الجعبري.. "الشبح" الذي أتعب الصهاينة حيًا وميتًا
4 محرم 1434
مجدي داود

أقدم العدو الصهيوني على اغتيال القائد الفعلي لكتائب الشهيد عز الدين القسام "أحمد الجعبري"، في عملية أشرف عليها رئيس هيئة الأركان الصهيونية الجنرال "بيني جانتس"، وأعلن الاحتلال مسئوليته عن الجريمة، فرحًا مفتخرًا، باصطياد صيد ثمين، أذل أعناقهم، وأرّقهم ليال طوال، لم يذوقوا طعم النوم فيها، مستبشرًا براحة أبدية وسكون واستقرار، لكنه لم يعلم أنه قد فتح بابًا لم يكن يتصوره، وأن هذه الجريمة، ستحيل فرحهم إلى حزن وندم، وفخرهم إلى ألم وحسرة.

 

إن أحمد الجعبري الذي فاضت روحه الطاهرة إلى بارئها اليوم، والبالغ من العمر اثنين وخمسين عامًا، قد امتلأت حياته بالنضال والكفاح والمقاومة، منذ أن كان دون العشرين من عمره، حيث انضم إلى صفوف حركة فتح، قبل أن تنخرط في المفاوضات مع الكيان الصهيوني، وتتخلى عن المقاومة، بل وتنقلب عليها، واعتقل في عام 1982 بتهمة "انخراطه في مجموعات عسكرية" تابعة لفتح خططت لعملية عسكرية.

 

وخلال فترة اعتقاله التي بلغت 13 عامًا قضاها صابرًا محتسبًا في المعتقلات الصهيونية، انخرطت حركة فتح في المفاوضات مع الاحتلال الصهيوني، وبدأت مسلسل التنازل والتفريط في الحقوق الفلسطينية، إلى أن وقعت اتفاقية أوسلو مع الاحتلال البغيض في 1993، في الوقت الذي التقطت فيه حركة المقاومة الإسلامية "حماس" راية النضال الوطني والمقاومة الإسلامية منذ عام 1987، وظلت ترفع اللواء بجدارة، فأنهى الجعبري علاقته بحركة فتح وهو داخل المعتقل، وانضم إلى حركة المقاومة الإسلامية "حماس"، وخرج من السجن ليجد السلطة تطارد المقاومة في كل حي وشارع، فتولى مسئولية إحدى الجمعيات التابعة لحركة حماس والمهتمة بشؤون الأسرى والمحررين، وعمل بمكتب القيادة السياسية للحركة.

 

ومن هنا بدأ الجعبري مرحلة جديدة من مراحل حياته، حيث تأثر الجعبري بعدد من قادة حماس ومؤسسيها مثل عبد العزيز الرنتيسي، وإسماعيل أبو شنب، وصلاح شحادة، ثم توثقت علاقته بـ"محمد ضيف" الرجل الثاني في قيادة كتائب عز الدين القسام وقتئذ، وساهم الجعبري في إعادة بناء كتائب القسام بعد سنوات الملاحقة المستمرة من أجهزة أمن السلطة والعملاء الذين كشفوا الكثير من رموز الكتائب وأسلموهم للاحتلال، مثل يحيى عياش وعماد عقل وغيرهم، ليصير الجعبري هو الشخص الثالث في قيادة كتائب القسام.

 

اغتال جيش الاحتلال الشيخ صلاح شحادة، وحاول اغتيال محمد ضيف، ولكنه أصيب إصابات شديدة، وحدثت له إعاقة ما، لم تفصح حركة حماس عن طبيعة تلك الإصابات والإعاقة حتى الآن، فتسلم الجعبري القيادة الفعلية لكتائب القسام، ليتخذه الاحتلال عدوًا شخصيًا، ويصبح المطلوب الأول للكيان الصهيوني في قطاع غزة، وتعرض لمحاولات اغتيال كثيرة، أشهرها تلك التي نجا منها بعد إصابته بجروح طفيفة، بينما قتل ابنه البكر محمد، وشقيقه وثلاثة من أقاربه في عام 2004.

 

تحول الجعبري إلى كابوس مزعج للاحتلال الصهيوني، فقد قامت الكتائب بالعديد من العمليات الاستشهادية في عهده، سقط فيها المئات من القتلى والجرحى الصهاينة، وأحدث الجعبري تغييرات كبيرة في بنية كتائب القسام، وحولها من مجموعات صغيرة، إلى جيش شبه نظامي يتألف من أكثر من عشرة آلاف مقاتل موزعين وفقًا لهرمية تنظيمية واضحة تضم وحدات من مختلف الاختصاصات القتالية، فضلًا عن ترسانة متنوعة وضخمة من الأسلحة التي يصنع بعضها محليًا، واعتبره الاحتلال الصهيوني "رئيس أركان حماس".

 

قاد الجعبري كتائب القسام في معركة الفرقان الأخيرة، في نهاية عام 2008 وبداية 2009، واعتبرته وسائل إعلام صهيونية "مهندس" التصدي لهذا العدوان، وحاول الاحتلال الصهيوني كثيرًا أن ينال منه في تلك الحرب الشرسة التي استخدم فيها جيش الاحتلال قدرًا هائلًا من الذخيرة الحية بمختلف أنواعها، إلا أنه فشل في اصطياد الرجل، فأطلق عليه لقب "الشبح".

