احتساب إبراء الدَّين من الزكاة
16 شوال 1433
عبد الحميد الهنيني

الحمد لله الذي خلق الإنسان من سلالة من طين، ثم جعله نطفة في قرار مكين، ثم خلق النطفة علقة، فخلق العلقة مضغة، فخلق المضغة عظاماً، فكسا العظام لحماً، فتبارك الله أحسن الخالقين.
والصلاة والسلام على خير الخلق والمرسلين محمد بن عبد الله، الذي امتن الله به على الناس، إذ بعث فيهم رسولاً منهم، يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة، وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين، فصلوات ربي وسلامه عليه، وعلى آله الطيبين الطاهرين وأصحابه الأولين من الأنصار والمهاجرين ومُتَّبعيهم من الأئمة المجتهدين ومن جاء بعدهم من المهتدين إلى يوم الدين، وبعد:
فموضوع الإبراء من المواضيع المهمة في الدِّيْن الإسلامي؛ لما فيه من التسامح العظيم، ولما فيه من تفريج كربة المُعسر.
أهداف البحث:
1- معرفة حقيقة الإبراء، حيث إن الفقهاء لم يعتنوا بتعريفه تعريفاً حدِّياً.
2- توضيح حكم احتساب الإبراء من الزكاة.
أسباب اختيار البحث:
1- مسألة الإبراء لم تأخذ حقها من البحث والتمحيص، من قِبل الفقهاء المعاصرين، وقد بحثها الفقهاء القدامى في موسوعاتهم؛ ولكن بشكل مبعثر، فهو بحاجة إلى تجميع وترتيب.
2- اختلاف العلماء القدامى في كثير من أحكام احتساب الإبراء من الدين من الزكاة، يدعو إلى الكتابة فيه، وترجيح ما يقوّيه الدليل، في كل جزئية وقع الخلاف فيها.
3- الحاجة إلى بحث متعمق قدر المستطاع في هذا الأمر؛ لأن البحث يتطرق إلى جانب مهم من العبادات، وهي الزكاة.
ونظراً لأهمية الموضوع، ولعدم وجود بحث مستقل – على حد علمي – يجمع شتاته، ويعالجه بشكل منفرد، يُظْهره باعتباره موضوعاً فقهياً هاماً، يجدر بالمسلم معرفته، فقد ارتأيت أن أكتب فيه؛ خدمة للعلم الشرعي.
منهج البحث:
لتحقيق أهداف البحث على الوجه الأمثل، اتبعت المنهج الوصفي، مستفيداً من المنهجين الاستنباطي والاستقرائي، وسلكت في معالجة الموضوع طريقة موضوعية فقهية، وفق الخطوات التالية:
1- أخذ أقوال كل مذهب من مصادره المعتبرة.
2- ذكر أدلة كل مذهب مبيناً وجه الدلالة.
3- تحليل الأدلة ومناقشتها والاعتراضات الواردة عليها لاستنباط الأحكام منها.
4- ترجيح ما يقويه الدليل بموضوعية وحياد دون تعصب لرأي أو مذهب.
5- تخريج الأحاديث النبوية والآثار والحكم عليها – ما لم تكن في الصحيحين أو أحدهما.
6- الاعتماد على المصادر اللغوية المعتبرة في ترجمة المصطلحات.
7- الترجمة للأعلام غير المعروفين الذين أوردهم في البحث.
8- عرض النتائج التي توصلت إليها في خاتمة البحث.
الدراسات السابقة:
لم أجد حسب علمي واطلاعي من بحث هذا الموضوع بشكل بحثي سوى الأستاذ الدكتور وهبة الزحيلي، على هامش مؤتمر الزكاة في الكويت، تحت عنوان (الإبراء من الدَّيْن)، بيَّن فيه الدكتور الفاضل مسألة الإبراء من الدَّيْن على مستحق الزكاة واحتسابه منها، واعتبار ما أُخرج، على ظن الوجوب زكاة معجلّة.
ذكر الدكتور الفاضل أدلة كل من المجيزين والمانعين، ورجَّح قول جمهور الفقهاء بعدم جواز احتساب إبراء الدَّين من الزكاة.
ولكن الشيخ الجليل لم يناقش أدلة المانعين، كما فعل مع أدلة المجيزين، بل اكتفى بذكرها، وقال: "تبيَّن لنا ضعف الأدلة التي اعتمد عليها أنصار الرأي الأول الذين يرون احتساب الدَّين من الزكاة، وأدركنا قوة أدلة الرأي الثاني الذين يرون أنّ إسقاط الدَّين أو الإبراء منه لا يقع عن الزكاة"، ولم يأت برأي ابن تيمية الذي ذهب إلى تقييده بمقدار نسبة الزكاة.
ما يميز دراستي:
سأقوم بإذن الله تعالى، بمناقشة أدلة كل من الطرفين، بشكل متساوٍ، وأبيِّن رأي ابن تيمية.
وما عدا هذا البحث فهي مجرد إجابات على أسئلة، وسأعرض لأهم هذه الإجابات:
1- إجابة للدكتور يوسف القرضاوي على موقع إسلام أون لاين، رداً على سؤال تحت عنوان "إسقاط دين المعسر واحتسابه من الزكاة"، حيث قال: "يجوز إسقاط الدين عن المعسر واحتسابه من الزكاة؛ لأنَّ الفقير هو المنتفع في النهاية بالزكاة...". وأتى بأدلة المجيزين، ولم يأت بأدلة المانعين.
2- رد الأستاذ الدكتور محمود العكام – مفتي حلب، المنشور في صحيفة الجماهير السورية الصادرة في 15/1/2009م، على السؤال الذي مفاده: "هل يجوز اعتبار الإبراء من الدَّيْن من الزكاة"؟ فأتى ببعض أدلة المجيزين والمانعين، ولم يناقش أي دليل، ثم قال: "على أننا نذهب مذهب الجمهور – المانعين، رعاية لمصلحة الفقراء، وحرصاً على ضرورة القيام الأمثل بفريضة الزكاة".
3- وكان رد الأستاذ الدكتور حسام الدين عفانة على شبكة يسألونك الإسلامية، على سؤال نصه: "هل يجوز لمن وجَبت عليه الزكاة وله ديون على شخص فقير أن يُسقط الدَّيْن عن الفقير ويحتسبه من الزكاة"؟ فأجاب قائلاً: "لا يجوز احتساب الدَّين الذي على الفقير من مال الزكاة على الراجح من أقوال أهل العلم" ولم يأت بأي دليل لأي قول.
ولم يكن الذي ذكرت تقصيراً من هؤلاء العلماء، فالردود على أسئلة للعامة لا يحتاج إلى تفصيل.
المبحث الأول: تعريف الإبراء:
الإبراء لغة(1): أصلُ تركيب البَرْء لخُلوص الشيء من غيره، إما على سبيل التقصي، كبَرَأ المريض من مرضه، والمديون من دَيْنه، أو الإنشاء، كبَرأ الله آدمَ من الطين، وهو بمعنى المسامحة، والإسقاط فيُقال: برئ من الدَّين وأبرأه من الدَّين وبرَّأه تبرئة، سامَحَه، وأسقطه عنه، فهو بَراء منه، وأبْرأْته جعلته بريئاً من حقِّي وبرَّأْته صحَّحْتُ بَراءَته، وأبرأْته مالي عليه، وبرَّأته تبرئة وتبرَّأْتُ من كذا، لا يُثَنَّى ولا يُجْمَع لأنه مصدر، وبرِئ يُثَنَّى ويُجْمع، هي بريئة وهما بريئتان وهن بريئات وبرايا، ورجل بريء وبُراء.
ولمادة برأ وما اشتُقَّ منها في لغة العرب عدة معان(2):
- الخَلْق: برَأَ اللهُ الخَلْقَ يَبْرَؤُهُم بَرْءاً وبُرُوءاً، أي خَلَقَهُم. ومنه قول الله تعالى: {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا}(3)، أي من قبل أن نخلقها(4).
- الإنذار: بَرِء إذا أعذر وأنْذر، ومنه قول الله تعالى: {بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ}(5)، أي إنذار بنصب الحرب، والقتال بين المسلمين ومَنْ نقضوا العهد(6).
- البحث والتقصي: يقال: استبرَأ أرضَ كذا فما وجد ضالَّته، واسبترَأتُ الأمْرَ، طلبْتُ آخِرَه.
- الصحة والسلامة: برئ من العيب سَلِم، والبريء الصحيح الجسم والعقل.
- الفُرقة والمفارقة: بارأ شريكه، فارقه، تبَرَّأْنا تفارقنا، وبارأ الرجل امرأته فارقها.
- الاجتناب والبعد: ومنه قول الله تعالى: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ}(7) أي مجتنب له، ومبتعد عنه(8).
- الاستيضاح: ومنه قول ابن عمر رضي الله عنهما: "إذا وُهِبَت الوليدة التي توطأ، أو بِيْعَت أو عُتقت فليُستبرأ رحمها بحيضة، ولا تُسْتَبْرأ العذراء"(9)، ومعنى استبراء رحمها بحيضة: طلب استيضاح براءتها من الحمل، واستبرأ المرأة إذا لم يطأها حتى تحيض، وكذلك استبرأ الرحم.
- الاستنزاه: فقد روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مرَّ على قبرين، فقال: "إنهما يعذبان وما يُعذبان في كبير أما هذا فكان لا يستنزه من البول وأما هذا فكان يمشي بالنميمة"(10)، فقوله صلى الله عليه وسلم: "لا يستنزه" أي لا يستبرئ، ومعناها لا يتجنبه ويتحرز منه(11).
