أحكام التداوي بالمحرمات الحسية في الفقه الإسلامي 2/2
22 محرم 1434
د. أحمد الخليل

الفصل الأول: حكم دخول الخمر في الدواء

وفيه مبحثان هما:

المبحث الأول: حكم الخمر من حيث الطهارة والنجاسة

لحكم الخمر من حيث الطهارة، والنجاسة، أثر بين على مسألة التداوي بالخمر، ولهذا سأذكر هذه المسألة، مبيناً أقوال الفقهاء، والأدلة والترجيح كما يلي:
اختلف الفقهاء في الخمر هل هو نجس أو طاهر على قولين:
القول الأول: أن الخمر نجس العين، وإلى هذا ذهب الجماهير، فهو مذهب الحنفية(1)، والمالكية(2)، والشافعية(3)، والحنابلة(4)، والظاهرية(5)، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية(96)، بل نُقل الإجماع على نجاستها(7).

 

واستدل الجمهور بما يلي:
الدليل الأول:
قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}(8).
وجه الاستدلال: قال القرطبي: "قوله تعالى: "رجس" يدل على نجاستها فإن الرجس في اللسان النجاسة"(9).
وقال أيضاً: "فهم الجمهور، من تحريم الخمر، واستخباث الشرع لها، وإطلاق الرجس عليها، والأمر باجتنابها، الحكم بنجاستها"(10).
قلت: سأنقل بعض تفاسير الآية عن السلف وبعض المتأخرين ليتضح المقام:
قال ابن عباس: سخط من عمل الشيطان.
وقال ابن جبير: إثم.
وقال زيد بن أسلم: شر(11).
وقال البيضاوي: قذر تعاف عنه العقول(12).
وقال ابن عاشور: "الرجس: الخبث المستقذر، والمكروه من الأمور الظاهرة، ويطلق على الباطنة، كما في قوله: {وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ} [التوبة:125](13).
وقال في النهاية في غريب الأثر: "الرجس القذر، وقد يعبر به عن الحرام، والفعل القبيح والعذاب، واللعنة، والكفر، والمراد في هذا الحديث(14) الأول.
قال الفراء: إذا بدأوا بالنجس، ولم يذكروا معه الرجس، فتحوا النون والجيم، وإذا بدأوا بالرجس ثم أتبعوه النجس، كسروا الجيم، ومنه الحديث: (نهى أن يستنجى بروثة وقال: إنها رجس) أي مستقذرة، وقد تكرر في الحديث"(15).
قلت: فسر أهل اللغة الرجس بالقذر، وفسره بعضهم بالنجس، كما في اللسان(16) والمخصص(17) وكذا في معجم لغة الفقهاء(18)، بل سمى النبي صلى الله عليه وسلم الروثة رجس(19) وفي رواية ركس(20).

 

تنبيه:
قال النووي: "الرجس عند أهل اللغة القذر، ولا يلزم من ذلك النجاسة"(21).
وهذا ليس بصحيح؛ لما سبق أن الرجس فُسر بالقذر، وفسر بالنجس، ثم النجس فسر أيضاً بالقذر(22) فهل يقال أيضاً لا يلزم من ذلك النجاسة.

 

المناقشة:
تبين مما سبق أن كلمة (رجس) تطلق على النجاسة المعنوية، والحسية، ولكن بقي النظر في هذه الآية هل المراد بها المعنوية أو الحسية.

 

الذي يظهر لي أن المراد بها المعنوية لما يلي:
1 – تفسيرات السلف حيث جاء فيها: سخط، وأثم، وشر، وهي تفيد النجاسة المعنوية.
2 – سياق الآية يدل على أن المراد بها النجاسة المعنوية:
قال الشوكاني: "فليس المراد بالرجس هنا النجس بل الحرام كما يفيده السياق وهكذا في قوله تعالى: {قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ} [الأنعام: من الآية145] أي حرام – ثم قال – على أن في الآية الأولى ما يمنع من حملها على أن المراد بالرجس النجس وذلك اقتران الخمر بالميسر والأنصاب والأزلام فإنها طاهرة بالإجماع"(23).
وقال الطاهر بن عاشور: "مساق الآية بعيد عن قصد نجاسة عينها، إنما القصد أنها رجس معنوي، ولذلك وصفه بأنه من عَمَل الشيطان، وبيّنه بعدُ بقوله: {إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ} [المائدة: من الآية91]، ولأن النجاسة تعتمد الخباثة والقذارة وليست الخمر كذلك، وإنما تنزّه السلف عن مقاربتها لتقرير كراهيتها في النفوس"(24).

 

الدليل الثاني: قوله تعالى: {وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَاباً طَهُوراً}(25).
وجه الاستدلال:
قال الشيخ الشنقيطي مقرراً وجه الاستشهاد من الآية: "وصفه لشراب أهل الجنة بأنه طهور يفهم منه أن خمر الدنيا ليست كذلكن ومما يؤيد هذا، أن كل الأوصاف التي مدح بها تعالى خمر الآخرة منفية عن خمر الدنيا، كقوله: {لا فِيهَا غَوْلٌ وَلا هُمْ عَنْهَا يُنْزَفُونَ} [الصافات:47]، وكقوله: {لا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلا يُنْزِفُونَ} [الواقعة:19]، بخلاف خمر الدنيا، ففيها غول يغتال العقول"(26).

 

وفي تفسير الآية أقوال أخرى:
قال الفراء: "يقول هو طهور ليس بنجس، كما كان في الدنيا موصوفاً بالنجاسة، والمعنى: أن ذلك الشراب طاهر، ليس كخمر الدنيا.
وقال مقاتل: هو عين ماء، على باب الجنة، من شرب منها نزع الله ما كان في قلبه من غشّ، وغلّ، وحسد. قال أبو قلابة، وإبراهيم النخعي: يؤتون بالطعام، فإذا كان آخره أتوا بالشراب الطهور، فيشربون فتضمر بطونهم من ذلك، ويفيض عرق من أبدانهم مثل ريح المسك"(27).
وقال الزمخشري: {شَرَاباً طَهُوراً} ليس برجس، كخمر الدنيا؛ لأن كونها رجساً بالشرع لا بالعقل، وليست الدار دار تكليف، أو لأنه لم يعصر فتمسه الأيدي الوضرة، وتدوسه الأقدام الدنسة، ولم يجعل في الدنان، والأباريق التي لم يعن بتنظيفها، أو لأنه لا يؤول إلى النجاسة؛ لأنه يرشح عرقاً من أبدانهم، له ريح كريح المسك"(28).

