الرقابة الشرعية على المصارف
17 رجب 1433
د. يوسف الشبيلي

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، وبعد:
فإن من أبرز المجالات التي جاءت الشريعة المحكمة ببيان أحكامها وضوابطها: التعاملات المالية. فجاء النظام المالي الإسلامي بديعاً في تكوينه، قوياً في إحكامه، راسخاً في مبادئه، يحقق العدالة، ويمنع الظلم، ويستند إلى قواعد محكمة يتحقق بها الخير والصلاح للمجتمعات الإسلامية، بل للبشرية جمعاء إن هي أخذت به. يقول سبحانه وتعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْأِسْلامَ دِيناً} [المائدة: من الآية3].

 

ولقد عاشت المجتمعات الإسلامية ردهاً من الزمن أسيرة الأفكار والنظم المالية المستوردة من الغرب الرأسمالي، فانتشرت البنوك الربوية في الأقطار الإسلامية، ووضعت لها الأنظمة المستمدة من النظم الرأسمالية الغربية، وبقيت عقوداً من الزمن، حتى أصبح الناس حيالها طرفين: منهم من يحمل لواءها ويدافع عنها ويرى أن لا سبيل للتقدم الاقتصادي إلا بها، ومنهم من رد فكرة البنوك جملة وتفصيلاً ويرى أنها محاضن للربا لا يمكن إصلاحها، إلى أن قيض الله لهذه الأمة مصلحين من علمائها ومفكريها وتجارها تنادوا لإصلاح هذه المؤسسات، وإعادة بنائها وفق أسسنا الشرعية، فظهرت المصارف الإسلامية التي تقدم الخدمات المالية المختلفة من تمويل واستثمار ووساطة مالية وغير ذلك ملتزمة بتجنب الربا وغيره من التعاملات المالية المحرمة. وهاهي الآن تزيد عدتها على 390 مصرفاً ومؤسسة مالية منتشرة في 48 دولة على مستوى العالم، وتزيد أصولها المالية على تريليون دولار، وبنسبة نمو تصل إلى 23% سنوياً(1). والتحدي الأهم الآن هو ضبط عمل هذه المصارف والمحافظة على مسيرتها من الانحراف حتى لا نخسر المكاسب التي تحققت في هذه المدة الوجيزة، ولا سبيل إلى ذلك إلا من خلال هيئات الرقابة الشرعية. وتشكر أمانة المجمع أن اختارت هذا الموضوع؛ لأهميته البالغة.

 

وفي هذا البحث إسهام في هذا الموضوع بينت فيه معنى الرقابة وضوابطها والأحكام المتعلقة بها. أسأل الله أن يجنبنا الزلل وأن يوفقنا لما يرضيه من القول والعمل.

المبحث الأول: التعريف بالرقابة الشرعية ودورها وأهميتها
المطلب الأول: التعريف بالرقابة الشرعية
الرقابة في اللغة:

الرقابة -بفتح الراء وكسرها- في اللغة: المراقبة(2)، بمعنى الانتصاب مراعاة لشيء. والمراقب والرقيب: من يقوم بالرقابة(3). قال ابن فارس: " الراء والقاف والباء أصل واحد مطرد، يدل على انتصاب لمراعاة شيء، ومن ذلك الرقيب وهو الحافظ...والمرقَب: المكان العالي يقف عليه الناظر. ومن ذلك اشتقاق الرقبة؛ لأنها منتصبة"(4).
الرقابة في الشرع:
    لا يختلف المعنى المراد من الرقابة في الشرع عن معناها في اللغة. فقد ورد استعمال هذا اللفظ ومشتقاته في آيات قرآنية متعددة بمعنى الحفظ، كقوله تعالى: {إِنَّا مُرْسِلُو الْنَّاقَةِ فِتْنَةً لَهُمْ فَارْتَقِبْهُمْ وَاصْطَبِرْ} [القمر:27]، وقوله سبحانه: {فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفاً يَتَرَقَّبُ} [القصص: من الآية21]. ومن أسمائه سبحانه: الرقيب، كما في قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً} [النساء: من الآية1]، أي مطلعاً حفيظاً لأعمالكم.

 

الرقابة في الاصطلاح:

    تعددت تعريفات الباحثين المعاصرين لمفهوم الرقابة الشرعية. وأشمل تعريف – في نظر الباحث- أن يقال: هي وضع ضوابط شرعية مستمدة من الأدلة الشرعية، ثم متابعة تنفيذها للتأكد من صحة التنفيذ.
    فالرقابة الشرعية بهذا المفهوم أوسع من مفهوم التدقيق (المراجعة) الشرعية، بل هي تشمل أمرين: الإفتاء والتدقيق.
    ويشرف على الرقابة الشرعية في المؤسسات المالية هيئة تسمى: "هيئة الرقابة الشرعية" وهي: جهاز يضم عدداً من الفقهاء المتخصصين في المعاملات المالية يضع الضوابط الشرعية المستمدة من الأدلة الشرعية، وتكون هذه الضوابط ملزمة للمؤسسة، ويتابع تنفيذها للتأكد من سلامة التنفيذ(5).

 

المطلب الثاني: الفروق بين الرقابة الشرعية والمصطلحات المشابهة

    يلتبس بمفهوم الرقابة مصطلحات أخرى وهي: المراجعة الشرعية، وهيئة الرقابة الشرعية، والمراجعة الداخلية، ودفعاً للبس أوضح الفروق بين هذه المصطلحات:
    فالرقابة الشرعية –كما سبق- تعني وضع الضوابط الشرعية ومتابعة تنفيذها.
    وأما المراجعة الشرعية فتعني: فحص مدى التزام المؤسسة بالشريعة في جميع أنشطتها.(6) وتسمى أيضاً (التدقيق الشرعي) و(الرقابة الشرعية الداخلية).
    وأما هيئة الرقابة الشرعية: فهي الهيئة الشرعية التي تصدر الفتاوى وتضع المعايير الشرعية. وتسمى أيضاً: (الهيئة الشرعية) و ( هيئة الفتوى). وهيئة الرقابة الشرعية تشرف على عمل الرقابة الشرعية الداخلية، وتقوم بأعمال المراجعة أيضاً، ولكن ليس على سبيل التفرغ لذلك كما هو الحال في الرقابة الداخلية؛ ولهذا تسمى هيئة الرقابة الشرعية ب( المراقب الشرعي الخارجي).
    وبه يتضح أن مفهوم الرقابة الشرعية أوسع هذه المفاهيم الثلاثة، فهو يشمل هيئة الرقابة والمراجعة الشرعية.
    وأما المراجعة الداخلية فهي نوع من الرقابة التنظيمية تتم من خلال إدارة خاصة في المؤسسة المالية يطلق عليها: " إدارة المراجعة" وتعنى بالتأكد من أن التزام المؤسسة بالسياسات الإدارية والمالية المعتمدة(7).
    وبه يتضح الفرق بينها وبين الرقابة الشرعية الداخلية. فالمراجعة الداخلية تعنى بالجوانب الفنية والإدارية والمالية، ولذا تسند في الغالب إلى متخصصين في المحاسبة المالية، بينما الرقابة الشرعية الداخلية تعنى بالجوانب الشرعية، ولذا تسند إلى متخصص في الشريعة.

 

المطلب الثالث: وظائف الرقابة الشرعية

    يؤدي جهاز الرقابة الشرعية في المصرف وظيفتين أساسيتين:
    الوظيفة الأولى: وضع المعايير الشرعية لضبط عمل المؤسسة المالية. وهذه الوظيفة تأخذ حكم الفتوى؛ لأن ما يصدر عن الهيئة بهذا الخصوص يعد أحكاماً شرعية، فيجب الأخذ بضوابط الفتوى والمفتي فيها.
    وهذه الوظيفة لاشك في أنها من أخطر الوظائف؛ إذ إن عضو هيئة الرقابة هنا مبلغ عن الله أحكامه، بل لا يقتصر دوره على التبليغ فحسب بل يتعداه إلى الإلزام؛ فهي فتوى ملزمة للمؤسسة. وحسبك بالخطر في منصب الفتيا، فكيف إذا كانت ملزمة؟ يقول الإمام الشاطبي –رحمه الله- مبيناً عظم منزلة المفتي: " إن ما يبلغه من الشريعة إما منقول عن صاحبها، وإما مستنبط من المنقول، فالأول يكون فيه مبلغاً، والثاني يكون معه قائماً مقامه في إنشاء الأحكام، وإنشاء الأحكام إنما هو للشارع، فإذا كان للمجتهد إنشاء الأحكام بحسب نظره واجتهاده فهو من هذا الوجه شارع، واجب اتباعه.. وهذه هي الخلافة على التحقيق..وعلى الجملة فالمفتي مبلغ عن الله كالنبي؛ ولذلك سموا أولي الأمر، وقرنت طاعتهم بطاعة الله ورسوله في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء: من الآية59](8).
    والوظيفة الثانية: التأكد من سلامة تنفيذ المؤسسة للمعايير والأحكام الصادرة من هيئة الرقابة، وفحص مدى التزامها بتلك الأحكام في جميع أنشطتها(9).
    وهذه الوظيفة لا تقل أهمية عن سابقتها؛ لأن تطبيق الفتوى على وجه غير سليم فيه تحريف للحكم الشرعي، وتغرير بمن يتعامل مع المؤسسة؛ ولهذا فإن من المتعين على هيئة الرقابة الشرعية حين تصدر الفتوى للمؤسسة أن تضع الآليات الرقابية الكفيلة بتطبيق الفتوى على الوجه الصحيح.

 

المطلب الرابع: أهمية الرقابة الشرعية

    يعد جهاز الرقابة الشرعية أحد أهم الأجهزة في المؤسسات المالية التي تقدم خدمات إسلامية؛ ذلك أن دعوى المصرف أو أي مؤسسة مالية بأن خدماته متوافقة مع الشريعة الإسلامية لا تكون مقبولة إذا لم تكن مصدقة بالجهاز الرقابي لديه. ودفعاً للتلاعب في هذه القضية فإن من السياسة الشرعية منع أي مؤسسة مالية من تقديم خدمات إسلامية ما لم يكن لديها هيئة رقابة شرعية.

