شيطنة غزة وتدويل سيناء
21 رمضان 1433
حمزة إسماعيل أبو شنب

لقد شكلت عملية رفح نقلة جديدة في الأوضاع في سيناء ، فهي ليست الأولى ولن تكون الأخيرة ولكنها الأولى التي تستهدف الجنود المصريين بهذه البشاعة وبهذا العدد الكبير من الجنود ، إلا أنه في نهاية المطاف العملية كانت جزءاً من عملية ضد الاحتلال ولا يمكن فصلها عن هذه الحقيقية ، سواء كان للأجهزة الصهيونية يد بطريقة مباشرة أو غير مباشرة من خلال اختراق هذه المجموعات ، ولكن الجميع يدين هذا العمل ضد الجنود المصريين ولا أحد يقبل بهذه الحال.

 

منذ اللحظات الأولى للعملية  أعلن الإعلام المصري الليبرالي الهجوم الشرس على قطاع غزة وحركة حماس وتحميلهم المسؤولية عن هذه العملية ، ومسؤولية التنفيذ في دور يشبه الدور الصهيوني ، وللأسف كان قد سبقه أيضاً تصريحات نُسبت لقيادات بأن المنفذين خرجوا من الأنفاق مع قطاع غزة ، وهذا يأتي قبل معرفة أسماء المهاجمين أو توجهاتهم في سرعة منهم للانتقام السياسي من الرئيس المصري الجديد محمد مرسي وخطواته لرفع الحصار عن قطاع غزة ، وصبوا كل قدراتهم الإعلامية في الهجوم العنيف على غزة وبحضور العديد من مُدعي التحليل السياسي والاستراتيجي والخبراء العسكريين الذين أغلقوا عيونهم عن الحقيقية الكاملة وبدأوا الهجوم فقط على منطقة الحدود ونسفوا كافة الأهداف الصهيونية .

 

لقد تجاهل الإعلام المصري التاريخ والعودة للوراء قليلاً عندما لم يذكر أحد بأن الحدود بين قطاع غزة ، ومصر بقيت مؤمنة طوال أيام الثورة وقدمت حماس في غزة كافة المساعدات للقوات المصرية على الحدود بعد أن انقطع اتصالها بقياداتها المركزية ، ولم يفكر أحد في زعزعة الأمن خلال أيام الثورة ، ثم تجاهل الإعلام حادثة انهيار الحدود مع القطاع عام 2008  حيث اجتاز الحدود عشرات الآلاف من الفلسطينيين ولم يتأثر الأمن هناك ، بل على العكس خلال أيام معدودة دفع الفلسطيني ما يقارب الربع  مليار دولار بدل بضائع تم شرائها ، هذا التجاهل الإعلامي ومحاولة شيطنة غزة من قبل الإعلام وتصويرها بأنها هي بؤرة الإرهاب والتشدد تُنسي الإعلام أن التشدد والعنف مصري الأصل ولم يكن يوماً في قطاع غزة أو فلسطين ، إن كان من يقف خلف العملية متشددين أصلاً .

 

الكيان الصهيوني و الذي كان يسعده شيطنة غزة في الإعلام يحاول أن يستغل هذه العلمية لتحقيق أهدافه السياسية والأمنية ، من خلال تدويل قضية سيناء وجعلها منطقة للنقاش الدولي من خلال إدخال العديد من الدول الأخرى تحت مسمى مكافحة الإرهاب ، مما سيتطلب إجراءات مصرية حازمة هناك ولكن تحت غطاء دولي مما يعطل مشروع تنمية منطقة سيناء ، وهذا سيجعل التدخل الإسرائيلي فيها مفتوح لأنها بؤرة إرهابية ويتطلب مكافحاتها دولياً من قبل العالم وهذا هدف بعيد المدى للكيان الصهيوني .
هذا بالإضافة إلى الأهداف المرحلية مثل فتح قنوات اتصال مع القيادة وتوسيع الاتصالات لحساسية الأوضاع هناك والاستفادة من الخطوات المصرية في سيناء .

 

وفي نفس الوقت لا يمكن تجاهل مشروع التهجير الصهيوني الاستراتيجي المدعوم أمريكياً   والذي كان قد وافق عليه جمال عبد الناصر سابقاً بعد ثورة يوليو ، وهو توطين اللاجئين الفلسطينيين في جزء من سيناء والذي سقط بمطالبة الفلسطينيين وصمود أهل غزة في القطاع خلال عدوان 56 على قطاع غزة  ، والمحاولات العديدة لتهجيرهم من القطاع وحفاظ الفلسطيني على تواجده بل إنه قاوم وقام بتحرير جزء من القطاع عام 2005 .

 

بين شيطنة غزة وتدويل سيناء يبقى أن تبرز الحنكة المصرية في التعامل مع هذه القضية وإفشال استغلال العملية ، ولعل الرئيس مصري الآن أمام فرصة كبيرة للانقلاب على اتفاق السلام الموقّع مع إسرائيل الذي يحد من تواجد الجيش المصري هناك ، مما سيشكل له مخرجاً من الأزمة الداخلية والهجوم الإعلامي الكبير، وفي نفس الوقت سيضع إسرائيل في حرج فهي ستكون أمام خيارين صعبين إما الموافقة على الطلب المصري بزيادة الجنود وهذا سيشكل نجاحاً سياسياً لمرسي ، أو الرفض مما يدخلها في حرج شديد بعد مطالبتها لمصر بضبط الوضع الأمني في سيناء .

 

شيطنة غزة ما هي إلا مجرد زوبعة في فنجان ستمضي ، وستشكل عملية سيناء مخرجاً جديداً لمرسي في رفع الحصار من خلال إغلاق الأنفاق وتوفير البدائل لها ، لأن الجميع يدرك بأن للأنفاق سبب في الوجود والحل معروف للجميع ولن يؤثر هذا على العلاقات الطيبة ببين الشعبين ولن يقتل الإعلام المصري حب مصر فينا  .