الرق بين المسلمين والغربيين!! - 3
21 شعبان 1433
منذر الأسعد

عولمة الرق!!

يقول المؤلف: إن نظام العولمة الحالي يقوم على تحكم النظام الاقتصادي الأمريكي الرأسمالي في العالم،وهو نظام نتجت عنه سلبيات عدة، من أهمها عدم ضبط مسألة تضخيم الأرباح ولو كانت على حساب موت الآخرين جوعًا . فوفقاً لقوانين هذا النظام ليس هناك ما يمنع دول الغرب من أن تلقي الفائض من إنتاجها في البحر حتى تحافظ على سعر المنتَج ومعدل ربحها الفاحش، بينما يموت آخرون بسبب فقده أو ارتفاع سعره!! كما أن النظام الاقتصادي العالمي الجديد تحكمه الشركات متعددة الجنسيات العملاقة ومعها الشركات المحلية الذيلية . ولا مجال فيه لتشريعات سمحة تمهل المدين إلى ميسرة، أو تأخذ صدقة من أغنياء المجتمعات فتردها إلى فقرائهم، أو تبطل بيع ما لا نفع فيه، أو تمنع ما لم ينضبط جانب الغنم أو الغرم فيه، أو تفسد من المعاملات ما كان فيها جهالة أو غرر، أو تحرم سلعاً لمفسدتها فتحظر التعامل بها .. إلخ .

 

ومما لاشك فيه أن السنوات العشرين الأخيرة شهدت تحولات ضخمة على الصعيد العالمي كله نتيجة لهذا النظام، فأصبحت المؤسسات المائة الكبرى في العالم تتحكم فى 20% من إجمالي أموال العالم . كما أن 51% من أكبر قوة اقتصادية تسيطر عليها مؤسسات كبرى، بينما لا تسيطر الحكومات سوى على الـ 49% الباقية فقط . ويبدو في الإطار نفسه أن مبيعات شركات (جنرال موتورز) و(فورد) مثلاً تفوق الناتج القومي الإجمالي لجميع دول جنوب الصحراء في القارة الإفريقية، وتتجاوز ممتلكات شركات (آي . بي . إم) و(بي . بي) و(جنرال إليكتريك) الإمكانات الاقتصادية التي تمتلكها معظم البلدان الصغيرة في العالم!! كذلك فإن دخل بعض محلات (السوبر ماركت) الأمريكية قد يزيد على دخل معظم دول وسط أوربا وشرقها بما فيها بولندا والمجر ورومانيا .

 

وهذه الشركات الضخمة لا تتورع عن إبرام أية صفقات مشبوهة وارتكاب كل المحظورات من أجل تعزيز نفوذها المالي والاقتصادي، لتكون النتيجة بالتالي تحكمها في كل ما يحتاجه الإنسان العادي حتى أبسط مستلزمات حياته اليومية وهذا ما يسميه بعضهم بـ (الاستملاك الصامت)، أو بتعبير أدق (الاستعباد الصامت) حيث أصبحت الحكومات مغلولة الأيدي، والشعوب مقيدة بشروط تفرضها المؤسسات الكبرى التي تحدد قواعد اللعبة بحسب مصالحها الذاتية، والتي لا تملك الحكومات سوى تنفيذها. فهذه الحكومات غدت ترى أن واجبها الأول تهيئة الظروف المواتية لازدهار المؤسسات المعنية، وتوفير البنية الأساسية التي يحتاجها رجال الأعمال بأرخص التكلفة لحماية نظام التجارة "الحرة" في العالم.

 

وبذلك تضطر حكومات الدول النامية- في نهاية المطاف- الى الانصياع الكامل لشروط (اللوبي) الدولي، وهو ما أدى إلى ظهور تيارات احتجاجية قوية لا يربطها شيء ولا تجري في إطار حدود جغرافية معينة . فالمنادون بها لا تربطهم صلات ثقافية أو تاريخية مشتركة، فهم جماعات وجمعيات أهلية متنوعة يجمعها هدف واحد هو استعادة الشعوب لحقها في الاختيار وفي تقرير مصيرها، وكلها تطلق التحذير تلو التحذير من مغبة المضي في هذا الطريق الوعر الذي سيكون من نتيجته تكرار الكوارث الاقتصادية والاجتماعية في كافة أنحاء العالم .