 

ويناقش الدليل بوجهين:
الوجه الأول: أن أهل العلم، اختلفوا في معنى قوله تعالى: (طهوراً)، فلا يتعين حمله على وجه منها، وقد تقدم بيان معاني طهوراً فيما نقلته قريباً.
ثم الاحتجاج بالآية احتجاج بمفهوم المخالفة، وهو مختلف فيه بين أهل العلم.
الجواب عن المناقشة: حمل (طهوراً) في الآية، على المعنى الشرعي المتبادر، أولى من حمله على غيره. وأيضاً الاعتراض بالاختلاف، في مفهوم المخالفة، ضعيف، فإن الجمهور يرون العمل بمفهوم المخالفة(29).
الوجه الثاني: ذكره شيخنا في الشرح الممتع حيث يقول: "المراد بالطّهور هنا الطهور المعنوي الذي قال الله فيه: {لا فِيهَا غَوْلٌ وَلا هُمْ عَنْهَا يُنْزَفُونَ} [الصافات:47]، وهذا متعيِّن؛ لأن لدينا سُنَّة عن النبي صلى الله عليه وسلم بعدم النجاسة.
ثم إن شراب أهل الجنة ليس مقصوراً على الخمر، بل فيها أنهار من ماء، ولبَن، وعسل، وكلها يُشرب منها، فهل يمكن أن يُقال: إن ماء الدنيا ولبَنَها وعسَلها نَجِس بمفهوم هذه الآية؟"(30).

 

الدليل الثالث: عن أبي ثعلبة الخُشَني: أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم إنا نجاور أهل الكتاب وهم يطبخون في قدورهم الخنزير، ويشربون في آنيتهم الخمر. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن وجدتم غيرها فكلوا فيها واشربوا، وإن لم تجدوا غيرها فارحضوها بالماء فكلوا واشربوا"(31).
وجه الاستدلال: أنه أمر بغسلها بقوله: (فارحضوها) مما يدل على نجاستها.
الجواب عليه: قال الشوكاني: "وأم الاستدلال على نجاسة الخمر، بحديث أبي ثعلبة الخنشي، عند أبي داود، والترمذي، والحاكم، أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر برحض آنية أهل الكتاب، لما قال له إنهم يشربون فيها الخمر، ويطبخون فيها لحم الخنزير، فإن المراد بأمره صلى الله عليه وسلم بالغسل، أن يزيلوا منها أثر ما يحرم أكله، وشربه، ولا ملازمة بين التحريم والنجاسة، كما عرفت، ولفظ الحديث: "إن وجدتم غيرها، فكلوا فيها واشربوا، وإن لم تجدوا غيرها فارحضوها بالماء وكلوا واشربوا"، وفي لفظ الترمذي: "أنقوها غسلاً واطبخوا فيها". فهذا يدلك على أن الكلام في الأكل والشرب فيها، والطبخ لما يطبخونه فيها، تحذير من اختلاط مأكولهم ومشروبهم بمأكول أهل الكتاب ومشروبهم، للقطع بتحريم الخمر والخنزير"(32).

 

الدليل الرابع: أنه حرم تناولها من غير ضرر، فكانت نجسة كالدم.
الجواب: أجاب عنه النووي بوجهين:
أحدهما: أنه منتقض بالمني، والمخاط، وغيرهما(33).
والثاني: أن العلة في منع تناولهما مختلفة، فلا يصح القياس، لأن المنع من الدم لكونه مستخبثاً والمنع من الخمر لكونها سبباً للعداوة، والبغضاء، وتصد عن ذكر الله، وعن الصلاة، كما صرحت به الآية الكريمة(34).

 

القول الثاني: أن الخمر ليست نجسة العين، وهو قول ربيعة الرأي – شيخ الإمام مالك -، وكثير من مالكية بغداد(35)، والمزني من أصحاب الشافعي(36)، وداود الظاهري(37)، ومن المتأخرين الأمير الصنعاني(38)، والشوكاني(39)، والطاهر بن عاشور(40)، ومحمد رشيد رضا(41).
الأدلة:
الدليل الأول: أن الأصل في الأشياء الطهارة، فالخمر الأصل فيها الطهارة، وما استدل به القائلون بالنجاسة لا يقوى على المعارضة.
قال في سبل السلام: "والحق أن الأصل في الأعيان الطهارة، وأن التحريم لا يلازم النجاسة، فإن الحشيشة محرمة طاهرة، وكذا المخدرات، والسموم القاتلة، لا دليل على نجاستها.
وأما النجاسة فيلازمها التحريم، فكل نجس محرم، ولا عكس؛ وذلك لأن الحكم في النجاسة، هو المنع عن ملابستها على كل حال، فالحكم بنجاسة العين حكم بتحريمها بخلاف الحكم بالتحريم، فإنه يحرم لبس الحرير، والذهب، وهما طاهران ضرورة شرعية وإجماعاً.
فإذا عرفت هذا فتحريم الحمر، والخمر، الذي دلت عليه النصوص، لا يلزم منه نجاستهما، بل لا بد من دليل آخر عليه، وإلا بقيتا على الأصل المتفق عليه من الطهارة"(42).

 

الدليل الثاني: عن أنس رضي الله عنه قال: كنت ساقي القوم في منزل أبي طلحة، وكان خمرهم يومئذ الفضيخ، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم منادياً ينادي، ألا إنّ الخمر قد حُرِّمت قال: فقال لي أبو طلحة: اخرُج فأهرقها فخرجْتُ فهرقتها فجرت في سِكَك المدينة، فقال بعض القوم: قد قُتِل قومٌ وهي في بطونهم، فأنزل الله ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا.. الآية"(43).
وقد بوب البخاري هذا الحديث بقوله (باب صب الخمر في الطريق) ولعله يشير إلى طهارة الخمر.
وقال الحافظ معلقاً على تبويب البخاري: "أي المشتركة إذا تعين ذلك طريقاً لإزالة مفسدة تكون أقوى من المفسدة الحاصلة بصبها"(44).
وجه الاستدلال: "استدل سعيد بن الحداد القروي(45)، على طهارتها، بسفكها في طرق المدينة، قال: ولو كانت نجسة لما فعل ذلك الصحابة رضوان الله عليهم، ولنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه، كما نهى عن التخلي في الطرق"(46).
ثم أجاب القرطبي عن ذلك بقوله: "والجواب أن الصحابة فعلت ذلك، لأنه لم يكن لهم سروب، ولا آبار يريقونها فيها، إذ الغالب من أحوالهم أنهم لم يكن لهم كنف في بيوتهم، وقال عائشة رضي الله عنها: إنهم كانوا يتقذرون من اتخاذ الكنف في البيوت، ونقلها إلى خارج المدينة فيه كلفة ومشقة، ويلزم منه تأخير ما وجب على الفور، وأيضاً فإنه يمكن التحرز منها، فغن طرق المدينة كانت واسعة، ولم تكن الخمر من الكثرة بحيث تصير نهراً"(47).
قلت: لا يخفى أن في جوابه تكلفاً، فغن إراقة النجاسة، التي هي بمنزلة البول، في الشوارع، أمر يستبعد وقوعه.
لا سيما وفي الحديث قوله: "سكك المدينة" والسكك جمع سكة، وهي الطريق المسلوكة، كما قاله الحافظ(48)، فقد أراقوها في طريق الناس المسلوكة، التي يمشون بها، وليست في الطرق المنزوية، وهذا مما يدل على ضعف جواب القرطبي.

