النخبة"..عنوان أزمة الأمة ونكبتها
28 محرم 1434
تقرير إخباري ـ خالد مصطفى

صدق رئيس الوزراء التونسي حمادي الجبالي عندما أكد أن الأزمة التي تمر بها بلاده تتمثل في "النخبة" السياسية...

 

وكشف الجبالي عن تلونها وكيف أنها كانت تنافق الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي ثم تحولت إلى تأييد الثورة والادعاء أنها تدافع عنها وعن مصالح الشعب, ثم فصّل الجبالي المأساة قائلا: "وهذه النخبة السياسية الآن في خصام وثرثرة وتضييع الوقت من أجل أهداف إما شخصية أو فئوية أو أجندات، والمؤسف كله باسم الثورة، فالمشكلة الآن أن ترتفع هذه النخبة أو يمكن أن يفعل الشعب شيئًا آخر، فلابد من اعتبار مصلحة البلد", وزاد في الشرح: "أنا شبهت تونس بصورة أقرب إلى الحقيقة، مثل الجريح الذي ينزف دمًا في الصحراء وهؤلاء الوحوش الكواسر من فوق ينهشون دمه وهو ينزف دمًا، وكل يختطف قطعة من نفسه، مع الأسف"...

 

إن ما قاله الجبالي في حقيقة الأمر لا يقتصر على تونس ولكنه موجود بقوة في العديد من الدول العربية وما الأزمة المشتعلة في مصر الآن إلا بسبب هذه النخبة التي كان بعضها يعيش في أحضان مبارك والبعض الآخر يسعى لمصالحه الشخصية أو يخشى من صعود الإسلاميين ولا يهمه اشتعال الشارع أو سقوط قتلى نتيجة لتحريضه..

 

ما يسمى بـ"النخبة" هي مجموعة من السياسيين والمثقفين الذين تم تصعيدهم والترويج لهم وكيل المديح لأفكارهم في البلدان العربية والإسلامية خلال وجود الاحتلال الأجنبي الذي جثم على أنفاس هذه البلدان عشرات السنين, وكان يسعى طوال بقائه في البلاد الإسلامية لتربية شخصيات بارزة في المجتمع تنتمي لمنهجه الفكري لكي تصبح داعمة له على الأرض وتمنحه "شرعية" الوجود, وحتى لو حادت قليلا وعارضت وجوده فتبقى معارضتها في إطار سلمي بعد نزع فتيل العقيدة من نفوسها وتحجيم التيار الديني ووصفه بالتطرف و"الإرهاب", وإذا اضطر الاحتلال في يوم ما أن يخرج عسكريا ـ كما حدث ـ فتبقى أفكاره مسيطرة على النخبة التي ستتولى الحكم من بعده والتي رباها على عينه حيث يصبح ولاءها بشكل أو بآخر له ولأفكاره ومنهجه.. وسارت النخبة الحاكمة فيما بعد على نفس الطريق فاصبح كل حاكم يقرب إليه مجموعة من السياسيين والمثقفين ويجعل أجهزة إعلامه تمتدحهم وتصفهم بأروع الصفات فهذا الأديب الكبير وهذا المفكر العظيم وذاك الروائي الجهبذ, كل هذا من أجل أن تجد بعد ذلك كلماتهم صدى واسعا عند الناس...

 

وكان التيار الإسلامي دائما هو العدو لجميع النخب والحكام على السواء لأنه ينتمي لفكر وعقيدة مختلفة فتم إقصاؤه تماما وحاز العلمانيون على صدارة المشهد الأدبي والثقافي والسياسي في معظم الدول العربية وعندما قامت الثورات العربية التي أزالت حقبة طويلة من الحكام المستبدين ظهرت هذه النخبة في الصدارة مرة أخرى محاولة تكرار المشهد القديم ولكن الشعب لفظها ورجع إلى هويته وجذوره فاستشاطت غضبا خوفا على مكانتها ومصالها, وقررت الثأر من الشعب وبدأت تمارس عادتها في الاستعانة بالغرب الذي تدين له بالولاء الفكري...

 

لقد ظهر استعلاء هذه النخبة بشكل واضح على الشعوب وعدم تواصلها معها رغم ادعائها الدائم بأنها تتكلم باسمها وتتحدث عن مصالحها رغم أن شرعيتها مستمدة من الأنظمة أو من الخارج وليس من الشعوب التي لا تعرفها...

 

ولكنها استطاعت أن تؤثر في بعض الشباب الذي خرج متربيا على نهج ثقافي غربي بعد أن جففت السلطات المستبدة نبع الثقافة الإسلامية وأصبحت تحرضه على مواجهة "بقية الشعب الجاهل الذي لا يعرف مصلحته" ووصل الأمر بأن تطالب بعدم مشاركة الأميين في تقرير مصيرهم رغم احتمائها الدائم بـ "الديمقراطية" التي لا تعرف مثل هذه التفرقة, إلا أنها مستعدة للانقلاب على جميع أفكارها في سبيل الوصول لأهدافها, ولذلك أصبحت هذه النخبة هي سر كبير من أسرار نكبة الأمة حاليا.