تونس بين استدراج السلفيين وتوريط النهضة
2 ذو الحجه 1433
خالد مصطفى

كشفت قضية الفيديو الذي تم تسريبه لزعيم حركة النهضة التونسية ذات التوجه الإسلامي, في لقاء جمعه مع عدد من السلفيين وردود فعل المعارضة العلمانية عليه عن الحرب التي يتم شنها في تونس من اجل افشال حكم الاسلاميين وافساد العلاقة بينهم وبين بعضهم واستدراج بعض التيارات السلفية للعنف من أجل البطش بها والضغط على التيارات الاخرى وابتزازها وتشويهها وتخويف الشعب من الإسلاميين وأطروحاتهم..

 

لقد كان كلام الغنوشي عن وجود  سيطرة للعلمانيين على مفاصل الدولة وخصوصا في الجيش والشرطة والإعلام واقعي للغاية ولا يمكن أن يجادل فيه مجادل, وما الحرب الشعواء التي تشن على الإسلاميين في الإعلام المرئي والمسموع ومحاولات الوقيعة بين النهضة والسلفيين واستدراج السلفيين للعنف واستغلال طول الفترة التي تعرضوا فيها للقمع والاعتقال وعدم تركهم للاحتكاك بالمجتمع بحرية تجعلهم يطورون من أنفسهم وطريقة تعاملهم مع القضايا المختلفة كما حدث لغيرهم في دول مجاورة ما هي إلا دلائل تؤكد كلام الغنوشي...

 

الغريب أن ردود الافعال من الاحزاب المعارضة والمناوئة للإسلاميين تؤكد صحة كلام الغنوشي الذي غضبوا منه, حيث وصل الامر بهم للمطالبة بحل حزب النهضة  الفائز بالاغلبية في أول انتخابات نزيهة تمت بعد الثورة على حكم بن علي, فأين حرية الرأي التي يتشدق بها الليبراليون واليساريون و يقولون أنهم "مستعدون للموت" في سبيلها؟! أم ان هذه الحرية تقتصر فقط على حرية العري في "الفن" والقدح في الشريعة ومهاجمة المحجبات والملتحين والسخرية منهم؟! الفيديو الذي فرح به العلمانيون وأخذوا يوجهون سهامهم للنهضة من أجله لا يدل سوى على محاولة من الغنوشي لتهدئة الشباب السلفي ونصحه بعدم الاستجابة للاستفزازات والتركيز على الدعوة من خلال المساجد والتجمعات الشعبية ونبذ العنف وعدم الصدام مع السلطات والتدريج في تطبيق الشريعة منعا من الصدام مع العلمانيين المتربصين في مواقع القرار, وهي دعوة للتهدئة بعد المواجهات الاخيرة بين بعض السلفيين وقوى الامن والتي انتهت بالقبض على العشرات منهم, كما أنها دعوة للاستقرار في بلاد تمر بمحنة اقتصادية بالغة..فما الضير من ذلك عند العلمانيين؟ هل يريدون حربا شعواء بين السلفيين من جهة والشرطة والجيش من جهة أخرى, كما حدث في الجزائر لكي يقفزوا على السلطة متجاوزين إرادة الشعب التي يتشدقون باحترامها؟ أم يريدون أن يتواجه الإسلاميون فيما بينهم ويقوموا بتصفية بعضهم بعضا لتخلوا لهم الأجواء؟أم أنهم غضبوا من أجل مهاجمة الغنوشي للفلول ممثلين في حركة نداء التي يقودها الوزير الأول الأسبق باجي قايد السبسي والتي تعد تجميعا لأنصار بن علي واعتبارهم خطر على الثورة؟!

 

لو هؤلاء يريدون مصلحة الوطن بصدق لشكروا الغنوشي ولكنهم يعملون لمصالحهم ومصالح من ورائهم..إن تونس في عهود سابقة كانت تتباهى بأنها تمشي في قوانينها على النظام الفرنسي "المتحضر" فتحرم تعدد الزوجات وتبيح تعدد العشيقات وتضطهد المحجبات والمتدينين وترفع من شأن الراقصات والممثلات والمغنيات..هذه تونس التي يريدونها والتي يحاربون من أجل إعادتها مرة أخرى, تونس الفرنسية متميعة الهوية أما تونس العربية الإسلامية فهي "ردة حضارية" و "دعوة للتخلف" كما يزعمون...

 

إن حركة النهضة أبدت منذ وصولها للحكم مرونة كبيرة ـ قد يعتبرها البعض تنازلات لا يمكن أن تقبل ـ  في التعامل مع الاتجاهات المعارضة, فوضعت يساريا على مقعد الرئاسة وشكلت حكومة ائتلافية مع حزبين علمانيين ورضخت لمطالب بعدم وضع الاحتكام للشريعة الإسلامية في الدستور رغم أنه كان مطلب شعبي؛ مما سبب لها انتقادات بالغة من التيارات الإسلامية الاخرى, ولم تفعل منذ وصولها للحكم من تغيير في الاتجاه الإسلامي, سوى أنها رفعت الحواجز المقامة أمام الإسلاميين والمتدينيين ليحصلوا على حريتهم كما حصل عليها الآخرون وهو أدنى قواعد حقوق الإنسان التي حرموا منها طويلا ومع ذلك استمرت الاتهامات لها بـ "التطرف" ومحاولة "احتكار السلطة"...

 

إن الغنوشي يريد تجنيب تونس التجربة الجزائرية العنيفة التي راح ضحيتها عشرات الآلاف ولكن يبدو أن هناك من يريد فرض هذه التجربة على تونس لو أصبح خيار الشعب في الانتخابات القادمة هو المحافظة على الهوية الدينية والثقافية ونبذ أصدقاء فرنسا وبن علي.