أما الإبراء اصطلاحاً: فلم يعتن الفقهاء القدامى بتعريف الإبراء تعريفاً حدِّياً، ولم يُفردوا له القول بباب، مثل كثير من المصطلحات الفقهية، بل ذكروا موضوع الإبراء في مسائل مختلفة من كتاباتهم؛ فتارة في باب الصلح، وأخرى في باب العفو، وغيرها في باب الإسقاط...، ولكن وُجد منهم من عرَّف الإبراء، وكل حسب فهمه له، من حيث هل هو إسقاط، أم تمليك، أم إسقاط فيه معنى التمليك، أم تمليك فيه معنى الإسقاط؟ وفيما يلي عرض لجملة من هذه التعريفات، ثم مناقشتها، في محالة للوصول إلى ما يغلب على الظن أنه الراجح، وبالله التوفيق:
الإبراء عند الحنفية: جاء في كتاب "غمز عيون البصائر" بأن الإبراء: "إسقاطُ وهِبَةُ الدَّيْن ممن عليه الدَّيْن"(12).
وعرَّف الكرابيسي الإبراء بأنه: "إسقاط الطلب لا إلى غاية"(13).
وجاء في كتاب "درر الحكام": "هو حَطُّ وتنزيل قِسْم من الحق الذي في ذمة شخص أو كُلِّه"(14).
والإبراء عند الحنفية تمليك من وجه وإسقاط من وجه(15)؛ لأن الإبراء عن الدَّيْن وإن كان إسقاطاً فإن فيه معنى التمليك(16)، وهم يرون أن الإبراء يكون في الديون فقط؛ لأن الإبراء عن العين لغو، فإن الإبراء إسقاط والعين ليست بمحل له، إذ لا تسقط حقيقة ولا يسقط ملك المالك عنها أيضاً، لأن الإبراء مُفْرغ للذمة بعد اشتغالها، فالإبراء عن الأعيان لا يصح، لعدم ثبوتها في الذمة(17).
والإبراء عند المالكية: "نقل للملك"(18)، وهو عندهم إسقاط ما يثبت في الذمة، فلا يجري في الأعيان، بخلاف الدَّيْن، فلا يصح بَرَّأْتُك من داري التي تحت يدك؛ لأن الإبراء إسقاط، والمُعَيَّن لا يسقط(19).
بينما عرَّف الشافعية الإبراء بأنه: "إسقاط ما في الذمة أو تمليكه"(20)، وقال صاحب كتاب "المنثور": توسط ابن السمعاني فقال: إنه تمليك في حق من له الدَّيْن، إسقاط في حق المديون(21)، والإبراء عند الحنبلية: "إسقاط حق وليس بتمليك"(22).
والإبراء عند الشافعية الإمامية لهتعريفان متشابهان:
أ – "إسقاط لما في الذمة"(23).
ب – "إزالة ما يثبت في الذمة"(24).
فالإبراء عندهم إسقاط، لا تمليك(25) ولو أسقَطَ المنفعة المعيَّنة لم تسقط؛ لأن الإبراء لا يتناول إلا ما هو في الذمم(26).
مناقشة التعريفات، وبيان التعريف المختار:
ملاحظات عامة حول التعريفات:
1- يلاحظ مما سبق من التعريفات أن جميع المذاهب اعتبرت الإبراء إسقاطاً، عدا المالكية الذين اعتبروه نقلاً للملك.
2- ويلاحظ بأن تعريف جميع المذاهب للإبراء هو بالرسم، وليس بالحد.
3- ويلاحظ أيضاً، بأن جميع التعريفات عامة، فهي تخلو من قيود لصحة الإبراء، فهل يصح الإبراء من أي شخص؟، وهل يصح من غير صاحب الحق؟، وهل يصح من فاقد أهلية التبرع؟... .
كما أن بعض التعريفات لا تخلو من ملاحظات أخرى غير الذي ذَكَرْت:
فقول الحنفية عن الإبراء إنه هبة الدَّين: غير صحيح، لأن الهبة تكون بنقل وقبض الشيء الموهوب، من الواهب، إلى الموهوب له(27)، والإبراء ليس فيه نقل؛ بل فيه تنازل.
كما أن الإبراء حقيقة فيه معنى التمليك، فالمُبْرَأ من ألف دينار زاد ملكه بقدر الألف؛ لأنه لو دفعها لنقص ملكه بمقدارها، وبالإبراء زاد ملكه بقدرها، فكأنه دفعها ثم كسب بمقدارها.
وتعريف الكرابيسي: "الإبراء إسقاط الطلب لا إلى غاية". غير مُسَلَّم به؛ لأن الإبراء ليس إسقاط الطلب، بل هو إسقاط للحق، فمُسْقِط الطلب ليس مُسْقِطاً للحق حقيقة، وله المطالبة فيما بعد، والمُبرئ ليس له الطلب بعد الإبراء.
أما بالنسبة إلى قيد (لا إلى غاية): فيفيد أن الإبراء غير مقيَّد بزمن، مع أنّ الأصل تقييده بزمن، منعاً للنزاع، إذا ترك مطالبته مدة ثم عاد وطالبه، ويؤيد هذا قول الله عز وجل: {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ}(28)، فأمهل الله تعالى المدين حتى يساره، وكذا إسقاط الطلب الأصل أن يكون إلى غاية.
وأما تعريفا لمالكية بأن الإبراء نقل للملك، فيناقش بأن الإبراء ليس نقلاً للملك؛ بل تنازل وإن كان فيه معنى التمليك، فلا يَنْقُل إليه مِلْكاً؛ بل يُمَلِّكُه ما في ذمته، فكلمة نقل غير مناسبة في التعريف.
وتعريف ابن السمعاني الذي ورد في كتاب "المنثور" بأنه: تمليك في حق من له الدَّيْن، إسقاط في حق المديون.
هو شرح للإبراء، وليس تعريفاً له.
أما تعريف الحنبلية بأن الإبراء: إسقاط حق وليس بتمليك.
وتعريف الشيعة الإمامية له بأنه: إسقاط لا تمليك. فلا يسلم القول بأن الإبراء ليس فيه معنى التمليك أيضاً، كما ورد في مناقشة تعريف الحنفية.
التعريف المختار:
أرى أن يُعَرَّف الإبراء بأنه: "تنازل صاحب الحق عنه إلا لمانع".
شرح التعريف:
تنازل: جنس في التعريف بمعنى التَّرك(29)، فيشمل تَرْك حقه في ما ثبت في الذمة، وتَرْك الدعوى فيما لا يثبت في الذمة، صاحب الحق: قيد في التعريف، يخرج به تصرف الإنسان في غير حقه، مثل إبراء الفضولي، وإبراء الموكَّل من مال وكيله دون إذن بالإبراء، وما شاكلهم، فالمبرئ وحده مَنْ يستطيع التصرف في حقه، إلا لمانع: قيد آخر في التعريف، يخرج به الإبراء من ناقصي أهلية الأداء، فهو ضرر محض في حقهم، فلا يُقبل منهم.
المبحث الثاني: حكم احتساب الإبراء من الدَّيْن من الزكاة
بحث الفقهاء موضوع احتساب الإبراء من الدَّيْن من الزكاة في موسوعاتهم الفقهية قديماً، والحاجة إلى معرفة حكمه في عصرنا ملحّة، لضعف الوازع الديني وتلكُّؤ الأغنياء، عن دفع الزكاة، فهل يجزئ احتساب الإبراء من الدَّيْن من الزكاة؟ للفقهاء في المسألة أربعة آراء، أعرضها في التفصيل الآتي:
الرأي الأول: احتساب الإبراء من الدين من الزكاة لا يجوز، وهو رأي السواد الأعظم من الفقهاء، وهم الأئمة الأربعة، والإباضية، والزيدية.
من أقوال المذاهب في ذلك:
قول الحنفية: "ولما سمى الله الإبراء من الدين صدقة، اقتضى ظاهره جوازه عن الزكاة؛ لأنه سمى الزكاة صدقة، وهي على ذي عسرة، فلو خلينا والظاهر كان واجباً جوازه عن سائر أمواله التي فيها الزكاة، من عين ودَيْن وغيره، إلا أن أصحابنا قالوا إنما أسقط زكاة المبرأ منه دون غيره؛ لأن الدَّيْن إنما هو حق ليس بعين، والحقوق لا تجري مجرى الزكاة، مثل سكنى الدار وخدمة العبد ونحوها، وتسميته إياه بالصدقة لا توجب جوازه عن الزكاة في سائر الأحوال، ألا ترى أن الله تعالى قد سمى البراءة من القصاص صدقة...، فإذا كان وقوع اسم الصدقة عليه لم يوجب جوازه عن الزكاة، لم يكن إطلاق اسم الصدقة على الدَّيْن علة لجوازه عن الزكاة"(30)، وقول المالكية: الواجب على المزي، أن يستحضر نية الزكاة عند عزلها، أو دفعها لمستحقها، ويُكره إعلام الفقير بأنها زكاة، لما فيه من كسر قلب الفقير(31) والمبرئ لم يكن عَقَدَ النية عندما أدان الفقير، وقول الشافعية: "تمليك المسكين الدَّيْن الذي عليه عن الزكاة لا يصح، لأن الزكاة شرطها الإقباض"(32)، وقول الحنبلية: "وامتنع إجزاؤه – الإبراء – عن الزكاة، لانتفاء حقيقة المِلْك، ولأن ذلك ليس إيتاء لها(33).
