توظيف المرأة ومزالق التغريب ومآخذ العلماء عليه
13 رمضان 1433
محمد لافي

لم يكن مستغرباً بعد قرارات وزارة العمل المتعلقة بعمل المرأة وإلزام المحلات النسائية بتوظيف النساء جنباً إلى جنب مع الرجال, أن تتوالى الأخبار عن حالات الخلوة, والتحرش, والأوضاع المخلة, وانتهاك الأعراض, التي تم ضبطها بين عاملات في المحلات النسائية, وبين زبائنهن أو زملائهن على مقربة من مقر عملهن على إثر العمل بهذه القرارات.

 

ولقد دفعت هذه النازلة بعدد من المشايخ الفضلاء وطلبة العلم, إلى التوافد على وزارة العمل لتذكيرهم بخطورة مثل هذه الوظائف على المرأة, والتي تكون فيها مختلطة بالرجال في مكان العمل إضافة إلى عملها في ساعات متأخرة, وما نجم عنه من تلك الحوادث, كما أكدوا على أهمية أن تتهيأ للمرأة الأعمال التي تتناسب مع طبيعتها دون إقحامها وسط الرجال.

 

وكان القرار الذي أصدره مجلس الوزراء عام 1425هـ بشأن زيادة فرص ومجالات عمل المرأة السعودية, قد صدر بدعوى أن مصلحة الإحصاء نشرت معدلات مرتفعة للبطالة خصوصاً بين النساء, إضافة إلى أن مصدر في نظام حافز سجل 85 % من المستفيدات منه من النساء.

 

وبما أن وزارة العمل هي جهة الاختصاص, فقد أصدرت لائحة تنفيذية لقرار الوزارة قصرت العمل في محلات بيع المستلزمات النسائية الخاصة على المرأة السعودية كخطة تنفذ تدريجياً لتشمل كافة محلات مستلزمات النسائية من محلات مستحضرات التجميل و العباءات ومحلات فساتين السهرة والاكسسورات.

 

الخطوة التي قام بها أهل العلم وطلبته الأجلاء, كان قد سبقتها خطوة أخرى قام بها أيضاً وفد من الدعاة وطلبة العلم قابلوا خلالها وزير العمل ليثبتوا بالأدلة أن هذه القرارات لا يراد منها توظيف المرأة وإنما يريد بها التغريب واختلاطها بالرجال.

 

فقد انتقد 20 عالماً وداعية في اجتماع لهم مع الوزير - لم يأذن له أن يستمر أكثر من ربع ساعة – أخذوا عليه حينها عدم عمله بفتوى اللجنة الدائمة للإفتاء في تحريم عمل المرأة كاشيرة في الأسواق المختلطة, وامتناعه عن توظيف المرأة في مئات الآلاف من الوظائف كالأسواق والمستشفيات النسائية وعمل المرأة عن بعد، وإصراره أن يكون دعمه فقط لأعمال المرأة المختلطة بالرجال. كما انتقدوا موقفه الرافض من الأسوق النسائية المغلقة على الرغم من النجاح الباهر لتلك المجمعات وسهولة تحويل أي سوق مغلق إلى سوق نسائي وتوفيرها أكثر من 100 ألف وظيفة

 

وواجه وفد الدعاة الوزير بضوابط عمل المرأة التي نشرتها عن الصحف وهي عدم التلاحم الجسدي وعدم الخلوة وعدم الزينة وبينوا له حنها أن ما ذكر من ضوابط في حقيقتها إقرار للاختلاط المحرم.

 

ملاحظات على قرارات الوزارة:

 

وقد انتقد الوفد الأخير من العلماء وطلبة العلم على قرارات الوزارة تجاوزها الفتوى الرسمية المحرمة للاختلاط, ومنها الفتوى الصادرة من اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء, ومخالفة التعليمات الرسمية سارية المفعول المانعة من الاختلاط, ومنها تعميم مجلس الوزراء بذلك, إضافة إلى مخالفة المادة الرابعة من نظام العمل التي نصت على وجوب التزام صاحب العمل والعمال بأحكام الشريعة.

