4 صفر 1434

السؤال

السلام عليكم.. أنا شاب متزوج وأسكن في مدينة بعيدة عن أهلي قليلا بسبب العمل، وأزورهم كلما سنحت لي الفرصة.. وعلى اتصال دائم معهم ..
المشكلة أنه توجد تشنّجات بيني وبين أبي، وأسبابها كثيرة.. منها:
قسوة المعاملة وعدم احترام رأيي نهائيا.. إضافة إلى أنه سيئ المزاج وعجول و"عصبي" جدا..
كما أنه لا يعامل أمي باحترام، وكذلك لا يحترم أهل زوجتي، مع أنهم يكنّون له كل الاحترام؛ فهو لا يقدّر الإنسان الذي يحترمه.
وكذلك هو لا يعدل بيني وبين أخي ولا يتصل بي نهائيا، مع أني دائما أكلمه وأحاول أن أرضيه ولكن أعاني من سوء مزاجه.. هذا مع العلم بأني أقدّر كل ما عمله لأجلي من تربية وإنفاق، ولكن ما الحل في أسلوبه السيئ في التعامل؟

أجاب عنها:
خالد عبداللطيف

الجواب

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، ومرحبا بك أخي الكريم في موقعك المبارك "المسلم"، وفقك الله وأصلح لك شأنك كله.
مشكلتك أخي تتلخص في معاناتك من سوء مزاج الوالد (غفر الله له وهداه للخير) وما يترتب على ذلك من عدم احترامه لأمك ولك ولأهل زوجتك، وعدم العدل بينك وبين أخيك.
وأذكرك أخي المبارك في البدء بقول الله جل وعلا: {وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ * وَإِن جَاهَدَاكَ عَلى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ}.
ففي هذه الآية الكريمة أخي ما ينير سبيلك في معاملة والدك في كل أحواله، وأنت ترى هنا أن الحال لو وصل إلى الشرك بالله جل وعلا لا يمنع حق البر الذي أمر به سبحانه. فكيف بما دون ذلك من سوء الخلق أو حدة المزاج؟!
وفي صحيح البخاري أن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت: قدمت عليّ أمي وهي مشركة في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاستفتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، قلت: وهي راغبة، أفأصل أمي؟ قال: نعم، صلي أمك".
ومن توفيق الله لك أخي أنك تعترف بفضل أبيك في التربية والإنفاق؛ فهذه دلالة على الإنصاف والدين والعقل، ومما يهوّن عليك مرارة ما تلقاه من أبيك من شدة وحدة.
وأوصيك أخي الفاضل أن تكون سببا في التخفيف عن والدتك ما تلقاه بدورها من الوالد، وأن تذكّرها بفضل صبرها عليه وقيامها بحقه؛ حتى تكون عونا لها، فهذا أفضل ما تقدمه لها تجاه ما تصفه من سوء عشرته لها.
وأما ما يتعلق بأهل زوجتك.. فأستشعر من كلماتك أن الوالد لا يواجههم بالمعاملة الفظة، وربما أنك فقط تسمع منه ما لا يليق في حقهم في غير حضورهم؛ لأنك تؤكد أنهم يكنّون له كل الاحترام، فهذا يحتمل أحد أمرين: إما أنه لا يواجههم بالإساءة، وإما أنهم يلتمسون له العذر، وينسبون ما يبدر منه إلى حدة الطبع؛ فلتحمد الله أن يسر لك أهل بيت فضلاء يحترمون والديك، ولعل هذا يخفف عنك في الجانب الذي يخصهم من شكواك.
وكذلك ما تذكره بشأن العدل بينك وبين أخيك؛ فلعل مرجعه لجوانب نفسية لدى والدك، وأمره في هذه المرحلة بعد التربية والتنشئة أخف منه في سابقه، فاصبر واحتسب، وادع لوالدك بما ترجوه له من خير وعدل وحسن خلق.
أخي الكريم: استمر في نهجك المبارك في الإحسان إلى والدك والصبر الجميل عليه، وكن عونا لأمك بكل كلمة طيبة وتخفيف عنها، وثق أخي بحُسن عاقبة برك بأبيك وصبرك على ما يبدر منه من الفضل والثواب عند الله جل وعلا في الآخرة، وكذلك في الدنيا حين يكون لك أولاد فيبرّونك كما بررت أباك، بل وثق أن لهذا بالغ الأثر في نفس والدك وإن لم تر ذلك في ظاهر الأمر!
سدّد الله خطاك وثبتك، وهدى والدك للخير، وألف بينكما.