"الناصرية" والثقافة ضدان لا يجتمعان
5 صفر 1434
منذر الأسعد

يختلف أهل الرأي في تعريف ( الثقافة) اختلافاً كبيراً، بعضه مفهوم ويقبل المناقشة وكثير منه غثاء وسفسطة سخيفة، تؤذي الذهن وتخلط المفاهيم وتُدْخِل من يسير وراء مهرجيها في تيهٍ، يشبه الظلمات التي وصفها الحق عز وجل بأن بعضها فوق بعض حتى إذا أخرج الإنسان فيها يده لم يكد يراها.

 

إلا أن هنالك إجماعاً على اعتبار العقلية النقدية ثمرةً رئيسية من ثمار الثقافة الحقة، فالمثقف الجدير بحمل هذا اللقب يضع سائر آراء البشر غير المعصومين  وأفكارهم وسيرتهم-إذا كانوا شخصيات تعمل في الشأن العام-يضع ذلك كله تحت عينٍ منصفة تتحرى الحق وتفتش عن الحقيقة، فهي لا تحابي ولا تغلو كما أنها لا تبخس الناس أشياءهم. فالمساءلة والبحث والتثبت جميعها من خصائص الثقافة الجادة الأصيلة.

 

كما يُجْمَع أولو الألباب على بديهيات في دنيا الثقافة لا يتناطح فيها عنزان، وعلى رأسها أن الثقافة نشاط إنساني رفيع يتصل بالفكر النافع للفرد والجماعة، ولذلك يستحيل أن تتركز على فرد مهما كان حظه من العلم ومن توقد الذهن ومن نتاج ذي إشعاع ساطع!!

 

تلكم حقائق أساسية في الثقافة الإسلامية بخاصة، لأنها تستنير بنور الوحي الذي تكفل المولى سبحانه بحفظ أصله، ولأنها محصول أمة نهاها نبيها الكريم المبعوث رحمة للعالمين، نهاها عن الغلو حتى في شخصه الشريف، وهو الذي اصطفاه رب العباد لرسالته الخاتمة إلى الثقلين، وأدّبه عز وجل وجعله على خلق عظيم!! ولذلك ترفعت أمة التوحيد على تقديس الأشخاص حتى لو كانوا من خير البشر بعد الأنبياء كالصحابة رضوان الله عليهم، الذين اختارهم الله لصحبة سيد ولد آدم صلى الله عليه وآله وسلم، فجاهدوا بأنفسهم وأموالهم وحملوا أنوار الحق إلى الناس في مشارق الأرض ومغاربها، فكانوا خير سفراء أمناء لهذا الدين الحنيف. فالمسلمون يجلون الصحابة الكرام ويثنون عليهم بما أثنى عليهم ربهم تبارك وتعالى ونبيه المصطفى، ويحبونهم ويوالونهم ويتبرؤون ممن يبغضهم أو ينتقص من مكانتهم السامية.

لكننا لا نغلو فيهم بما يجافي الحق!!

 

وأكثر أهل الفكر والثقافة من غير المسلمين –لئلا نقول: كلهم- يتفقون معنا على أن الشخصنة نقيض الثقافة. ولذلك ترى أنهم يطلقون على الأفكار الكبرى تسميات تتعلق بمضمونها وليس أسماء المفكرين الذين كانوا روادها. والاستثناءات النادرة في هذا المجال تؤكد القاعدة لدى من يحترمون أنفسهم وجمهورهم من أهل الفكر، وغالباً ما تأتي تلك الاستثناءات من فئة شاذة لا تحترم ذاتها فكيف ستحترم الآخرين؟ والشاهد الأكثر شهرة هنا ، يتمثل في الماركسية التي نسبها حمقى الشيوعية البائدة إلى كارل ماركس، ليكونوا بذلك قد خانوا أبجديات الثقافة وكذلك فلسفة ماركس نفسها، التي تجحد دور الفرد في التاريخ الإنساني جملة وتفصيلاً!!

 

وعلى كثرة الانحراف في الساحة العربية فكرياً وسياسياً بتأثير القهر التغريبي المزمن، فإنني أضحك كثيراً على تسمية "الناصرية" التي يصر نفر من المهووسين بجمال عبد الناصر على التشبث بها، فهم "ناصريون" باختيارهم وليس اللقب نبزاً من خصومهم!! وإنها والله لعار وشنار لو كان المذكور مفكراً كبيراً- أو صغيراً - وله بصمته المتميزة في حقول المعرفة والثقافة، فكيف وهو لم يكن يتقن الحديث باللغة الفصيحة  البتة ولذلك كان يخطب ويرطن بعامية مزرية لرجل يزعم كهنته أنه "أبو القومية العربية"!! فما أتعس قومية عربية يجهل زعيمها لغتها الشريفة!!

 

وكيف وليس لعبد الناصر نتاج مقروء سوى كتيب تافه عنوانه" فلسفة الثورة" يعرف القاصي والداني أنه من كتابة محمد حسنين هيكل، وهو فكر مفكك أشتاتاً وفيه من التفاهة ما لا يشرّف صاحبه فضلاً عمن يدعيه ويتبناه لقيطاً!! وليس فيه فكرة واحدة أصيلة أبداً.

 

ولولا الشحن التغريبي الضخم لما بقي لهؤلاء الحمقى مكان بعد انطلاق الربيع العربي إلا في مستشفيات الأمراض النفسية والعقلية. لكن مصالح الصليبية والصهيونية تقتضي الاستمرار في هذه المهازل ما دامت شعوبنا تأبى الانخلاع من جذورها وترفض الانسلاخ عن دينها.

 

لكن النكتة التي أضحكتني ضحكاً كالبكاء، هراء شخص اسمه مخلص الصيادي-يصفه الناصريون بأنه مفكر عربي!!- قال بصفاقة لا يُحْسَد عليها: إن الربيع العربي صناعة ناصرية!!! كذا والله!!

 

تخيلوا لو أن عبد الناصر كان فيلسوفاً مثل ديكارت أو كانط عند قومهم فما الذي كنا سوف نسمعه من هراء هؤلاء المهرجين؟ ونسيت أن أقول لكم: إن عبد الناصر المفلس فكرياً كان كبير طواغيت العرب الذي علمهم السحر، وهو "رائدهم" في فنون إهانة مواطنيه وتعذيبهم والتنكيل بكل من يخالفه الرأي حتى لو كان من زملائه في "مجلس قيادة الثورة" الأمريكية الصنع!! وهو أبو هزيمة 1967م والتي تكفي أي أمة محترمة أن تشتم صاحبها وتتبرأ منه إلى قيام الساعة. وهل ثارت الشعوب مؤخراً إلا على ورثة طغيان ناصر وهزائمه وتأسيسه للفساد والنهب المنظم لثروات الأمة؟