 

الدليل الثالث: عن زيد بن أسلم عن عبد الرحمن بن وعلة السبإي من أهل مصر، أنه سأل عبدالله بن عباس عما يُعصَر من العنب، فقال ابن عباس: إن رجلاً أهدى لرسول الله راوية خمر فقال له رسول الله: هل علمت أن الله قد حرَّمها، قال: لا فسارَّ إنساناً فقال له رسول الله: بم ساررتَه؟ فقال: أمرْته ببيعها. فقال: إن الذي حرَّم شربها حرَّم بيعها. قال: ففتح المزاد حتى ذهب ما فيها(49).
وجه الاستدلال: وجهه ظاهر، حيث أقره صلى الله عليه وسلم على إراقة الخمر بحضرته، ولو كانت نجاسة لم يقره على ذلك؛ لأن هذا يعني تنجس المكان.
المقارنة والترجيح: بما أن الأصل المتقرر في الأعيان الطهارة، فإنه يبقى علينا إثبات نجاسة الخمر.
والأدلة التي استدل بها الجمهور، ليست قوية، بالدرجة التي ترفع الأصل الثابت.
أما الآية – وهي الدليل الأول للجمهور – فحمل قوله: (رجس) على النجاسة المعنوية، قوي جداً، وقد سبق ذكر المؤيدات لذلك.
وأما حديث أبي ثعلبة، فهو في سياق الكلام عن الأكل والشرب، لا الطهارة والنجاسة كما تقدم عن الشوكاني.
هذا أقوى أدلة الجمهور، والمناقشة بهما قوية على ما سبق.
وبالمقابل أدلة أصحاب القول الثاني وجيهة جداً، والجواب عنها فيه تكلف.
لما سبق أرى أن الأقرب والله أعلم طهارة الخمر طهارة حسية وإن كانت نجسة وخبيثة معنوياً.

 

المبحث الثاني: حكم التداوي بالخمر

ينقسم حكم التداوي بالخمر إلى قسمين:
القسم الأول: التداوي بالخمر بلا ضرورة، فهذا أجمع الفقهاء على تحريمه(50) مستدلين بالأدلة العامة، المانعة من التداوي بالخمر، وستأتي في أثناء الكلام على القسم الثاني.
القسم الثاني: التداوي بالخمر للضرورة، فهذا القسم اختلف فيه الفقهاء على أقوال:
القول الأول: تحريم التداوي بالخمر.
وهو مذهب بعض الحنفية، والمالكية، والشافعية، والحنابلة(51).

 

الأدلة:
الدليل الأول: قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}(52).
وجه الاستدلال: أن الله تعالى أمر باجتناب الخمر كلياً، فيدخل في عموم ذلك التداوي.
قال شيخ الإسلام ابنتيمية: "الأدلة الدالة على التحريم مثل قوله: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ}، و(كل ذي ناب من السباع حرام)، و{إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ} عامة، في حال التداوي، وغير التداوي، فمن فرق بينهما، فقد فرق بين ما جمع الله بينه وخص العموم"(53).

 

الدليل الثاني: عن علقمة بن وائل، عن أبيه وائل الحضرمي، أن طارق بن سويد الجُعفي سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الخمر، فنهاه، أو كره أن يصنعها، فقال: إنما أصنعها للدواء فقال إنه ليس بدواء ولكنه داء(54).
وجه الاستدلال: قال النووي: "وفيه التصريح بأنها ليست بدواء، فيحرم التداوي بها، لأنها ليست بدواء فكأنه يتناولها بلا سبب"(55).
وقال شيخ الإسلام: "فهذا نص في المنع من التداوي بالخمر، رداً على من أباحه وسائر المحرمات مثله قياساً، خلافاً لمن فرق بينهما، فإن قياس المحرم من الطعام أشبه من الغراب بالغراب، بل الخمر قد كانت مباحة في بعض أيام الإسلام، وقد أباح بعض المسلمين من نوعها الشرب، دون الإسكار والميتة والدم بخلاف ذلك"(56).

 

الدليل الثالث: عن أم سلمة قالت: نبذتُ نبيذاً في كوز فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يغلي، فقال: ما هذا؟ قلت اشتَكَت ابنةٌ لي فنَعَتُّ لها هذا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله لم يجعل شفاءكم فيما حرَّم عليكم"(57).
وهو نص في المسألة، حيث صرح فيه صلى الله عليه وسلم أن الله لم يجعل الشفاء فيما حرم علينا، والخمر من أعظم المحرمات.

 

الدليل الرابع: حديث أبي الدرداء، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله أنزل الداء والدواء، وجعل لكل داء دواء، فتداووا ولا تداووا بحرام"(58).
فقد نهى عن التداوي بالحرام، والخمر أشد الأشربة تحريماً.

 

الدليل الخامس: عن أبي هريرة قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الدواء الخبيث"(59).
وقد اختلف الفقهاء بالمراد بالدواء الخبيث: فقيل هو الخمر، وقيل هو السم.
وقيل الذي تنفر النفس منه، وقيل: النجس(60).
قلت: بكل حال فالخمر داخلة في عموم الحديث لأنها أم الخبائث.

 

الدليل السادس: أن المسكر محرم لعينه، فلم يبح للتداوي به، قياساً على لحم الخنزير(61).
الدليل السابع: أن الضرورة لا تتحقق في التداوي بها، لأنه لا بد وأن يوجد غيرها من الحلال، ما يعمل عملها في المداواة(62).
الدليل الثامن: سداً لذريعة تناوله للشهوة واللذة، لا سيما إذا عرفت النفس أن فيه نفعاً وشفاءً للأسقام، وقد سد الشارع الذريعة إلى تناوله بكل ممكن(63).
الدليل التاسع: أن الضرورة لا تندفع به، فلم يبح، كالتداوي بها فيما لا تصلح له(64).
الدليل العاشر: أن التداوي ليس من الضرورة، لأن كثيراً من المرضى يشفون بلا تداوي، ولأن المرض له أدوية شتى، ومحال ألا يكون له في الحلال شفاء(65).