وقول الزيدية: ولا يجوز، ولا يجزئ، الإبراء للفقير عن دَيْن عليه لربِّ المال، بنية جعْل ذلك الدَّيْن زكاة المبرِّئ، لا بل يقبضه ربُّ المال من الفقير ثم يصرفه فيه، أو يُوَكِّله بقبضه من نفسه ثم يصرفه في نفسه، أو يُوَكِّل الفقير رب المال يقبض له زكاةً من نفسِه ثم يقبضه عن دَيْنه، ولا بد من قبضين مع الإضافة لفظاً، الأول للزكاة، والثاني للقضاء(34).
وقول الإباضية: إن قال الذي لزمته الزكاة، وكان بصدد دفعها، للمدين قضيت ما لي عليك من دين فاقبله زكاة ولا تعطه لي، لم يجز؛ لأنه أشبه ببيع دَيْنٍ بِدَيْن(35).
استدل أصحاب هذا القول بما يلي:
1- إن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصدقة كانت على خلاف هذا الفعل؛ لأنه إنما كان يأخذها من أعيان المال، عن ظهر أيدي الأغنياء، ثم يردها في الفقراء، وكذلك كان الخلفاء بعده، ولم يأت عن أحد منهم أنه أذِن لأحد في احتساب دَيْن من زكاة، والناس قد كانوا يداينون في دهرهم(36).
2- أداء الزكاة عن الدَّيْن لا يجب إلا بعد القبض، وحين أبرأه المديون منه، فقد انعدم القبض فلا يلزمه أداء الزكاة عنه(37).
3- الدَّيْن حق، والحقوق لا تجري مجرى الزكاة(38)، فالزكاة لا تكون إلا من مِلْك والدَّين ينتفي فيه حقيقة المِلْك، فهذا مال غير موجود، قد خرج من يد صاحبه، على معنى الدَّيْن، ثم هو يريد تحويله إلى غيره بالنية، فهذا ليس بجائز في معاملات الناس بينهم، حتى يقبض ذلك الدين، ثم يستأنف الوجه الآخر، فكيف يجوز فيما بين العباد وبين الله(39)؟!
4- لا بد من قبضين في الزكاة، فلا بد أن يَقْبِض الدَّين، ثم يُقْبِضُه(40)؛ لأن من شروط الزكاة الإيتاء، فالزكاة في ذمة المزكِّي فلا يبرأ إلا بإقباضها، فالزكاة تمليك المعطى له ليحصل له الإيتاء المأمور به، وهذه الصورة ليست إيتاء لها(41).
5- استحضار نية الزكاة عند عزلها أو دفعها لمستحقها شرط، والمبرئ لم يكن عقد النية عندما أدان الفقير(42).
6- القياس على بيع الدَّين بالدَّين(43)، فكما أن بيع الدَّين بالدَّين باطل؛ لأن كلاً من الطرفين شغل ذمته بما للآخر من غير منفعة لأحدهما، والمقصود بالبيع النفع؛ كأن يقول أحدهما للآخر: أُعطيك مائة درهم إلى سنة في كيلو غرام حنطة، ولم يستلم أحدهما من الآخر، فكذا لا يجوز الإبراء من الدَّيْن واحتسابه من الزكاة.
7- لا يؤمَن من أن يكون الدائن إنما أراد أن يقي ماله بهذا الدَّيْن، بعد أن يئس من تحصيله، فيجعله ردءاً لما له يقيه به، إذا كان منه يائساً، والزكاة حق لله وليس يقبل الله عز وجل إلا ما كان له خالصاً(44).
الرأي الثاني:
يجوز احتساب الإبراء من الدَّيْن من الزكاة، وإلى هذا الرأي ذهب الظاهرة(45)، وبعض فقهاء التابعين كالحسن البصري(46)، وعطاء(47)، والشيعة الإمامية(48).
قال ابن حزم: "ومن كان له دَيْن على بعض أهل الصدقات، وكان ذلك الدَّين شعيراً أو ذهباً أو فضة أو ماشية، فتصدق عليه بدينه قِبَله، ونوى بذلك أنه من زكاته، أجزأه ذلك، وكذلك لو تصدق بذلك الدَّيْن على من يستحقه، وأحاله به على من هو له عنده، ونوى بذلك الزكاة، فإنه يجزئه"(49)، وقيل لعطاء بن أبي رباح: لي على رجل دَيْن، وهو معسر، أفأدعه له وأحتسب به من زكاة مالي؟ فقال نعم(50)، وفي كتاب "فقه الرضا" للإمامية: "وإن كان لك على رَجُل مال، ولم يتهيأ لك قضاؤه، فاحسبها من الزكاة إن شئت"(51).
واستدل أصحاب هذا القول بما يلي:
من السنة: أصيب رجُل في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثمار ابتاعها فكثر دَيْنه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تصدَّقوا عليه"، فتصدق الناس عليه فلم يبلغ ذلك وفاء دَيْنه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لغرمائه: "خُذوا ما وجدتم وليس لكم إلا ذلك"(52)، والصدقة هي الزكاة.
1 – القياس: قال صاحب المجموع: "يجزئه، وهو مذهب الحسن البصري وعطاء؛ لأنه لو دفعه إليه ثم أخذه منه جاز، فكذا إذا لم يقبضه، كما لو كانت له عنده دراهم وديعة ودفعها عن الزكاة فإنه يجزئه، سواء قبضها أم لا، أما إذا دفع الزكاة إليه بشرط أن يردها إليه عن دينه، فلا يصح الدفع، ولا تسقط الزكاة بالاتفاق، ولا يصح قضاء الدين بذلك بالاتفاق"(53).
2 – إن الدائن مأمور بالصدقة الواجبة، وبأن يتصدق على أهل الصدقات من زكاته الواجبة بما عليه منها فإذا كان إبراؤه من الدَّين يسمى صدقة، فقد أجزأه(54).
الرأي الثالث: جواز احتساب الإبراء من الدَّيْن من الزكاة، ولكن بقدر نسبة الزكاة وحسب، وهو رأي ابن تيمية، حيث قال: "إذا كان له دَيْن على من يستحق الزكاة، فهل يجوز أن يسقط عنه قدر زكاة ذلك الدَّيْن، ويكون ذلك زكاة ذلك الدَّيْن؟ فهذا فيه قولان للعلماء في مذهب أحمد وغيره، أظهرهما الجواز؛ لأن الزكاة مبناها على المواساة، وهنا قد أخرج من جنس ما يملك، بخلاف ما إذا كان ماله عيناً وأخرج ديناً، فإن الذي أخرجه دون الذي يملكه، فكان بمنزلة إخراج الخبيث عن الطيب وهذا لا يجوز، كما قال تعالى: {وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ}، ولهذا كان على المزكِّي أن يخرج من جنس ماله لا يخرج أدنى منه، فإذا كان له ثمر وحنطة جيدة لم يخرج عنها ما هو دونها"(55)، ومثال ذلك: لو كان لشخص على آخر ألف دينار، وكانت زكاة أموال الدائن ألف دينار أو أكثر، فلا يحق له احتساب دينه من الزكاة وإبراء المدين، وغاية ما يحق للدائن إبراء المدين مما عليه بمقدار زكاة الدَّيْن التي على المدين، وهي خمسة وعشرون ديناراً. واستدل ابن تيمية لقوله بالمعقول: إن الزكاة مبناها على المواساة، وهنا قد أخرج من جنس ما يملك"(56).
الرأي الرابع:
كراهة احتساب الإبراء من الدَّيْن من الزكاة، وهو رأي سفيان الثوري، وعبد الرحمن بن مهدي(57)، ولم أقف على أدلة لهم على هذا القول.
المبحث الثالث: المناقشة والترجيح
مناقشة أدلة القول الأول بعدم الجواز:
الدليل الأول: إن قولهم أن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعمل الصحابة في الصدقة كانت على خلاف هذا الفعل، هو استدلال قوي، فقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم استعمل رجلاً من الأزد لجمع الصدقة، فلما قَدِمَ بعد جمع الصدقات قال: هذا لكم، وهذا أهدي لي، قال صلى الله عليه وسلم: "فهلا جلس في بيت أبيه أو بيت أمه فينظر يُهدى له أم لا؟ والذي نفسي بيده لا يأخذ أحد منه شيئاً إلا جاء به يوم القيامة يحمله على رقبته، إن كان بعيراً له رِغاء، أو بقرى لها خُوار، أو شاة تيعر، ثم رفع بيده وقال: اللهم هل بلَّغت، اللهم هل بلَّغت، ثلاثاً"(58)، فكانت السُّنّة قبض الزكاة من الأغنياء، ثم توزيعها على المستحقين، بعد ذلك، لكن يُرَدّ على هذا الدليل من وجوه:
1- النبي صلى الله عليه وسلم لم يمنع الإبراء من الدَّيْن واحتسابه من الزكاة، وقال صلى الله عليه وسلم: "ما أحَلَّ الله في كتابه فهو حلال وما حرَّم فهو حرام وما سكت عنه فهو عافية فاقبلوا من الله عافيته فإن الله لم يكن نَسِيّاً"(59).
2- كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أراد أمراً، يأمر به ويشيعه، وإلا تركه، ومن هذا مسألة إيجاب الوضوء من عدمه عند لمس المرأة، حيث قال ابن تيمية في ذلك: "فإن الرجل لا يزال يناول امرأته شيئاً وتأخذه بيدها، وأمثال ذلك مما يكثر ابتلاء الناس به، فلو كان الوضوء من ذلك واجباً لكان النبي يأمر بذلك مرة بعد مرة ويشيع ذلك، ولو فعل لَنُقِل ذلك عنه، ولو بأخبار الآحاد، فلما لم يَنقل عنه أحد من المسلمين أنه أمر أحداً من المسلمين بشيء من ذلك مع عموم البلوى به، عُلِم أن ذلك غير واجب"(60).
3- خالف الفقهاء عمل النبي صلى الله عليه وسلم في بعض الأمور، وسأورد المثال السابق بإيجاب الوضوء من عدمه حال لمس المرأة: فذهب الحنفية، والحنبلية في رواية، إلى أن اللمس المقصود بقول الله عز وجل: {أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ}(61)، هو الجنابة(52)، بينما ذهب الشافعية(63)، والحنبلية في رواية ثانية(64)، إلى أن اللمس المقصود في الآية هو حقيقة اللمس، وهو ملاقاة البشرة للبشرة.
وذهب المالك(65)، والحنبلية في رواية ثالثة(66)، إلى اعتبار الشهوة باللمس هي التي تنقض الوضوء.
وَوُجِد هذا الخلاف مع وجود فعل النبي صلى الله عليه وسلم، حيث قالت عائشة رضي الله عنها: "كنت أنام بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ورِجْلاي في قِبْلَتِه فإذا سجد غمزني فقبضت رِجْليَّ فإذا قام بسطتهما، قالت: والبيوت يومئذ ليس فيها مصابيح"(67)، فقد مس صلى الله عليه وسلم عائشة وهو يصلي، ولو كان لمس المرأة ناقضاً للوضوء لبطل الوضوء والصلاة.
4- مخالفة فعل النبي صلى الله عليه وسلم الذي لم يرد فيه نهي مقصود، هو خلاف الأولى كما يقال علماء الأصول(68)، وليس مُحَرَّماً.
5- لم تحصل حادثة مشابهة في عصر النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يُسأل عن ذلك، ولو حصل لنُقِل إلينا ولو بخبر آحاد.
الدليل الثاني: قولهم بأن أداء الزكاة عن الدَّيْن، لا تجب إلا بعد القبض، وحين أبرأه المديون منه فقد انعدم القبض فلا يلزمه أداء الزكاة عنه، هذا دليل قوي: فقد اتفق الفقهاء على أنّ أداء الزكاة عن الدَّين غير مرجو الأداء، وهو ما كان على معسر مستحق للزكاة، لا تكون إلا بعد قبضه، لعدم تمام الملك، ولأنه غير مقدور على الانتفاع به، فإذا قبضه يزكيه(69)، وقد اختلفت آراء الفقهاء في زكاته بعد قبضه على ثلاثة أقوال: القول الأول: لا زكاة في الدَّيْن حتى يصل صاحبه، ويحول عليه الحول، فيزكيه كأنه مال جديد، وهو قول الحنفية(70)، والحنبلية في رواية(71)، والظاهرية(72)، والشيعة الإمامية(73).
القول الثاني: يزكّيه إذا قبضه لما مضى من السنين، وهو قول الشافعية(74)، والحنبلية في الرواية الأخرى(75)، لما روي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه في الدَّين المظنون: "إنْ كان صادقاً فليزكّه إذا قبضه لما مضى"(76).
القول الثالث: إنْ كان مما فيه الزكاة يزكّيه إذا قبضه لعام واحد، وإنْ أقام عند المدين أعواماً، وهو قول المالكية(77).
ومن الأقوال السابقة فإن الدَّين لا يُزَكّى إلا بعد قَبْضه اتفاقاً.
الدليل الثالث: قولهم بأن الدَّين حق، والحقوق لا تجري مجرى الزكاة، فالزكاة لا تكون إلا من ملك، والدَّين تنتفي فيه حقيقة الملك:
يُناقش بأن الدَّين حق مالي، فهو مال المزكِّي حقيقة، ولكنه في يد غيره، فلا مانع من جريان الزكاة فيه، وقد قال المانعون أنفسهم بأن: "الكفارة حق مال يجب لله تعالى، فجرى مجرى الزكاة"(78)، فالحقوق المالية تجري مجرى الزكاة، ولو كان الدَّين ينفي حقيقة الملك، لما استطاع الدائن المطالبة به،ولما أباح الإسلام المداينة، فلا يدعو الإسلام إلى ما فيه إتلاف للملك، ولكن يبقى تصرفه فيه ناقصاً حتى يستوفيه، فإن استوفاه أدّى زكاته، كما مرّ في الدليل السابق.
الدليل الرابع: لا بد من قبضين في الزكاة، بحيث يقبِض الدَّين، ثم يُقبِضه؛ لأن من شروط الزكاة الإيتاء، وهذه الصورة ليست إيتاء لها. قول: لا بد من قبضين في الزكاة، مردود، قال صاحب هذا الدليل: "إن وكّله بقبضه من نفسه، ثم يصرفه من نفسه، يجوز"(79)، فهذا تلاعب بالألفاظ ينأى عنه الشرع الحكيم، وقولهم: من شروط الزكاة الإيتاء، صحيح، فهذا أصل لا جدال فيه، وذلك لعدة أمور:
1- جاءت لفظة (وآتوا الزكاة) في القرآن الكريم اثنتي عشرة مرة(80)، والفعل (آتوا) أمر يقتضي الوجوب، فمحل الوجوب في الزكاة نفس الإيتاء(81).
2- الإيتاء أقوى من الإعطاء في إثبات مفعوله، فالإيتاء قد يكون واجباً، وقد يكون تفضلاً، بخلاف الإعطاء فإنه لا يكون إلا بمحض التفضُّل، ولذا خُصَّ لفظ الإيتاء في دفع الصدقات(82)، فالإيتاء فيه إعطاء وزيادة.
3- الإيتاء لا يكون إلا بعد الأخذ، فقد قال الله تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}(83)، أي خُذ من أموالهم مقدار زكاة تلك الأموال(84).
4- ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه عندما بعث معاذاً رضي الله عنه إلى اليمن قال له: "ادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، فإن هم أطاعوا لذلك فأعلمهم أن الله قد افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة، فإن هم أطاعوا لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة في أموالهم تؤخذ من أغنيائهم وترد على فقرائهم"(85)، فقد بيّن النبي صلى الله عليه وسلم أن الزكاة شيء يؤخذ فيُرَد، فالرد هو الإيتاء، ولكن يمكن الرد على ذلك بأن هذا يتخرج على أنه آتاه ما في ذمته، فهو إقباض حكماً، فكأنه أخذه منه، وردّه إليه، لأن الدَّين كما عرّفه صاحب البدائع بأنه: "مال حكمي في الذمة"(86).
الدليل الخامس: قولهم بأن استحضار نية الزكاة عند عزلها أو دفعها لمستحقها شرط، والمبرئ لم يكن عقد النية عندما أدان الفقير، هذا القول لا دلالة فيه؛ فالحنبلية الذين أوردوا هذا الدليل يقولون باستحضار نية الزكاة؛ لأن الصرف إلى الفقير له جهات، فلا بد من نية التمييز(87)، وقال الشافعية: إن وقت نية الزكاة حال الدفع، ولا يجوز تقديمها عليه(88)، وقال المالكية: وجبت نية الزكاة عند عزلها، أو دفعها لمستحقه(89)، قد ظهرت نية التمييز هنا للمعسر المدين، كما أن الدائن عندما أدان الفقير لم يكن وقت أداء زكاة أمواله قد حان.
الدليل السادس: استدلالهم بالقياس على بيع الدَّين بالدَّين: هذا قياس مردود، بأربعة وجود:
1- بيع الدَّين بالدَّين ليس هناك ما يمنعه، حيث قال ابن القيِّم: "بيع الدَّين بالدَّين ليس فيه نص عام ولا إجماع، وإنما ورد النهي عن بيع الكالئ بالكالئ، والكالئ هو المؤخَّر الذي لم يُقبَض، كما لو أسلَم شيئاً في شيء في الذمة وكلاهما مؤخَّر فهذا لا يجوز بالاتفاق، وهو بيع كالئ بكالئ"(90).
2- حديث ابن عمر: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الكالئ بالكالئ"(91)، هو حديث ضعيف لا يحتج به.
3- بيع الدَّين بالدَّين، يكون بين شخصين، أما إبراء المعسر واحتسابه من الزكاة، فليس بيع ديْن بدَيْن، ولا يقال هو بيع لدَين الله تعالى بدَين العبد، فلا يتشبه المخلوق بالخالق.
4- بالرغم من تحريمهم بيع الدَّين بالدَّين، إلا أنهم لم يأخذوه على إطلاقه، فقد اعتبروه حوالة الدَّين – نقل دَين من ذمة إلى ذمة – من المسائل المستثناة من بيع الدَّين بالدَّين، فالبائع المُحيل، والمشتري المُحتال، والمبيع دَين المُحيل، والثمن دَين المُحتال، بشرط أن يكون الدَّين حالاًّ، فجوَّزوها للحاجة، ولأنها معروف، واعتبروها عقد إرفاق(92)، فلماذا لا يجيزون إبراء المعسر من الدَّين واحتسابه من الزكاة، وهو من باب المعروف، والإرفاق، وسد الحاجة أيضاً؟!
