سجون المسنين !
10 ذو القعدة 1433
معتز شاهين

وسط عالم غيبت عنه معالم الإنسانية , والوفاء , والبر، ظهر مصطلح يضرب بأطنابه في تربة مجتمعاتنا الإسلامية والعربية ، انه مصطلح ( دور المسنين )، أو كما يطلق عليها البعض ( دور العجزة )!
وعن أي عجزة يتحدثد هؤلاء ؟! هل عن هؤلاء الكبار في السن الذين ضحوا بحياتهم وأوقاتهم من أجل غيرهم ، بذلوا كل غال ونفيس كي يخرجوا أبناء يبنون تلك المجتمعات.

 

 
إننا نحن العجزة وليسوا هم ، فقد عجزنا عن الوفاء لهم بما هو مطلوب منا كمجتمع أولا قبل أن يطلب من أبناء هؤلاء المسنين.

 

 عجزنا عن توفير حياة كريمة لهم وسط جو أسري دافئ ، عجزنا عن توفير الراحة لهم بعد طول عناء ومشقة وكمد ووسط عواصف الحياة وتقلباتها..

 

 عجزنا نحن لا هم عن توفير الحد الأدنى من الوفاء والعطاء بعد كل هذا العطاء الذي كلل حياة هؤلاء المسنين.
 

 

أخذنا من الغرب أسوأ ما فيه ، أخذنا منه الجحود والنكران وعقوق الوالدين، وبنينا بكل هذا دور سجنا بل سجونًا للمسنين، يجتمعون فيها كل يوم وليلة، بل في كل ساعة وثانية يتجرعون فيها آلام فراق الأهل والأحباب، يتذكرون فيها ماضيهم القوي يستندون به على ضعفهم وخوارهم
 

 

نعم هي سجون حُبست فيها أحلامهم وأمالهم في ختام لحياة حافلة بالانجازات والنجاحات، فأغلب الإحصائيات والدراسات التي أجريت على المسنين في الغرب نفسه أكدت أن ما تعانيه أجساد هؤلاء المسنين ليست معاناة صحية ولكن معاناة نفسية، فالاكتئاب صديقهم الصدوق في تلك السجون، والوحدة والعزلة رديفان اثنان لهم حتى الممات.

 

 
أين بر الوالدين ؟! هل تناسيناه وسط أتون الحياة رغم أنه منجاة ؟! وأين بر المجتمع لرجاله ونسائه الذين صاغوا نجاحه وتقدمه ونهضته؟! هل يكون بهذا رد الجميل؟!

 

 
يدعي البعض قائلا أن هناك ظروفا قد تجعل تلك الدور هي الحل الوحيد للتعامل مع المسنين، فهناك مسنون مرضى ويحتاجون لرعاية صحية والأبناء مشغولون!! والرد على هذا قوله تعالى [ وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيماً ] الإسراء : آية 23

 

 
إن انتشار ظاهرة دار المسنين في مجتمعاتنا بهذا الوضع وتلكم الاساليب تعتبر كارثة بمعنى الكلمة، وعلينا أن ندق ناقوس الخطر لهذه القضية، فوجود دور مسنين يترك فيها كبارنا ويهملون في مجتمعاتنا إهانة للمسنين أنفسهم، بل إهانة أكثر للابن أو الابنة الذين يلجأون لذلك، وبداية إعلان لانهيار المجتمع بعد فشله في احتواء أولئك الكبار بعد مجهوداتهم طوال السنين، ودليل ملموس على انهيار قيم الأسرة والترابط في مجتمعاتنا وهذا ما نرفضه جميعًا.
 
A