 

القول الثاني: جواز التداوي بالخمر للضرورة
وهو مذهب ابن حزم الظاهري(66)، وبعض الشافعية، وبعض الأحناف(67).
الأدلة:
الدليل الأول: قوله تعالى: {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ}(68).
وجه الاستدلال: قال ابن حزم: "إن الشيء ما دام حراماً علينا، فلا شفاء لنا فيه، فإذا اضطررنا إليه، فلم يحرم علينا حينئذ، بل هو حلال، فهو لنا حينئذ شفاء، وهذا ظاهر الخبر، وقد قال الله تعالى فيما حرم علينا: (فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه)، وقد قال تعالى: {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ}(69).

 

الدليل الثاني: عن أنس بن مالك رضي الله عنه: أن ناساً من عُرَينة قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينةَ فاجتووها فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن شئتم أن تخرجوا إلى إبل الصدقة فتشربوا من ألبانها وأبوالها". ففعلوا فصحُّوا ثم مالوا على الرِّعاء فقتلوهم وارتدُّوا عن الإسلام واستاقوا ذَوْد رسول الله صلى الله عليه وسلم فبلغ ذلك النبيَّ صلى الله عليه وسلم فبَعَثَ في إثْرهم فأُتي بهم فقَطَع أيديهم وأرجلهم وسَمَل أعينهم وتركهم في الحَرَّة حتى ماتوا"(70).
وجه الاستدلال: أن النبي صلى الله عليه وسلم أباح للعرنيين شرب بول الإبل، وهي محرمة وإنما أباحها الشارع لضرورة التداوي فكذلك الخمر.

 

والجواب عليه من وجهين:
الوجه الأول: قال الخطابي: "قد فرق رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الأمرين اللذين جمعهما هذا القائل، فنص على أحدهما بالحظر، وعلى الآخر بالإباحة، وهو بول الإبل، والجمع بين ما فرقه النص غير جائز، وأيضاً فإن الناس كانوا يشربون الخمر قبل تحريمها ويشفون بها، ويتبعون لذاتها، فلما حرمت عليها صعب عليهم تركها، والنزوع عنها، فغلظ الأمر فيها بإيجاب العقوبة على متناولها، ليرتدعوا وليكفوا عن شربها، وحسم الباب في تحريمها على الوجوه كلها شرباً، وتداوياً، لئلا يستبيحوها بعلة التساقم، والتمارض، وهذا المعنى مأمون في أبوال الإبل، لانحسام الدواعي، ولما على الطباع من المؤنة في تناولها، ولما في النفوس من استقذارها والنكرة لها، فقياس أحدهما على الآخر لا يصح ولا يستقيم والله أعلم"(71).

 

الوجه الثاني: أن أبوال الإبل طاهرة لدلالة حديث العرنيين السابق، وسيأتي الكلام بالتفصيل عن حكم أبوال الإبل، من حيث الطهارة، والنجاسة، إن شاء الله تعالى(72)، وإذا كانت طاهرة، فلا يصح قياس الخمر عليها؛ لأن الطاهر يجوز شربه، والخمر لا يجوز شربه.

 

الدليل الثالث: يباح تناول الخمر للدواء، كما أبيح في حال دفع الغصة للضرورة.
الجواب:
أن السلامة بهذه الإساغة قطعية، بخلاف التداوي بها فهو أمر مضنون(73).

 

الراجح:
الأقرب للأدلة القول الأول، ويستثنى من ذلك حالان:
الحال الأولى: إذا اضطر المريض إلى دواء فيه مسكر، ولا يجد غيره، وأفاد الأطباء أنه علاج لهذا المريض، متعين ونفعه متأكد، فلا بأس للضرورة.
وما ذكر شيخ الإسلام من أنه لا يستيقن الشفاء به، فالجواب عليه: أن من الأدوية اليوم ما يقرب من اليقين أنه ينتفع به.
مثال ذلك: بخاخ الربو(74) فإن مريض الربو، إذا ضاق تنفسه، ثم استخدم هذا الدواء – البخاخ – انفرج عنه مباشرة، وهو أمر مشاهد معلوم.
الحال الثانية: إذا استهلكت الخمر في الدواء، بحيث لم يبق لها طعم، ولا رائحة، ولا لون، فهذا يجوز ولو بلا ضرورة، لأنه لم يبق أثر للخمر.
وليعلم أن الكلام السابق في حكم التداوي، لا في حكم صنع الأدوية المشتملة على الخمر فهذه مسألة أخرى.

 

الفصل الثاني: حكم التداوي بالنجاسات غير الخمر

وفيه مبحثان هما:

المبحث الأول: حكم التداوي بأبوال الحيوانات

وفيه مطلبان هما:

المطلب الأول: حكم أبوال الحيوانات من حيث الطهارة والنجاسة

اختلف الفقهاء في هذه المسألة على أقوال:
القول الأول: نجاسة الأبوال كلها، مأكولة اللحم، وغير المأكولة، وهو مذهب الحنفية(75)، والشافعية(76).

 

الأدلة:
الدليل الأول: عن ابن عباس قال: مر النبي صلى الله عليه وسلم بقبرين، فقال: إنهما ليعُذَّبان، وما يُعذَّبان في كبير، أما أحدهما فكان لا يستنزه من البول، قال وكيع: من بوله، وأما الآخر فكان يمشي بالنميمة، ثم أخذ جريدة فشقَّها بنصفين، فغرز في كل قبر واحدة، فقالوا: يا رسول الله لِمَ صنعت هذا؟ قال: لعلهما أن يُخَفَّف عنهما ما لم ييبسا، قال وكيع: تيبسا"(77).
وجه الاستدلال: البول اسم جنس محلى باللام فيوجب العموم، وإذا كان النبي قد أخبر بالعذاب من جنس البول، وجب الاحتراز والتنزه من جنس البول، فيجمع ذلك أبوال جميع الدواب، والحيوان الناطق، والبهيم، ما يؤكل وما لا يؤكل، فيدخل بول الأنعام في هذا العموم، وهو المقصود(78).
المناقشة: يناقش بأن اللام في البول للتعريف، فتفيد ما كان معروفاً، عند المخاطبين.
وقد نص أهل المعرفة باللسان، والنظر في دلالات الخطاب، أنه لا يصار إلى تعريف الجنس إلا إذا لم يكن ثم شيء معهود، فأما إذا كان ثم شيء معهود، فإنه لا يكون لتعريف جنس ذلك الاسم، حتى ينظر فيه، فإذا تبين هذا فقوله: "فإنه كان لا يستنزه من البول" بيان للبول المعهود، وهو الذي كان يصيبه وهو بول نفسه.
يدل على ذلك ما روى أنه كان لا يستبرئ من البول، والاستبراء لا يكون إلا من بول نفسه، لأنه طلب براءة الذكر، كاستبراء الرحم من الولد.
أيضاً روي هذا الحديث من وجوه صحيحة بلفظ: "فكان لا يستتر من بوله" وهذا يفسر تلك الرواية(79).