الدليل السابع: قولهم بأن الدائن أراد وقاية ماله عند اليأس من تحصيله، والزكاة حق لله، ولا يقبل الله تعالى إلا الخالص، في المسألة نقطتان: الأولى: بأن الدائن أراد وقاية ماله: فقد تقرر عند مناقشة الدليل الثاني بأنه لا زكاة على الدَّين حتى يُقبَض، وإنْ تعمَّد الدائن هذا لكي لا يُخرج من ماله، زكاة ما في يده من أموال، فقد تحايل على الشرع، للتهرُّب من دفع الزكاة، ويكون قد دخل تحت قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما من صاحب كنز لا يؤدي زكاته إلا أُحمي عليه في نار جهنم فيُجعل صفائح فيُكوى بها جنباه وجبينه حتى يحكم الله بين عباده في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة ثم يُرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار"(93). الثانية: أن الزكاة حق لله: فلا يسلم هذا القول، لأن الزكاة حق أوجبه الله تعالى لمستحقيها، فالله تعالى يقول: {وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ * لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ} (94)، والحق المعلوم هو الزكاة التي بيّن الشرع قدرها وجنسها ووقتها، لأن غيرها من الصدقات ليس بمعلوم(95).
مناقشة أدلة القول الثاني القائلين بالجواز:
الدليل الأول: قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تصدقوا عليه"، فتصدق الناس عليه فلم يبلغ ذلك وفاء دَينه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لغرمائه: "خذوا ما وجدتم وليس لكم إلا ذلك". هذا دليل لا دلالة فيه على جواز احتساب إبراء الدَّين من الزكاة، وذلك: أولاً: يُمنع أن يكون المراد بكلمة (تصدَّقوا)، الزكاة، لأن لفظ الصدقة أعم من الزكاة، فتشمل الزكاة، وصدقة الفطر، وصدقة التطوع، ولو سُلِّم جدلاً أن المراد بها الزكاة، فلا يفيد الحديث الإبراء من الدَّين؛ بل ظاهره يفيد أن يتصدَّقوا عليه، بأن يملِّكوه من زكاة مالهم، بدليل ما جاء في الحديث (فتصدَّق الناس عليه فلم يبلغ ذلك وفاء دينه). ثانياً: لا علاقة له بإسقاط دين الزكاة، إذ الزكاة لا تقع إلا بالنية(96)، وأخذ الدائن غير كامل حقه لا دليل على أنه نوى الزكاة في الباقي.
الدليل الثاني: القياس على دراهم الوديعة هو قياس مع الفارق المؤثِّر، لأن قبض الوديعة غير مضمون(97)، وقبض الدَّين مضمون اتفاقاً(98).
الدليل الثالث: بأن الدائن مأمور بالصدقة الواجبة، وبأن يتصدق على أهل الصدقات من زكاته الواجبة بما عليه منها، فإذا كان إبراؤه من الدَّين يسمى صدقة، فقد أجزأه. هذا الدليل للظاهرية، ويقول ابن حزم في كتابه "المحلى": "ومَن كان له على غيره دَين فسواء كان حالاً أو مؤجلاً، عند مليء مقر يمكنه قبضه أو منكر، أو عند عديم مقر أو منكر، كل ذلك سواء، ولا زكاة فيه على صاحبه، ولو أقام عنه سنين حتى يقبضه، فإذا قبضه استأنف به حولاً كسائر الفوائد، ولا فرق، فإن قبض منه مالاً تجب فيه الزكاة فلا زكاة فيه لا حينئذ ولا بعد ذلك، الماشية والذهب والفضة في ذلك سواء"(99). ففي كلامه تناقض واضح، فكيف يجيز الزكاة في الدَّين في موضع، ويمنعها بشدة في موضع آخر من كتابه؟
مناقشة دليل ابن تيمية:
جواز احتساب الإبراء من الدَّين من الزكاة، ولكن بقدر نسبة الزكاة وحسب؛ لأن الزكاة مبناها على المواساة وهنا قد أخرج من جنس ما يملك:
هذا قول وجيه، فالدائن مأمور بأداء الزكاة، والمدين المُعسر ممن يستحق الزكاة، فتكون في يده، والزكاة مبناها على المواساة، فقد واساه بفعله هذا، وأخرج من جنس ما يملك، من مال الزكاة، ففي كلامه أربعة أمور تستحق التوقف عندها:
الأمر الأول: قوله: بقدر زكاة ذلك الدَّين، تتحقق فيه فائدتان:
1- كأن الدائن في هذه الحالة استرد جزءاً من ماله، فحصلت له فائدة من ذلك.
2- تتحقق استفادة آخرين من مستحقي الزكاة، فزكاة بقية أمواله التي وجبت عليها الزكاة تذهب إلى مستحقين للزكاة غير المدين.
الأمر الثاني: قوله: الزكاة مبناها على المواساة:
فالمواساة في اللغة بمعنى المشاركة، فيُقال: واساه من ماله، أناله منه، وشاركه فيه، أو جعله أسوته فيه(100)، وأما المواساة شرعاً: "الإحسان إلى الغير"(101)، والمواساة والإحسان من التقوى(102).
فالزكاة وجبت للمواساة، والمواساة لا تكون إلا في مال له بال، وهو النصاب، فالمواساة المالية مأمور بها شرعاً، ولهذا يُعتبر الغنى في الزكاة ليتمكن الغني من المواساة؛ لأن ما دون النصاب لا يحتمل المواساة؛ لأنه مال قليل، ولأن من لا يملك نصاباً فقير، والفقير مُحتاج إلى المواساة، والزكاة مما شُرع تنبيها على مكارم الأخلاق(103)، ولابن القيم في هذا كلام يُكتب بماء الذهب، حيث قال: "من كمال الشريعة، ومراعاتها للمصالح، فإن الشارع أوجب الزكاة مواساة للفقراء، وطهرة للمال، وعبودية للرب، وتقرباً إليه، بإخراج محبوب العبد له، وإيثار مرضاته، ثم فرضها على أكمل الوجوه، وأنفعها للمساكين، وأرفقها بأرباب الأموال، ولم يفرضها في كل مال، بل فرضها في الأموال التي تحتمل المواساة، ويكثر فيها الربح، والدر والنسل، ولم يفرضها فيما يحتاج العبد إليه من ماله، ولا غنى له عنه، كعبيده، وإمائه، ومركوبه، وداره، وثيابه، وسلاحه، بل فرضها في أربعة أجناس من المال، المواشي، والزروع والثمار، والذهب والفضة، وعروض التجارة، فإن هذه أكثر أموال الناس الدائرة بينهم وعامة تصرفهم فيها، وهي التي تحتمل المواساة"(104) وقال في موضع آخر: "ولما لم يكن كل مال يحتمل المواساة، قدَّر الشارع لما يحتمل المواساة نُصُباً مقدَّرة، لا تجب الزكاة في أقل منها، ثم لما كانت تلك النصب تنقسم إلى ما لا يجحف المواساة ببعضه، فجعل الواجب من غيره، كما دون الخمس والعشرين من الإبل، ثم لما كانت المواساة لا تحتمل كل يوم، ولا كل شهر، إذ فيه إجحاف بأرباب الأموال، جعلها كل عام مرة، كما جعل الصيام كذلك، ولما كانت الصلاة لا يشق فعلها كل يوم وظفها كل يوم وليلة، ولما كان الحج يشق تكرر وجوبه كل عام، جعله وظيفة العمر"(105). فلما كانت الزكاة مبناها على المواساة، وهي المشاركة، والإنالة من المال، والإحسان إلى الغير، فاحتساب إبراء الدَّين بقدر الدَّين من الزكاة تمام المواساة. الأمر الثالث: قوله: من جنس ما يملك: لأن الأصل أن يُخرج المرء الزكاة من نفس المال الذي وجبت فيه الزكاة عند جمهور الفقهاء(106)، واستدلوا بحديث النبي صلى الله عليه وسلم: "... وفي الغنم في كل أربعين شاةً شاةٌ إلى عشرين ومائة، فإن زادت واحدة فشاتان إلى مائتين، فإن زادت واحدة على المائتين ففيها ثلاث شياه إلى ثلاثمائة، فإن كانت الغنم أكثر من ذلك ففي كل مائة شاةٍ شاةٌ..."(107). ولكن الفقهاء اختلفوا في حكم إخراج القيمة عن الزكاة المنصوص عليها على ثلاثة أقوال: القول الأول: لا يجوز إخراج القيمة عن الزكاة المنصوص عليها بحال، وهو قول جمهور الفقهاء(108).
القول الثاني: لا يجوز إخراج القيمة في الزكاة إلا إذا كانت هناك ضرورة، أو مصلحة راجحة، وهو قول للشافعية(109)، وابن تيمية من الحنبلية(110).
القول الثالث: يجوز إخراج القيمة في الزكاة المنصوص عليها مطلقاً، وهو رأي الحنفية(111). واستدل أصحاب الأقوال الثالثة بحديث واحد، وهو قول النبي صلى الله عليه وسلم: "مَن بلغتْ عنده من الإبل صدقة الجذَعة، وليست عنده جذعة وعنده حقة، فإنها تُقبل منه الحِقة ويجعل معها شاتين إن استيسرتا له أو عشرين درهماً، ومَن بلغت عنده صدقة الحقة وليست عنده الحقة وعنده الجذعة، فإنها تُقبل منه الجذعة، ويعطيه المُصَدِّق عشرين درهماً أو شاتين، ومَن بلغت عنده صدقة الحقة وليست عنده إلا بنت لبون فإنها تُقبَل منه بنت لبون، ويُعطى شاتين أو عشرين درهماً، ومن بلغت صدقته بنت لبون وعنده حقة فإنها تُقبل منه الحقة ويعطيه المصدِّق عشرين درهماً أو شاتين، ومَن بلغت صدقته بنت لبون وليست عنده، وعنده بنت مخاض، فإنها تُقبل منه بنت مخاض ويُعطي معها عشرين درهماً أو شاتين"(112). فأصحاب القول الأول بعدم الجواز قالوا: إن الحق لله تعالى، وعلقه على ما نص عليه، فلا يجوز نقل ذلك إلى غيره(113).
