ذلك إعادة نشر مادة اعلامية في أحد أشهر الصحف التونسية (الصباح) بعد شهرمن نشره حول حادثة وقعت في الجامعة وانتهت، كاتبة تقول، في كلية الآداب بمنوبة، اعتصام السلفيين متواصل والدروس معطلة وسلطة الإشراف غيرعابئة".

 

ويؤكد"كانت المشكلة قد تمت تسويتها ولا تستحق استخدام عنوان فاقع مثل هذا، وقد نشرالخبر في 31 يناير، وعندما اتصلت بالعميد نفى ذلك، وكان النشر مكرراً بعد 18 يوماً". و"أخرى تكتب أن، شباب النهضة، في الجامعة نظم اجتماعا ولم يعلم العميد إلا قبل ساعتين فقط، والوقائع تثبت بالوثائق، وعندما تأكدنا من الحقيقة وجدنا الأمر خلاف ذلك، وتم الإعلام قبل الموعد بيوم أي 24 ساعة، حسب ما وصلنا من عميد الجامعة من وثائق(يستشهد بالوثائق أمام الكاميرا) كما سبق أن أدليت بعدة تصريحات، قام البعض في وسائل الإعلام بتحويرها أو تحريفها".

 

وأوضح" نحن نطلب من الإعلام الكف عن الرداءة والهبوط بمستوى المهنية، والكف عن أدلجة الإعلام أو بيعه في سوق النخاسة، فهذه الممارسات ليست صحافية وليست إعلامية وليست وطنية ولا تخدم بلادنا. وإذا كان الهدف منها إسقاط الحكومة، فإن نجاحها لا قدر الله، سيؤدي إلى إسقاط الدولة، وليس إسقاط حزب أو حكومة، كما أن حرية التعبير، وحرية الصحافة، لا يمكن أن تكون غطاء للكذب وخرق وانتهاك قيمة المصداقية المهنية والصدق مع الرأي العام".

 

ومن المواضيع الإعلامية، التي أسالت الكثير من الحبر وتمت مناقشتها كثيراً سجن مدير صحيفة، لنشره صوراً عارية صدمت المجتمع التونسي المحافظ، وقيل" إذا استمر الوضع بهذا الشكل، فإن الناس عليهم عدم مصاحبة أبنائهم عندما يريدون شراء جريدة" لكن بعض وسائل الإعلام صورت مدير الصحيفة المسجون بأنه" سجين رأي" وما عرضه للتهكم وأنه "سجين عري".

 

وزيارة الداعية المصري وجدي غنيم إلى تونس، كانت من بين الأحداث التي شهدتها تونس، حيث استقبله آلاف ولم يعارض الزيارة سوى بقايا النظام المنهار، وبعض عملاء فرنسا من الفرنكفونيين. ويعلق المجبري "كان (الإعلام) في الموعد ولم يغب عن المشهد سوى الحرفية والمهنية والاستقلالية، حضر أشخاص للاستديوهات، وكاميرات، وأجهزة بث، وغاب الإعلام..الجميع كانوا يتحدثون عن وجدي غنيم، في غياب الرجل، وغياب من يمثله ويتبنى فكره ".

 

وكاتب هذه السطور وحده من حاور غنيم فماذا قال عن التهم الموجهة إليه عبر وسائل الاعلام " لم أدع إلى ختان البنات في تونس، ولم أدع إلى العنف، وإذا قلت ذلك فليواجهوني، وأتحداهم أن يقابلوني في مناظرة تلفزيونية" قال غنيم ذلك أيضا على المنابر ولم تنقل أي وسيلة إعلام تونسية كلامه، واستمر الهجوم عليه بعد ذهابه.

 

ولم يُخْفِ رئيس الهيئة الوطنية لإصلاح الإعلام والاتصال كمال العبيدي، في حواره مع جريدة الصباح في 2 يناير الماضي، شكوكه حيال كثير مما ينشر في وسائل الإعلام التونسية" ومما يبعث فينا الشكوك أكثر أن محتواها لا يعكس التزاماً بمعايير المهنة الصحفية ومن حق المواطن أن يطالب بالشفافية في مجال إدارة المؤسسات الاعلامية...."

 

وذهب وزير حقوق الإنسان والعدالة الانتقالية، سميرديلو، إلى القول "من الغباء أن يطوع الحاكم الإعلام كي يصبح يسبح بحمده" بيد أنه شدد على أن"هناك صحفيين يكفرون عن ذنوبهم السابقة بانتقاد الحكومة الحالية" وفي معرض الإشارة إلى صحافيين كانوا موالين لنظام بن علي وتحولوا بعد الثورة إلى معارضين للحكومة" ليس دور الاعلامي أن يُكَفّر عن ذنب اقترفه في السابق بذنوب يقترفها بعد الثورة".