"الأخونة" و"الأسلفة" اتهامات تطارد تدين المصريين
27 شوال 1433
علا محمود سامي

ما إن أعلن الرئيس المصري الدكتور محمد مرسي قراره بتكليف الدكتور هشام قنديل لتشكيل الحكومة، لتعد الأولى من نوعها في العهد الجديد بعد خلع الرئيس السابق حسني مبارك، حتى انطلقت مواخير الماكينة الاعلامية لتصب حمم براكينها على مرسي وقنديل، وإدراجهما في سلة الأخونة، نسبة الى جماعة الاخوان المسلمين، واتهام كل من يقترب منهما أو يدعم مواقفهما، خلاف الوصف الآخر الذي بات مستحدثا في أوساط من يسمون بالنخبة بالأسلفة، نسبة الى التيار السلفي.

 

وليس دفاعا عن السلفيين والجماعة، فلهما من يدافع عنهما، ولكن ظاهرة وصم كل من اللتحى أو أعلن التزامه بتعاليم دينه في مصر بأنه من الاخوان المسلمين أو السلفيين، فإن هذا الأمر أصبح بمثاة حنق يثير أوساط من يدعون النخبة والسياسة، حتى جعلوا من كل يقترب من الاخوان والسلفيين بأنه أصبح موضع الشبهة والريبة، وهو ما صار فزاعة ليست بجديدة على دعاة الاستنارة واحترام الراي الآخر وامتلاك ناصية الحقيقة ، وما هم عن كل ذلك بقريبين.

 

على الرغم من أن الانتماء الى الاخوان أو السلفيين ليس من الأمور المبتدعة في الدين أو المنكرة عليهم، فإن الخطورة أن يصبح هذا الانتماء أو ما يشابهه هو الفزاعة التي يصدرها نفر من القوم هالهم رئيس منتخب يحمل مشروعا اسلاميا يقف على سدة الحكم ، وتلتف حوله أغلبية المجتمع المصري لما يحمله من مشروع يحلمون بتحقيقه لبناء نهضتهم، بعدما أعياهم الفقر والتخلف والاستبداد ابان النظام المخلوع.
والخطورة في الأمر أن يتم تفزيع المجتمع المصري من مثل هذه الأوصاف ، وتصوير التيار الاسلامي بمن يكشر عن أنيابه ليفترس كل من عاداه، وهو الافتراء بعينه ، على نحو ما صار يذهب اليه غلاة العلمانية والليبرالية ومن لف لفيفهم في مصر.

 

خلاف هذا وذاك ، فإن الكذب والافتراء وممارسة أشكال التدليس والخداع بحيل لاتنطلي على أحد ، هو من الأمور التي أصبحت تستفز أوساط الرأي العام في مصر بأن هذا سلفي وذاك اخواني، وكأن لسان الحال في مصر " تجنب الاخواني واحذر السلفي".
والناظر الى جملة هذه الافتراءات ، وهذا التخويف لايجده يستند الى واقع معاش، أو يمت الى الحقيقة بصلة، ما يجعلهما كذب وافتراء كحال أصحابه الذين ضاق بهم المصريون ، ولم يعد لهؤلاء قدرة على التطور أو الابتكار حتى أصبح حالهم لايعرف سوى الهجوم على الاخوان أوالسلفيين، باهدار للوقت واحجام عن العمل، بدعوى أن الدولة ينبغي أن تعود الى رشدها بعودة الاسلاميين الى السجون، وكبت حرياتهم، فالحرية عندهم هى لهم وحدهم وليست لغيرهم.

 

ماكينة الهجوم الاعلامي والليبرالي لم ترك اخوانيا أو سلفيا أو حتى متدينا بسيطا الا ونالته من أراجيفها وافتراءاتها ، منذ أن استشعرت هذه الماكينة خطوة الأمر ، وأن الرئيس مرسي على وقع تحقيق نجاحات لبلاده، وان ما فلعه في أقل من شهرين على المستوى السياسي جعله محط أنظار العالم كله ، يترقب أدائه ، ويحسده على قرارته ومواقفه، متمنين أن يظل الاقتصاد المصري على ركوه حتى لاتقوم للدولة المصرية قائمة، ما جعل الحملة العدائية ضده في الداخل على أشدها، وكأنها بمثابة عد الأصابع، الصابر في تحملها، هو من سيحثث أهدافه.