وأصحاب القول الثاني الذين اشترطوا في إخراج القيمة في الزكاة أن تكون هناك ضرورة، أو مصلحة راجحة، قالوا: لأن إخراج القيمة لغير حاجة ولا مصلحة راجحة ممنوع منه، ولهذا قدَّر النبي صلى الله عليه وسلم الجبران بشاتين، أو عشرين درهماً، ولم يعدل إلى القيمة، ولأنه متى جوَّز إخراج القيمة مطلقاً فقد يعدل المالك إلى أنواع رديئة، وقد يقع في التقويم ضرر، ولأن الزكاة مبناها على المواساة، وهذا معتبر في قدر المال وجنسه، وأما إخراج القيمة للحاجة، أو المصلحة، أو العدل، فلا بأس به"(114).
وأما أصحاب القول الثالث بجواز إخراج القيمة في الزكاة المنصوص عليها مطلقاً، قالوا: "قوله صلى الله عليه وسلم: ومن وجب عليه جذعة، ولم توجد عنده، وعنده حقة، دفعها وشاتين، أو عشرين درهماً، وهذا نص على جواز القيمة فيها، إذ ليس في القيمة إلا إقامة شيء مقام شيء"(115). ويترجح لي القول الثاني الذي اشترط في إخراج القيمة في الزكاة المنصوصة أن تكون هناك ضرورة، أو مصلحة راجحة، ويؤيد هذا ما ورد في الأثر عن سعد بن معاذ رضي الله عنه أنه قال لأهل اليمن: "ائتوني بِعَرِض ثياب خميص – الصغير من الثياب – أو لَبِيس – الملبوس – في الصدقة مكان الشعير والذرة، أهون عليكم، وخير لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة"(116).
فالمصلحة الراجحة تتمثل في قوله: "أهون عليكم"، فجَلَب التيسير للأغنياء، وقال أهون عليكم، ولم يقل أهون لكم؛ لأنه أراد معنى تسلُّط السهولة عليهم(117).
وفي قوله: "خير لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة"؛ أي أرفق بهم لأن مؤنة النقل ثقيلة، فرأى الأخف في ذلك خيراً من الأثقل، ولكون حاجتهم إليها أشد(118)، هذه مصلحة راجحة للفقير، من غير ضرر للغني المُزكِّي وأما عروض التجارة فجمهور الفقهاء على وجوب إخراج قيمتها رعاية لمصلحة الفقير(119)، إلا أن الحنفية احتاطوا في هذه المسألة، فأوجبوا النقل إلى اعتبار القيمة بحيث يكون يوم الأداء خوفاً من التحايل(120).
الأمر الرابع: قوله: "بخلاف ما إذا كان ماله عيناً وأخرج دَيناً، فإن الذي أخرجه دون الذي يملكه، فكان بمنزلة إخراج الخبيث عن الطيب"، هو قول ثاقب، فالإنسان إذا أبرأ من الدَّين واحتسبه زكاة عن العين التي في يده، فكأنه أخرج الرديء عن الطيب؛ لأن قيمة الدَّين ليست كقيمة العين هنا، فالعين ملكه قائمة في يده، والدَّين في ذمة المدين، قد يأتي هذا الدَّين، وقد لا يأتي، فصار الدَّين دون العين، فلا يجوز إخراجه بدلاً عنها لنقصه، ومع أنه يجيز إخراج القيمة عن الأعيان إذا كانت هناك ضرورة أو مصلحة راجحة، إلا أنه لا يجيزها في الإبراء من الدَّين واحتسابه من الزكاة، لعدم وجود المصلحة والضرورة للدائن هنا، واعتبره بمثابة إخراج الخبيث عن الطيب، والله أعلم. بالإضافة إلى أن في احتساب إبراء الدَّين من الزكاة بقدر الدَّين إذا خلا من المحاذير فيه مصلحة للدائن، فقد صان ماله، وأراح نفسه من عناء المطالبة، ومنع النزاع، إضافة إلى الأجر والثواب الذي يحصل عليه لقاء تيسيره.
الترجيح:
إذا نُظر إلى أدلة جميع الأقوال في مسألة احتساب إبراء الدَّين من الزكاة، يتضح ما يلي:
أولاً: أدلة المانعين، وهم جمهور الفقهاء، لم يسلم من أدلتهم إلا قولان:
1- أداء الزكاة عن الدَّين لا يجب إلا بعد قبضه، وهذا محل اتفاق بين الفقهاء، فالمجيزون قالوا بذلك أيضاً، وبهذا يكون الدائن أخرج زكاة ما لم يجب.
2- من شرط الزكاة الإيتاء، وإبراء الدائن للمدين واحتسابه من الزكاة ليس إيتاءً لها، فهذا قول صحيح؛ لأن الأصل في الزكاة الإيتاء، فقول الله تعالى: {وآتوا الزكاة} أمر يقتضي الوجوب، ولا يُصرف الأمر عن الوجوب إلا بقرينة كما يقول علماء الأصول(121)، كما أن الإيتاء خُصَّ بدفع الزكاة لأن فيه معنى الإعطاء وزيادة، وقد ثبت أن سنة النبي صلى الله عليه وسلم في الزكاة، الأخذ ثم الإيتاء.
ثانياً: أدلة المجيزين، وهم الظاهرية، والحسن البصري، وعطاء، والشيعة الإمامية، لم يسلم من أدلتهم شيء من الاعتراض.
ثالثاً: رأي ابن تيمية بجواز احتساب إبراء الدَّين من الزكاة بقدر زكاة ذلك الدَّين، هو قول سديد، وذلك لأن:
1- اشتراطه قدر زكاة ذلك الدَّين، تتحقق فيه مصلحتان:
الأولى: مصلحة الدائن: فكأن الدائن في هذه الحالة استرد جزءاً من ماله، فحصلت له الفائدة بذلك.
الثانية: مصلحة مستحقي الزكاة: فزكاة بقية أمواله التي وجبت عليها الزكاة تذهب إلى مستحقين آخرين للزكاة غير المدين.
2- قوله: بأن الزكاة مبناها على المواساة، والتي هي الإحسان إلى الغير، وهو رأي جمهور الفقهاء، هو استدلال قوي، فباحتساب إبراء الدَّين من الزكاة تتحقق فيه تمام المواساة.
3- قوله: من جنس ما يملك، تماشياً مع الأصل؛ لأن الأصل أن يُخرج المرء الزكاة من نفس المال الذي وجبت فيه الزكاة عند جمهور الفقهاء.
4- وأما قوله: "بخلاف ما إذا كان ماله عيناً وأخرج دَيناً، هو قول في قمة الإبداع؛ لأن قيمة الدَّين هنا ليست كقيمة العين، فالعين ملكه قائمة في يده، والدَّين في ذمة المدين، قد يأتي، وقد لا يأتي، فصار الدَّين دون العين، وأصبح بمثابة إخراج الخبيث بدل الطيب.
مما سبق من أدلة المانعين والمجيزين بقدر، يتبيَّن بأن في أدلة المانعين، ما هو قوي الاستدلال، يدعو إلى ترجيحه، فزكاة الدَّين لا تجب إلا بعد القبض، وبهذا يكون الدائن أخرج زكاة ما لم يجب، وحيث لا بد في الزكاة من الإيتاء، فقد استدل المانعون بالأمر في الآية على عدم جواز احتساب إبراء الدَّين من الزكاة؛ لأنها ليست إيتاء على الحقيقة.
كما تظهر قوة استدلال ابن تيمية، وسلامته من الاعتراض. فيتوجب في هذه الحالة العمل بالقاعدة الأصولية التي تقول: "فإن الجمع أولى من الترجيح باتفاق أهل الأصول"(122). وعليه: يترجح للباحث رأي ابن تيمية: بجواز احتساب إبراء الدَّين من الزكاة بقدر زكاة ذلك الدَّين؛ ولكن مع الكراهة.
والقول بالكراهة لما يلي: أولاً: لوجود قرينتين صرفتا عدم الجواز "المنع" إلى الكراهة، وهما قرينة المواساة: وهي قرينة معتبرة في الزكاة، عند جمهور الفقهاء، وقرينة المصلحة: فالزكاة شرعت لمصلحة الفقير.
