مصر الثورة على أعتاب تحرير الإعلام الرسمي
8 ذو القعدة 1433
علا محمود سامي

تعيش مصر بعد ثورة 25 يناير حالة من الزخم الثوري، التي انعكست على أداء وسائل وأجهزة الإعلام، ما جعل بعض الأجهزة والوسائل تسعى الى الانفلات من كل ضابط اعلامي، وسط مشهد يكاد يخلو تماما من مواثيق الشرف الاعلامية، أو مدونات السلوك الأخلاقية.

 

هذه الحالة المضطربة جاءت لعدم وجود جهاز محدد يعنى بشؤون الإعلام، غير أنه بالقرار الجمهوري للرئيس الدكتور محمد مرسي بنقل تبعية الهيئة العامة للاستعلامات من وزارة الاعلام الى مؤسسة الرئاسة ، فإنه يبدو أن مصر بهذا القرار قد بدأت تضع أولى خطواتها على طريق تفكيك الوزارة، تمهيدا لالغائها بما يتناسب مع أجواء الحريات المسؤولة بعد الثورة، بعدما شهدت ولاتزال حالات من حالات الانفلات، لتصبح مصر الثورة على أعتاب تحرير أجهزة الاعلام ، والبحث في ما يعزز الحريات المسؤولة.

 

لذلك أصبح في حكم المؤكد أن وزارة الإعلام بحكومة الدكتور هشام قنديل الحالية ستكون آخر وزارات الإعلام، منذ أن نشأت في حقبة الستينيات في القرن الماضي بتكليف من الرئيس الراحل جمال عبد الناصر للوزير الأسبق محمد عبد القادر حاتم بإنشاء الوزارة وتشييد التلفزيون العربي، بجانب عدة مؤسسات إعلامية أخرى، من بينها هيئة الاستعلامات.

 

هذا التأكيد يأتي في ظل الواقع العملي بقرار نقل تبيعة الهيئة الى الرئاسة ، ووفق التصريحات الرسمية الصادرة عن رئيس الحكومة وعدد من الوزراء من بينهم الوزير الحالي صلاح عبد المقصود ووزير العدل المستشار أحمد مكي ووزير الدولة لشؤون المجالس النيابية محمد المحسوب، فإنهم أكدوا جميعا أن الوزير الحالي سيكون آخر وزراء الإعلام، علاوة على ما نقله قنديل نفسه لعبد المقصود أثناء اختياره بأن حكومته ستشهد آخر وزارة للإعلام في مصر منذ إنشائها، الأمر الذي يضع على الوزير الحالي عبء البحث في إعادة هيكلة وزارته والبحث عن بديل لها، ليس بالشكل الذي يدير مهامها ولكن بما يعكس تحولا في البلاد، استجابة لأهداف ثورة 25 يناير بتعزيز الحريات.

 

وفي هذا السياق تعد وزارة العدل حاليا لمشروع قانون لإنشاء مجلس أعلى للإعلام يختص بشؤون الوسائل والأجهزة المسموعة والمرئية، على أن يتمتع بعضويته إعلاميون وأكاديميون وشخصيات مستقلة، بجانب ممثلين عن الحكومة، كون المجلس سيكون معنيا بالقنوات التلفزيونية والفضائية والتي بها عدة قنوات تتولى الحكومة مسؤوليتها، تزيد على 40 محطة تتنوع بين محلية ومتخصصة وفضائية.

 

غير أن هذا الإلغاء للوزارة تترافق معه مخاوف من أن يصبح المجلس المرتقب قائما بذات المهمة للوزارة، ولكن بصورة مختلفة، غير أن هناك من التطمينات الصادرة عن من قابلهم وزير العدل لإعداد مشروع القانون بما يؤكد أن المجلس المنتظر سيكون مستقلا، وأن تمثيل الحكومة سيكون على ذات المستوى من أصحاب الفضائيات الخاصة، بما يجعله مجلسا مستقلا بالفعل ومعنيا بكافة شؤون الإعلام ومنظما له، بعيدا عن أي تشريعات سالبة للحريات الإعلامية، أو بمثابة قيد على التحول الذي تشهده مصر حاليا.

