الشورى بين تراثنا وبين مفكري العصر الحديث 1/2
13 صفر 1434
د. إسماعيل محمد عيسى شاهين

مقدمة:

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم النبيين وسيد المرسلين، سيدنا محمد المبعوث رحمة للعالمين، وارض اللهم عن صحابته الطيبين، ومن اهتدى بهديه، وسلك نهجه إلى يوم الدين، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، اللهم اجعل الحق هدفي من أعمالي، واجعل الصدق شيمتي في أفعالي... اللهم آمين.

 

أولاً: أهمية الموضوع وأسباب اختياره

ترجع أهمية الشورى في الإسلام إلى أنها ليست نظرية سياسية وحسب، أو قاعدة لدستور الحكم، بل إنها الأساس الشرعي لنظام المجتمع، الذي يلتزم بحقوق الإنسان، وسلطان الأمة، والتضامن الاجتماعي؛ لذلك فإن دراسة الشورى ليست محدودة في نطاق نظام الحكم الإسلامي، ولا المبادئ السياسية العامة التي تقيد سلطة الحكام، كما هو الشأن في النظريات الديمقراطية التي تحصرها الدراسات العصرية في نطاق العلوم السياسية أو القوانين الدستورية أو نظام الدولة. بل الشورى أعمق من ذلك وأوسع نطاقاً، فكما تستمد منها الأمة وحدتها وسلطانها يستمد منها المجتمع تضامنه وتكافله، كما ترجع أهمية الشورى إلى أنها ألفة للجماعة وسبب إلى الصواب، فما تشاور قوم إلا هدوا، ويكفي دلالة على أهمية الشورى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان كثيراً ما يشاور أصحابه، ويشهد لذلك ما ورد في السنة القولية: "ما رأيت أحداً أكثر مشورة لأصحابه من رسول الله صلى الله عليه وسلم"(1).

 

وتأتي أهمية الشورى من كونها: تعلق بكل ما يخص نظم الجماعة سواء المتعلقة بشؤونها الاجتماعية أم السياسية أم التنظيمية أم المالية، فليست الشورى خاصة بالشؤون السياسية وحدها.
ومبدأ الشورى هو الحصن الذي يجب أن يحتمي فيه نظام الحكومة الإسلامية، ويجب أن يستظل بظلها، وخاصة في عصرنا الحاضر.

 

أما عن أسباب اختياري لهذا الموضوع فترجع إلى أنه ما زال الجدل مستمراً حول الكثير من المسائل المتصلة بالشورى، ومن ذلك: هل الشورى واجبة أم مندوبة؟ وما مدى إلزام الحاكم بما تنتهي إليه المشاورة بين أهل العلم والخبرة؟ وما هي صفات أهل الشورى؟ إلى غير ذلك من التساؤلات، فأحببت التعرض للشورى وما يتصل بها من مسائل؛ وأحببت أن أبين ما مدى اتفاق أو اختلاف تراثنا السياسي عن الفكر السياسي الحديث وبخاصة في موضوع وجوب الشورى، وإلزام الحاكم بما تنتهي إليه عملية المشاورة؛ محاولة مني للوصول للحق. فاللهم اجعل الحق هدفي ومنهجي.

 

ثانياً: منهج البحث

اعتمد البحث على المنهج المقارن؛ حيث يتناول مسألة البحث في تراثنا ثم يتناولها عند مفكري العصر الحديث؛ ليبين مدى الاتفاق والاختلاف في تناوله المسألة، وأحياناً يتم تناول المسألة عند عدد من المفكرين داخل تيار، أو اتجاه واحد ليبين مدى اتفاقهم واختلافهم حول مسألة ما من مسائل الشورى؛ محاولاً بيان وجه الحق في المسألة.

 

ثالثاً: خطة البحث

تم تقسيم البحث إلى مقدمة، وتمهيد، وفصلين يحتوي كل فصل على عدد من المباحث، وخاتمة. وأخيراً يوصي الباحث ببعض التوصيات التي يرى الخير في الأخذ بها.
فأما المقدمة: ففيها أهمية الموضوع، وأسباب اختياره.
وأما التمهيد، ففيه بيان لأهم المفاهيم والمصطلحات، مثل: الشورى، والتراث، والسياسة، والفكر والمفكرون، والمدرسة الإصلاحية، وإخوان الصفا... إلخ. التي وردت في البحث.
الفصل الأول: عنوانه: أهمية الشورى ومشروعيتها.
ويشمل المباحث الآتية:
المبحث الأول: الشورى ومشروعيتها.
المبحث الثاني: الشورى لا الديمقراطية.
المبحث الثالث: مجالات الشورى وتحديد نطاقها.