 

الدليل الثاني:
حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن أكثر عذاب القبر من البول"(80).
المناقشة: القول فيه كالقول فيما تقدم – أي أن المراد بول نفسه – مع أنا نعلم إصابة الإنسان بول غيره قليل نادر، وإنما الكثير إصابته بول نفسه، ولو كان أراد أن يدرج بوله في الجنس الذي يكثر وقوع العذاب بنوع منه، لكان بمنزلة قوله أكثر عذاب القبر من النجاسات(81).

 

الدليل الثالث:
عن عائشة رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لا صلاة بحضرة طعام، ولا وهو يدافعه الأخبثان"(82).
وجه الاستدلال: أنه يقصد بالأخبثين، البول والنجو، وهذا يفيد تسمية كل بول ونجو أخبث، والأخبث حرام نجس.

 

المناقشة:
قال شيخ الإسلام: "وهذا في غاية السقوط، فإن اللفظ ليس فيه شمول لغير ما يدافع أصلاً"(83).

 

الدليل الرابع:
القياس على البول المحرم، فنقول: بول وروث فكان نجساً كسائر الأبوال لأن مناط الحكم في الأصل هو أنه بول وروث، وقد دل على ذلك تنبيهات النصوص، مثل قوله: "اتقوا البول" وقوله: "كان بنو إسرائيل إذا أصاب ثوب أحدهم البول قرضه بالمقراض".
المناقشة: لا نسلم أن العلة في الأصل أنه بول وروث، وما ذكره من تنبيه النصوص، فقد سلف الجواب بأن المراد بها بول الإنسان.

 

القول الثاني: طهارة بول ما يؤكل لحمه.
وهو مذهب المالكية(84)، والحنابلة(85)، وداود الظاهري(86)، ومحمد وزفر وطائفة من السلف وابن خزيمة، وابن المنذر، وابن حبان، والاصطخري، والروياني، والنخعي، والأوزاعي، والزهري، والليث بن سعد(87).

 

الأدلة:
الدليل الأول: حديث أنس رضي الله السابق.
وجه الاستدلال: قال شيخ الإسلام: "فوجه الحجة أنه أذن لهم في شرب الأبوال، ولا بد أن يصيب أفواههم، وأيديهم، وثيابهم، وآنيتهم، فإذا كانت نجسة، وجب تطهير أفواههم، وأيديهم، وثيابهم للصلاة، وتطهير آنيتهم، فيجب بيان ذلك لهم، لأن تأخير البيان عن وقت الاحتياج إليه لا يجوز، ولم يبين لهم النبي أنه يجب عليهم إماطة ما أصابهم منه، فدل على أنه غير نجس، ومن البين أن لو كانت أبوال الإبل كأبوال الناس لأوشك أن يشتد تغليظه في ذلك(88).

 

الدليل الثاني: أن الأصل الجامع، طهارة جميع الأعيان، حتى تتبين نجاستها، فكل ما لم يبين لنا أنه نجس فهو طاهر، وهذه الأعيان لم يبين لنا نجاستها فهي طاهرة(89).

 

الدليل الثالث: عن عبد الله بن مغفل قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: صلوا في مرابض الغنم، ولا تصلوا في أعطان الإبل، فإنها خُلقت من الشياطين"(90).
وجه الاستدلال: بينه شيخ الإسلام بأنه صلى الله عليه وسلم "أطلق الإذن بالصلاة، ولم يشترط حائلاً يقي من ملامستها، والموضع موضع حاجة إلى البيان فلو احتاج لبينه"(91).
وأيضاً "لو كانت نجسة كأرواث الآدميين، لكانت الصلاة فيها إما محرمة كالحشوش والكنف، أو مكروهة كراهية شديدة، لأنها مظنة الأخباث والأنجاس، فأما أن يستحب الصلاة فيها ويسميها بركة(92)، ويكون شأنها شأن الحشوش، أو قريباً من ذلك، فهو جمع بين المتنافيين المتضادين، وحاشا الرسول من ذلك"(93).

 

الدليل الرابع: أن رسول الله طاف على راحلته، وأدخلها المسجد الحرام، الذي فضله الله على جميع بقاع الأرض، وبركها حتى طاف أسبوعاً، وكذلك إذنه لأم سلمة أن تطوف راكبة.
وجه الاستدلال: "أنه ليس مع الدواب من العقل، ما تمتنع به من تلويث المسجدن المأمور بتطهيره للطائفين، والعاكفين، والركع السجود، فلو كانت أبوالها نجسة، لكان فيه تعريض المسجد الحرام للتنجيس، مع أن الضرورة ما دعت إلى ذلك، وإنما الحاجة دعت إليه، ولهذا استنكر بعض من يرى تنجيسها، إدخال الدواب المسجد الحرام، وحسبك بقول: "بطلاناً" رده في وجه السنة التي لا ريب فيها"(94).

 

الدليل الخامس: عن البراء قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما أُكل لحمُه فلا بأس ببوله"(95).
قال شيخ الإسلام: "وهذا ترجمة المسألة إلا أن الحديث قد اختلف فيه قبولاً ورداً، فقال أبو بكر عبد العزيز: ثبت عن النبي، وقال غيره هو موقوف على جابر، فإن كان الأول فلا ريب فيه، وإن كان الثاني فهو قول صاحب، وقد جاء مثله عن غيره من الصحابة، أبي موسى الأشعري وغيره، فينبني على أن قول الصحابة أولى من قول من بعدهم، وأحق أن يتبع، وإن علم أنه انتشر في سائرهم، ولم ينكروه، صار إجماع سكوتياً"(96).

 

الدليل السادس:
عن سلمان، قال: قال لي المشركون: إن هذا ليعلمكن دينكم، حتى إنه ليعلمكم الخِراء، قال: قلتُ: إن قلتم ذلك، لقد نهانا أن نستقبل القبلة، أو نستدبرها، بغائط أو بول، أو نستنجي بأيماننا، وقال: لا يكفي أحدَنا دون ثلاثة أحجار، أو يستنجي برجيع أو عظم.
وجه الاستدلال: أن النبي نهى أن يستنجى بالعظم، والبعر، الذي هو زاد إخواننا من الجن، وعلف دوابهم، ومعلوم أنه إنما نهي عن ذلك لئلا ننجسه عليهم، ولو كان البعر في نفسه نجساً، لم يكن الاستنجاء به ينجسه، ولم يكن فرق بين البعر المستنجى به، والبعر الذي لا يستنجى به، وهذا جمع بين ما فرقت السنة بينه.
ثم إن البعر لو كان نجساً، لم يصلح أن يكون علفاً لقوم مؤمنين، فإنها تصير بذلك جلالة، ولو جاز أن تصير جلالة، لجاز أن تعلف رجيع الإنس، ورجيع الدواب، فلا فرق حينئذ(97).
الترجيح: الراجح رجحاناً بيناً القول الثاني؛ لقوة أدلته، ووضوح دلالتها على المقصود.