 

وما يعزز التصريحات الرسمية الصادرة بشأن إلغاء الوزارة، ما أعلنه قنديل خلال زيارته لمبنى الإذاعة والتلفزيون بأن وزارة الإعلام الحالية ستكون آخر الوزارات، وأن حكومته ستشهد وداعها، وهو الوداع الذي يعتبره إعلاميون وخبراء جاء متأخرا، بعدما ظنوا أن الإلغاء كان يمكن أن يتحقق بعد الثورة مباشرة، استنادا إلى تجميد تعيين وزير الإعلام لأكثر من سبعة أشهر، إلى أن جرى تكليف أسامة هيكل الذي استمر بمنصبه لنحو 5 أشهر، خلفه أحمد أنيس الذي تولى مهمته لأكثر من سبعة أشهر ليتبعه الوزير الحالي ضمن تشكيل حكومة قنديل التي تم تكليفها خلال الشهر الجاري.

 

وسيصبح أمام الوزير عبد المقصود مهمة إعادة هيكلة قطاعات الوزارة المختلفة، وأبرزها جهات الإنتاج ، لتبقى القنوات التلفزيونية والفضائية والشبكات الإذاعية لتصبح ذات مؤسسة إعلامية واحدة تندرج ضمن عضوية المجلس الأعلى شاملا غيرها من المحطات الفضائية الخاصة. 

 

غير أن إعادة الهيكلة هذه تكتنفها مخاوف من تسريح الطاقات البشرية بالوزارة، غير أن مسؤولين بها يتعهدون بعدم المساس بأي من هذه الكوادر ، وأن إعادة الهيكلة ستكون بمثابة نقلة نوعية لهم في الأداء ومضمونه والارتقاء بمستواهم.
الاجراءات الجارية حاليا في مصر تستهدف انتقال مرحلة ما بعد ثورة 25 يناير إلى دولة تسودها الحريات المسؤولة ، وإن كان بها بعض التداعيات، إلا أنها ستكون بمثابة نقطة التحول لبناء هذه الدولة التي يسعى إليها جميع المصريين في ظل العهد الجديد.

 

الا أنه لا ينبغي إطالة مثل هذه الإجراءات حتى لا تكون خصما من الحريات والمكتسبات التي تمكن المصريين من الحصول عليها خلال الشهور الأخيرة، وربما يكون المصريون أنفسهم قد أدركوا ذلك فعملوا على إنهاء المرحلة الانتقالية بما شهدته من تداعيات مختلفة، ليصبح هناك رئيس منتخب يسعى الجميع للتعاون معه للانتقال إلى بناء الدولة المدنية الحديثة.

 

يأتي هذا في الوقت الذي تتوجه فيه انتقادات إلى الإجراءات الرسمية المتبعة حاليا كون اعتقاد يسود البعض بأنها يمكن أن تمس الحريات الإعلامية، وهو أمر لايعدو الا أن يكون شأن جميع مراحل التحول بشكل عام، إلا أن الخطورة أن يتم التوسع في مزيد من الإجراءات التي يمكن النظر الى أنها تشكل قيدا على الحريات الإعلامية بمختلف وسائلها وأجهزتها، سواء كانت فضائية أو صحافية، للدرجة التي جعلت بعض المزايدين يذهبون الى أن الاجراءات الحالية قد تكون خصما من المكتسبات التي حصل عليها المصريون، ومن بينها الحريات الإعلامية.

 

غير أنه وبعد مرحلة الثورة وحتى بعد مرحلة الاستحقاق ظهرت أشكال عدة من حالات الانفلات الاعلامي بالفعل، والذي صاحبه إغلاق لاحدى القنوات الخاصة التي كانت تحرض على قتل الرئيس واهانته ، ولذلك جاء اغلاقها في إطار من القانون، ولم يكن نتيجة توجه عام، وكان في درجة استثنائية للغاية، ولم يكن في إطار من التوسع وهذا يرجع إلى غياب تفعيل مواثيق الشرف الإعلامية من ناحية وعدم توحيد المؤسسات الإعلامية المعنية بتراخيص البث الفضائي وتعدد الجهات المختصة بها من ناحية أخرى، الأمر الذي يتطلب مراعاته عند إنشاء جهاز الإعلام ، ليصبح جهازا مستقلا معنيا بشؤون الإعلام، ومترافقا مع إلغاء وزارة الإعلام، بما يعكس مصر في عهدها الجديد بقيادة أول رئيس منتخب في البلاد.