28 شعبان 1434

السؤال

السَّلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أشكركم جزيل الشَّكر على المساعدة، وجزاكم الله خيرًا.
وبعد: الحمد لله، عمري 18 سنة، خجولة، انطوائية، خائفة، كثيرة التَّفكير، سريعة البكاء، حسَّاسة... تعبت من هذا الوضع، أصبحت أكره أمِّي وأبي وأختي وصديقتي، وكلَّ من احتقرني، أو شتمني، أو استهزأ منِّي، أو تجاهلني...
أجد صعوبة في التَّعامل مع النَّاس، والتَّحدُّث إليهم حيث تبدأ شفتاي في الارتعاش بشكل يلفت الانتباه، ممَّا يسبِّب لي الخجل، وبالتَّالي يحمرُّ وجهي، ولا أستطيع متابعة الحديث...
عندما أكون وسط عدد من النَّاس؛ تجدني فقط مبتسمة، ولا أنطق بكلمة، كذلك في الدِّراسة لا أشارك في القسم إلا إذا طلب مني الأستاذ ذلك...
أحسُّ أنَّ في داخلي طاقة كبيرة وقوية، لكن! لا أعرف فيم أستغلها، دراستي الآن في مجال المعلوماتية، وأريد النَّجاح في هذا المجال، رغم أنَّني في البداية لم أكن أحبُّه، وابن خالتي هو من شجَّعني...
أحسُّ بأنَّ ليس لديَّ قيمة،لم أضف شيئًا جديدًا، لا أستطيع نصح النَّاس لقلَّة ثقتي بنفسي، ومقولة: "من لم يزد شيئًا على الدُّنيا، فهو زائد عليها" جنَّنتني لأنَّها تنطبق عليَّ، وأنا لا أريد هذا...
عندما تحدث لي مشكلة مع أمِّي مثلًا، تغلُب عليَّ الدُّموع، وأنسحب بصمت، وأحمل الهمَّ في قلبي، لأنِّي لا أريد أحدًا أن يرى دموعي، وحتَّى الآن لا أستطيع البكاء أمام أحد أيًّا كان، حتَّى لأقرب النَّاس، وأنا ليس لديَّ قريب، لذلك توجَّهت إليكم بعد توجُّهي لخالقي، وأسألكم بعد سؤال خالقي أن تعينوني وتساعدوني على حلِّ هذه المشاكل، فقد تعبت، وأحسُّ أنَّني حزينة وقلقة وغاضبة، لا أعرف كيف أعيش في هذا الزَّمان! تمنَّيت لو أنَّ الرَّسول صلَّى الله عليه وسلَّم معنا ليعلمنا كيف نعيش؟.
من كثرة التَّفكير ليل نهار، أصبحت أحسُّ بألم في رأسي، خصوصًا عند الاستيقاظ من النَّوم. أنا في أمسِّ الحاجة لنصائحكم وتوجيهاتكم.