 

    وما يطرحه البعض من أنه يمكن الاكتفاء بإسناد الرقابة الشرعية إلى جهاز المراجعة الداخلية في المصرف، أو الاكتفاء بتدريب موظفي المصرف على التعاملات المالية الإسلامية، وتثقيفهم بأحكام الشريعة فيها بدلاً من وجود إدارة للرقابة الشرعية، فكل ذلك غير مقبول؛ فتدريب الموظفين ومنهم موظفو المراجعة الداخلية– مع أهميته- لا يغني عن وجود جهاز خاص يضم متخصصين في فقه المعاملات المالية؛ لأمور:
    الأول: أن بعض أحكام المعاملات المالية وضوابطها لاسيما ما يتعلق منها بالربا قد تخفى على المتخصصين، فكيف إذا أسندت إلى غير المتخصص؟!. وإذا كان أمير المؤمنين عمر بن الخطاب –رضي الله عنه- قد استشكل بعض مسائل الربا، كما جاء في صحيح البخاري قوله: " ثلاث وددت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يفارقنا حتى يعهد إلينا عهداً: الجد، والكلالة، وأبواب من أبواب الربا"(10). فكيف بمن دونه من آحاد الناس؟!.
    والثاني: أن الحكم بصحة عقد أو فساده، وبكونه موافقاً للضوابط الشرعية أو مخالفاً لها، يعد فتوى شرعية؛ ومن المتفق عليه أن الفتوى لا تقبل ممن ليس أهلاً لها؛ فإن الله أمر عموم المسلمين بسؤال أهل الذكر، قال تعالى: {فَاسْأَلوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [النحل: من الآية43]. وأهل الذكر هم من تتوافر فيهم الأهلية للفتوى.
    والثالث: أن كثيراً من المؤسسات المالية تروج لخدماتها بوصفها بأنها إسلامية، وربما لا تكون كذلك، فتغرر العملاء بذلك، ولا سبيل إلى التمييز في هذا المجال إلا بوجود هيئة رقابة شرعية.
    والرابع: أن الإجراءات الفنية في هذه المؤسسات تشترط لها الأنظمة رقابة بشروط معينة، فهناك المراجع القانوني، والمراجع المحاسبي الخارجي، والمراجعة الداخلية، وغيرها من الإجراءات التي يقصد منها ضبط عمل المؤسسة قانونياً وإدارياً ومالياً. ولا شك أن التدقيق الشرعي أهم من ذلك كله؛ إذ هو يتعلق بأهم مقصد من المقاصد التي جاءت الشريعة بحفظها وهو: "حفظ الدين".

 

    ومن العجب ما تفرضه الأنظمة في البلدان الإسلامية من إجراءات حازمة للتدقيق على الجوانب الفنية في المؤسسات والشركات وإغفال الجانب الشرعي الذي يعد مطلباً شرعياً أولاً، ومطلباً جوهرياً كذلك لعملاء تلك المؤسسات. وأجدها فرصة للتأكيد على أهمية صدور قرار من المجمع الفقهي لدعوة الجهات المنظمة في البلدان الإسلامية باشتراط الرقابة الشرعية على عمل المؤسسات المالية.

 

المطلب الخامس: مكونات هيئة الرقابة الشرعية

    لابد للرقابة الشرعية حتى تحقق المقصود منها أن يتوافر فيها جهازان أساسيان وجهاز مساند:
    أما الجهازان الأساسيان فهما:

 

1- هيئة الفتوى:
    وتضم مجموعة من علماء الشريعة المتخصصين في التعاملات المالية، ممن لديهم الأهلية للفتوى في هذا المجال، بحيث لا يقل عددهم عن ثلاثة؛ ليتحقق بذلك أن الفتوى صادرة عن اجتهاد جماعي؛ لأن الاثنين في حال اختلافهما لا مرجح لأحدهما، وإذا رجح قول أحدهما لكونه رئيساً فمآل الأمر إلى أن تكون الفتوى صادرة عن اجتهاد فردي لا جماعي.

 

2- جهاز الرقابة الداخلي:
    ويضم مجموعة من المراقبين الشرعيين ممن لهم إلمام بالضوابط الشرعية، ولا يلزم أن يكونوا من الفقهاء فقد يكونون محاسبين أو قانونيين أو غيرهم. ووجود هذا الجهاز ضروري لحفظ أعمال المصرف عن المخالفات الشرعية، ومتابعة تنفيذ قرارات هيئة الفتوى على الوجه الصحيح، وعلى هذا فوجود هذا الجهاز واجب؛ لأن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، والفتوى بلا رقابة ستبقى –في أحسن أحوالها- رهينة اجتهاد الموظف الذي قد يخطئ في تنفيذها أو يحرف بعض ما تضمنه جهلاً منه بمضمونها.

 

    وأما الجهاز المساند لعمل الرقابة فهو:
وحدة البحوث،
    فقد يتطلب العمل الرقابي دراسة مسألة مستجدة لم يسبق لهيئة الفتوى أن اتخذت رأياً فيها، فمن المناسب وجود عدد مناسب من الباحثين الشرعيين، لدراسة المسألة، وجمع أقوال أهل العلم فيها، ثم عرضها على هيئة الفتوى قبل أن تصدر قرارها فيها.

 

المطلب السادس: أنواع الرقابة الشرعية

    الرقابة الشرعية على نوعين:
    الأول: رقابة خاصة (داخلية): وفي هذا النوع تكون هيئة الرقابة خاصة بالمؤسسة المالية، والمراقبون الشرعيون يكونون من ضمن الجهاز الإداري فيها.
    والثاني: رقابة مشتركة (خارجية): أي من خلال مكاتب تدقيق شرعي تضم هيئة فتوى ومراقبين شرعيين، وتقدم خدماتها لمؤسسات مالية متعددة، على غرار المعمول به في المكاتب المحاسبية الخارجية.
    وكل واحد من هذين النوعين يمكن أن يتحقق به أغراض الرقابة الشرعية.

 

المبحث الثاني: الصفة الشرعية لأعمال الرقابة

    إن عمل الرقابة الشرعية في المصارف بما يحققه من حفظ للمال يندرج ضمن المقاصد الشرعية التي جاءت الشريعة بحفظها ورعايتها. والغاية منه تحقيق المصلحة بحفظ المال من جانب الوجود، ودرء المفسدة عنه بصيانته عن أسباب فساده، وهذا من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي هو جماع الدين، وفي هذا يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: "وإذا كان جماع الدين وجميع الولايات هو أمر ونهي فالأمر الذي بعث الله به رسوله –صلى الله عليه وسلم- هو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر"(11). وعلى هذا فكل ما يحقق هذا المقصد من الوسائل والتنظيمات والإجراءات التي تساعد على حفظ المال إيجاداً أو إعداماً فهو من المصالح المعتبرة شرعاً.

 

وما تؤديه الرقابة الشرعية في المصارف لا يخرج عن أن يكون إفتاءً أو رقابة. وكلاهما له شواهده من السنة النبوية وعمل الصحابة والسلف الصالح رضوان الله عليهم. أما الإفتاء ففي أحاديث كثيرة يسأل عليه الصلاة والسلام عن مسائل في الأموال فيجيب السائل عنها، كما في قوله – لما سئل عن بيع الرطب بالتمر-: "أينقص الرطب إذا يبس؟ قالوا: نعم، قال: فلا إذا"(12). وسئل عن بيع شحوم الميتة؟ فقال:" لا، هو حرام"(13). وغير ذلك من الأحاديث.

 

وأما الرقابة فقد كان -عليه الصلاة والسلام- يتفقد الأسواق ويفحص السلع ويراقب الباعة. ومن ذلك ما روى أبو هريرة –رضي الله عنه- قال: مر النبي صلى الله عليه وسلم على صبرة طعام، فأدخل يده فيها، فنالت أصابعه بللاً، فقال: ما هذا يا صاحب الطعام؟ فقال: أصابته السماء يا رسول الله، قال: أفلا جعلته فوق الطعام حتى يراه الناس. من غش فليس منا"(14).

 

ومن خلال ما سبق فهل الصفة الشرعية لهيئة الرقابة أنها وكيلة عن المساهمين في تقديم الاستشارات والرقابة على أعمال المصرف؟ أم أنها تقوم بدور المحتسب ؟.
الذي يظهر للباحث هو الثاني فهيئة الرقابة الشرعية لها ولاية على المصرف كولاية القاضي في نطاق اختصاصه، وولاية المحتسب في حدود صلاحياته. ولا يؤثر على هذا التكييف كون الهيئة معينة بقرار إداري من قبل الجمعية العمومية؛ فإن المحتسب يعين كذلك بقرار إداري كما هو الحاصل الآن ولا يخرجه ذلك عن كونه محتسباً، ولأن القول بأنها وكيل يسوغ للمصرف عزلها في أي وقت بإرادة منفردة دون مبرر شرعي، وهذا يتعارض مع مبدأ استقلالية الهيئة.

 

المبحث الثالث: الأحكام المتعلقة بعمل هيئة الرقابة الشرعية

المسألة الأولى: حكم أخذ المفتي أجراً على عمله

الإفتاء من أعمال القرب المتعدية؛ إذ يختص صاحبه في أن يكون من أهل الطاعة، وقد اختلف أهل العلم في حكم أخذ الأجر على القرب، فذهب الحنفية والحنابلة إلى التحريم؛ لقول النبي – صلى الله عليه وسلم-: " واتخذ مؤذناً لا يأخذ على أذانه أجرا"(15)، وقوله: " اقرأوا القرآن ولا تأكلوا به"(16)؛ ولأنها عبادة يختص فاعلها أن يكون من أهل القربة, فلم يجز أخذ الأجرة عليها, كالصلاة, والصوم(17).
وذهب المالكية والشافعية ورواية عن الإمام أحمد إلى الجواز(18)؛ لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إن أحق ما أخذتم عليه أجراً كتاب الله"(19).
واختار شيخ الإسلام ابن تيمية الجواز إذا كان محتاجاً(20).
وذهب جمهور أهل العلم إلى جواز أن يأخذ رَزقاً من بيت المال، أو جعلاً لا يرتبط بعمله أو مدته، أو أن يأخذ بلا شرط. وعلل لذلك في كشاف القناع بأن "باب الأرزاق أدخل في باب الإحسان, وأبعد عن باب المعاوضة, وباب الإجارة أبعد عن باب المسامحة وأدخل في باب المكاسبة"(21).

 

والأظهر – والله أعلم – هو التفصيل:
1- فإن كان المفتي يأخذ أجراً على الفتوى بذاتها؛ كأن يحدد سعراً لكل فتوى تصدر منه، فلا يجوز ذلك؛ لأن الفتوى حكم شرعي يجب تبليغه للناس، وتبليغها من العهد الذي أخذه الله على أهل العلم في قوله تعالى: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ} [آل عمران: من الآية187]. قال ابن القيم –رحمه الله-: "أخذه- أي المفتي- الأجرة لا يجوز له; لأن الفتيا منصب تبليغ عن الله ورسوله, فلا تجوز المعاوضة عليه, كما لو قال له: لا أعلمك الإسلام أو الوضوء أو الصلاة إلا بأجرة, أو سئل عن حلال أو حرام فقال للسائل: لا أجيبك عنه إلا بأجرة, فهذا حرام قطعا..وقال بعض المتأخرين : إن أجاب بالخط فله أن يقول للسائل: لا يلزمني أن أكتب لك خطي إلا بأجرة, وله أخذ الأجرة, وجعله بمنزلة أجرة الناسخ; فإنه يأخذ الأجرة على خطه لا على جوابه.قال: والصحيح خلاف ذلك, وأنه يلزمه الجواب مجاناً لله بلفظه وخطه, ولكن لا يلزمه الورق ولا الحبر"(22). 