 

المطلب الثاني: حكم التداوي بأبوال الحيوانات

اختلف الفقهاء في هذه المسألة على أقوال:
القول الأول: يجوز في حال الضرورة، التداوي بأبوال الحيوانات كلها، سواء أبوال الإبل، أو غيرها مأكولة اللحم، أو غير مأكولة.
وهو مذهب الشافعية(98)، وابن حزم الظاهري(99).

 

الأدلة:
الدليل الأول: قوله تعالى: {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ} (100).
وجه الاستدلال: أن الآية أباحت في حال الضرورة المحرمات، فالبول إن كان نجساً محرماً فهو جائز للضرورة.
الجواب: سبقت مناقشة الاستدلال بالضرورة لجواز التداوي بالمحرمات، وهي مذكورة في الدليل التاسع، والعاشر، والحادي عشر، من أدلة المانعين من التداوي بالخمر، ولو في حال الضرورة(101).

 

الدليل الثاني: استدلوا بحديث أنس السابق في قصة العرنيين.
وقاسوا غير الإبل – من مأكول اللحم وغير المأكول – على الإبل.
الجواب: يناقش هذا الدليل، بأن الحديث وارد في بول مأكول اللحم، وهو من أدلة طهارته، فلا يقاس عليه غيره من الأبوال.

 

القول الثاني: جواز التداوي بأبوال مأكور اللحم فقط.
وهو مذهب بعض الحنفية(102)، ورواية عن مالك(103).

 

الأدلة:
الدليل الأول: استدلوا بحديث أنس السابق في قصة العرنيين، وقاسوا غير الإبل – من مأكول اللحم – على الإبل.
الدليل الثاني: أن أبوال مأكولة اللحم طاهرة، وكل طاهر يجوز التداوي به(104).

 

القول الثالث: جواز التداوي بأبوال الإبل فقط دون غيرها من الحيوانات، وهو وجه للشافعية(105)، وظاهر مذهب الحنابلة(106).
الأدلة:
الدليل الأول: حديث أنس السابق، حيث نص فيه على أبوال الإبل فقط، ولا يقاس عليها غيرها، لأنه لا يقاس ما ثبت أن فيه دواء – وهو بول الإبل – على ما ثبت نفي الدواء عنه، بنهيه عن كل دواء خبيث، وهي باقي الأبوال لنجاستها(107).
الجواب: أن هذا مبني على نجاسة أبوال مأكولة اللحم، وغيرها، وفي أبوال مأكولة اللحم خلاف قوي، والأقرب عدم نجاستها – على ما تقدم تفصيله(108)- فلا يتم هذا الدليل.

 

الدليل الثاني: الإجماع: فقد أجمع العلماء على جواز التداوي بأبوال الإبل.
قال شيخ الإسلام: "لست أعلم مخالفاً في جواز التداوي بأبوال الإبل"(109).

 

القول الرابع: تحريم التداوي بأبوال الحيوانات كلها، وهو وجه للشافعية(110)، ومذهب أبي حنيفة(111).
الأدلة:
الدليل الأول: عن أم سلمة قالت: نبذتُ نبيذاً في كوز فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يغلي، فقال: ما هذا؟ قلت: اشتكَتِ ابنةٌ لي فنعتُّ لها هذا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله لم يجعل شفاءكم فيما حرَّم عليكم"(112).
وجه الاستدلال: أن أبوال الحيوانات محرمة شرعاً فلا يجوز التداوي بها.
الجواب: أن بول الإبل ليس مما حرمه الشارع، بل أباحه وأيضاً أبوال مأكولة اللحم طاهرة ليست محرمة.

 

الدليل الثاني: حديث أبي الدرداء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله أنزل الداء والدواء، وجعل لكل داء دواء، فتداووا ولا تداووا بحرام"(113).
ووجه الاستدلال والمناقشة كما في الدليل السابق.

 

الدليل الثالث: عن أبي هريرة قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الدواء الخبيث"(114).
وتقدم أن الخبيبث فسر بالنجس.
والمناقشة كما تقدم في الدليل الأول من أن أبوال مأكولة اللحم طاهرة، وليست محرمة.

 

الترجيح: الأقرب جواز التداوي بأبوال الإبل – والحيوانات مأكولة اللحم عامة – ولو لغير ضرورة، لأنها طاهرة، ولحديث أنس السابق.
أما غير مأكولة اللحم فأبوالها نجسة، فلا يجوز التداوي بها، إلا في حال الضرورة بشرطين:
1 – أن يثبت نفعها على وجه يقرب من اليقين.
ألا يوجد ما يغني عنها من الأدوية الطاهرة.

 

المبحث الثاني: حكم التداوي بأجزاء الخنزير

وفيه مطلبان:

المطلب الأول: حكم تناول الخنزير في حال السعة والاختيار

أجمع الفقهاء على تحريم تناول أي جزء من الخنزير، في حال الاختيار والسعة(115)، وهو معلوم من الدين بالضرورة، وقد دل على ذلك عدة أدلة منها:
الدليل الأول: قوله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ}(116).

 

الدليل الثاني: قوله تعالى: {قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}(117).
وخص اللحم بالذكر، لأن الغالب إرادته من الخنزير، وإلا فهو عام لجميع أجزائه(118).
قال ابن عطية: "وكل شيء من الخنزير، حرم بإجماع، جلداً كن أو عظماً"(119).

 

الدليل الثالث: عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "والذي نفسي بيده ليوشك أن ينزل فيكم ابن مريم حَكَماً عادلاً وإماماً مقسطاً يكسر الصليب ويقتل الخنزير ويضع الجزية ويفيض المال حتى لا يقبلها أحد"(120).
قال الحافظ: "قوله: "ويقتل الخنزير" أي يأمر بإعدامه مبالغة في تحريم أكله"(121).

 

الدليل الرابع: عن سليمان بن بريدة، عن أبيه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من لعب بالنَّرْدشِير كمن غمس يده في لحم الخنزير ودمه"(122).

 

الدليل الخامس: عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله حرَّم الخمر وثمنها، وحرَّم الميتة، وثمنها، وحرَّم الخنزير وثمنه"(123).

 

الدليل السادس: الإجماع، قال النووي: "أجمع المسلمون على تحريم شحمه، ودمه، وسائر أجزائه"(124).
وقد دلت النصوص السابقة، على تحريم تناول أي جزء من الخنزير للتداوي، أو لغيره في حال السعة والاختيار.

