25 شوال 1434

السؤال

السلام عليكم ورحم الله وبركاته، عندي ثلاثة توائم يبلغن من العمر سنة وتسع شهور، وعندي استفسار يؤرقني جداَ، قد يبدو للبعض أنه تافه، فقد تتمتع توأمتان منهما بجمال وجاذبية - ولله الحمد-، أما أختهن الثالثة فليست جميلة، وكأنها ليست أختهن، والكل يقول عنها إنها تشبه الأولاد، كيف أستطيع أن أحميها من نظرة الناس وتعليقاتهم السخيفة، فهي تضايقني عليها جداً، وفتاتي تفهم ما حولها فهي ذكية ما شاء الله عليها، وعندما تسمع أن أحداً يقول عن أخواتها بأنهما أجمل منها تحزن وتجلس وحدها، وتنظر لي نظرات شفقة وبكاء، فأنا لست أبالغ، أخاف عليها عندما تكبر أن تغار من أخواتها، أو تفقد الثقة في نفسها، وأريد أن أسكت الآخرين من المقارنة بين توأمي حتى لا يؤِثر على نفسيتها وشخصيتها وعلاقتها بالآخرين.

أجاب عنها:
أميمة الجابر

الجواب

السائلة الكريمة
إن للكلمة أثراً جديراً بأن يذكرها الله تعالي في كتابه، فإن كانت طيبة وصفها سبحانه بالشجرة الطيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتى أكلها كل حين، أما إذا كانت خبيثة وصفها الله تعالى بالشجرة الخبيثة....ما لها من قرار، وكثير منا يعلم هذا ولكن أحيانا ما ينسى...........
وأما نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم عندما كان يتحدث مع معاذ بن جبل، سأله معاذ وإنا لمؤاخذون بما نتكلم؟ فقال له صلى الله عليه وسلم: "ثكلتك أمك يا معاذ وهل يكب الناس على وجوههم أو على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم".
دل ذاك علي أثر الكلمة في النفوس، فهى تستقر داخل النفوس وتضرب فى أعماقها، فالقول الطيب يسر السامع ويؤلف القلب ويحدث أثرا طيباَ في نفوس الآخرين، على عكس القول السيئ يضر بسامعه بل ويسبب له آلاماَ نفسية.
و قد يظن البعض أن الأطفال غير مدركين بمعاني الكلمات والتعبيرات أو حتى لإشارات مَن حولهم وهو خطأ، فالطفل لماح جداَ وتؤثر في نفسه دقائق الكلمات اللاذعة أو الإشارات الحادة وتستقر في أعماق نفسه ويظل متذكراً كل ذلك عندما يكبر، وعلى الجانب الآخر يفرح بكلمة الشكر ويسعد بالثناء عليه ممن حوله.
لذلك فأنا أشكرك أيتها السائلة على اهتمامك، وسؤالك هذا ليس بتافه كما تتخيلين أنه اعتقاد البعض، بل تظهر آثاره على مر الزمان، لذلك عليك الاهتمام بعدة أمور.
1_ عليك انتقاء من يدخل بيتك ويبدي السلوكيات من خلال تصرفاته وألفاظه.....فتنتقى الجميع من الخادمة إلى الصديقات مع لفت أنظارهم حين وصولهم ببيتك بأن يتحفظن في الحديث أمام الصغيرة ولا مانع من توجيه إليها بعض الكلمات الظريفة وبعض كلمات الثناء ولو لفترة مؤقتة لتصليح ما تم انكساره في نفسها.
فالطفل الصغير تستطيعين تشكيل عواطفه في هذا السن، لذلك يجب أن يدخل بيتك النساء العاقلات، الحكيمات اللاتي يعلمن قدر الكلمة ويفهمن ما يقلن، المؤمنات بحق اللاتي تعلمن حديث النبي صلى الله عليه وسلم "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراَ أو ليصمت".
2_ عليك الاهتمام بالتربية الإيمانية في قلوب بناتك الصغيرات وهذه فرصتك الآن؛ لأن التعليم في الصغر كالنقش على الحجر فإذا نجحت في ذلك سوف يعم عليهن معان كثيرة تعالج كل هذه المشكلات، بل وتمح كل أمراض القلوب التي ممكن أن تعترض حياتهن عندما يكبرن، وحينئذ سوف يشعرن بمعاني حديث النبي صلي الله عليه وسلم "لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه" ومن مفهومه القلبي تزداد روابط الحب بينهن عندما تُؤْثِر كلُّ واحدة منهن أختَها على نفسها وحينئذ لا مكان للغيرة والكره فيما بعضهن البعض.
3_ أيضاَ لابد من تعليمهن التقوى الحقيقية فتكبر الصغيرة منهن وهي تعلم أن الأكثر تقوى هي الأقرب والأحب لله تعالى، فلا بالمال تكون أفضل ولا بالجمال، بل تكون بالتقوى وحسن الخلق والبشاشة، الأولى في كل شيء، وتنال حب الله تعالى وإعجاب كل من حولها، وذلك وضحه لنا الله تعال في كتابه {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات: من الآية13]، فيزيد ثقتها بنفسها على قدر تقواها لله تعالى.
4_ عليك تأسيسهن منذ الصغر على طاعة الله تعالى وعلى حب كتابه وتوثيق معاني القرآن في قلوبهن، وتعليمهن كيف نحب الله تعالى ولماذا نحبه؟، وكيف نحب رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم ولماذا نحبه؟، وتحكي لهن قصص الصحابيات واستخراج العبر منها، كل ذلك يبني في نفوسهن الشخصية السوية السليمة والقلوب السليمة النظيفة الصافية فيتعلمن كيف يحببن بعضهن البعض حينما يشعرن بمعاني الحديث "مَثَلُ المؤمنين في توادُّهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد الواحد إذا اشتكي منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى" رواه البخاري ومسلم.
ومن ذلك ينشأن وهنَّ يعلمن أنّهنّ كالجسد الواحد متوادات متراحمات بينهن البعض.
فليتنا جميعاَ ننتصح ونتذكر قول الله تعالى: {وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً} [البقرة: من الآية83].
ونتذكر قول النبي صلي الله عليه وسلم "إنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ رِضْوَانِ اللَّهِ لَا يُلْقِي لَهَا بَالًا يَرْفَعُهُ اللَّهُ بِهَا دَرَجَاتٍ وَإِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ لَا يُلْقِي لَهَا بَالًا يَهْوِي بِهَا فِي جَهَنَّمَ".