 

ومن الملاحظات على القرار أيضاً مخالفة قرار رئيس مجلس الوزراء القاضي بأن يكون عمل النساء في قسم خاص بهن. ومخالفة نظام العمل الذي نص على عدم جوازعمل المراة بعد غروب الشمس.

 

كما أخذوا على تلك القرارات تفسير الحجاب الشرعي تفسيراً مغايراً للجهات الإفتاء المخولة, والسماح للتفيات بالعمل في مجالات لا تتناسب مع طبيعتهن والسماح لهن بالعمل في بيئات مختلطة, وعدم تحديد وقت لعمل البائعات السعوديات, إضافة إلى التوسع غير المنضبط لما نص عليه قرار مجلس الوزراء من كون بيع المستلزمات النسائية مختصاً بالمستلزمات النسائية الخاصة فقط.

 

وأما ما يخص قرار توظيف النساء في المصانع والفنادق والمطاعم والمتنزهات العائلية فيرى أهل العلم وطلبته أن هذا القرار قد أذن للفتيات بالعمل ضمن طاقم رجالي إضافة إلى كونه لم يضع ضوابط لمنع الاختلاط من خلال المدخل أو توقيع الحضور والانصراف وكذلك في المطعم والاجتماعات.

 

ولم تسلم آلية تنفيذ هذه القرارات ومتابعة التجاوزات بشأنها مما شابها من ثغرات وملاحظات أيضاً, فقد تكررت عبارة (يجب ويحظر) ولم تذكر جزاءات على المخالف, ومنها ورود عبارات تحمل صفة العمومية ويمكن لأي شخص أن يفسرها كما يشاء, ومن ذلك:  (يجب على صاحب العمل توفير ملابس آمنة ومحتشمة للعاملين في خطوط الإنتاج ) دون تحديد ما هية تلك الملابس المحتشمة, ومن ذلك, (يمكن للمحال التجارية التي تبيع المستلزمات النسائية الأخرى مثل الملابس الجاهزة والعباءات والأحذية وغيرها توظيف النساء).

 

إضافة إلى ذلك فإن تلك القرارات لم تورد الخطوات التي تسلكها المرأة العاملة في حال رفع تظلم أو تقديم شكوى ضد أحد العاملين أو ضد المنشأة التي تعمل فيها.

 

وبالنظر أيضاً إلى وجود مئات الآلاف من المنشئات الأهلية في المملكة, فهل وفرت الوزارة من الكوارد البشرية للقيام بمهمة المتابعة لتلك التعليمات الواردة في هذه القرارات.

 

واعتبر المنكرون على هذه القرارات أن الوزارة ماضية في تطبيقها بأي صورة ومقابل أي ثمن, حتى لو أثر هذا التطبيق سلبا على مشروع السعودة التي تنادي به الوزارة, ومن شواهد ذلك, ما طرحه أحد قيادي الوزارة في اجتماع ضم مجموعة من تجار الملابس النسائية شجعهم فيه على توظيف النساء في محلاتهم ووعدهم بأن يبقي العامل الذي أحلت امرأة مكانه على كفالة صاحبه, وتسهل إجراءات نقله إلى عمل آخر, بل ويمنح التاجر تأشيرة مقابل كل امرأة يوظفها.

 

كما اعتبر الغيورون والمنكرون لهذه القرارات أنها تشكل تهديداً للمجتمع إذ أنها تؤذن بانقلاب سلوكي مؤثر, يلحق المجتمع بركاب المجتمعات المتفلتة لكونها تطبع الاختلاط وتوفر الحماية (الرسمية) للجهات المختلطة وتستغل عصا السلطة في الضغط على من لم يطبق الاختلاط بإيذائهم والتضييق عليهم في مصالحهم.

 

ومن الشواهد أيضاً التي أوردت في هذا السياق والتي تكشف أن تطبيق التأنيث لم يأت لمصلحة الوطن وأبنائه بل جاء تحقيقاً للتغريب أن عددا من المحلات التي أنثت عمالتها وظفوا فتيات من غير السعوديات.

