محطات فاصلة في التاريخ الإسلامي
12 رمضان 1433
منذر الأسعد

على امتداد 750 صفحة، يبحر الدكتور فتحي زغروت مع (النوازل الكبرى في التاريخ الإسلامي) –بحسب عنوان كتابه، الذي نشرته دار الأندلس الجديدة بمصر، في طبعته الأولى في عام 1430- .

 

يتصدر الكتاب قول الحق تبارك وتعالى: {وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ} [آل عمران: 139- 140].

 

وهو اختيار في محله؛ لأن المؤلف استهل مقدمته بالتركيز على مفهوم النوازل –ومفردها: نازلة- أي: الشدائد، باعتبارها من قضاء الله وقدره الذي يؤمن به المسلمون ويتلقون ما يقضيه ربهم ويقدره بالرضى والتسليم، سواء أكان حلواً أم مُرّاً.لكن التسليم بقضاء الله تعالى لا يعني السلبية ولا الرضوخ للأسباب أو الاستكانة للظروف العابرة، فالرضى بقدر الله مختلف جذرياً عن الرضى بالمقدور ذاته الذي قد يكون نتيجة تقصير أو تفريط.

 

في غزو أحد استشهد 70 صحابياً وكُسِرت رباعية النبي صلى الله عليه وآله وسلم وشُجّ وجهه الشريف وأثخن أصحابه بالجراح، فجاء الوحي يسدد المسار ويؤكد أن ما جرى، جرى نتيجة أخطاء ومخالفات وقع فيها بعض المسلمين، ثم يحضهم بالرغم من الجراح والوهن العابر على اقتفاء اثر المشركين وعدم الوهن في مجاهدتهم. وقد جاءت الثمار يانعة في غزوة الأحزاب وما بعدها وصولاً إلى فتح مكة المكرمة... ثم انتشار راية التوحيد وأنوار الحق في مشارق الأرض ومغاربها.

 

اختار الدكتور زغروت أربع نوازل كبرى هي:
1-سقوط بغداد على أيدي المغول
2-سقوط بيت المقدس على أيدي الصليبيين
3-سقوط غرناطة وإنهاء دولة الإسلام على أيدي الإسبان
4-سقوط الخلافة العثمانية الإسلامية في تركيا

 

فنكبة الأمة في بغداد كانت ضخمة بكل المقاييس والاعتبارات الرمزية والواقعية، حيث سقطت الخلافة الإسلامية ولقي زهاء مليون مسلم نحبهم وأُتْلِفت كنوز حضارية رائعة من كتب نفيسة ومنجزات راقية... لكن الأمة لم تستسلم وإنما حشدت طاقاتها في مواجهة الغزو المغولي الهمجي بقيادة المظفر قطز حتى أزيل الغزو ثم تحول المغول إلى الدخول في دين الله تعالى، وأعيد نصب الخلافة العباسية في مصر والشام ولو بصفة رمزية أكثر منها عملية ذات سيطرة فعلية.

 

كما واجهت أمة الإسلام محنة الغزو الصليبي الحاقد الذي تمكن في غفلة من الأمة من إقامة أربع مستعمرات أذاقت المسلمين ويلات كبرى، إلى أن قيّض الله سبحانه للأمة القائد الهمام نور الدين آل زنكي الذي وحّد مصر والشام وأنشأ فيهما جيشاً قوياً مجاهداً قاده البطل صلاح الدين الأيوبي بعد مصرع نور الدين فيطهر بيت المقدس من رجس الصليبيين الذين هزمهم شر هزيمة في موقعة حطين الفاصلة.

 

وبذكاء جلي يعقد د.زغروت مقارنة بين النازلتين السابقتين: الغزو المغولي والغزو الصليبي، وبين نازلة الأندلس ونازلة إسقاط الخلافة العثمانية، ففي الأوليين نهضت الأمة من كبوتها وتغلبت على عوامل الوهن فانتصرت وأزالت الغزاة.أما في النازلتين الأخيرتين فقد كانت السلبية هي السمة الواضحة في التعامل معهما، حيث تناسينا جرح الأندلس الأليم حتى تركناه نهباً للمزورين الذين يشوهون تاريخنا الزاهر هناك.

 

وأما إزالة الخلافة العثمانية فما زلنا نتجرع آثارها المريرة من تمزق وتفكك واحتلال لفلسطين ثم للعراق وأفغانستان ....فضلاً عن تسليم الاستعمار الغربي مقاليد الحكم لعملائه التغريبيين الذين كانوا شرّاً على الأمة من سادتهم الأجانب الغاصبين بطغيانهم وتنكيلهم بالشرفاء والأحرار ونهب ثروات البلاد وتسليم أراضيها إلى أعدائها!!

 

إنه كتاب قيّمٌ بما احتواه من معلومات تاريخية موثقة، وبما اشتمل عليه من قراءة واعية لأسباب السقوط والدروس المستفادة منه، قراءة شرعية وعلمية موضوعية تستحق التقدير.

وما أحوجنا اليوم إلى كتب عميقة كهذا الكتاب النفيس.