26 رمضان 1433

السؤال

زوج أختي سيئ الخلق لا يقدم لها أبسط حقوقها فمنذ زواجها من سبع سنوات لم نر ملابسها قد تغيرت إلا مرة أو مرتين وبالرغم من قرب سكنها من أهلي إلا أن زياراتها تقريبا كل شهرين أو ثلاثة وكذلك لم تزرني من أربع سنوات إلا مرة واحدة إخواني يحملون له بغضا شديدا لتصرفاته، وأختي التي هي زوجته لم تتكلم عن معاناتها مع علمنا اليقين بمعاناتها حتى أن إخوتي يقولون لو تفتح لنا طريقا ليرى ما نصنع به. ماذا نفعل؟ هل نسكت على الوضع الحالي أم ماذا نفعل؟

أجاب عنها:
سميحة محمود

الجواب

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً..
الابنة الفاضلة.. أرحب بكِ على صفحة الاستشارات في هذا الموقع المتميز ونكون سعداء بدوام التواصل معنا.
لقد استهللتِ رسالتكِ بقولكِ (زوج أختي سيئ الخلق) وهذا اتهام صريح لمسلم بسوء الخلق، فما هو دليلكِ على سوء خلق زوج أختكِ؟
وهل يجور للمسلم أن يلقي اتهاماته هكذا دون وجود دليل؟
ثم ذكرتِ ما يدل على سوء خلقه – من وجهة نظركِ - كما ورد في رسالتكِ بالآتي:
1 - لم يقدم لها أبسط حقوقها، والتي هي كما ذكرتِ (لم نر ملابسها قد تغيرت إلا مرة أو مرتين) بالرغم من أنها متزوجة منذ سبع سنوات.
2 - أختكِ تزور أهلها كل شهرين أو ثلاثة بالرغم من أنها تسكن بجوارهم.
3 - أختكِ لم تزركِ من أربع سنوات إلا مرة واحدة.
فهل – يا عزيزتي- هذه أسباب تجعلكِ تصفين زوج أختكِ بسوء الخلق؟ ثم إن أختكِ هي المقصرة في الزيارات، فلماذا توجيه الاتهام لزوجها؟
وهل أختكِ صرحت لكم أن زوجها يمنعها من الزيارات؟
إن معنى سوء الخلق واسع وخطير، فهو يعني أن الرجل سيئ العِشرة، كاذب، فظ، غليظ القلب، يسب ويلعن وربما يضرب، وسوء الخلق يعني أيضاً أشياء أخرى من الأفعال السيئة والمشينة التي ترتكب حتى يقال إن فلاناً سيئ الخلق، فهل أدركتِ معنى سيئ الخلق؟
وهل زوج أختكِ يفعل شيئاً من هذه الأفعال حتى يوصف بهذا؟ قطعا لا، وإلا ما ترددتِ لحظة في ذكرها، أليس كذلك؟!!
ثم ربما الرجل ضيق الرزق وزوجته التي هي أختكِ تقدر ذلك وتفضل أن توفر في بند شراء الملابس وتكتفي بما عندها من ملابس طالما في حالة جيدة، فما الذي يضيركِ في هذا؟!
ثم إنكِ قد ذكرتِ أنها لم تزركِ منذ أربع سنوات، فكيف إذن علمتِ أنها لم تغير ملابسها إلا مرة أو مرتين؟!!
وربما أختكِ كثيرة الأبناء والأعباء، ولهذا تزور أهلها كل شهرين أو ثلاثة مرة، فتجتمع الأسرة كلها وأنت معهم، مما يحقق لها المراد من التواصل والاطمئنان عليها وعليكم فتكتفي هي بهذا التجمع كبديل عن الزيارات المتفرقة والتي ربما تشغلها عن بيتها و أبناءها، أليس كذلك؟
وهل لو قصرت هي في زيارتكِ في بيتكِ، وبادرتِ أنت بزيارتها، لن تجدي ترحابا من زوجها؟ لا أعتقد ذلك، أليس كذلك؟!
ابنتي العاقلة.. تقولين في رسالتكِ (إخواني يحملون له بغضاً شديدً لتصرفاته) فأي تصرفات تقصدين التي بسببها إخوانكِ يحملون له هذا البغض؟
هل زوج أختكِ أساء لأحد من إخوانكِ حتى يُبغض بهذه الصورة؟ أعتقد لا، أليس كذلك؟
وبالطبع أقوال و أفعال إخوانكِ حينما يتقابلون مع زوج أختكِ تكشف عما في صدورهم، فهل هذا من البر بأختكم التي هي زوجته و الذي هو أب لأبنائها؟
وهل هو قابل هذا البغض بمثله، لأن طبيعة النفس البشرية تحب من يحبها و تبغض من يبغضها؟ أعتقد أيضا بأن الإجابة: لا، أليس كذلك؟!