 

2- وأما إن اقترنت الفتوى بعمل، كأن يتفرغ المفتي للإفتاء، أو يحتاج إلى الانتقال إلى مكان المستفتي، فيجوز له في هذه الحال أن يأخذ أجراً أو رزقاً؛ لأنه في مقابل عمله وجهده ووقته، وليس معاوضةً على الفتوى. ولذا نص أهل العمل على أن المفتي إذا تفرغ للإفتاء لأهل بلد جاز له أخذ الرزق منهم. قال الفتوحي:" إن جعل له -أي للمفتي- أهل بلد رَزقاً ليتفرغ لهم جاز ذلك على الصحيح"(23). بل قد يكون تخصيص من يتفرغ للإفتاء وغيرها من الولايات الشرعية كالإمامة والأذان والخطابة والحسبة الدعوة والوعظ واجباً على الإمام لئلا تتعطل الشعائر والمصالح الدينية، ويعطى المتفرغ لذلك أجراً لتفرغه.

 

وبناء على ذلك فلا يظهر ما يمنع شرعاً من أن يأخذ عضو هيئة الرقابة الشرعية، أو المراقب الشرعي مكافأة عن عمله وجهده؛ لأن الرقابة الشرعية لا تقتصر على الفتوى فقط، بل تشمل مراجعة العقود، وفحصها والتدقيق عليها، وأن يفرغ المفتي جزءً من وقته للمؤسسة، وأن يحضر إلى مكان المؤسسة، وربما يتطلب الأمر سفره، وغير ذلك من الأعمال التي يستحق عليها الأجر، ولو لم يكافأ على ذلك لأدى ذلك إلى تعطيل مصلحة عامة من المصالح الشرعية. فالرقابة الشرعية المالية نوع احتساب لا يقل أهمية عن الحسبة الأخلاقية في الأسواق.

 

المسألة الثانية: حكم أخذ عضو هيئة الرقابة أجراً بنسبة من عوائد المنتج الذي يعتمد جوازه

هذه المسألة ذات شقين:
    الأول: في حكم كون الأجر أو الجعل بنسبة من العائد، وهل يكون الأجر بذلك مجهولاً؟. وهذه المسألة لن أستطرد فيها، فالخلاف بين أهل العلم فيها معروف(24)، والأظهر فيها الجواز؛ لأن الجهالة هنا تؤول إلى العلم على وجه لا يؤدي إلى المنازعة(25). قد نص أهل العلم على جواز نظائر لهذه المسألة، كأجرة السمسار بنسبة من ثمن ما يبيع، وأجرة تحصيل الدين بجزء منه، والمشاركة بجزء من الغلة، مثل أن يدفع إليه دابة ليعمل فيها وغلتها بينهما، وغيرها من المسائل(26).

 

والثاني: في أن هذا الشرط قد يؤثر على تجرد المفتي عند إجازته لذلك العقد؛ لأن له فيه مصلحة. والأظهر أن هذا الشرط لا يخلو من حالين:
الحال الأول: أن يكون في العقود التي تعرضها المؤسسة على هيئة الرقابة الشرعية لتستبين منها رأيها الشرعي في ذلك العقد، فهذا الشرط أرى أنه محرم، سواء أكان الأجر بمبلغ مقطوع أم بنسبة من عوائد المنتج؛ لما فيه من التهمة، ولحماية منزلة الفتوى من التشكيك؛ ولأن الفتوى هنا تتضمن الشهادة والتزكية للمنتج؛ لأن المؤسسة تستخدم إجازة الهيئة في التسويق للمنتج، ومن المقرر عند أهل العلم أن من موانع قبول الشهادة أن يجر الشاهد بشهادته نفعاً لنفسه. قال في مغني المحتاج: " من شروط الشاهد كونه غير متهم..والتهمة أن يجر إليه نفعا أو يدفع عنه ضررا"(27). وفي شرح المنتهى: " من الموانع أن يجر الشاهد بشهادته نفعاً لنفسه كشهادته لموكله.. أو شهادة من له كلام أو استحقاق وإن قل في رباط أو مدرسة أو مسجد لمصلحة لهما"(28). 
وإذا كانت الأنظمة تمنع المراجع القانوني والمحاسبي من أن يكون له مصلحة في تقرير المراجعة الذي يصدره فالتدقيق الشرعي أولى بذلك.
وحقيقة هذا الشرط أن الأجر مرتبط بالإجازة، فالفتوى إن صدرت بالتحريم فلا يستحق الأجر، وإن صدرت بالإجازة استحق الأجر، وهذا من الخطورة بمكان لا يخفى.

 

والحال الثانية: أن يكون في عقود يبتكرها أعضاء هيئة الرقابة الشرعية أو أحد أعضائها، بحيث يستعمل الهندسة المالية للعقود في تصميم أداة استثمارية أو تمويلية. فالذي يظهر في مثل هذه الحال جواز أن يأخذ العضو نسبة من عوائد هذا المنتج بشرط ألا يتصدى بنفسه لإجازة العقد لدى المؤسسة وإنما يعرض على بقية أعضاء الهيئة أو يعرض على هيئة أخرى في حال ما إذا كانوا جميعاً قد اشتركوا في تصميمه.
والمسوغ لأخذ الأجر هنا كونه مقابل ابتكار هذا العقد، وهو – أي الابتكار- من الحقوق المعنوية التي تجوز المعاوضة عليها، وليس مقابل إجازة العقد. والله أعلم.

 

المسألة الثالثة: حكم تملك أعضاء الهيئة أسهماً في المصرف الذي تنتمي إليه الهيئة

تقدم معنا أن فتاوى هيئة الرقابة الشرعية بإجازة عقد من العقود تتضمن الشهادة للمصرف بأن ذلك العقد متوافق مع الضوابط الشرعية، فهي فتوى فيها معنى الشهادة، ولهذا تسمى قرارات الهيئة شهادات إجازة أو مطابقة، ويستخدمها المصرف في إقناع عملائه بأن ما يقدمه مقبول شرعاً. وعليه فالذي يظهر أن تملك العضو أسهماً في المصرف الذي يتولى الرقابة عليه إن كان بنسبة كبيرة مؤثرة فيمنع من ذلك؛ لأنه يجر بهذه الشهادة لنفسه نفعاً. وقد اتفق أهل العلم على أن من موانع الشهادة: شهادة الشريك لشريكه. قال في شرح المنتهى: " من الموانع أن يجر الشاهد بشهادته نفعاً لنفسه كشهادته لشريكه فيما هو شريك فيه. قال في المبدع : لا نعلم فيه خلافاً لاتهامه, وكذا مضارب بمال المضاربة. انتهى، قال: لأنها شهادة لنفسه"(29).
وأما إن كانت نسبة ما يملكه العضو في المصرف يسيرة غير مؤثرة كأن يتملك أسهماً قليلة من بين ملايين الأسهم المتداولة في السوق، فمثل ذلك لا يمنع من قبول شهادته لمنتجات المصرف؛ لأن علة المنع منتفية هنا؛ ولأن هذا مما يشق التحرز عنه.
ويمكن أن يرجع  إلى العرف في تحديد نسبة الملكية المؤثرة وغير المؤثرة؛ إذ إن كثيراً من الأنظمة تجعل حداً لنسبة الملكية التي يكون فيها الشريك من كبار الملاك في الشركة المساهمة. وحددت هذه النسبة في النظام السعودي ب 5% فمن يملك في الشركة بمقدار هذه النسبة أو أكثر فيعد من كبار الملاك دون من عداهم(30).

 

المسألة الرابعة: تغير اجتهاد هيئة الرقابة

إذا تغير اجتهاد هيئة الرقابة الشرعية في مسألة من المسائل التي كان المصرف قد أخذ فيها باجتهاد سابق من الهيئة ذاتها أو من هيئة أخرى فالأصل أن الاجتهاد الثاني لا ينقض الاجتهاد الأول؛ عملاً بالقاعدة الشرعية أن " الاجتهاد لا ينقض الاجتهاد" . وقد دل عليها إجماع الصحابة رضي الله عنهم؛ فإن أبا بكر حكم في مسائل خالفه عمر فيها ولم ينقض حكمه, وحكم عمر في المشركة بعدم المشاركة ثم بالمشاركة وقال: ذلك على ما قضينا وهذا على ما نقضي, وقضى في الجد قضايا مختلفة. ولأن نقض الحكم السابق  يؤدي إلى أن لا يستقر حكم، وفي ذلك مشقة شديدة فإنه إذا نقض هذا الحكم نقض ذلك النقض وهلم جرا. ولهذه القاعدة تطبيقات متعددة في القضاء والعبادات والأنكحة وغيرها(31).

 

غير أنه ينبغي التنبه إلى أن محل هذه القاعدة في الأحكام السابقة لا اللاحقة، وفي الأحكام الاجتهادية دون القطعية، وإيضاح ذلك في النقاط الآتية:
الأولى: إذا تغير اجتهاد الهيئة في مسألة من المسائل فيلزم المصرف الأخذ بالاجتهاد الثاني في عقوده اللاحقة، وليس له أن يتخير بين الاجتهادين؛ فإن المقصود بالاجتهاد الذي لا ينقض ما كان في الماضي وأما ما في المستقبل فيختلف الحكم فيه باختلاف الترجيح.. قال الزركشي: " هذه العبارة اشتهرت في كلامهم وتحقيقها أن النقض  الممتنع إنما هو في الأحكام الماضية وإنما تغير الحكم في المستقبل لانتفاء الترجيح"(32)  ومما يدل على ذلك ما جاء في كتاب عمر لأبي موسى –رضي الله عنهما-" ولا يمنعنك قضاء قضيته بالأمس, ثم راجعت نفسك فيه اليوم, فهديت لرشدك أن تراجع فيه الحق; فإن الرجوع إلى الحق خير من التمادي في الباطل"(33).

 

والثانية: إذا تبين للهيئة خطؤها أو خطأ الهيئة السابقة في الاجتهاد السابق؛ لمخالفته لأمر قطعي، فيجب نقضه في هذه الحال. قال الفتوحي:" لا ينقض حكم حاكم في مسألة اجتهادية عند الأئمة الأربعة ومن وافقهم; للتساوي في الحكم بالظن، وإلا نقض بمخالفة قاطع في مذهب الأئمة الأربعة"(34). وعلى هذا فتنقض الفتوى السابقة إذا كانت مخالفة لنص قطعي الثبوت والدلالة أو لإجماع قطعي .   

 

والثالثة: لا يلزم الهيئة في حال تغيرها تتبع اجتهادات من قبلها، إذا كانت تعلم من حال الهيئة السابقة أنها من أهل الفتيا في المعاملات المالية. قال في المغني: "وليس على الحاكم تتبع قضايا من كان قبله; لأن الظاهر صحتها وصوابها"(35). 