 

ويبدو أن ماكينة هذا الهجوم تنظر دائما في مقدمة أولويات هجومها، بأنها اذا فشلت في خطة خادعة لها بدأت في نسخة جديدة من التشوية والتشهير، على نحو فشلها في خططها الخادعة بشأن تشوية التيار السلفي أثناء اجراء الانتخابات التشريعية قبل نهاية العام الماضي، عندما ادعت أنه قام بتشكيل لجنة للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإثارة فزاعات ضد هذا التيار، الى أن ثبتت الفرية، وظهرت حقيقة مؤامرة التشوية، بأنه تضليل وصناعة اعلامية ، قامت بها ماكينة اعلامية يعرف نسبها الى أذناب النظام المخلوع ومن لف لفيفه.

 

أمثال هذه الماكينة وإن كانت تستهدف تشوية التيار الاسلامي عموما ، بعد الشعبية الكبيرة التي يكتسبها في الشارع المصري ، فانها تسعى بالكلية الى المساس بتدين المصريين في ظل تجذره في نفوسهم، حيث وجدت هذه الماكينة الفرصة سانحة لها حاليا للقيام بمهمتها، بتشوية تيار اسلامي يحمل مشروعا للأمة، والحديث هنا عن تيار لايعني فصيل أو حركة أو جماعة، بقدر ما يركز على التيار العام للإسلاميين في مصر، والذي لاتفرق الحملة الاعلامية بين شرائحه وفصائله، حتى أصبحت سهمامها لاتفرق بينهم، سوى ما يوصف بالهدنة في تنوع الهجوم بين هذا التيار أو ذاك، فالكل عندهم هدفا للتشوية، سواء كان سلفيا أو اخوانيا أو غيرهما من التيار الاسلامي.

 

هذا التنوع في الهجوم على التيار الاسلامي يأخذ اشكالا عدة، غير أن هدفه يبدو واضحا في النيل من تدين المصريين، للدرجة التي تم خلالها ترويج هذا الهجوم بنزاعم حول أفكار وتيارات شتى في داخل بنية تدين المصريين، بالحديث عن الاسلام الليبرالي، والآخر العلماني ، وقبلهما السياسي، وكأننا أصبحنا أمام تعددية في الدين الاسلامي، ومن ثم مشروعه الحضاري، بأنه ملتبس الأفكار والمناهج.

 

هذا التشكيك ، كثير من تتصور هذه الماكينة الاعلامية بأنه يمكن أن يكون خصما من تدين المصريين وتمسكهم بدينهم الاسلامي، غير أن الواقع ينسف هذا الاعتقاد الخانع، فرغم حملات التشوية التي مورست ضد الاسلاميين على نطاق واسع قبل وأثناء وبعد مرحلة الانتخابات التشريعية والرئاسية، الا أنها لم تنل من الصورة الصحيحة لهذا التيار في نفوس المصريين، الذين يرفضون الرضوخ لمثل هذه الأشكال البالية من الحملات الاعلامية.

 

ولذلك وجدنا تصويت أكثر من 13 مليون ناخب مصري لصالح مرسي، على الرغم من حالات التشوية والاستنفار غير المسبوقة التي تعرض لها لدعم منافسه في الجولة الثانية ، حتى من جانب من يدعون مدنية الدولة المصرية والحفاظ على الثورة ومكتسباتها، ليبدأ هؤلاء طورا جديدا من الهجوم والاستعداء ضد تدين المصريين، بدعوى الأخونة والأسلفة الى غيرها من المصطلحات التي صاروا يصدرونها للمصريين من رحم أفكارهم التي عفى عليها الزمان، وأصبحت هى والجاهلية الأولى سواء، غير أن المصريين يلفظون مثل هذه المصطلحات كما لفظوا أفكار هؤلاء ، بعدما أصبحت وأصبحوا في نفايات التاريخ غير مأسوف عليهم.