ثم تقولين بعد ذلك (أختي التي هي زوجته لم تتكلم) وأقول لكِ هي لم تتكلم ولن تتكلم، فهي راضية بحياتها، وإن كانت تشعر في حياتها بمعاناة من أي نوع فهي تتحمل من أجل الحفاظ على أسرتها، فينشأ أطفالها في بيئة مستقرة خالية من النزاع والشقاق الذي إن وجد يصيب الأبناء بالأمراض النفسية والسلوكية. هي أيضا تعلم أن صبرها على زوجها طريق للفوز بالجنة، كما في الحديث الذي رواه ابن حبان:" إذا صلت المرأة خمسها، وصامت شهرها، وحصنت فرجها، وأطاعت زوجها، قيل لها: ادخلي الجنة من أي أبواب الجنة شئت". واعلمي ابنتي الكريمة أن الله وعد الصابرين بأنه معهم وبشرهم بأنه يحبهم، وأن مقامهم في أعلى المقامات في الجنة بإذن الله، وصبر المرأة على زوجها هو نوع من أنواع الصبر العظيم الأجر، فإن مجرد خدمة المرأة لزوجها وتربيتها لأولادها يعدل الجهاد في سبيل الله، فما بالك لو كان الزوج يسيء العشرة –إن كان هو بالفعل كما ذكرتِ- وصبرت أختكِ عليه ولم تقصر في حقه؟ قطعاً سيكون أجرها أعم وثوابها أتم وأفضل، فلماذا تبخلي علي أختكِ بهذا الأجر والثواب وتحاولي تقليبها علي زوجها؟
ثم أعجب أشد العجب من قولكِ (إن إخوتي يقولون لو تفتح لنا طريقا ليري ما نصنع به)، وأقول لكم جميعا: أرفعوا أيديكم عن أختكم ولا تكونوا معول هدم لأسرة مستقرة حتى وإن كانت في معاناة، فأختكم راضية بحالها ولم تشتك ولم تتحدث معكم عن أي معاناة، فتخبيب المرأة على زوجها فعل محرم ويُعد من كبائر الذنوب، ومن فعله يجب التوبة منه، فقد قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: (ليس منا من خبب امرأة على زوجها، أو عبداً على سيده) رواه أبو داود وغيره. ومعنى خبب: أي أفسد. بل إن هذا الفعل من أفعال الشيطان المقرب من إبليس كما جاء في صحيح مسلم عن جابر بن عبد الله - رضي الله عنه - قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ إِبْلِيسَ يَضَعُ عَرْشَهُ عَلَى الْمَاءِ ثُمَّ يَبْعَثُ سَرَايَاهُ فَأَدْنَاهُمْ مِنْهُ مَنْزِلَةً أَعْظَمُهُمْ فِتْنَةً يجيء أَحَدُهُمْ فَيَقُولُ فَعَلْتُ كَذَا وَكَذَا َيَقُولُ َما صَنَعْتَ شَيْئا - قَالَ – ويجيء أَحَدُهُمْ فَيَقُولُ مَا تَرَكْتُهُ حَتَّى فَرَّقْتُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَهْلِهِ - قَالَ - فَيُدْنِيهِ مِنْهُ أَوْ قَالَ فَيَلْتَزِمُهُ وَيَقُولُ نِعْمَ أَنْتَ).. بل إن هذا الفعل لشدة حرمته قد ذكره الله تعالي في الآية الكريمة: {وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ} البقرة:102.
ابنتي الكريمة.. سامحيني إن شددت عليكِ ولكن خوفي عليكِ دفعني لذلك، فرجائي عدم التدخل في شؤون أختكِ أو محاولة الوصاية عليها، فأختكِ أحسبها من النساء الصالحات ولا أزكيها على الله، فهي تحفظ أسرار بيتها ولا تشتكي إلى أحد، وتحسن إدارة بيتها متوكلة على الله، معتمدة عليه سبحانه، تظن به خيراً، وإن ألمها شيء فباب الله هو المفتوح دائماً وليس أي باب آخر.
وهنا أدعوكِ – ابنتي- لتأمل قول الله تعالي: {وَالْعَصْرِ * إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} فهي دعوة لإسداء النصح من أجل التواصي بالحق و التواصي بالصبر، فمن فعل ذلك كان من أهل الخير ومن الذين عناهم الله عز وجل بالنجاة.
نسأل الله سبحانه وتعالي أن نكون وإياكم من الناجين والمصلحين ومن أهل الخير أجمعين... اللهم آمين.