 

المسألة الخامسة: الأخذ برأي الأغلبية في الترجيح

درجت الهيئات الشرعية في حال اختلاف أعضائها في مسألة من المسائل على الترجيح بين الأقوال بأخذ رأي الأغلبية، وهذا هو المعمول به في عامة المجامع الفقهية وهيئات الاجتهاد الجماعي. ويمكن أن يستأنس لذلك بفعل النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد؛ فإنه أخذ برأي الأغلبية من الصحابة الذين كانوا يريدون الخروج من المدينة، مع أن رأيه ورأي بعض الصحابة في البقاء بها، فعن ابن عباس –رضي الله عنهما- قال: "تنفل رسول الله صلى الله عليه وسلم سيفه ذا القفار يوم بدر، قال ابن عباس: وهو الذي رأى فيه الرؤيا يوم أحد، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما جاءه المشركون يوم أحد كان رأيه أن يقيم بالمدينة فيقاتلهم فيها، فقال له ناس لم يكونوا شهدوا بدرا : تخرج بنا يا رسول الله إليهم نقاتلهم بأحد، ورجوا أن يصيبوا من الفضيلة ما أصاب أهل بدر، فما زالوا به حتى لبس أداته"(36).

 

المسألة السادسة:  تكوين هيئة عليا تكون مرجعاً للهيئات الشرعية

من السياسات الشرعية التنظيمية التي قد تسهم في ضبط عمل الهيئات الشرعية، والحد من اختلاف فتاواها، تكوين هيئة شرعية عليا في كل بلد، تكون مرجعاً لهيئات الرقابة في ذلك البلد. وهذا التنظيم لا يخلو من حالين:

الحال الأولى: أن يكون لغرض توحيد الفتوى، بحيث تعرض جميع فتاوى الهيئات الفرعية على الهيئة العليا فتنقضها أو تقرها. فهذا –فيما يظهر للباحث- غير مقبول من الناحية الشرعية ومن الناحية العملية:
أما من الناحية الشرعية، فمؤدى هذا التنظيم احتكار الفتوى لهيئة واحدة، وحصر الاجتهاد في أفراد معدودين، وهو خلاف سنة الله الكونية والشرعية، فقد اقتضت سنته الكونية أن الناس -ومنهم العلماء- متفاوتون في المدارك والأفهام؛ ليختلفوا في اجتهاداتهم. واقتضت سنته الشريعية منع التقليد والأمر بالاجتهاد لمن كان قادراً عليه، بل جعل للمجتهد أجراً ولو أخطأ، كما قال -عليه الصلاة والسلام-:"إذا حكم الحاكم فاجتهد فأصاب فله أجران وإذا حكم فاجتهد فأخطأ فله أجرٌ واحد"(37). وقد نص أهل العلم على أن الاجتهاد من فروض الكفايات، وأن حكم المجتهد في المسائل الظنية لا يجوز نقضه في المسائل الاجتهادية. قال الفتوحي: " لا ينقض حكم حاكم في مسألة اجتهادية عند الأئمة الأربعة ومن وافقهم; للتساوي في الحكم بالظن"(38). ومثل هذا الاختلاف الذي لا يزيد الفجوة ولا يؤدي إلى الفرقة محمود. يقول شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- :" وقد اتفق الصحابة في مسائل تنازعوا فيها، على إقرار كل فريق للفريق الآخر على العمل باجتهادهم..ومذهب أهل السنة والجماعة أنه لا إثم على من اجتهد وإن أخطأ"(39).
وأما من الناحية العملية فلا يتناسب هذا التنظيم مع طبيعة الأعمال المصرفية التي تتغير بشكل متسارع يتعذر معه إسناد إجازتها إلى جهة واحدة. 

 

والحال الثانية: أن يكون لغرض تقريب الفتاوى وضبطها لا توحيدها، فلا يلزم عرض جميع الفتاوى على تلك الهيئة، وإنما  تتولى أمرين:
الأول:مراقبة عمل الهيئات الفرعية لضبط الجودة النوعية والتأكد من حسن أدائها، ووضع الآليات المنظمة لذلك.
والثاني: وضع المعايير والضوابط الشرعية العامة وتكون ملزمة للهيئات. ويمكن أن تتضمن هذه المعايير ضوابط للتعاملات المحرمة التي ترى الهيئة أن القول بجوازها شاذ. فقد نص أهل العلم على أن من الحالات التي يجوز فيها نقض حكم المجتهد مخالفته نص كتاب أو سنة أو إجماع قطعي(40).
وتكوين هيئة عليا لهذه الأغراض مقبول بل مطلوب شرعاً، وهو يسهم بشكل كبير في ضبط الفتوى وتحقيق الجودة النوعية للرقابة الشرعية. 

 

المسألة السابعة: اعتماد هيئة الرقابة في إجازة العقود على غيرها

تعتمد بعض الهيئات الشرعية في بعض فتاواها على فتاوى هيئات أخرى، وذلك حين يرغب المصرف في الارتباط مع جهة تقدم منتجاً مجازاً من هيئة الرقابة لديها، فتكتفي هيئة المصرف (الهيئة الأولى) في إجازة الدخول في المنتج بفتوى الهيئة الثانية ورقابتها. وبعض الهيئات تعطي المصرف إذناً عاماً بالدخول في أي عقد مجاز من هيئة أخرى. أي أن رقابة الهيئة في التأكد من أن المصرف لا يدخل إلا في عقد مجاز إما منها أو من غيرها. فهل هذا التفويض سائغ؟.

 

قد يقال: إن ذلك من إحالة الفتوى على مجتهد آخر، وهي جائزة، كما نص على ذلك أهل العلم. قال في شرح الكوكب المنير: "ولا بأس لمن سئل أن يدل من سأله على رجل متبَّع. قيل للإمام أحمد: الرجل يسأل عن المسألة, فأدله على إنسان. هل علي شيء؟ قال: إن كان رجلا متبعا فلا بأس, ولا يعجبني رأي أحد. وذكر ابن عقيل في واضحه : أنه يستحب إعلام المستفتي بمذهب غيره إن كان أهلاً للرخصة كطالب التخلص من الربا فيدله على من يرى التحيل للخلاص منه.. وذكر القاضي عن أحمد : أنهم جاءوه بفتوى, فلم تكن على مذهبه. فقال: عليكم بحلقة المدنيين. ففي هذا دليل على أن المفتي إذا جاءه المستفتي, ولم يكن عنده رخصة له: أن يدله على مذهب من له فيه رخصة. انتهى. قال في شرح التحرير : وهذا هو الصواب , ولا يسع الناس في هذه الأزمنة غير هذا"(41). 

 

وقد يقال –وهو الأقرب-: ليس للهيئة أن تبني على فتوى هيئة أخرى ورقابتها إلا إذا كان المصرف سيفصح أمام عملائه بأن المنتج من إجازة الهيئة الأخرى؛ لأن تسويق المنتج على أنه من إجازة هيئة المصرف لا يخلو من شيء من التدليس على العملاء الذين لا يدور في خلدهم إلا أن الهيئة راجعت العقد وأجازته.

 

المبحث الرابع: الصفات المعتبرة في عضو هيئة الرقابة وفي المراقب الشرعي

تقدم معنا أن هيئة الرقابة الشرعية تتكون من هيئة إفتاء ومن مراقبين شرعيين، وقد يكون عضو الهيئة مراقباً في آنٍ واحد. وكلٌ من منصب الفتوى والرقابة من الولايات الشرعية التي يشترط فيمن يتولاها الأهلية الشرعية.
ويمكن تقسيم هذه الصفات إلى أربعة أنواع: أساسية، وسلوكية، وعلمية، وعملية، وبيانها على النحو الآتي:

أولاً- الصفات الأساسية:

وهي الصفات المطلوبة في أي منصب شرعي؛ ليكون صاحبه من أهل التكليف. وهي: الإسلام، والعقل، والبلوغ.
وهذا النوع من الصفات معتبر في عضو الهيئة وفي المراقب.

 

ثانياً- الصفات السلوكية:
ويقصد بها الصفات التي يتحقق بها وصف الشخص بكونه عدلاً. ويدخل فيها الاستقامة في الدين والصدق والأمانة والتحلي بالمروءة، وهي –أي المروءة- أن يفعل ما يجمله ويزينه، ويدع ما يدنسه ويشينه.
فالعدالة – كما يقول الإمام الماوردي-: "معتبرة في كل ولاية، وهي أن يكون صادق اللهجة ظاهر الأمانة، عفيفاً عن المحارم متوقياً عن المآثم، بعيداً عن الريب، مأموناً في الرضا والغضب، مستعملاً لمروءة مثله في دينه ودنياه، فإذا تكاملت فهي العدالة التي تجوز بها شهادته، وتصح معها ولايته، فإن انخرم منها وصف منع من الشهادة والولاية"(42).
وهذه الصفات معتبرة في عضو الهيئة وفي المراقب الشرعي.

 

ثالثاً- الصفات العلمية:
ويقصد بها التأهيل العلمي لما يتطلبه منصب الإفتاء ومنصب المراقبة. والصفات العلمية المطلوبة في عضو الهيئة أكثر من تلك المطلوبة في المراقب؛ لأن الفتيا تعتمد في المقام الأول على التحصيل العلمي بخلاف الرقابة.

 

فيشترط في عضو هيئة الرقابة ما يلي:
1-     أن تتحقق فيه صفات المجتهد من حيث الجملة؛ لأن الإفتاء في المعاملات المالية المعاصرة يتطلب إعمال النظر، واستنباط الأحكام من الأدلة الشرعية، وتخريج النوازل المعاصرة على الأصول والقواعد الفقهية. وكل ذلك يستلزم أن يكون لدى المفتي آلة الاجتهاد التي تمكنه من النظر والاستنباط على الوجه الصحيح. وقد ذكر أهل العلم في مصنفاتهم في أصول الفقه شروطاً قاسية للمجتهد، لا تكاد تتحقق إلا في النوادر من العلماء، فاشترطوا معرفته بآيات الأحكام وأحاديثها والناسخ والمنسوخ وصحيح الحديث وضعيفه ومسائل الإجماع والقياس وعلوم اللغة العربية ودلالات الألفاظ والمقاصد الشرعية.
والمقصود أن يعرف هذه العلوم من حيث الجملة إذ الإحاطة بها متعذرة. قال في البحر المحيط –نقلاً عن الصيرفي-: " الشرط في ذلك كله معرفته جملة لا جميعه؛ لأن هذا لم نره في السادة القدوة من الصحابة، فقد كان يخفى على كثير منهم أدلة الأحكام فيعرفونها من الغير"(43).