أجاب عنها:
سعد العثمان

الجواب

الحمد لله وحده، والصَّلاة والسَّلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه...
أختي الفاضلة: بداية أرحب بكِ أجمل ترحيب في موقع المسلم، وأشكركِ على ثقتكِ به، ومتابعتكِ له، ونسأل الله - عزَّ وجلَّ - أن يجعلنا أهلاً لهذه الثِّقة، وأن يجعلَ في كلامنا الأثر، وأن يتقبَّل منا أقوالنا وأعمالنا، وأن يجعلها كلَّها خالصة لوجهه الكريم.
أختي الكريمة: ذكرتِ في معرض الحديث عن مشكلتكِ أنَّك ذات حسٍّ مرهف، وروح شفَّافة تتأثَّر كثيرًا بما يعرض لها، ولديك رغبة هائلة في تقديم شيء مفيد للمجتمع من حولك، وبذات الوقت تشعرين أنَّك غير قادرة على هذا، إضافة إلى أنَّ بعض الصِّفات كالانطوائية، والحساسية، والخجل تشكل عائقًا يمنعك من التواصل مع العائلة والأصدقاء، وخلاصة سؤالك: أنَّك تطلبين التَّوجيه فيما يتعلق بهذه المشاعر التي تعايشينها، وكيفية التَّعامل معها، وتحويل هذه الطَّاقة إلى ما يعود بالنَّفع عليك وعلى من حولك، فلا تقلقي أختي الفاضلة، فقد وصلتِ إلى برِّ الأمان، فإخوانك في موقع المسلم عندهم العلاج النَّاجع – بإذن الله - لمشكلتك، والتي يمكننا معالجتها باتباعك للإرشادات والتَّوجيهات الآتية:
أولاً:خصائص المرحلة العمرية:
تتميز المرحلة العمرية التي تمرين بها بخصائص مهمَّة لا بدَّ أن تدركيها، حتى تتعايشي معها، وتختاري الطريقة المثلى لعبور هذه المرحلة المهمَّة من حياتك، ومن خصائص هذه المرحلة العمرية، هي المشاعر المتقلبة، والعواطف الدافقة، والنظرة المثالية لكلِّ ما يدور حولك، والحساسية المفرطة تجاه الآخرين، والميل للانعزال في بعض الأحيان، وخصوصًا الشُّعور بعدم وجود من يحبُّك، أو عدم وجود من تبثِّين إليه مشاعرك وأحاسيسك، فهوني عليك، فإنَّ ما بين 40-50 % من الفتيات في مثل عمرك يشعرن بهذه المشاعر، فإدراكك لما سبق ذكره من خصائص لهذه المرحلة العمرية، وخصوصًا التَّجاذبات العاطفيَّة والتَّقلُّبات المزاجيَّة، يساعدك كثيرًا في تقبُّل الواقع والتَّعايش معه، لأنَّها مرحلة تطورية عادية جدًا في حياة كثير من الشَّباب والشَّابات.
ثانيًا:إعادة تقييم الذَّات:
فاسألي نفسك: هل التَّقييم الذي قيَّمت نفسك من خلاله هو تقييم صحيح متوازن؟ فلو أعدِّت التَّأمُّل في شخصيتك، وبحثت عمَّا فيها من صفات إيجابيَّة، فستجدين بأنَّك تتمتَّعين بصفات رائعة جدًا، وهذا سيدفعك لاغتنام هذه الصِّفات الإيجابيَّة للوصول إلى الرِّضى النَّفسيِّ.
ثالثًا: خطوات لا بدَّ منها:
ألحظ في ثنايا حديثك أنَّك تعانين من الخجل الاجتماعي، أو ما يسمَّى بالرهاب الاجتماعي، وله أعراض نفسية، تتمثَّل في القلق والخوف، وتجنب مواجهة الآخرين، وله أعراض جسدية كتسارع ضربات القلب، واحمرار الوجه، وله أعراض اجتماعية تتمثل في إحجام الإنسان عن التواصل مع المجتمع من حوله، وعلاج هذا لا بدَّ له من الخطوات التَّالية:
• صعوبة تواصلك مع الآخرين ليس ضعفًا في شخصيتك، بل مرحلة عمريَّة لها خصائصها، ولا بدَّ لك من التَّعايش معها.
• كلُّ البشر سواسية، فلا فرق بينهم إلا بالتَّقوى، ولذا فالبشر هم البشر، وأنت لست بأقلَّ من الآخرين في شيء.
• الانعزال يزيد من بعدك عن المجتمع، ويزيد من هذه الحالة، لذا فالمواجهة مع المجتمع من حولك أفضل وسيلة للعلاج، فعبِّري عمَّا تريدينه بأسلوب مهذَّب، وعوِّدي نفسك على هذا بالخطوة الرابعة التي سنذكرها.
• كي يحصل لك التعوُّد على خطاب المجتمع، اصنعي في خيالك مجتمعًا من حولك، وخاطبيه بما تريدين،كأن تجلسي في غرفتك وحيدة ثم تختاري موضوعًا، وترتبي أفكاره، ثم تخاطبي به الجمهور-الخيالي-، وهكذا تعودين نفسك على مخاطبة المجتمع من حولك، ثم بفتح الحديث مع من تحبين من قريباتك، وبعد فترة سترين أنَّ الحاجز النَّفسي بينك وبين المجتمع قد زال.