ثانياً: أن هذا الفعل هو خلاف الأولى؛ لأن فعل النبي صلى الله عليه وسلم كان على عكسه، وخلاف الأولى قسم من أقسام المكروه(123)، وهو مرجع كراهة التنزيه عند الحنفية(124)، ثالثاً: سدّاً لذريعة التحايل على دفع الزكاة، فمن هذه الحيل الباطلة المحرمة، أن يكون له على رجل مال وقد أفلس غريمه، ويئس من أخذه منه، وأراد أن يحسبه من الزكاة، فالحيلة أن يعطيه من الزكاة بقدر ما عليه، فيصير مالكاً للوفاء، فيطالبه حينئذ بالوفاء، فإذا أوفاه برئ وسقطت الزكاة عن الدافع، وهذه حيلة باطلة(125)، فإن عَلِمَ أن ذلك لا يجوز إلا بقدر نسبة ذلك الدَّين لم يُعطه؛ لأنها تكون قليلة نسبياً، فلا طمع فيها لهذه الحيلة، وعندما يَعْلَم بالكراهة يبتعد عن القدر أيضاً للكراهة إن كان من أهل الصلاح. لكن جواز احتساب إبراء الدَّين من الزكاة بقدر زكاة ذلك الدَّين مع الكراهة، له شروط:
1- الإسلام: فيجب أن يكون المدين مسلماً لأن النبي صلى الله عليه وسلم عندما بعث معاذاً إلى اليمن قال له: "ادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، فإن هم أطاعوا لذلك فأعلمهم أن الله قد افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة، فإن هم أطاعوا لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة في أموالهم تؤخذ من أغنيائهم وترد على فقرائهم"(126). وجه الدلالة: الزكاة تؤخذ من أغنياء المسلمين، ثم تُرد على فقرائهم.
2- الفقر: يجب أن يكون المدين فقيراً عاجزاً عن سداد دَينه، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "يا قبيصة إن المسألة لا تحل إلا لأحد ثلاثة، رجل تحمل حمالة فحلت له المسألة حتى يصيبها ثم يمسك، ورجل أصابته جائحة اجتاحت ماله فحلت له المسألة حتى يصيب قواماً من عيش أو قال سداداً من عيش، ورجل أصابته فاقة حتى يقول ثلاثة من ذوي الحجا من قومه لقد أصابت فلاناً فاقة، فحلت له المسألة حتى يصيب قواماً من عيش أو قال سداداً من عيش، فما سواهن من المسألة يا قبيصة سحت يأكلها صاحبها سحتاً"(127).
3- أن يكون الدَّين دَيْن قرض، ولا يكون دَيْن تجارة، خشية استرسال التجّار في البيع بالدَّين رغبة في مزيد من الربح، فإذا أعياهم اقتضاء الديون احتسبوها من الزكاة، وهذا فيه ما فيه من التحايل على دفع الزكاة(128).
4- أن يكون المدين ممن تجب له الزكاة، فلا يجوز إبراء الدَّين واحتسابه من الزكاة، لأصل أو فرع ممن تجب نفقتهم على الدائن(129).
الخاتمة:
استناداً إلى ما تقدم بيانه فيما يتعلق بحكم احتساب الإبراء من الدين من الزكاة، فجمهور الفقهاء على أنه لا يجوز، وذهب الظاهرية، والحسن البصري وعطاء من التابعين، والشيعة الإمامية إلى جوازه، وذهب ابن تيمية من الحنبلية إلى تقييده بمقدار نسبة الزكاة، وذهب سفيان الثوري، وعبد الرحمن بن مهدي إلى اعتبار الكراهة، والراجح جوازه بمقدار نسبة الزكاة مع الكراهة.

_________________
(1) الزبيدي، تاج العروس (1/145)، مادة (بَرَأ)، والسعدي، الأفعال (1/99)، وابن منظور، لسان العرب (1/31).
(2) الأزهري، تهذيب اللغة (15/193)، مادة (الراء والباء)، والسعدي، الأفعال (1/99)، مادة (بأرت)، وابن منظور، لسان العرب (1/31)، مادة (برأ)، الزمخشري، أساس البلاغة (1/34)، والزبيدي، تاج العروس (1/149)، والرازي، مختار الصحاح (1/18)، مادة (برأ).
(3) سورة الحديد، جزء من الآية 22.
(4) ابن عطية، المحرر الوجيز (5/268).
(5) سورة التوبة، الآية 1.
(6) الجصاص، أحكام القرآن (4/264).
(7) سورة الزخرف، الآية 26.
(8) السعدي، تيسير الكريم الرحمن (1/764).
(9) البخاري، الجامع الصحيح (2/777)، باب هل يسافر بالجارية قبل أن يستبرئها.
(10) السجستاني، سنن أبي داود (1/52)، باب الاستبراء من البول، رقم الحديث: (20)، وقال الألباني في تذييله على الكتاب: حديث صحيح.
(11) النووي، صحيح مسلم بشرح النووي (3/201).
(12) الحموي، غمز عيون البصائر (3/17).
(13) الكرابيسي، الفروق (2/106).
(14) حيدر، درر الحكام (4/67).
(15) ابن نُجيم، البحر الرائق (8/107)، وشيخي زاده، مجمع الأنهر (3/508).
(16) السرخسي، المبسوط (24/65)، والكاساني، بدائع الصنائع (7/189)، والميرغيناني (3/230)، وشيخي زاده، مجمع الأنهر (3/508)، وابن عابدين، رد المحتار (5/43).
(17) السرخسي، المبسوط (17/32)، والسمرقندي، تحفة الفقهاء (2/19)، وابن عابدين، رد المحتار (8/66).
(18) الدردير، الشرح الكبير (3/378)، وابن عرفة، حاشية الدسوقي (4/99).
(19) القرافي، الذخيرة (11/42)، والحطاب، مواهب الجليل (5/232).
(20) الأنصاري، أسنى المطالب (2/156)، والخطيب الشربيني، مغني المحتاج (2/129)، والرملي، نهاية المحتاج (4/256)، والجمل، فتوحات الوهاب (حاشية الجمل) (3/297)، والشرواني، حواشي الشرواني (5/69).
(21) الزركشي، المنثور (1/81).
(22) ابن قدامة، المغني (7/197).
(23) الحِلّي، مختلف الشيعة (5/6).
(24) ابن العلامة، إيضاح الفوائد (4/621).
(25) الجبعي، الروضة البهية (3/475).
(26) الحِلّي، شرائع الإسلام، (3/81).
(27) ابن نُجيم، البحر الرائق (7/175)، والقرافي، الذخيرة (10/394)، والرملي، نهاية المحتاج (7/443)، وابن قدامة، المغني (5/380).
(28) النيسابوري، صحيح مسلم (4/2302)، باب حديث جابر الطويل وقصة أبي اليُسر، رقم الحديث (3006).
(29) ابن منظور، لسان العرب (11/657).
(30) الجصاص، أحمد، أحكام القرآن (2/204).
(31) الدردير، أحمد، الشرح الكبير (1/500).
(32) النووي، يحيى، المجموع (6/199)، والخطيب الشربيني، محمد، مغني المحتاج (2/400)، والشرواني، عبد الحميد، حواشي الشرواني (6/305).
(33) ابن مفلح، محمد، الفروع (4/144)، والبهوتي، منصور، كشاف القناع (2/269).
(34) ابن المرتضى، أحمد، التاج المذهب (1/219).
(35) اطفيش، محمد، شرح النيل (3/252).
(36) ابن سلام، قاسم، الأموال (1/534).
(37) السرخسي، محمد، المبسوط (3/36).
(38) الجصاص، أحمد، أحكام القرآن (2/204).
(39) ابن سلام، قاسم، الأموال (1/534)، وابن مفلح، محمد، الفروع (4/144).
(40) ابن المرتضى، أحمد، التاج المذهب (1/219).
(41) النووي، يحيى، المجموع (6/199)، والبهوتي، منصور، كشاف القناع (2/269).
(42) الدردير، أحمد، الشرح الكبير (1/500).
(43) اطفيش، محمد، شرح النيل (3/252).
(44) ابن سلام، قاسم، الأموال (1/534).
(45) ابن حزم، علي، المحلى (6/105).
(46) النووي، يحيى، المجموع (6/199)، والحسن البصري هو الفقيه، القارئ، العابد، الزاهد، إمام أهل البصرة، ولد بالمدينة المنورة في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وقد سمع من عثمان وهو يخطب، ورأى طلحة وعليّاً، وأنس بن مالك، وسمع من خلق كثير من الصحابة وكبار التابعين، مات سنة 110هـ. ينظر الصفدي، خليل، الوافي بالوفيات (12/190).
(47) ابن حزم، علي، المحلى (6/106)، وعطاء هو ابن أبي رباح، انتهت إليه فتوى أهل مكة، وكان أسود، أعرج، أفطس، أشلّ، قطعت يده مع ابن الزبير، ثم عمي، وكان ثقةً، فقيهاً، عالماً، كثير الحديث، أدرك مائتي صحابي، وقال عنه أبو حنيفة: ما رأيت أفضل من عطاء بن أبي رباح، مات سنة 114هـ. ينظر السيوطي، عبد الرحمن، طبقات الحفاظ (1/46).
(48) ابن حزم، علي، المحلى (6/105).
(49)
(50) ابن سلام، قاسم، الأموال (1/533).
(51) الرضا، علي، فقه الرضا (1/80).
(52) النيسابوري، مسلم، صحيح مسلم (3/1191)، باب استحباب الوضع من الدَّين، رقم الحديث (1556).
(53) النووي، يحيى، المجموع (6/199).
(54) ابن حزم، علي، المحلى (6/106).
(55) ابن تيمية، أحمد، مجموع الفتاوى (25/84).
(56) ابن تيمية، أحمد، مجموع الفتاوى (25/84).