 

في العام 2006 أسرت كتائب القسام بقيادة الجعبري، وبالتعاون مع لجان المقاومة وجيش الإسلام، الجندي الصهيوني "جلعاد شاليط"، ونجحت الكتائب بقيادة الجعبري، في الاحتفاظ بشاليط حتى صفقة وفاء الأحرار في أكتوبر 2011، رغم الجهود الصهيونية الهائلة للوصول إليه، والحرب الشرسة التي خاضتها ضد الحركة والقطاع عام 2008، ورغم المحاولات المستميتة من قبل عملاء الاحتلال على إيجاد مكانه، ولكنه رغم ذلك، حاول اختطاف أسرى آخرين في حرب الفرقان، إلا أن الاحتلال تخلص منهم.

 

في بداية أكتوبر 2011، أعلن عن الوصول إلى اتفاق تبادل أسرى، وكشفت التقارير أن المفاوضات مع الكيان الصهيوني- والتي استمرت خمسة أعوام متتالية، حاول فيها الاحتلال استخدام أساليبه المعتادة في دفع الخصم إلى الملل، والتسليم له بما يريد- لم تنته، إلا بعد أن تدخل الجعبري شخصيًا، وقاد فريق المفاوضات التابع لحماس، وأجبر الاحتلال الصهيوني على الرضوخ والقبول بنسبة 95% من شروط حماس.

 

في يوم إتمام المرحلة الأولى من صفقة وفاء الأحرار، ظهر أحمد الجعبري للإعلام، ممسكًا بذراع الجندي الصهيوني الأسير جلعاد شاليط، لحظة تسليمه إلى أحد قادة جهازة المخابرات المصري وقتئد –رئيس جهاز المخابرات حاليًا- وهو يرفض إطلاقه، حتى اطمأن على وصول الأسرى الفلسطينيين، فيما اعتبره الاحتلال الصهيوني، إذلالًا له، وتمريغًا لأنفه في التراب واستهتارًا به، وتحديًا له.

 

وبينما يرى البعض أن قيادة حماس بدأت تنجرف بعيدًا عن المقاومة المسلحة، كان صوت الجعبري يأتي مزعجًا لقادة الاحتلال، مطمئنًا أنصار الحركة، أن كتائب القسام لا تزال ضاغطة على الزناد، ولا يزال هدفها واضح، وهو تحرير فلسطين كل فلسطين، وعلى رأسها القدس والأقصى، فقد قال في رسالة نشرتها مجلة "درب العزة" التي تصدر عن المكتب الإعلامي لكتائب القسام في ذكرى الحرب الصهيونية الثانية على غزة: "كتائب القسام لم ولن تسقط من حساباتها أى خيار ممكن من أجل تفعيل المقاومة وتحرير الأسرى وقهر العدو الغاصب المجرم"، مضيفًا: "عيوننا ستبقى دومًا صوب القدس والأقصى ولن تنحصر داخل حدود غزة، وإن مشروعنا المقاوم سيمتد كما كان دومًا إلى كل أرضنا المغتصبة إن عاجلًا أو آجلًا"، ومن أبرز تصريحاته قوله: "ما دام الصهاينة يحتلون أرضنا فليس لهم سوى الموت أو الرحيل عن الأراضي الفلسطينية المحتلة".

 

وهكذا ظل الجعبري كابوسًا مخيفًا للاحتلال طيلة حياته، فقد أتعبهم وأبعد النوم عن أعينهم، وظنوا أنهم برحيله سيرتاحون، ولكن يبدو أن ذلك البطل، سيظل كابوسًا لهم بعد مماته أيضًا، فها هي حركة المقاومة الإسلامية "حماس"، تستهدف لأول مرة عاصمة الكيان الصهيوني الغاصب، بثلاثة صواريخ محلية الصنع، وهي المرة الأولى التي تقصف فيها تل أبيب، منذ اغتصاب فلسطين وإعلان قيام ذلك الاحتلال عام 1948، ويبدو أن حركة حماس وكتائب المقاومة الأخرى، تحمل في جعبتها الكثير مما تستطيع به إيلام العدو الصهيوني، ليدفع ثمن اغتيال الجعبري غاليًا.

 

كذلك قررت مصر لأول مرة منذ بدء انتفاضة الأقصى عام 2000، سحب السفير المصري من تل أبيب، وهذا لم يحدث حتى عندما أقدم الاحتلال على قتل 6 من الجنود المصريين على الحدود العام الماضي، مع قيام مصر بحملة دبلوماسية على المستوى العربي والإسلامي والدولي، لإدانة العدوان الصهيوني، وهو موقف جديد على الدبلوماسية المصرية، لم يكن يحدث في السابق، وهو أمر يبدو أن القيادة الصهيونية لم تكن تتوقع أن يصل لهذا الحد في ظل هذه الظروف الصعبة التي تمر بها مصر، والعقبات التي يواجهها نظام الرئيس محمد مرسي، وهي صفعة أخرى تلقاها الاحتلال الصهيوني، بعد اغتيال الجعبري.

 

لا يمكن التنبؤ بما سيحدث خلال الساعات القادمة، ولكن من المرجح بقوة أن جريمة اغتيال الجعبري لن تمر مرور الكرام، وستحيل المقاومة تلك المحنة إلى منحة تلقن فيها العدو درسًا لا ينساه، لأنها إن لم تفعل ذلك، فإنها ستفتح الباب على مصراعيه، لكي يقدم الاحتلال على اغتيال المزيد من قيادات المقاومة، وعلى رأسهم القادة الرموز.

 

المصدر:

http://ar.qawim.net/index.php?option=com_content&task=view&id=8318&Itemid=1314