 

2-     أن يكون فقيهاً في المعاملات المالية، ويقصد بالفقه هنا: الفهم الدقيق، بأن يكون عالماً بأصول المعاملات المالية في الشريعة وضوابطها، وشروط كل عقد وموانعه، وأسباب الفساد في العقود، فلا تكفي معرفته بهذه المسائل من حيث الجملة، بل لا بد من أن يكون عالماً بجزئياتها، عميق الإدراك والفهم لها، وأن يكون لديه الرياضة الذهنية التي تمكنه من تصور العقود، وما فيها من تعقيدات، وتنزيل الأحكام الشرعية عليها.
وإذا كان أكثر أهل العلم يرون أن الاجتهاد يتبعض(44)، وأنه من الممكن أن يكون العالم مجتهداً في باب من أبواب الفقه دون باب؛ لتعذر الاجتهاد المطلق، فإن ذلك يصدق على ما نحن بصدده؛ إذ يشترط في عضو هيئة الرقابة الشرعية أن يكون من أهل الاجتهاد في المعاملات المالية.

 

3-     أن يكون مدركاً للمقاصد الشرعية في المعاملات المالية؛ فالشريعة لم تأت لتضيق على الناس في معيشتهم، أو لتمنعهم مما فيه مصلحتهم، بل جعلت الأصل في تعاملات الناس الإباحة وحصرت المحرمات في أبواب ضيقة؛ لما فيها من الظلم وأكل المال بالباطل. فبناء الشريعة في المعاملات على التوسعة ورفع الحرج عن الناس ومراعاة حاجاتهم، فإذا غاب عن المفتي هذه المعاني، وكان ضيق النظر، آل به الأمر إلى التضييق على الناس، وهو خلاف مقصود الشارع. وما أجمل ما ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية في وصف حال بعض المفتين بقوله: " ولقد تأملت أغلب ما أوقع الناس في الحيل فوجدته أحد شيئين: إما ذنوب جوزوا عليها بتضييق في أمورهم فلم يستطيعوا دفع هذا الضيق إلا بالحيل.. وإما مبالغة في التشديد لما اعتقدوه من تحريم الشارع فاضطرهم هذا الاعتقاد إلى الاستحلال بالحيل. وهذا من خطأ الاجتهاد; وإلا فمن اتقى الله وأخذ ما أحل  له وأدى ما وجب عليه; فإن الله لا يحوجه إلى الحيل المبتدعة أبداً. فإنه سبحانه لم يجعل علينا في الدين من حرج وإنما بعث نبينا - صلى الله عليه وسلم - بالحنيفية السمحة. فالسبب الأول: هو الظلم. والسبب الثاني: هو عدم العلم. والظلم والجهل هما وصف للإنسان المذكور في قوله: {وَحَمَلَهَا الْأِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً} [الأحزاب: من الآية72].وأصل هذا: أن الله سبحانه إنما حرم علينا المحرمات..كالميسر والربا وما يدخل فيهما من بيوع الغرر وغيره; لما في ذلك من المفاسد التي نبه الله عليها ورسوله بقوله سبحانه: {إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ} [المائدة:91]. فأخبر سبحانه: أن الميسر يوقع العداوة والبغضاء...وإذا كانت مفسدة بيع الغرر هي كونه مظنة العداوة والبغضاء وأكل الأموال بالباطل: فمعلوم أن هذه المفسدة إذا عارضتها المصلحة الراجحة قدمت عليها.. فالضرر على الناس بتحريم هذه المعاملات أشد عليهم مما قد يتخوف فيها من تباغض وأكل مال بالباطل.. والشريعة جميعها مبنية على أن المفسدة المقتضية للتحريم إذا عارضتها حاجة راجحة أبيح المحرم؛ فكيف إذا كانت المفسدة منتفية"(45). 

 

4-     أن يكون عنده تصور للعقود المستحدثة وجوانبها الفنية، حتى يبني على ذلك حكمه الشرعي؛ لأن الحكم على الشيء فرع عن تصوره، وإذا كان تصوره خاطئاً فالحكم المبني عليه في الغالب يكون خاطئاً أيضاً، ولا يكفي أن يعتمد على التصور الذي يقدمه غيره، فقد يكون مجملاً أو ناقصاً بعض الجوانب المؤثرة في الحكم الشرعي.
فهذه الشروط العلمية لعضو هيئة الرقابة، وأما المراقب فيشترط فيه أن يكون عالماً بأصول المعاملات المالية من حيث الجملة وضوابطها وشروط كل عقد وأسباب فساده. فهذا القدر من المعرفة أرى أنه كافٍ لتأهيل المراقب الشرعي للتدقيق على العقود وفحصها والتأكد من موافقتها لقرارات هيئة الرقابة.

 

رابعاً- الصفات العملية:
ويقصد بها أن يكون لدى المراقب الشرعي الخبرة المناسبة التي تؤهله ليقوم بهذا الدور. والخبرة – كما يعرفها أهل اللغة- هي: العلم بدقائق الأمور(46). وهي هنا: العلم المكتسب بالتجربة والممارسة، مما يجعل المراقب الشرعي لديه المعرفة بواقع الوظيفة وبواطنها الدقيقة. وهذه المعرفة لا تكتسب بالقراءة والاطلاع بل بالممارسة والدربة.
وكلٌ من منصب الإفتاء ومنصب المراقبة يتطلب قدراً مناسباً من الخبرة، إلا أن متطلباتها في المراقب أكثر؛ لأن وظيفته تعتمد في المقام الأول على الخبرة وليس على التأهيل العلمي فحسب.
فشرط الخبرة في المفتي أن يكون قد مارس صنعة الإفتاء، وتصدى لها؛ لأن الإفتاء صنعة تحتاج إلى دربة، فمن لم يتعود على الفتيا لا يسعفه ما يحفظ من مسانيد أو متون عند التصدي لها، وفي هذا يقول عيسى بن سهل(47): " كثيراً  ما سمعت شيخنا أبا عبد الله بن عتاب – رضي الله عنه – يقول: الفتيا صنعة، وقد قاله قبله أبو صالح أيوب بن سليمان بن صالح – رحمه الله – قال: الفتيا دربة، وحضور الشورى في مجالس الحكام منفعة وتجربة، وقد ابتليت بالفتيا فما دريت ما أقول في أول مجلس شاورني فيه سليمان بن أسود، وأنا أحفظ المدونة والمستخرجة الحفظ المتقن، والتجربة أصل في كل فن، ومعنى مفتقر إليه"(48).

 

وشرط الخبرة في المراقب الشرعي أن يكون لديه إلمام بالآليات المتبعة في المؤسسات المالية لتنفيذ العقود، وإجراءات القيود المحاسبية، وطرق المراجعة والتدقيق. وكيفية تطبيق الفتاوى الشرعية على تلك العقود. وهذه الخبرة أرى أنها تتطلب ثلاثة أمور:
الأول: أن يكون لدى المراقب الشرعي معرفة بأصول المعايير المحاسبية والقانونية والمراجعة الداخلية.
والثاني: أن يكون المراقب قد حصل على التدريب الكافي في الرقابة الشرعية من خلال عمله معاوناً لمراقب شرعي مدة زمنية تكفي لاكتسابه الخبرة في هذا المجال. وهذه المدة يصعب تحديدها بفترة معينة وإنما تجتهد هيئة الرقابة الشرعية في ذلك.
والثالث: أن يكون المراقب قد شارك في دورات تدريبية (تطبيقية) في المعاملات المالية؛ لأن بعض المهارات لا يمكن الحصول عليها من خلال الكتب، ولا بالممارسة، وإنما تتطلب الاستفادة ممن لهم باع طويل في هذا المجال(49).

 

المبحث الخامس: معايير ضبط الجودة في عمل الرقابة الشرعية(50)

المعيار الأول: الاستقلال والحياد
إن عنصر الاستقلال لعضو الرقابة الشرعية أساسي لضمان تحقق الموضوعية في القرارات التي يصدرها حيال أعمال المصرف بعيداً عن أي ضغوط مادية أو معنوية يمكن أن تمارس تجاهه للتأثير على رأيه.
ومستند ذلك أن ما يصدره عضو هيئة الرقابة الشرعية من فتاوى وما يصدره المراقب الشرعي من تقارير رقابية يتضمن الشهادة للمصرف؛ فإذا لم يكن المفتي أو المراقب مستقلاً فإن ذلك يوجب الطعن في شهادته. وقد نص أهل العلم على رد شهادة الأجير لمن استأجره فيما استأجره فيه؛ لوجود التهمة وانعدام الحياد. قال في شرح المنتهى: " من الموانع أن يجر الشاهد بشهادته نفعاً لنفسه كشهادته لموكله.. و شهادة لمستأجره بما استأجره فيه..كمن نوزع في ثوب استأجر أجيراً لخياطته أو صبغه أو قصره, فلا تقبل شهادة الأجير به لمستأجره للتهمة "(51). 

 

ويمكن تحقيق هذا المعيار على النحو الآتي:
أولاً-الاستقلال الوظيفي:
ففي عضو هيئة الرقابة الشرعية (المفتي) بألا يكون أحد موظفي المصرف، بل يكون من خارج المصرف.
وفي الرقابة الشرعية الداخلية يجب أن تكون مكانة الرقابة الشرعية الداخلية في الهيكل التنظيمي للمصرف كافية لإنجاز مسئولياتها، وألا ينخفض المستوى التنظيمي للرقابة الشرعية الداخلية عن مستوى إدارة المراجعة الداخلية(52)، كما يجب أن يكون المرجع الفني للمراقب الشرعي الداخلي هو هيئة الرقابة الشرعية وليس إدارة المصرف، فيكون مرتبطاً بالمصرف إدارياً وأما تقاريره الرقابية فتعتمد من الهيئة.

 

ثانياً-الاستقلال المالي:
ويتحقق ذلك في عضو هيئة الرقابة بألا تكون مكافأته مرتبطة بما يجيزه للمصرف من عقود، وإنما تقدر بجهده وعمله، كعدد الجلسات، أو بمكافأة مقطوعة سنوياً ونحو ذلك.
وفي المراقب الشرعي الداخلي بألا يربط أجره بما في مضمون التقارير التي يصدرها.

 

ثالثاً-الاستقلال في التعيين والعزل:
فيجب أن يكون تعيين عضو هيئة الرقابة الشرعية من أعلى سلطة في المصرف، وهي جمعية المساهمين، ولا يعزل إلا بقرار منها. وأما المراقب الشرعي الداخلي فيكون تعيينه وعزله بقرار إداري بشرط موافقة هيئة الرقابة الشرعية على ذلك.

 

المعيار الثاني:  التأهيل العلمي والعملي
فيشترط في عضو هيئة الرقابة أن تتحقق فيه الصفات العلمية والعملية التي سبق بيانها بحيث يكون قادراً على الاستنباط في القضايا المستجدة، متمكناً من فهم كلام المجتهدين، عالماً بالأعراف السائدة في الأوساط المالية.