 

وأما الفصل الثاني: الحكم الشرعي للشورى.
ويشمل المباحث الآتية:
المبحث الأول: وجوب الشورى في تراثنا السياسي.
المبحث الثاني: وجوب الشورى في الفكر السياسي الحديث.
المبحث الثالث: صفات أهل الشورى.
الخاتمة، وفيها أهم نتائج البحث، والتوصيات.

 

وقبل أن أبدأ البحث فإني أعتذر عما قد يكون به من قصور ونقص، وأتوجه بالشكر والعرفان لكل من ساهم في تصحيح هذا البحث، وبذل فيه من وقته، وأسأل الله عز وجل أن يكون في ميزان حسناتهم يوم القيامة.

 

التمهيد:
أولاً: مفهوم الشورى

1 – الشورى لغة

الشورى والمشاورة والمشورة: مصادر للفعل شاور وجاء في لسان العرب: يقال: شار العسل يشوره شوراً وشيارة ومشاراً ومشارة: تستخرجه من الوقبة، واجتناه، واستخرجه من موضعه، والشور: عرض الشيء وإظهاره، وقال أبو زيد: استشار أمره: إذا تبين واستنار، وفلان خير شير: أي يصلح للمشاورة... إلخ(2).
ويحسن بالذكر بيان معنى الوقبة التي وردت في النص السابق، حيث ورد في لسان العرب: (وقب) الوَقْبُ في الجبَل نُقْرة يجتمع فيها الماء. والوَقْبة كُوَّة عظيمة في ظِلٌّ والوَقْبُ والوَقْبة: نَقْرٌ في الصخرة يجتمع فيها الماء... وفي حديث جَيْش الخَبَط فاغترفْنا من وَقْب عَيْنه بالقِلال الدُّهْنَ. الوَقْبُ هو النُّقْة التي تكون فيها العين(3).
والمستشار: العليم الذي يؤخذ رأيه في أمر مهم علمي، أو فني أو سياسي، أو قضائي أو نحوه، المشورة: ما ينصح به من رأي وغيره(4).
والشورى: اسم مصدر بمعنى المشاورة(5). ويتضح مما سبق أن الشورى تدور حول استخراج الرأي بمراجعة البعض إلى البعض.
ويتبين مما سبق أن أصل الشورى هو الاستخراج والإظهار، والعرض والتوجيه، والتحسين والبيان، والكشف، وكلها معان مقصودة تصلح في بحثنا، فالشورى تهدف إلى استخراج الرأي، والبحث عن الرأي الصواب الأحسن، وتوجيه صنيع القوم وجهة حسنة. وفي التنزل العزيز: {وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ} [الشورى: من الآية38]، وقوله تعالى: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ} [آل عمران: من الآية159].

 

2 – الشورى اصطلاحاً

يجد الناظر في المصادر الإسلامية تعريفات عديدة "للشورى" فالراغب الأصفهاني يعرفها بقوله: "الشورى هي استخراج الرأي بمراجعة البعض إلى البعض"(6). كما عرفت بأنها "اتخاذ القرارات في ضوء آراء المختصين في موضوع القرار في كل شأن من الشؤون العامة اللازمة"(7).

 

ويرى بعض علماء العصر الحديث أن مفهوم الشورى ما زال غير واضح المعالم، وأن معظم الكتاب لا يتعدون اجترار ما حوته كتب التراث وبخاصة الأحكام السلطانية والسياسة الشرعية من بحوث، ويكتفي غالبيتهم بالتأكيد على أن نظام الإسلام ليس ديمقراطياً، ولا دكتاتورياً وإنما يعتمد الشورى أساساً له، ومعظم الكتاب لا يتقدمون بعد ذلك خطوة أخرى لتنظيم مبدأ الشورى من ناحية؛ ولتحويلها إلى مؤسسة تطبيقية من ناحية أخرى. فما زالت المشكلة تعالج من زاوية: هل الشورى ملزمة أم معلمة؟ وما زالت الصورة التطبيقية لمبدأ الشورى في الأذهان هي الصورة البسيطة القديمة المتمثلة في أهل الحل والعقد، أو أهل الشورى(8).

 

ويبدو أن هذه النظرة لمبدأ الشورى تجعله جامداً مكانه، ولا يتطور مع تطور الزمن والأحداث، ولذلك ينبغي أن تتطور الأبحاث التي تهتم بالفكر السياسي في الإسلام بعامة، ومباحث الشورى بصفة خاصة، حتى تنظر لمبدأ الشورى تنظيراً بحيث يجعل منها مؤسسة تطبيقية، ويفصل فيها شروط أهل الشورى واختصاصاتهم، ثم بيان موقع هذه المؤسسة من بقية المؤسسات السياسية.