 

المطلب الثاني: حكم تناول الخنزير في حال الضرورة.

في هذه المسألة خلاف بين أهل العلم، وهو كالخلاف السابق في تناول الخمر، والراجح هناك هو الراجح هنا، ولا أريد تكرار الأدلة، والأقوال، كتفاءً بما تقدم.

 

الخاتمة والنتائج:

وفيها أهم النتائج التي توصلت إليها في البحث:
1-    التداوي هو: الكشف عن مسببا المرض العضوي، أو النفسي، وتعاطي الدواء المناسب لتخليص المريض من مرضه، أو تخفيف حدته، أو الوقاية منه.
2-    التداوي بالمحرمات هو: استعمال الأعيان المحرمة طلباً للشفاء من المرض.
3-    الراجح أن التداوي مباح وتركه توكلاً أولى.
4-    الاستحالة لغة تعذر حصول الشيء أو تغير الشيء وانتقاله إلى شيء آخر، واصطلاحاً: تغير العين وانقلاب حقيقتها.
5-    الأقرب أن الاستحالة مطهرة للأعيان النجسة.
6-    الاستهلاك لغة:
يطلق الاستهلاك في اللغة على معنيين:
الأول: الإتلاف فيما ينفع.
الثاني: زوال المنافع التي وجد الشيء من أجل تحقيقها وإن بقيت عينه قائمة.
واصطلاحاً: يطلق الاستهلاك في الاصطلاح على معنيين:
الأول: ألا يبقى للمستهلَك لون، ولا طعم، ولا ريح.
الثاني: الإتلاف.
7-    الأقرب أن الخمر نجسة معنوياً طاهرة حسياً.
8-    التداوي بالخمر محرم ولا يجوز مطلقاً إلا في حال الضرورة بشرطين:
أ‌)    إذا اضطر المريض إلى دواء في مسكر، ولا يجد غيره، وأفاد الأطباء أنه علاج لهذا المريض، متعين ونفعه متأكد، فلا بأس للضرورة.
ب‌)    إذا استهلكت الخمر في الدواء، بحيث لم يبق لها طعم، ولا رائحة، ولا لون، فهذا يجوز ولو بلا ضرورة، لأنه لم يبق أثر للخمر.
9-    الأقرب أن أبوال الحيوانات مأكولة اللحم طاهرة.
10-    الأقرب جواز التداوي بأبوال الإبل وكل حيوان مأكول اللحم.
11-    لا يجوز تناول أي جزء من أجزاء الخنزير في حال الاختيار والسعة.
12-    ولا يجوز تناوله أيضاً في حال الضرورة إلا بشرطين:
أ‌)    أن يثبت نفعه على وجه يقرب من اليقين.
ب‌)    ألا يوجد ما يغني عنه من الأدوية.

 