فتاوى للعلماء :

 

وكان لأهل العلم موقفهم الواضح من عمل المرأة بهذه الكيفية, فقد أفتى سماحة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ، بأن توظيف النساء في محال بيع المستلزمات النسائية، وجعل المرأة في مواجهة الرجال تحاسب وتبيع بلا حياء ولا خجل جرم ومخالف للشرع وتترتب عليه مصائب كثيرة يتحمل أوزارها التجار أصحاب هذه المحال، وطالب التجار بعدم الانخداع بالدعايات والتساهل في المحرمات.

 

وأقر الشيخ الدكتور صالح بن فوزان الفوزان تحريم جعل المرأة موظفة في المحلات التجارية تبيع المستلزمات النسائية على رواد المحلات من الرجال مما يتنافى مع حشمتها وحيائها, كما أشار إلى القرار الصادر من اللجنة الدائمة للإفتاء بتحريم عمل الكاشيرات في المحلات التجارية, وقال :والواجب التقيد بأوامر الشرع وبقرارات ولاة الأمور الموافقة لها تجنبًا للفتنة ومحافظة على العفة

 

وهاجم الشيخ عبد الرحمن البراك وزير العمل الحالي عادل فقيه, وقال بأن المدافعين عن عمل النساء في المملكة هم المستغربون الذين اتخذوا الغرب قدوة، فهم يسعون إلى تفعيل الاختلاط في جميع مجالات العمل في الأمة، وهؤلاء ضررهم عظيم على الأمة.

 

وقال أنه يشترك في إثم عمل المرأة في الأسواق والمحلات العامة المرأةُ نفسها ووليُّها ومن وظفها، وصاحب القرار في السماح بذلك

 

واعتبر أن عمل النساء في المحلات والأسواق بائعات (كاشيرات) فيه كل مفاسد الاختلاط واعتبر عملها بائعة أسوأ من عملها في كثير من المجالات، لأنها تواجه المشترين طول وقت الدوام الطويل، ودعا أولياء أمور النساء وأصحاب المحلات والأسواق أن يتقوا الله ويراقبوه، وأن يكون المانع لهم عن فعل الحرام خوفَ الله، لا النظام، فمتى سمح لهم اتخذوا منه فرصة لتجاوز حدود الله

 

واستنكر الشيخ عبد العزيز الطريفي إقرار وزارة العمل لاختلاط العاملين من الجنسين في مكان واحد وأكد أن تجاهل حكم الشريعة القطعي والفتوى الرسمية بحرمة هذا الأمر، يعد فتنة عظيمة.

 

وقال بأن المرأة عملها مباح بلا رجال ووزير العمل يُحاول إعادة جزيرة العرب إلى الجاهلية الأولى, وأورد قوله تعالى " ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى " مستدلاً بقول  مجاهد: هي المرأة بين الرجال!

 

وأضاف الطريفي: يتعين على هيئة العلماء ورجال الحسبة، والكُتاب وعموم العقلاء، وضع حد لتنامي الإفساد الذي يقوده وزير العمل في البلد، مشيراً إلى أن السكوت على ذلك "رضا يوجب عقوبة الله".

 

وأشار الشيخ محمد العريفي إلى استياء شرائح واسعة من المجتمع من أداء وزير العمل الحالي، وقال: لا أذكر أن وزيراً تولى وزارة وناله من الانتقاد كما نال وزير العمل الحالي فأنا أضم صوتي لكل السعوديين وأقول: "أقيلوا وزير العمل" في إشارة إلى الحملة التي نظمها ناشطون على موقع "تويتر" مطالبين فيها بإقالة وزير العمل.

 

ومما لا يُختلف فيه أن الله أباح عمل المرأة وتكسبها تجارة وحرفة عند حاجتها الا أن الواجب على الجميع علماء وعقلاء إيقاف خطوات تقنين الاختلاط في المجتمع وإيجاد حياة حرة كريمة للمرأة بالتأكيد على مبدأ قوامة الرجل على المرأة ومحاسبة الولي القادر المفرّط , و السعي إلى سدّ بطالة النساء بالإنفاق عليهن من المال العام بمرتبات مجزية, و إيجاد سبل مباحة لعمل المرأة بعيداً عن مزاحمة الرجال ومظاهر الحرام، والسعي بكل السبل إلى دفع الفساد قبل نزوله, فذلك أهون من رفعه إذا نزل.