اللاجئون الفلسطينيون والثورة السورية
15 ذو القعدة 1433
حمزة إسماعيل أبو شنب

تمر سوريا في أزمة خانقة بعد الثورة التي انطلقت منذ مارس 2011 والتي تزايدت مع مرور الوقت حتى وصلت اليوم إلى نقطة من الصعب العودة فيها للوراء ، نتيجة التطورات المتلاحقة والاشتباكات الممتدة ما بين النظام السوري والثوار حتى لم تبقى منطقة مستقرة في سوريا ، ونتيجة للتواجد الفلسطيني هناك فإن الفلسطينيين يتأثرون بالمحيط الذي يعيشون فيه مما يجعلهم عرضة للتضرر بسبب الأوضاع الحالية التي تمر بها سوريا ، حيث يعيش ما يقارب الستمائة ألف لاجئ فلسطيني في سوريا بعد أن هُجِّروا من ديارهم في نكبة 48 ، أي ما نسبته 2.8% من أبناء الشعب السوري ويتمركز أكثر من 80 % من هؤلاء اللاجئين في منطقة دمشق وريفها .

و حيث يتمتع الفلسطينيون في سوريا بكافة المزايا التي يتمتع بها المواطن السوري فإن هذا ولَّد تداخلاً كبيراً بين الفلسطينيين والسوريين ، حيث سن ّالرئيس السوري شكري القوَتلي القانون 260 لعام 1956 و بإجماع من البرلمان السوري في الفترة التي كانت تعيش فيها سوريا الفترة الذهبية للديمقراطية ، حيث أصبح الفلسطيني يتمتع بحق المساواة مع المواطن السوري في التعليم والعمل مما عزَّز التواصل الاجتماعي والحياتي مع السوريين مما يجعلهم جزءاً يتأثر ويؤثر في أزمة تمس الحياة اليومية للسوريين .

ومع انطلاق الثورة السورية وجد الفلسطينيون أنفسهم في مضمار الأوضاع نتيجة للعديد من العوامل ، حيث احتضن الشعب السوري الفلسطينيين منذ النكبة وأصبحوا جزءاً من النسيج المجتمعي السوري من حيث الهوية والعرق ، فهم مسلمون عرب سنة كما الغالبية من الشعب السوري عدا عن الانتشار الواسع لهم في سوريا من الجنوب إلى الشمال ، ونتيجة الحقوق التي مُنحَت لهم في العمل والدارسة والتسجيل في النقابات فإنهم تفاعلوا مع فئات الشعب السوري في كافة الميادين وتشاركوا الهموم في المطالب الفئوية والفترة الزمنية الطويلة لتواجدهم هناك جعل لهم اندماج اجتماعي متين من خلال المصاهرة والزواج مع السوريين .

التأثُّر من الأحداث السورية جاء بشكل تدرجي على الرغم من أن الفلسطينيين منذ اليوم الأول للأوضاع في درعا كان لهم عدد من الشهداء والمعتقلين من مخيم درعا من الذين كانوا يقدمون الإسعافات والعون الاجتماعي للسوريين ، ولكن ظل هذا التأثر محصوراً حيث أن نسبة الفلسطينيين في درعا تصل إلى 5.5 % من العدد الإجمالي للاجئين الفلسطينيين في سوريا ، إلا أنه مع توسُّع رقعة الاحتجاجات كان يتوسع التأثير كما حصل في حمص واللاذقية ، ورغم ذلك لم يكن لها الأثر الكبير على باقي اللاجئين فالعدد هناك لا يتجاوز 6 % من العدد الكلي ومع ذلك بقي الفلسطيني يعاني كما يعاني السوري .

التحوُّل الكبير كان في انتقال موجة الاحتجاجات والاشتباكات إلى العاصمة السورية دمشق وريفها والتي كما ذكرنا تمثل الجزء الأكبر من تواجد اللاجئين الفلسطينيين ، مما كان له تأثير كبير حيث سقط عدد كبير من الشهداء بسبب الاحتكاك المباشر بين المخيمات والتجمعات الفلسطينية والأحياء السورية التي شهدت نزوحاً كبيراً من قبل ساكنيها على المناطق الفلسطينية ، ونتيجة العلاقة بين السوريين والفلسطينيين في سوريا كان الاحتضان والاستيعاب هو الحال الأسمى ولهذه الظروف بلغ عدد الشهداء الفلسطينيين ما يقارب 400 شهيد أي ما نسبته 3 % من إجمالي القتلى السوريين وهي نفس نسبة السكان بين السوريين والفلسطينيين .

لذلك من الصعب فصل الفلسطينيين عن التفاعل مع الثورة السورية ، ولكن يبقى السؤال : إلى أين اللاجئون الفلسطينيون ؟
في حال بقاء النظام الحالي فإن الفلسطينيين سيتأثرون بما سيتأثر به السوريون وإن كان سيغيب عنهم التعاطف الرسمي نتيجة غياب المرجعية الفلسطينية التي من الممكن أن تشكل لهم غطاءً ، فبالتالي مواقفهم مرهونة بمواقف الحكومات منهم , وفي حال تغير النظام لا يمكن أن يتراجع وضعهم إلى الوراء بل سيحافظ الفلسطينيون على كافة المكتسبات التي حصلوا عليها في السابق في ظل نداء المعارضة بالديمقراطية والتي من الممكن أن تجعلهم يشكلون لهم مرجعيةً منتخبة تمثلهم أمام الحكومات السورية .

في كل الأحوال لا أعتقد أن أحداً من اللاجئين الفلسطينيين يفكر في ترك سوريا والبحث عن مكان بديل في ظل ما شاهدوا من أوضاع معيشية للاجئين في لبنان ، وتشتت وتشرد اللاجئين بعد الحرب الأمريكية على العراق عام 2003 فجزء منهم هرب إلى سوريا والآخر هاجر إلى البرازيل والهند .