• كوني أكثر ثقة بنفسك وقدراتك التي منحك الله إياها، واحرصي على التَّفوق في دراستك، وشاركي في الأنشطة الخيرية، كحلقات القرآن الكريم، فستجدين البيئة الملائمة التي تعينك، وكذلك حضور المحاضرات والدُّروس النَّافعة، والمشاركة في الخدمة المجتمعية، من قيام على أمر الفقراء والمساكين ورعايتهم.
• ابحثي عن الصفات الإيجابية التي تتميزين بها وطوِّريها، فأنا ألمح من ثنايا حديثك أنَّ لديك روحًا وثَّابة إلى الفضائل، وتطمح إلى التَّقدم والتَّطور، وهذه الصِّفة رائعة جدًا، وقد حباك الله بها، فابدئي بكتابة برنامج لحياتك وأهدافك فيها، يشمل تفوقك الدِّراسي، وتغيير السُّلوك البيتي، وأداء حق والديك وإخوتك وأخواتك، وكتابة خطوات تدريجية للوصول إلى التواصل الأمثل مع المحيط الاجتماعي الذي تعيشين فيه، وطوِّري نفسك بعمل الدَّورات التي تعينك على التفوق العلمي والمعرفي، واحفظي وقتك من أن يضيع سدى، وانطلقي في حياتك بسعادة وروح غامرة بعيدة عن التَّعقيد والضِّيق.
• قوِّي صلتك بالله، فمن هذه اللَّحظة عاهدي الله على المحافظة على الصلوات في أوقاتها، وابدئي بحفظ القرآن الكريم، وتعلمي أوامر الله سبحانه وتعالى من خلال طلب العلم الشَّرعي.
• إن وجدت صعوبة فلا تيأسي، فالكلُّ يخطئ ويتعلم... استمري وستنجحين بإذن الله... ستشعرين بالرَّاحة النفسية فتتغير نظرتك نحو ذاتك.. وستتغير نظرة أهلك وصديقاتك وتقر أعينهم بك ويفرحون لك.. عندما يرون النَّجاح تلو النَّجاح رغم الصُّعوبات.. سيتلاشى الخجل ويزول نهائيًا وتصبحين واثقة وقوية الشَّخصية.. لأنَّ المؤمنة فعلًا كذلك، ولا يليق بها غير ذلك، لأنَّها تستند إلى الله القوي.. وأنت منهن إن شاء الله.
رابعًا: أسرتك..أسرتك:
فأسرتك هي الحضن الدَّافئ الذي يجب أن تجدي فيها سعادتك وأنسك، وإياك من تلبيس الشَّيطان عليك، فوالداك لهما أعظم الحق عليك في البر، وهما الباب إلى الجنَّة، فالجنَّة لا يدخلها قاطع رحم، فابدئي بتغيير سلوكك معهما، كما قال تعالى: (فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولاً كريماً، واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرًا)، وما يزعجك من نقد الوالدين أو تعنيفهما لك، فهذا من حرصهما على مصلحتك وما ينفعك، وإن كان الواجب على الوالدين أن يحترما المرحلة العمرية التي تمرين بها، وأن يعاملاك بما يوافق هذه المرحلة، لكن سوء سلوك الوالدين لا يبرر أبدًا كرههما، أو سلوك سبيل غير قويم في التَّعامل معهما..فاحرصي على أسرتك، وقوِّي تواصلك مع أفرادها، وكوني شعلة حبٍّ وحنان تبعث بالخير والوفاء لجميع أفراد العائلة.
خامسًا: القرآن الكريم شفاء لما في الصدور: قراءة القرآن تحقِّق هدوء النَّفس، وتبعث السَّكينة في النَّفس، وتزيد معنوية الفرد، فتزول الأوهام والأمراض، فعليك أختي بتلاوة القرآن، والتركيز على بعض الآيات والسور، مثل: فاتحة الكتاب، وأواخر سورة البقرة، وآية الكرسي، وسورة الإخلاص، والمعوذتين.
سادسًا: استشيري الطبيب: أرى أن تقومي بزيارة إلى الطَّبيب النَّفسي المختص، وتعرضي مشكلتك عليه، فقد يكون عنده علاجًا يصفه لك، فيخفف من معاناتك، ويسهم في حلِّ المشكلة.
سابعًا: تسلحي بالدُّعاء: فأكثري من الدُّعاء بظهر الغيب، وانطرحي بين يدي الله سبحانه وتعالى، واسأليه أن يوجِّه قلبك للحقِّ، وأن يصرف عنك ما تجديه من ضيق وألم، واذرفي الدَّمع على بساط كرمه، فهو سبحانه وتعالى الركن الشَّديد الذي تأوين إليه.
نوَّر الله قلبك، وسدد خطاك، ورزقنا وإياك حسن الصلة بالله سبحانه وتعالى.