صور من ثورة الشام (5) البطل الذي نعى نفسه !
22 رمضان 1433
عبد الرحمن الشامي

ولد لأبوين كريمين ، والده كان فلاحاً بسيطاً ، أما والدته فكانت ربة منزل ،تقوم على تربية أولادها ، وتعين زوجها في أعماله الزراعية ، أما مسقط رأسه فكان مدينة الرستن الواقعة وسط الطريق بين حمص وحماة , ذلك هو الملازم أول أحمد الخلف .

 

نشأ أحمد في مدينته الوادعة (( الرستن )) تلك المدينة التي يخترقها نهر العاصي الذي يضفي الى جمالها جمالاً قل نظيره ، ويزيدها جمالاً أيضاً تلك البحيرة الزرقاء التي تطل على الرائي من وراء السد البازلتي الأسود ، إضافة الى تلك السهول الخصبة الممتدة على ضفتي النهر والملونة باللون الأخضر , والتي تجعل أسراب الطيور عندما تمر بها تتوقف عن الهجرة إلى غيرها من المناطق ، و مما يجعل اللوحة تكتمل وتتسق تلك الزهور المبثوثة هنا وهناك من شقائق النعمان وأخرى من القرنفل والجوري والنسرين .

 

هذه الطبيعة الساحرة جعلت في قلبه حباً كبيراً لمدينته , وكثيراً ما كان يخاف عليها من المحتل الصهيوني الذي احتل الجولان كما قال لهم معلم التاريخ ذات يوم ، وهذا ما جعله يضمر في نفسه شيئاً ، وما إن أنهى دراسته الثانوية حتى انتسب إلى الكلية الحربية ليكون ممن يذودون عن حياض الوطن ، وبعد ثلاث سنوات يتخرج أحمد ليزدان كتفاه بنجمتين طالما حلم بهما عندما كان صغيراً , بعدها حصل على إجازة استطاع من خلالها أن يتزوج أحمد من إحدى فتيات القرية . ثم التحق بمكان عمله الجديد في إحدى قرى مدينة درعا القريبة من مرتفعات الجولان ، وهناك أخذ يعد العدة مع رفاقه لاستعادة تلك الأرض الحبيبة ، ولكنه فوجئ ذات يوم بقائد فرقته يطالبه ورفاقه بالتوجه إلى مدينة درعا لضرب عصابات مسلحة هناك ...

 

 في درعا لم يجدوا مسلحاً واحداً , ولكن وجدوا الكثير من الشباب يتظاهرون ضد تصرفات نظام الأسد القمعي ..
قال أحدهم للقائد : أين العصابات المسلحة !؟ لانرى إلا أناساً مسالمين يهتفون بأصواتهم للحرية , رد عليه : هؤلاء سيشكلون خطراً على الحزب والثورة , هؤلاء عملاء لإسرائيل , لا مناص من القضاء عليهم , ثم ما لبث أن أعطى أوامره بإطلاق النار ...

 

 أخذ أحمد يحدث نفسه عندما انتسب إلى هذا الجيش, كان الهدف تحرير الجولان واستعادة فلسطين ، ولم يكن قتل الابرياء !!
نظر أحمد إلى المتظاهرين فوجد بينهم الصغار والنساء ، فقال في نفسه : هؤلاء ما ذنبهم ؟ إن كان كلام القائد صحيحاً , نظر نظرة أخرى فرأى بينهم من ترتدي لباساً يشبه لباس أمه وأخته , ورجالاً يضعون على رؤوسهم الكوفية والعقال ، وأطفالاً في عمر الزهور , فتذكر والده ووالدته وإخوته وأقاربه وجيرانه ، فقال : والله لا أفعلها ! أيقتل الانسان أهله ؟!. وسرعان ما قام بحركة كر وفر ، اختفى بعدها .

 

انتهت المعركة بين الجيش الأسدي والمواطنين العزَّل بعشرات القتلى وعدد كبير من الجرحى من المواطنين السوريين .
رجع أحمد إلى بلدته الرستن, فالتقى بوالده ووالدته وإخوته وزوجته وأولاده الثلاثة وأعلمهم بما جرى , ثم ودَّعهم لينضم إلى كتائب الجيش السوري الحر في مدينته .

 

 أَوْكل إليه الرائد عبد الرحمن الشيخ قائد الكتيبة مهمة حماية المدخل الشرقي للمدينة فكان ومن معه خير من يقوم بهذا العمل . فقد استطاعوا صد هجوم بري بالدبابات والأسلحة الثقيلة وكبدوا الجيش الأسدي خسائر فادحة بالأرواح والمعدات ، وفي يوم الأربعاء 28/ 9/ 2011 قام جيش الطاغية بهجوم ثان ، وصمد الملازم أول أحمد الخلف ومن معه ، وبقي الصمود لمدة أسبوع الى أن كان الأربعاء الثاني حيث أصيب الملازم أحمد برصاصة غادرة لم يزل ينزف إثرها حتى مات .

 

 بعدها استطاع الجيش السوري دخول الرستن ، وما إن تم الاختراق حتى تذكر الرائد عبد الرحمن الشيخ قائد كتائب الجيش الحر في الرستن ما قاله أحمد عندما كلفه بالمهمة : إذا رأيتم الجيش الأسدي يدخل المدينة من جهة الشرق فاعلموا أنني قد استشهدت .
رحمك الله يا أحمد ، وجعل روحك في أعلى عليين ، وزوجك من الحور العين .