 

ويجدر بالذكر أنه بعد ذلك ظهرت دراسات، وتمت تطبيقات، ويشهد لذلك – على سبيل المثال – مجلس الشورى السعودي، وهذا يدل على أن كثيراً من الدراسات الحديثة ليست مجترة للتراث، بل يتقدم خطوات كثيرة إلى الأمام.

 

ويعتبر الدكتور توفيق الشاوي من أكثر مفكري العصر الحديث اهتماماً بتحديد مفهوم الشورى؛ ولذلك نراه يميز بين الشورى والاستشارة، أو الشورى الاختيارية أو الفتوى.

 

ويبدو أن ما يكتب في غالبية الكتب السياسية في العصر الحديث عن الشورى إنما يقصدون به الشورى الجماعية؛ لأنهم يتجاهلون غالباً الاستشارة او الشورى الاختيارية أو الفتوى على الرغم من أنها تتفرع عن الشورى بمعناها الواسع.

 

•    أما الاستشارة الاختيارية الحرة: فهي مجرد طلب الرأي والنصيحة من ذوي التجربة والخبرة، وتسفر عن رأي غير ملزم، وقد تقدم الاستشارة تلقائياً دون طلبها في صورة نصيحة، وبالتالي يكون الرأي استشارياً من باب أولى.
•    وأما طلب الفتوى الفقهية: فهي نوع من الاستشارة في أحكام الفقه، وهي مشورة اختيارية، ولكن لها أحكاماً خاصة في كتب الفقه(9).

 

فالمرء الذي يجهل حكماً فقهياً يلجأ للفقيه ليستشيره فيما عرض له؛ ليؤدي عبادته عن علم؛ لتكون عبادته عبادة صحيحة. فهي داخلة في الشورى بوجه من الوجوه، أو بمعنى من المعاني.

 

وأما الشورى الجماعية فعرفت بأنها: الوسيلة الجماعية الشرعية التي تصدر من خلالها الأمة الإسلامية قراراً ملزماً في أي شأن من الشؤون العامة للأمة، وبالتالي هي التي لا بد من الالتجاء إليها للحصول على قرار جماعي ملزم في شأن من شؤون الجماعة المهمة(10).

 

ويمكن توضيح مصطلح الشورى عن طريق التعريف بضدها وهو الاستبداد، ومن أكثر مفكري العصر الحديث تنفيراً من الاستبداد هو عبد الرحمن الكواكبي، ويشهد لذلك بقوله: "يراد بالاستبداد عند إطلاقه استبداد الحكومات خاصة؛ لأنها مظاهر أضراره التي جعلت الإنسان أشقى ذوي الحياة... والاستبداد في اصطلاح السياسيين: هو تصرف فرد أو جمع في حقوق قوم بالمشيئة وبلا خوف تبعة(11).

 

ومصطلح الشورى يعرفه الدكتور محمد سليم العوا بقوله: إن الشورى في الحياة العامة للأمة تعني صدور الحاكمين فيما يتخذونه من قرارات، أو يحدثونه من أوضاع وتنظيمات عن رأي أهل العلم والخبرة والمعرفة فيما يحقق مصلحة الأمة، أو يتعارض معها، فما حقق مصلحة الأمة وجب إمضاؤه، وما لم يكن كذلك وجب منعه"(12).

 

ويبدو مما سبق أن الشورى هي استظهار الرأي الصواب من خلال التحاور بين أهل العلم والخبرة، أما الصدور عنه في قرارات فأمر تالٍ للشورى.
ومن باحثي "تلاميذ مدرسة الإصلاح" عبد الرحمن عبد الخالق الذي يعرف الشورى بقوله: إنها استطلاع الرأي من ذوي الخبرة فيه؛ للتوصل إلى أقرب الأمور للحق"(13).
ويبدو أن المشورة والاستشارة هي تبادل الرأي في غير إلزام. ويدخل في المشورة والاستشارة: النصيحة، والفتوى، والاستشارة العلمية والقانونية.

 

ويخلص البحث إلى أن الشورى الجماعية هي تبادل الرأي بين أهل العلم والخبرة في كل المجالات – ويمكن أن يمثل هذه الفئة الحكومة الإسلامية أو أولي الأمر – بحيث يكون قرارها قراراً ملزماً في أي شأن من الشؤون العامة للأمة، وذلك بعد استشارة أهل العلم والخبرة في كل مجال من مجالات الحياة، وليس الأخذ بالاستفتاء الشعبي؛ لأن القرآن الكريم طالب بسؤال أهل الذكر، فقال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [النحل:43].