_______________________

(1)    تبيين الحقائق 6/54.
(2)    أحكام القرآن لابن العربي 2/656، المقدمات والممهدات 2/10 ط. الغرب الإسلامي.
(3)    المجموع 2/520.
(4)    الإنصاف 1/318.
(5)    المحلى 10/91.
(6)    مجموع الفتاوى 21/503، 21/486، بل ذهب شيخ الإسلام إلى أن الحشيشة نجسة وقال: "أصح قولي العلماء أنها نجسة كالخمر، والخمر كالبول، والحشيشة كالعذرة" مختصر الفتاوى المصرية ص 499، مع أنه حكي الإجماع على طهارتها ذكره القرافي في الفروق 1/218.
(7)    المجموع 2/520.
(8)    المائدة 90.
(9)    تفسير القرطبي 6/289.
(10)    تفسير القرطبي 6/288.
(11)    تفسير ابن كثير 3/179 ط. دار طيبة الطبعة الثانية 1420هـ.
(12)    تفسير البيضاوي 2/362 ط. دار الفكر.
(13)    التحرير والتنوير 7/24 ط. الدار التونسية.
(14)    يقصد قوله صلى الله عليه وسلم: "أعوذ بك من الرجس النجس".
(15)    النهاية 2/200 ط. المكتبة العلمية 1399هـ.
(16)    6/94.
(17)    1/358.
(18)    ص 220.
(19)    أخرجه ابن خزيمة 1/127، والطيالسي 1/296.
(20)    وهي رواية البخاري برقم (152).
(21)    المجموع 2/520.
(22)    اللسان 6/226.
(23)    السيل الجرار 1/36.
(24)    التحرير والتنوير 7/26.
(25)    الإنسان 21.
(26)    أضواء البيان 1/426.
(27)    فتح القدير 5/352 ط. دار الفكر.
(28)    الكشاف 4/674 ط. دار إحياء التراث العربي.
(29)    الإحكام للآمدي 3/80.
(30)    الشرح الممتع 1/272.
(31)    أخرجه أبو داود برقم (3839)، والحاكم (502)، والبيهقي 1/33، والطيالسي (1014).
(32)    السيل الجرار 1/36 ط. دار الكتب العلمية.
(33)    أي أنها: "محرمة الأكل على الأصح من غير ضرر وليست نجسة" المجموع 2/519.
(34)    المجموع 2/520.
(35)    المقدمات 2/10، تفسير القرطبي 6/288.
(36)    القرطبي 6/288.
(37)    المحلى 10/91.
(38)    سبل السلام 1/36.
(39)    السيل الجرار 1/35.
(40)    التحرير والتنوير 7/26.
(41)    تفسير المنار 7/49.
(42)    سبل السلام 1/36.
(43)    أخرجه البخاري (2464)، صحيح البخاري 2/869.
(44)    الفتح 5/112.
(45)    هو سعيد بن محمد بن صبيح الحداد المغربي صاحب سحنون أحد المجتهدين في مذهب المالكية، قال الذهبي: وكان بحراً في الفروع ورأساً في لسان العرب بصيراً بالسنن ا.هـ. سير أعلام النبلاء 27/226.
(46)    تفسير القرطبي 6/288.
(47)    تفسير القرطبي 6/288.
(48)    الفتح 1/130.
(49)    أخرجه مسلم برقم (1579).
(50)    المبسوط 24/21، حاشية ابن عابدين 1/210، الفتاوى الهندية 5/355، مواهب الجليل 1/393، شرح خليل للخرشي 1/443، الفواكه الدواني 8/115، حاشية الدسوقي 1/179، الكافي لابن عبد البر 1/188، المغني 11/83، الفروع 3/164، 168، المجموع شرح المهذب 9/41، 51، الحاوي الكبير 15/395، إعانة الطالبين 4/176، الإنصاف 4/196.
(51)    انظر المراجع السابقة.
(52)    المائدة 90.
(53)    مجموع الفتاوى 21/562.
(54)    أخرجه مسلم برقم (1984)، وأحمد 4/311، وابن حبان 4/231.
(55)    شرح النووي على صحيح مسلم 13/153.
(56)    مجموع الفتاوى 21/568.
(57)    أخرجه البيهقي 10/5، والطبراني في الكبير 23/623، وابن حبان 4/233، وابن حزم 1/175.
(58)    أخرجه أبو داود برقم (3874)، والطبراني (24/254، برقم 649)، والبيهقي 10/5. قال الهيثمي 5/86: رجاله ثقات، وقال ابن الملقن في تحفة المحتاج 2/9: إسناد صحيح.
(59)    أخرجه أبو داود برقم (3870)، والترمذي برقم (2045)، وابن ماجه برقم (3459).
(60)    عارضة الأحوذي 8/203، عون المعبود 4/7.
(61)    المغني 10/323.
(62)    المبسوط 24/21.
(63)    زاد المعاد 4/141.
(64)    المغني 10/323.
(65)    الفتاوى 21/565.
(66)    المحلى 1/177.
(67)    انظر المراجع السابقة.
(68)    الأنعام 119.
(69)    المحلى 1/177.
(70)    أخرجه البخاري برقم (4193)، ومسلم برقم 1671)، والترمذي برقم (73)، والنسائي 1/160.
(71)    عون المعبود 10/254.
(72)    سيأتي لاحقاً.
(73)    المجموع 9/52.
(74)    بغض النظر، هل يوجد مادة ممنوعة في هذا الدواء، أو لا يوجد، إذ المقصود التمثيل بالانتفاع المتحقق ببعض الأدوية.
(75)    بدائع الصنائع 1/60.
(76)    المجموع 2/547.
(77)    أخرجه البخاري برقم (215)، ومسلم برقم (292)، وأبو داود برقم (20)، والترمذي برقم (70)، والنسائي برقم (2069)، وابن ماجه برقم (347).
(78)    مجموع الفتاوى 21/544.
(79)    ذكر شيخ الإسلام سبعة أوجه، تدل على أن المراد بالبول في الحديث بول نفسه، وذكرت هنا أقواها ومن قرأ هذه الأوجه، لا يشك بأن المراد بول نفسه، لقوة الأدلة التي استدل بها شيخ الإسلام.
(80)    أخرجه أحمد 2/389، وابن ماجه برقم (348)، وابن أبي شيبة 1/115، والحاكم 1/296 وقال: صحيح على شرط الشيخين، والبيهقي 2/412، والدارقطني 1/128 وقال: صحيح، وقال البوصيري 1/51: هذا إسناد صحيح، رجاله عن آخرهم محتج بهم في الصحيحين.
(81)    مجموع الفتاوى 21/552.
(82)    أخرجه مسلم برقم (560).
(83)    مجموع الفتاوى 21/552.
(84)    التاج والإكليل 1/41.
(85)    كشاف القناع 1/18.
(86)    المحلى 1/269.
(87)    الأوسط 2/99، المجموع 2/548، نيل الأوطار 1/246.
(88)    مجموع الفتاوى 21/558.
(89)    مجموع الفتاوى 21/558.
(90)    أخرجه ابن أبي شيبة 1/337، وابن ماجه برقم (769)، والبيهقي 2/449، والطيالسي برقم 913، وأحمد 4/86، وابن حبان 4/601 برقم (1702)، صححه ابن حبان.
(91)    مجموع الفتاوى 21/572.
(92)    قوله: "بركة" جاء في حديث البراء رضي الله عنه قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصلاة في مبارك الإبل، فقال: لا تصلوا فيها وسئل عن الصلاة في مرابط الغنم، فقال: صلوا فيها فإنها بركة".
أخرجه ابن أبي شيبة 1/337 برقم (3878)، وذكره شيخ الإسلام من حديث جابر ولم أجده إلا من حديث البراء.
(93)    مجموع الفتاوى 21/572، 573.
(94)    مجموع الفتاوى 21/573.
(95)    أخرجه الدارقطني 1/128، والبيهقي 2/156، وضعفه الدارقطني.
(96)    مجموع الفتاوى 21/574.
(97)    مجموع الفتاوى 21/577، 576.
(98)    المجموع 9/50، 51.
(99)    المحلى 1/168.
(100)    الأنعام 119.
(101)    انظر فيما سبق.
(102)    فتح القدير 1/102، رد المحتار 5/216.
(103)    التاج والإكليل 1/117 ط. دار الفكر، البيان والتحصيل 18/323 ط. دار الغرب.
(104)    الهداية شرح البداية 1/21 ط. المكتبة الإسلامية.
(105)    المجموع 9/50.
(106)    كشاف القناع 6/189.
(107)    نيل الأوطار 1/249.
(108)    في المطلب الأول.
(109)    مجموع الفتاوى 21/562.
(110)    المجموع 9/50.
(111)    الهداية شرح البداية 1/21 ط. المكتبة الإسلامية.
(112)    أخرجه البيهقي 10/5، والطبراني في الكبير 23/326، وابن حبان 4/233، وابن حزم 1/175، صححه ابن حبان وله شاهد.
(113)    أخرجه أبو داود برقم (3874)، والطبراني (24/254، برقم 649)، والبيهقي 10/5، قال الهيثمي 5/86: رجاله ثقات، وقال ابن الملقن في تحفة المحتاج 2/9: إسناد صحيح.
(114)    أخرجه أبو داود برقم (3870)، والترمذي برقم (2045)، وابن ماجه برقم (3459).
(115)    حكى الإجماع القرطبي 2/223، وابن حزم – المحلى 7/388، والنووي – المجموع 9/25.
(116)    المائدة 3.
(117)    الأنعام 145.
(118)    انظر ابن كثير 2/7، القرطبي 2/222، الجصاص 1/124.
(119)    المحرر الوجيز 2/150 ط. دار الكتب العلمية.
(120)    أخرجه البخاري برقم (3264)، ومسلم برقم (155)، وأحمد 2/538، والترمذي برقم (2233) وقال: حسن صحيح، وابن ماجه برقم (4078)، وأبو عوانة 1/98 برقم (311)، والبيهقي 9/180.
(121)    الفتح 4/414.
(122)    أخرجه مسلم برقم (2260)، وأبو داود برقم (4939)، وابن ماجه برقم (3762).
(123)    أخرجه أبو داود برقم (3485)، وأبو نعيم في الحلية 8/327، والبيهقي 6/12، وأبو عوانة 3/372 برقم (5363)، والطبراني في الأوسط 1/43 برقم (116)، والدارقطني 3/7.
(124)    شرح مسلم 13/96.