 

وفيما يظهر للباحث أنه مهما ذكر من شروط لأهلية الإفتاء فلن تحد من اقتحام هذا المنصب ممن ليس من أهله، ولذا قد يكون من المناسب وضع معيار منضبط في ذلك، وقد وضعت بعض المؤسسات المتخصصة بالفقه(53) حداً أدنى لمعرفة من يمكن أن يوصف بأنه فقيه، وذلك بأن يكون معروفاً بالفقه إما بالاستفاضة (بأن يكون معروفاً بالفتوى في الدولة التي يعيش فيها)، أو بانتسابه لسلك القضاء الشرعي، أو بحصوله على درجة أكاديمية عليا في تخصص الفقه، أو بنشره للعديد من الدراسات الفقهية.
وأما التأهيل العلمي والعملي للمراقب الشرعي فبأن يكون ملماً بأصول المعاملات المالية في الشريعة وضوابطها، وأن يكون لديه الخبرة المناسبة للعمل في مجال التدقيق الشرعي، وفق ما سبق بيانه في المبحث السابق.

 

المعيار الثالث: الإلزام
الأصل في الفتوى العامة – كما يقرر أهل العلم – أنها غير ملزمة، وبهذا تفارق الحكم القضائي، " فالقاضي يقضي قضاءً معيناً على شخص معين, فقضاؤه خاص ملزم, وفتوى العالم عامة غير ملزمة"(54) فهذا في الفتوى العامة، وأما في فتاوى هيئات الرقابة الشرعية فإن عنصر الإلزام جزءٌ لا يتجزأ منها، فهي تشبه الحكم القضائي من حيث إنها خاصة ملزمة(55)، وهذا هو عنصر القوة، وإذا تجردت الفتوى عن الإلزام فلا يصح وصف الهيئة بأنها هيئة رقابة شرعية، بل هي في الحقيقة هيئة استشارية شأنها كشأن أي جهة إفتاء أخرى. ولئن كان وجود هيئات شرعية استشارية في المصارف مقبولاً في فترات سابقة لتتقبل إدارات المصارف التحول إلى المصرفية الإسلامية فإن هذه المرحلة قد طويت وليس من السائغ الآن أن تتنازل الهيئات عن مبدأ الإلزام بقراراتها؛ لأن فقدان هذا المبدأ يضعف الهيئة ويفقدها مبدأ الاستقلالية، فالمصرف يختار من قرارات الهيئة ما يروق له ويوافق هواه، وأما ما عداه فيرميه لكونه غير ملزم به، أي أن قرارات الهيئة خاضعة لنظر إدارة المصرف وليس العكس، وهذا قلب للمفاهيم ، فالمفترض في الهيكل التنظيمي للمصرف أن تكون إدارة المصرف خاضعة لقرارات هيئة الرقابة، ومركز الهيئة هو الأعلى وليس العكس.

 

ومما يمكن أن يستشهد به في هذا السياق ما ذكره الإمام ابن القيم –رحمه الله- تعليقاً على قول عمر في كتابه لأبي موسى الأشعري –رضي الله عنهما-" فإنه لا ينفع تكلم بحق لا نفاذ له" قال: " مراد عمر –رضي الله عنه- بذلك التحريض على تنفيذ الحق إذا فهمه الحاكم, ولا ينفع تكلمه به إن لم يكن له قوة تنفيذه, فهو تحريض منه على العلم بالحق والقوة على تنفيذه, وقد مدح الله سبحانه أولي القوة في أمره والبصائر في دينه فقال: {وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ} [ص:45] فالأيدي : القوى على تنفيذ أمر الله, والأبصار: البصائر في دينه"(56).

 

والمستند الشرعي للإلزام بفتاوى هيئات الرقابة أمران: الشرع، والشرط:
أما الشرع فالله سبحانه وتعالى جعل هذه الشريعة عامة لكل جوانب الحياة، فليس للمصرف أن يحيد عن هذا الأمر، أو يختار من الأحكام ما يروق له، بل يجب عليه كما يضع الإجراءات التي تحمي رأس ماله من الخسارة أن يضع  الإجراءات التي تحميه من الوقوع فيما حرم الله، وذلك لا يتأتى في مثل هذا العصر الذي تعقدت فيه المعاملات وتشعبت إلا بوجود هيئات رقابة شرعية، فتكوينه لهيئة تراقب أعماله وتحميه من الحرام واجب ولو لم يكن ثمة إلزام من الجهات الرسمية؛ لأن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.
 وأما الشرط فإن الله سبحانه أمر بالوفاء بالعقود والعهود والشروط، فقال سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة: من الآية1] وقال: {وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ} [النحل: من الآية91]. ومن الوفاء بالعقد الوفاء بالشروط المصاحبة له. وفي الحديث: " المسلمون على شروطهم"(57).

 

وشرط الرقابة الشرعية في عمل المصرف موجود من جهتين:
الأولى: في الشرط الذي بين المساهمين (الشركاء) وإدارة المصرف، من خلال ما يتضمنه النظام الأساسي للمصرف أو عقد التأسيس، بأن تكون معاملاته متوافقة مع الشريعة، وهذا لا يتأتى إلا بوجود رقابة شرعية ملزمة.
والثانية: في العقد بين المصرف وعملائه عندما يُسوَّق لهم المنتج على أنه متوافق مع الشريعة فهذا الوصف يستلزم أن يكون قد بذل القدر الكافي من التدقيق الشرعي؛ وإلا كان مدلساً على عملائه.

 

المعيار الرابع: التدقيق والفحص (المراجعة)
يعد التدقيق محور الارتكاز لسلامة المنتجات التي تقدمها المصارف لعملائها وللتأكد من موافقتها لفتاوى هيئة الرقابة الشرعية، فإذا غيب هذا المبدأ أو همش فقدت الرقابة الشرعية مصداقيتها. ومن واقع الحال إذالم تعتمد هيئة الرقابة الشرعية سياسات إجرائية مناسبة تضمن القيام  بأعمال التدقيق والمراجعة على الوجه الصحيح من حيث عدد المراقبين، وصلاحياتهم داخل المصرف، وآليات الفحص، فإن من النادر أن يكون المنتج وفق المعايير التي وضعتها الهيئة.
والتساهل في هذا الأمر أوجد خللاً ملحوظاً في عمل بعض الهيئات الشرعية إلى درجة أن نجد منتجات تسوق على العملاء على أنها مجازة من الهيئة في الوقت الذي يفتي فيه الأعضاء على المنابر بتحريمها، ومنشأ الخلل هنا –في نظر الباحث- من ضعف التدقيق. والناظر في الواقع لا يجد تناسباً بين عدد المراقبين الشرعيين (الداخليين) وحجم العمل المنوط بهم، ففي دراسة(58) أجريت في عام 2007 على شريحة تضم أحد عشر مصرفاً تقدم خدمات إسلامية، وتضم(1015) فرعاً إسلامياً، وبحجم تمويل إسلامي بلغ أكثر من مئة مليار دولار، ومع ذلك فإن عدد المراقبين الشرعيين لم يتجاوز (18) مراقباً شرعياً، وكثير منهم مشغول بأعمال أخرى غير الرقابة كأمانة الهيئة الشرعية والبحوث وغير ذلك!!.

 

إن التأكد من حصول التدقيق بالشكل المطلوب يبقى من مسؤوليات هيئة الرقابة الشرعية؛ إذ لا يجوز شرعاً أن ترى الهيئةُ المصرفَ يسوق منتجاته باسمها وهي لم تتأكد من مطابقتها لفتاواها؛ إذ يعد ذلك تضليلاً وتلبيساً على الناس. والعامي إذا رأى أسماء العلماء وتواقيعهم لم يتردد في الدخول في العقد ثقة بأهل العلم لا بالمصرف. فيجب على الهيئة أن ترفض التعاون مع المصرف إذا لم يوفر العدد الكافي من المراقبين ويعطيهم من الصلاحيات ما يمكنهم من إجراء التدقيق على الوجه الأتم.

 

ومن الوسائل التي يمكن بها تحقيق هذا المعيار ما يلي:
1- تزويد جهاز الرقابة الشرعي بالعدد الكافي من المراقبين الداخليين المؤهلين تأهيلاً مناسباً، وعدم الاكتفاء بالمراقبة الخارجية.
2- إلزام المصرف بأن تكون جميع العقود والمنتجات التي يقدمها لعملائه مجازة بصورتها النهائية من هيئة الرقابة، ويوثق ذلك بتوقيع أعضاء الهيئة على المنتج بصورته النهائية،بحيث لا تكتفي الهيئة بإجازة الهيكل العام للمنتج.
3- وضع السياسات الإجرائية  للرقابة الداخلية وفق الطرق الفنية المعتبرة واعتمادها من هيئة الرقابة الشرعية.
4- تمكين المراقبين الداخليين من الاطلاع على المستندات والوثائق التي يتطلبها العمل الرقابي.
5- إجراء فحص عشوائي يكون شاملاً لجميع أنواع المنتجات المصرفية للتأكد من مطابقتها لفتاوى الهيئة.
6- إعداد تقارير رقابية دورية يقدمها رئيس الرقابة الداخلية لهيئة الرقابة الشرعية.
7- إعداد هيئة الرقابة الشرعية تقريراً رقابياً يغطي جميع تعاملات المصرف ويقدم لجمعية الشركاء(59).

 

المعيار الخامس: الالتزام بالاجتهاد الجماعي
إن ما يميز فتاوى الهيئات الشرعية أنها صادرة عن اجتهاد جماعي، وهذا بلا شك يعطي الفتوى قوة وقبولاً. فالأمر كما يقول عبيدة السلماني لعلي بن أبي طالب –رضي الله عنه ـ : " رأيك مع عمر في الجماعة أحب إلينا من رأيك وحدك"(60).
ولا يتحقق وصف الاجتهاد الجماعي إلا بأن يكون عدد الأعضاء ثلاثة؛ لأن المستشار الواحد ليس بجماعة، وأما الاثنان فهما دون أقل الجمع عند من يرى من أهل العلم أن أقله ثلاثة؛ ولأن الاثنين إذا اختلفا في الرأي وترجح رأي أحدهما لأي سبب فيكون اجتهاداً فردياً.

 

المعيار السادس: التوفيق مع فتاوى الهيئات الأخرى
لا ينبغي للهيئة الشرعية أن تستغل موقعها وثقة الناس بها في الانفراد بآراء تخالف بها ما عليه جمهور المعاصرين في النوازل المالية، ذلك أن رسالة الهيئات لا تقتصر على إصدار الفتاوى فحسب، بل ينبغي أن تسهم في تقارب الفتاوى. ولا بأس بأن تتخلى الهيئة أو بعض أعضائها عن بعض الآراء موافقة للجماعة؛ فإن موافقة الجماعة في المسائل الاجتهادية الظاهرة فيما يراه المجتهد مرجوحاً خير من مفارقتهم إلى مايراه راجحاً. وفي هذا يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: "ويسوغ أيضا أن يترك الإنسان الأفضل لتأليف القلوب, واجتماع الكلمة خوفا من التنفير عما يصلح كما ترك النبي صلى الله عليه وسلم بناء البيت على قواعد إبراهيم ...وقال ابن مسعود - لما أكمل الصلاة خلف عثمان, وأنكر عليه فقيل له في  ذلك, فقال - الخلاف شر; ولهذا نص الأئمة كأحمد وغيره على ذلك بالبسملة, وفي وصل الوتر, وغير ذلك مما فيه العدول عن الأفضل إلى الجائز المفضول, مراعاة ائتلاف المأمومين, أو لتعريفهم السنة, وأمثال ذلك "(61).