(57) ابن سلام، قاسم، الأموال (1/533).وسفيان الثوري هو: ابن سعيد بن مسروق أبو عبد الله الثوري الكوفي، ثقة، حافظ، فقيه، عابد، إمام، حجة، ولد في خلافة سليمان بن عبد الملك، وقال عبد الله بن المبارك: ما رأيت أحداً أعلم من سفيان، مات في البصرة سنة 61هـ. وعبد الرحمن بن مهدي هو ابن حسان بن عبد الرحمن أبو سعيد العنبري، سمع الثوري ومالكاً، روى عنه عبد الله بن المبارك وغيره، وهو بصري، وكان من الربانيين في العلم، وأحد المذكورين بالحفظ، وممن برع في معرفة الأثر، وطرق الروايات، وأحوال الشيوخ، مات سنة 98هـ. يُنظر الخطيب البغدادي، أحمد، تاريخ بغداد (1/240).
(58) البخاري، محمد، صحيح البخاري (2/917).
(59) البيهقي، أحمد، سنن البيهقي الكبرى (10/12)، باب ما لم يُذكر تحريمه ولا كان في معنى ما ذُكر تحريمه مما يُؤكل أو يُشرب، رقم الحديث (19508)، وهو حديث صحيح، يُنظر الألباني، محمد، السلسلة الصحيحة (5/325).
(60) ابن تيمية، أحمد، مجموع الفتاوى (21/236).
(61) سورة النساء، الآية 43.
(62) الجصاص، أحمد، أحكام القرآن (4/2).
(63) الشافعي، محمد، أحكام القرآن (1/46).
(64) ابن قدامة، عبد الله، المغني (1/124).
(65) القرافي، أحمد، الذخيرة (1/225).
(66) ابن قدامة، عبد الله، الكافي (1/46).
(67) البخاري، محمد، صحيح البخاري (1/150).
(68) السبكي، علي، الإبهاج (1/59)، الزركشي، محمد، البحر المحيط (1/239).
(69) السرخسي، محمد، المبسوط (2/239)، ابن قدامة، عبد الله، المغني (2/345)، الشافعي، محمد، الأم (2/51)، الدردير، أحمد، الشرح الكبير (1/466)، ابن حزم، علي، المحلى (6/103)، الحّي، جعفر، ا لمعتبر (2/491).
(70) السرخسي، محمد، المبسوط (2/203).\
(71) ابن قدامة، عبد الله، المغني (2/345).
(72) ابن حزم، علي، المحلى (6/103).
(73) الحلّي، جعفر، المعتبر (2/491).
(74) الشافعي، محمد، الأم (2/51).
(75) ابن قدامة، عبد الله، المغني (2/345).
(76) ابن أبي شيبة، عبد الله، مصنف ابن أبي شيبة (2/390)، وهو حديث صحيح كما قال الألباني، مختصر إرواء الغليل (1/154).
(77) الدردير، أحمد، الشرح الكبير (1/466).
(78) الجصاص، أحمد، أحكام القرآن (4/115)، ابن قدامة، عبد الله، ا لمغني (10/6)، الزركشي، محمد، شرح الزركشي (3/323).
(79) ابن المرتضى، أحمد، التاج المذهب (1/219).
(80) البقرة (43، 83، 110، 277)، النساء (77)، التوبة (5، 11)، الحج (41، 77)، النور (56)، المجادلة (13)، المزمل (20).
(81) القرطبي، محمد، الجامع لأحكام القرآن (1/343)، السمعاني، منصور، قواطع الأدلة (2/300)، بادشاه، محمد، تيسير التحرير (2/146).
(82) الزبيدي، محمد، تاج العروس (39/63)، الكفومي، أيوب، الكليّات (1/212)، السيوطي، عبد الرحمن، الإتقان (1/572).
(83) التوبة، الآية 103.
(84) الرازي، محمد، التفسير الكبير (مفاتيح الغيب) (16/141)، السيوطي، عبد الرحمن، الدر المنثور (4/246)، القرطبي، محمد، الجامع لأحكام القرآن (8/209).
(85) البخاري، محمد، صحيح البخاري (2/505)، كتاب الزكاة، حديث رقم (1331).
(86) الكاساني، علاء الدين، بدائع الصنائع (2/10).
(87) المرداوي، علي، الإنصاف (10/157)، وابن مفلح، محمد، الفروع (6/64).
(88) النووي، يحيى، المجموع (6/168).
(89) الدردير، أحمد، الشرح الكبير (1/500).
(90) ابن القيم، محمد، إعلام الموقعين (2/8).
(91) البيهقي، أحمد، سنن البيهقي الكبرى (5/290)، وهو حديث ضعيف كما قال ابن حجر، أحمد، الدراية (2/157).
(92) الحموي، أحمد، غمز عيون البصائر (1/461)، الدمياطي، أبو بكر، إعانة الطالبين (3/74)، ابن قدامة، عبد الله، المغني (4/339).
(93) النيسابوري، مسلم، صحيح مسلم (2/682).
(94) سورة المعارج، الآية 24 – 25.
(95) الرازي، محمدن التفسير الكبير (30/115)، القرطبي، محمد، الجامع لأحكام القرآن (17/38)، الجصاص، أحمد، أحكام القرآن (5/295)، ابن العربي، محمد، أحكام القرآن (4/166)، السيوطي، عبد الرحمن، الدر المنثور (7/617).
(96) الدردير، أحمد، الشرح الكبير (1/500)، النووي، يحيى، المجموع (6/168)، المرداوي، علي، الإنصاف (10/157).
(97) الجصاص، أحمد، أحكام القرآن (3/173)، الشيرازي، إبراهيم، المهذب (1/362)، الخرشي، محمد، شرح مختصر خليل (6/109)، ابن قدامة، عبد الله، المغني (6/300).
(98) ابن نجيم، زين الدين، البحر الرائق (6/133)، العبدري، محمد، التاج والإكليل (4/548)، الشيرازي، إبراهيم، المهذب (1/329)، ابن قدامة، عبد الله، المغني (4/258).
(99) ابن حزم، علي، المحلى (6/103).
(100) أنيس ورفاقه، إبراهيم، المعجم الوسيط (1/18)، الرازي، محمد، مختار الصحاح (1/7)، ابن منظور، محمد، لسان العرب (1436).
(101) البخاري، عبد العزيز، كشف الأسرار (4/275).
(102) البيهقي، أحمد، شعب الإيمان (3/288).
(103) السرخسي، محمد، المبسوط (2/175)، الطرابلسي، علي، معين الحكام (1/170)، المغربي، محمد، مواهب الجليل (2/358)، النووي، يحيى، المجموع (5/317)، ابن قدامة، عبد الله، الكافي (1/281).
(104) ابن القيم، محمد، إعلام الموقعين (2/109).
(105) ابن القيم، محمد، إعلام الموقعين (2/111).
(106) الكاساني، علاء الدين، بدائع الصنائع (2/41)، الأزهري، صالح، الثمر الداني (1/346)، السيوطي، عبد الرحمن، الأشباه والنظائر (1/444)، ابن قدامة، عبد الله، الكافي (1/293).
(107) السجستاني، سليمان، سنن أبي داود (1/490)، وهو حديث صحيح كما قال الألباني في تذييله على الكتاب.
(108) ابن العربي، محمد، أحكام القرآن (2/160)، الشيرازي، إبراهيم، المهذب (1/150)، ابن قدامة، عبد الله، المغني (2/237).
(109) النووي، يحيى، المجموع (5/386).
(110) ابن تيمية، أحمد، مجموع الفتاوى (25/82).
(111) الزيلعي، عثمان، تبيين الحقائق (1/271).
(112) البخاري، محمد، صحيح البخاري (2/227)، باب من بلغت عنده صدقة بنت مخاض وليست عنده، رقم (1385)، بنت مخاض هي الناقة التي استكملت سنة ودخلت في الثانية، وبنت لبون التي استكملت الثانية ودخلت في الثالثة، والحقة التي استكملت الثالثة ودخلت في الرابعة، والجذعة التي استكملت الرابعة ودخلت في الخامسة، يُنظر العيني، محمود، عمدة القاري (4/183).
(113) الشيرازي، إبراهيم، المهذب (1/150).
(114) ابن تيمية، أحمد، مجموع الفتاوى (25/82).
(115) الزيلعي، عثمان، تبيين الحقائق (1/271).
(116) البخاري، محمد، صحيح البخاري (2/225).
(117) ابن حجر، أحمد، فتح الباري (3/313)، العيني، محمود، عمدة القاري (4/9).
(118) ابن حجر، أحمد، فتح الباري (3/313)، أمير بادشاه، محمد، تيسير التحرير (1/156)، الألباني، محمد، تمام المنة (1/379).
(119) القرافي، أحمد، الذخيرة (3/22)، السيوطي، عبد الرحمن، الأشباه والنظائر (1/444)، ابن قدامة، عبد الله، المغني (2/335)، الشوكاني، محمد، السيل الجرار (2/25).
(120) الكاساني، علاء الدين، بدائع الصنائع (2/41).
(121) الجويني، عبد الملك، البرهان (1/161)، الشوكاني، محمد، إرشاد الفحول (1/171),
(122) الشوكاني، محمد، نيل الأوطار (7/88).
(123) الغزالي، محمد، المستصفى (1/54)، الزركشي، محمد، البحر المحيط (1/244).
(124) ابن عابدين، محمد، رد المحتار (1/123).
(125) ابن القيم، محمد، إعلام الموقعين (3/309).
(126) البخاري، محمد، صحيح البخاري (2/505).
(127) النيسابوري، مسلم، صحيح مسلم (2/722).
(128) القرضاوي، يوسف، إسلام أون لاين.
(129) الكاساني، علاء الدين، بدائع الصنائع (2/49)، البهوتي، منصور، كشاف القناع (2/290)، ابن المنذر، محمد، الإجماع (1/46).