 

ومن بعض كوارث هذا النظام دخول أكثر من 75 دولة القرن الحادي والعشرين وهي خاضعة، كلياً أو جزئياً، لمشيئة البنك الدولي، مستسلمة لإرادته، منفذة لسياسته، تجنباً لإعلان إفلاسها . وبموجب ذلك تلتزم هذه الدول بتخفيض الإنفاق، ووقف الدعم للمواد الاستهلاكية التي تقدمها لشرائحها الفقيرة .

 

فلا عجب إن تثبت دراسات الأمم المتحدة أن 12 مليون طفل تحت سن الخامسة، يموتون سنوياً نتيجة أمراض قابلة للشفاء، وهذا يعني أنه فى كل يوم يموت 33 ألف طفل لأسباب يمكن تجنبها بما فيها سوء التغذية . وتشمل هذه الدراسة أطفالاً من العالم الإسلامي من بنجلاديش حتى موريتانيا، فحكوماتها- تحت وطأة تضخم ديونها- لا تستطيع توفير الحد الأدنى من الاحتياجات الطبية والوقائية.

 

ومن ثمار ذلك أيضاً أن ثلث سكان العالم يعيشون تحت خط الفقر، بينما تمتلك بعض المؤسسات والشركات ما لا تمتلكه عشرات الشعوب مجتمعة!!!.
ولا يخضع النظام العالمي الاقتصادي لأي تشريع إلهي، فما قضي به الرأسماليون هو التشريع سواء خالف الوحي المُنَزَّل أو وافقه، والدراسات الاقتصادية أو التجارية أو الإحصائية والاجتماعية التي تمثل مصالح القطاع المالك هي التي تحكم، وليست النصوص والقوانين الإلهية المقدسة . وهكذا تسبب الرأسمالية حتماً تحكماً للقلة الغنية (الغرب) في رقاب مئات الملايين من البشر في العالم الفقير المطحون!

 

وهذه عبودية أخرى باسم العولمة . فالعبودية في رأينا لا تقتصر على الصورة التقليدية- وهي امتلاك الإنسان بالخطف أو الشراء – بل تتحقق كذلك في كل علاقة تتسم بالسيطرة والاستغلال والإذلال من شخص أو جماعات أو دول للآخرين الأضعف شأناً . وبذلك يكون الاحتلال العسكري- كما رأينا ونرى – هو من أشد حالات الاستعباد لشعوب بأكملها.
وتكون العولمة استعباداً اقتصادياً من أبشع ما يكون .

 

ومن أشد أنواع الاستعباد المعاصر الآن تلك الهيمنة الاقتصادية وإذلال الشعوب الفقيرة بالديون الباهظة .. والديون كما قيل بحق "همٌ بالليل وذلٌ بالنهار" .

 

فقد لجأت دول الغرب الرأسمالية إلى أسلوب خبيث في امتصاص دماء البلاد النامية ونهب خيراتها بدون اللجوء إلى القوة العسكرية التي لن تكفي لاحتلال كل تلك البلاد، وهكذا استغلت الوحوش الرأسمالية فقر وتخلف معظم شعوب أفريقيا وآسيا- بالإضافة إلى فساد معظم حكامها – لترهق كواهلها بألوف البلايين من الدولارات كديون ذات فوائد ربوية فاحشة، وصلت بحجم الديون إلى أرقام فلكية مستحيلة الدفع!! وهنا يبدأ الشياطين الرأسماليون الغربيون في إملاء كل الشروط المجحفة، ومنها الحصول على المواد الخام من الدول المطحونة كالنفط وغيره بأبخس الأثمان، وقبول وجود قواعد عسكرية - اللفظ المهذب البديل للاحتلال العسكري – على أراضيها .

 

ولا تقتصر الشروط الظالمة على هذا بل تمتد لتشمل إملاء كل السياسات الاقتصادية، مثل الإجبار على بيع معظم شركات ومرافق الدول المدينة للقطاع الخاص، وطبعاً يدخل وحوش الغرب لشرائها بأقل الأسعار. وينتهي الأمر بالضحايا إلى اكتشاف أن كل شيء في دولهم البائسة أصبح فعلياً " مملوكاً " للغرب!! وبطبيعة الحال تفقد الدول المطحونة الإرادة السياسية تماماً، كما تخضع لرغبات " السادة " الجدد في تغيير كل الأنظمة الاجتماعية والسياسية والثقافية والدينية والتعليمية .. والمثال الواضح ما جرى مؤخرا في العديد من دول الشرق الأوسط من تغيير للمناهج التعليمية بها نزولاً على أوامر "السيد" الأمريكي التي لا تُرد!!.