 

ويمكن أن يتحقق هذا المبدأ من خلال وسائل متعددة منها:
1- أن تحرص الهيئة على عدم مخالفة القرارات والمعايير الصادرة من هيئات الاجتهاد الجماعي الدولية، مثل: مجمع الفقه الإسلامي الدولي، وهيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية.
2- تكوين هيئة شرعية عليا في كل دولة تضع المعايير الشرعية وتراقب عمل الهيئات الشرعية.
3- توحيد المصطلحات والمفاهيم المالية بين الهيئات الشرعية؛ حتى تسهل مقارنة الآراء وموازنتها.
4- عقد لقاءات دورية بين الهيئات الشرعية على مستوى البلد الواحد.

 

المعيار السابع: الالتزام بالمقاصد الشرعية
من الضروري أن تعكس تعاملات المصرف الإسلامي المقاصد الشرعية وأخلاقيات التعامل التي جاء بها الإسلام. وعلى هيئة الرقابة ألا يقتصر دورها على المراجعة الشكلية للعقود، بل لا بد من النظر المقاصدي للعقود وما تحققه من مصالح للمجتمع؛ وألا تُغلَّب مصلحة المصرف في تحقيق الربح على النظر إلى الآثار السلبية على المدى البعيد لعقود أصبحت من صميم أعمال المصارف الإسلامية. وإن مما يعاب على المصارف الإسلامية أن كثيراً من البدائل المقدمة لا تختلف في مآلاتها عما تقدمه المصارف الربوية، مما جعل البعض ينظر نظرة ريبة تجاه المصرفية الإسلامية ومدى قدرتها على حل المشكلات المالية. فمن بين المنتجات المصرفية نجد أن التورق اكتسح عقود التمويل الأخرى التي كانت المصارف الإسلامية تفتخر بها في بداية انطلاقتها كالمرابحة والاستصناع والسلم والمشاركة، بل حتى المرابحة أصبحت تتم ورقياً في سلع دولية يشوبها الكثير من الشكوك، وما تأخذه المصارف الإسلامية فيما يسمى ب" الرسوم الإدارية " في التسهيلات البنكية في بطاقات ائتمان أو خطابات ضمان أكثر من الفوائد الربوية التي تأخذها البنوك الربوية، وهاهي مديونيات الأفراد تتراكم وتتضاعف حتى بلغت أرقاماً مخيفة، ولم يقف الأمر عند أصل الدين بل يتضاعف مع مرور الزمن من خلال قلب الدين. ولا شك أن إعطاء هذه المنتجات الصبغة الشرعية جعل الناس يقبلون عليها بلا تردد. ومن المتعين على هيئات الرقابة المبادرة بإعادة النظر في بعض المنتجات التي لا تتفق مع المقاصد الشرعية؛ وأن تجعل من ضمن أولوياتها المحافظة على المقاصد الشرعية، وإلزام المصرف بها، بأن يجعلها في رسالته، ومن ضمن أهدافه، بحيث تتجلى أخلاقيات الإسلام في تعاملاته وأرباحه وتسويقه وسلوك موظفيه.

 

المعيار الثامن: تجنب الأقوال الشاذة وتتبع الرخص
تعد الفتوى صمام الأمان وخط الدفاع الحصين للمحافظة على مسيرة المصارف الإسلامية، فإذا حصل الخلل فيها فلا يجدي التدقيق ولا المراجعة. ووجود قول سابق لأحد الفقهاء المتقدمين ليس مسوغاً لتبني ذلك القول، فالأقوال كلها تقاس بمعيار الكتاب والسنة، وأما قول العالم فيحتج له ولا يحتج به، وقد "قيل للإمام أحمد: إن ابن المبارك قال كذا وكذا. قال: ابن المبارك لم ينزل من السماء. وقال: من ضيق علم الرجل أن يقلد…وفي واضح ابن عقيل: من أكبر الآفات: الإلف لمقالة من سلف, أو السكون إلى قول معظَّم في النفس لا بدليل, فهو أعظم حائل عن الحق, وبلوى تجب معالجتها"(62). ويجدر التنويه هنا بقرار مجمع الفقه الإسلامي في ضوابط الأخذ بالرخص الفقهية، ومما جاء فيه:
" الرخص الفقهية: ما جاء من الاجتهادات المذهبية مبيحاً الأمر في مقابلة اجتهادات أخرى تحظره...ولا يجوز الأخذ برخص المذاهب الفقهية لمجرد الهوى؛ لأن ذلك يؤدي إلى التحلل من التكليف، وإنما يجوز الأخذ بالرخص بمراعاة الضوابط الآتية: الأول: أن تكون أقوال الفقهاء التي يترخص بها معتبرة شرعاً، ولم توصف بأنها من شواذ الأقوال. والثاني: أن تقوم الحاجة إلى الأخذ بالرخص. والثالث: أن يكون الآخذ بالرخص ذا قدرة على الاختيار أو أن يعتمد على من هو أهل. والرابع: ألا يترتب على الأخذ بالرخص التلفيق. والخامس: ألا يكون الأخذ بالرخص ذريعة للوصول إلى غرض غير مشروع. والسادس:أن تطمئن نفس المترخص للأخذ بالرخصة". وفيما يتعلق بالتلفيق جاء نص القرار:" حقيقة التلفيق في تقليد المذاهب هي أن يأتي المقلد في مسألة واحدة ذات فرعين مترابطين فأكثر بكيفية لا يقول بها مجتهد ممن قلدهم في تلك المسألة.. ويكون التلفيق ممنوعاً في الأحوال الآتية: إذا أدى إلى الأخذ بالرخص لمجرد الهوى..أو إذا أدى إلى نقض حكم القضاء أو نقض ما عمل به تقليداً في واقعة واحدة أو إذا أدى إلى حالة مركبة لا يقرها أحد من المجتهدين"(63).

 

الخاتمة: في أبرز المقترحات لتفعيل العمل الرقابي الشرعي

أولاً- فيما يتعلق بتنظيم عمل الرقابة الشرعية:
1-     سن قانون ( الرقابة الشرعية على الخدمات المالية)(64) ينظم أعمال الرقابة، ويضع الآليات المناسبة لمراقبة هيئات الرقابة الشرعية.
2-     إنشاء هيئة عليا للرقابة الشرعية على المؤسسات المالية على مستوى الدولة، تتمتع بالاستقلالية التامة، وتكون قراراتها ملزمة لهيئات الرقابة الشرعية في المؤسسات المالية، وتضم مجموعة من علماء الشريعة المتخصصين في المعاملات المالية، ويتبعها جهاز أمانة عامة يزود بكافة التجهيزات اللازمة الإدارية والمالية، وبالخبراء في مجال العلوم الشرعية والقانونية والمصرفية، والاقتصاد والمال.
وليس من اختصاص الهيئة العليا دراسة عقود المؤسسات المالية أو إجازة منتجاتها، وإنما يكون لها الاختصاص فيما يلي:
أ‌-    وضع المعايير والضوابط الشرعية للتعاملات المالية، ويكون لهيئات الرقابة الاجتهاد فيما لا يتعارض مع هذه المعايير.
ب‌-    وضع المعايير التنفيذية المنظِّمة لعمل هيئات الرقابة الشرعية، بما في ذلك آليات تعيين الأعضاء، وعددهم، وغير ذلك.
ت‌-    وضع معايير المراجعة والتدقيق الشرعي (الرقابة الداخلية).
ث‌-    الإشراف على عمليات تحول المؤسسات المالية التقليدية إلى إسلامية.
ج‌-    إصدار القرارات الشرعية فيما يُحال إليها من موضوعات مالية من الجهات المختلفة.
3- أن ينص في النظام الأساسي لأي مؤسسة مالية على التزامها بالضوابط الشرعية وبقرارات هيئة الرقابة الشرعية.
وثانياً-فيما يتعلق بتعيين عضو هيئة الرقابة الشرعية:
4- أن يكون لديه الكفاءة في العلم الشرعي والمقدرة على الاستنباط والخبرة بما يؤهله للإفتاء في القضايا المالية المعاصرة.
5- أن يكون مستقلاً وظيفياً عن المؤسسة المالية.
6- أن يكون تعيينه بقرار من أعلى سلطة في المؤسسة المالية وهي الجمعية العامة للشركاء، مع أخذ موافقة الهيئة العليا في حال وجودها.
وثالثاً-فيما يتعلق بتعيين المراقب الشرعي الداخلي:
7- أن يكون لديه التأهيل العلمي والخبرة المناسبة لشغل هذه الوظيفة.
8- لا يتم تعيينه أو عزله إلا بموافقة هيئة الرقابة الشرعية؛ لتجنب أي ضغوط يمكن أن تؤثر على عمله الرقابي.
ورابعاً-فيما يتعلق بفتاوى هيئة الرقابة الشرعية:
9- الحرص على موافقة القرارات والمعايير الصادرة من هيئات الاجتهاد الجماعي، وبالأخص قرارات مجمع الفقه الإسلامي الدولي، ومعايير هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية.
10- يجب على هيئة الرقابة تجنب الأخذ بالأقوال الشاذة وهي التي تخالف نصاً صريحاً من الكتاب أو من السنة الصحيحة أو إجماعاً، كما يجب على الهيئة ألا تتبنى قولاً لم تسبق إليه، ويحسن عرض القضايا المستجدة المشكلة على المجامع الفقهية قبل البت فيها.
11- يجب أن تكون جميع عقود المؤسسة المالية مجازة من هيئة الرقابة الشرعية بصورتها النهائية، ولا تكتفي الهيئة بإجازة الهيكل العام للعقد.
وخامساً-فيما يتعلق بأعمال الرقابة الداخلية:
12- يجب إنشاء جهاز رقابة شرعية داخلية، وتزويده بعدد كاف من المراقبين المؤهلين تأهيلاً مناسباً، وعدم الاكتفاء بإسناد الرقابة الشرعية إلى المراجعة الداخلية أو إلى المراقبة الخارجية التي تقوم بها هيئة الفتوى.
13- أن تكون مكانة الرقابة الشرعية الداخلية في الهيكل التنظيمي للمؤسسة كافية لإنجاز مسئولياتها، وألا ينخفض المستوى التنظيمي للرقابة الشرعية الداخلية عن مستوى إدارة المراجعة الداخلية.
14- تمكين المراقبين الشرعيين من الاطلاع على المستندات والوثائق التي يتطلبها العمل الرقابي.
15- اعتماد معايير للرقابة الشرعية تلزم بها المؤسسة وتعتمد من قبل هيئة الرقابة الشرعية، تُضمن السياسات الإجرائية لعمل المراقب الشرعي، ويراعى في صياغتها الإفادة مما توصلت إليه العلوم الإنسانية المعاصرة في مجال الرقابة المالية.
16-تفعيل تقارير الرقابة الشرعية ويراعى فيها الإفصاح والحياد، وأن يكون إعدادها وصياغتها وفق الأطر الفنية المعتبرة.ويجب أن تغطي هذه التقارير جميع الأعمال التي قامت بها المؤسسة.
17- تدريب وتثقيف العاملين في المؤسسة المالية بالمفاهيم والضوابط الشرعية، وبالأخلاقيات التي يجب على المسلم التحلي بها في معاملاته، وغرس الرقابة الذاتية في أنفسهم بمراقبة الله تعالى أولاً والحرص على أداء الأمانة على الوجه الشرعي الصحيح.
والحمد لله أولاً وآخراً وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

 

_________________________

(1)    نشرة إصدار مصرف الإنماء، عام 2008م، نقلاً عن تقرير المجلس العام للبنوك والمؤسسات المالية الإسلامية.
(2)    لسان العرب 5/279.
(3)    المعجم الوسيط 1/363
(4)    معجم مقاييس اللغة 2/427.
(5)    ينظر: معايير المحاسبة الصادرة من هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية (معيار الضبط) 2/15، الرقابة الشرعية في المصارف الإسلامية، حسن يوسف داود ص 15، دور الرقابة الشرعية في تطوير الأعمال المصرفية، د. محمد عبد الحكيم زعير 1/44، المؤتمر الأول للهيئات الشرعية بالبحرين.
(6)    معايير المحاسبة الصادرة من هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية (معيار الضبط) 2/15.
(7)    المراجعة بين النظرية والتطبيق، ص 365.
(8)    الموافقات في أصول الشريعة 4/179.
(9)    معايير المحاسبة والمراجعة الصادرة من هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية (معيار الضبط) 2/15.
(10)    صحيح البخاري، كتاب الأشربة، باب ما جاء في أن الخمر ما خامر العقل برقم 5588.
(11)    مجموع الفتاوى 28/65.
(12)    أخرجه أحمد برقم (1462)، وأبو داود في كتاب البيوع، برقم (2915)، وابن ماجه في كتاب التجارات، برقم (2255)، من حديث سعد بن أبي وقاص –رضي الله عنه-.
(13)    أخرجه البخاري في كتاب البيوع برقم (2082)، ومسلم في المساقاة برقم (2960)، من حديث جابر –رضي الله عنه-.
(14)    أخرجه مسلم في كتاب الإيمان برقم (147).
(15)    أخرجه أبو داود في كتاب الأذان برقم (531)، والترمذي في كتاب الأذان، برقم (209) من حديث عثمان بن أبي العاص –رضي الله عنه-. والحديث حسنه الترمذي وقال: "والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم، كرهوا أن يأخذ على الأذان أجراً، واستحبوا للمؤذن أن يحتسب في أذانه، ولا نعلم خلافاً في جواز أخذ الرزق عليه".
(16)    أخرجه أحمد (3/428)، من حديث عبد الرحمن بن شبل –رضي الله عنه-. قال الهيثمي في مجمع الزوائد (7/167):رجال أحمد ثقات.
(17)    ينظر: بدائع الصنائع 4/192، رد المحتار 6/57، المغني 3/94، الفروع 4/437، الروض المربع مع حاشية ابن قاسم 5/320.
(18)    حاشية الدسوقي 1/20، المجموع شرح المهذب 1/46، تحفة المحتاج 6/157، الإنصاف 6/46.
(19)    أخرجه البخاري في كتاب الطب برقم (5737) من حديث ابن عباس –رضي الله عنهما-.
(20)    الإنصاف 6/46.
(21)    6/ 300 وينظر: المغني 3/94.
(22)    أعلام الموقعين 4/178.
(23)    شرح الكوكب المنير ص621. وينظر: كشاف القناع 6/ 300.
(24)    ينظر: المبسوط 15/115، بدائع الصنائع 5/550، المدونة 3/422، شرح منح الجليل 4/7، روضة الطالبين 5/257، مغني المحتاج 3/445، الشرح الكبير على المقنع 14/173، المغني 7/116، الخدمات الاستثمارية في المصارف 1/684.
(25)    ينظر: أعلام الموقعين 4/19.
(26)    ينظر: رد المحتار 9/87، البهجة شرح التحفة 2/299، حاشية الدسوقي 4/10، المغني 7/116.
(27)    مغني المحتاج 6/354.
(28)    شرح المنتهى 3/589. وينظر: رد المحتار 5/ 479، حاشية الدسوقي 4/173.
(29)    شرح المنتهى 3/589
(30)    الموقع الرسمي للسوق المالية السعودية على الشبكة العنكبوتية.
(31)    ينظر في تطبيقاتها: الأشباه والنظائر للسيوطي ص101، المنثور في القواعد 1/93.
(32)    المنثور في القواعد 1/ 93.
(33)    أخرجه الدارقطني (4/207)، والبيهقي (8/ 232). قال ابن حجر:  "ساقه ابن حزم من طريقين, وأعلهما بالانقطاع لكن اختلاف المخرج فيهما مما يقوي أصل الرسالة, لاسيما وفي بعض طرقه أن راويه أخرج الرسالة مكتوبة" التلخيص الحبير 4/359.
(34)    شرح الكوكب المنير ص611. وينظر: البحر الرائق 8/ 550، التاج والإكليل 8/141، تحفة المحتاج 10/141، المغني 10/104.
(35)    المغني 10/105.
(36)    رواه أحمد (4/146-بتحقيق أحمد شاكر)، والبيهقي 7/41. وقال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح( مجمع الزوائد 6/110)، وقال ابن حجر: إسناده صحيح (فتح الباري 13/353).
(37)    أخرجه البخاري ومسلم من حديث عمرو بن العاص -رضي الله عنه- .
(38)    شرح الكوكب المنير ص 610. وينظر: البحر المحيط 8/228.
(39)    مجموع الفتاوى 19 / 122.
(40)    شرح الكوكب المنير ص 610، البحر المحيط 8/ 228.
(41)    شرح الكوكب المنير ص 630.
(42)    الأحكام السلطانية ص 84.
(43)    8/236 . وينظر في تفصيل هذه الشروط: الموافقات 4/56، شرح الكوكب المنير ص602، شرح مختصر الروضة 3/577.
(44)    ينظر: شرح الكوكب المنير ص 603، البحر المحيط 8/237.
(45)    مجموع الفتاوى 29/ 45.
(46)    ينظر: التعريفات للجرجاني ص 131، القاموس المحيط ص 488، المصباح المنير ص162.
(47)    أبو الأصبغ الأسدي القرطبي الغرناطي، فقيه مالكي، تولى قضاء غرناطة، له كتاب: " الإعلام بنوازل الأحكام" . توفي سنة 486 هـ. ينظر: الأعلام 5/103
(48)    نقلاً عن: الفتاوى الفقهية في أهم القضايا في عهد السعديين ص 109.
(49)    ويمكن الاستزادة حول شرط الخبرة مما كتبه د حسين شحاته، في مجلة الاقتصاد الإسلامي العدد (117) السنة (9)، شعبان 1411هـ بعنوان: " التنظيم الإداري والتوصيف الوظيفي واختصاصات هيئة الرقابة الشرعية في المؤسسات المالية الإسلامية".
(50)    أشير هنا إلى معايير الضبط (1-4) الصادرة عن مجلس معايير المحاسبة والمراجعة بهيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية. وقد بذل فيها جهد مشكور، ومن الممكن أن تكون الأساس الذي ينطلق منه لاستيفاء كامل الأسس التي تتطلبها الرقابة الشرعية على المصارف.
(51)    شرح المنتهى 3/589. وينظر: رد المحتار 5/ 479، حاشية الدسوقي 4/173، مغني المحتاج 6/354.
(52)    معايير المحاسبة والمراجعة 2/26.
(53)    مثل موقع الفقه الإسلامي، وهو موقع يضم رابطة فقهية لمئات الفقهاء من شتى أقطار العالم الإسلامي.
(54)    من كلام لابن القيم في أعلام الموقعين 1/30، وينظر:  أنواء البروق 1/48، كشاف القناع 6/299.
(55)    كون فتوى هيئة الرقابة ملزمة لا يضفي عليها صفة الحكم القضائي؛ لأن الإلزام هنا مستمد من الشرط لا من السلطة القضائية.
(56)    أعلام الموقعين 1/70.
(57)    أخرجه الترمذي من حديث عمرو بن عوف –رضي الله عنه- في كتاب الأحكام، باب ما ذكر عن رسول الله  - صلى الله عليه وسلم -  في الصلح برقم (1272) وأبو داود من حديث أبي هريرة-رضي الله عنه- في كتاب الأقضيه، بـاب في الصلح برقم (3120 )، والدارقطني من حديث عائشة -رضي الله عنها- بزيادة (( ما وافق الحق )) 3/2. وهو حديث صحيح بمجموع طرقه. تغليق التعليق 3/280 ، فتح الباري 4/451. 
(58)    قام بإعداد هذه الدراسة مركز الأوائل للاستشارات الاقتصادية.
(59)    ويمكن الاستزادة في بعض الجوانب الفنية لعمل الرقابة الشرعية إلى ما تضمنته معايير الضبط الصادرة من هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية، معايير المحاسبة والمراجعة 1/ 2-47
(60)    أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه في باب بيع أمهات الأولاد 5/185. وصححه الشوكاني في نيل الأوطار 5/117.
(61)    الفتاوى الكبرى 2 / 182. ومن ذلك أيضاً ما جاء في المدونة: " قلت لمالك: إنه يلينا قوم يرون خلاف ما ترى في السهو؟. قال : اتبعوه فإن الخلاف شر". المدونة 1/222.
(62)    شرح الكوكب المنير ص 629
(63)    مجلة مجمع الفقه الإسلامي (8/ 1/637).
(64)    ينادي البعض بسن قوانين خاصة بالمصارف الإسلامية، ولا أؤيد ذلك؛ لأن تخصيص المصارف الإسلامية بقانون يعني ضمناً إقرار بقاء المصارف التقليدية وأنها لا تخضع لهذا القانون. والواجب أن تلزم جميع المؤسسات المالية من بنوك وشركات تأمين وشركات استثمار بهذا القانون وتعطى المؤسسات التقليدية مهلة زمنية لتتحول إلى مؤسسات إسلامية.