 

ثانياً: مفهوم التراث

1 – لغة

ورد في لسان العرب أن "التُّراث أصل التاء فيه واو.. والوِرْث والتُّراث والميراث ما وُرِث وقيل الوِرْث والميراث في المال والإرْث في الحسَب"(14).
وورد في القاموس المحيط: "الوارث: الباقي بعد فناء الخَلْق. وفي الدعاء: أمتِعْني بسمعي وبصري واجعله الوارث مني أي: أبْقِهِ معي حتى أموت. وتوريث النار: تحريكها لتشتعل"(15). وبعد التعريف في اللغة يتبين أن لكلمة التراث معاني ثلاثة هي:
1-    بمعنى الإرث: أي ما يتركه شخص لأبنائه أو أهله من عقار ومال.
2-    بمعنى الأصل: أي الشيء القديم الذي يتوارثه الخلف عن السلف.
3-    بمعنى توريث النار "أي إبقائها" بإذكاء قوتها والإبقاء عليها. وهذا المعنى الثالث هو المعنى الأقرب إلى مفهومنا المعاصر حول معنى التراث فهو يربط بين إذكاء النار والانبعاث الحضاري والثقافي وهذا يعني بالمعنى الاصطلاحي للتراث.

 

2 – مفهوم التراث اصطلاحاً

يندر أن نجد تعريفاً لكلمة التراث في التقاليد العربية المعاصرة، فكل يفهمه بأسلوبه، وكل يعرفه من منطلق تصوره الذاتي؛ ولكن يجدر بالذكر أن هناك من علماء العصر الحديث من تناول مفهوم التراث بشيء من التفصيل، وانتهى إلى أن "التراث مرادف لكل ما قدمه السلف للخلف، ولكن بوصفه نموذجاً للتعامل الفكري وغير الفكري. هو مبادئ وقيم، ولكنها مبادئ طبقت أو احترمت ولو في لحظة معينة. وهو معاناة وتعامل، ولكن من حيث كون هذا التعامل يمثل تكراراً ثابتاً ولو بنسبة معينة، وهو نظم وقواعد، ولكن بقدر أن هذه النظم وتلك القواعد كانت موضع الاحترام والتبجيل، ولكن التراث من جانب آخر يتسع ليشمل... كل ما تعانيه كلمة الخبرة والمعاناة بمعنى البحث عن حلول لمواجهة المشكلات اليومية، وقد ترسبت تلك الحلول في الوعي الجماعي والتاريخ القومي"(16).

 

ويتضح من النص السابق أن التراث عبارة عن الفكر والنظم والممارسة، ويرى الدكتور/ حامد ربيع أن التراث يمكن أن يعرف بأنه جزء من الحضارة،... فالحضارة أكثر اتساعا وأكثر شمولاً، كما يرى أن التراث الفكري يمثل مرحلة انتقال تربط مفهوم التراث في معناه الضيق بمفهوم الحضارة بمعناه الواسع(17).

 

وخلاصة القول: إن تراث كل أمة من الأمم هو ما يتناقله الخلف عن السلف، من علوم ومعارف متنوعة، في الدين والفكر والأخلاق، وفي سائر جوانب الحياة العلمية.
وكل أمة من الأمم التي تعنى بحضارتها؛ تعتز بتراثها، وتقف تجاهه وقفة إكبار وإجلال؛ فهو يربط حاضرها بماضيها بسلسلة من النسب العريق. ولذلك يحتل مكانته التي تليق به، وتسمو مكانة هذا التراث وتعظُم أكثر عندما يتصل بعقيدة الأمة وفكرها الديني، ويقوم على الوحي الإلهي مصدراً وغاية. وعندئذ يكون من حق هذا التراث على أبناء الأمة الغيورين، أن يحافظوا عليه، فيصدُّوا عنه غارات المغيرين، وينفوا عنه تحريف الغالين، وتأويل الجاهلين، وانتحال المبطلين؛ وأن يأخذوا على أيدي العابثين الذين يعملون فيه معاول الهدم والتخريب.

 

ثالثاً: السياسة

1 – السياسة لغة

على الرغم من وضوح المعنى العام لهذه الكلمة، إلا أن هناك فائدة كبيرة من استعراض المعاني الأصلية لهذه الكلمة، كما يقرر كبار علماء اللغة، فيقول ابن منظور ما نصه (السياسة: القيام على الشيء بما يُصلحه، والسياسة: فعل السائس. يقال: هو يسوس الدواب، إذا قام عليها وراضها، والوالي يسوس رعيته"(18). ويقول في الكلمة نفسها: "سوَّسه القوم: جعلوه يسوسهم، ويقال سُوِّس فلانٌ أمْرَ بني فلان: أي كُلف سياستهم...، وسُوِّس الرجلُ أمور الناس، إذا مُلِّك أمرهم"(19). ونظراً للارتباط بين المعنى اللغوي، والمعنى الاصطلاحي، وجدنا من فلاسفة المشرق من يسمي الخليفة أو الإمام بـ"السائس" إذ يقول: (إنما اضطر العالَم إلى سائس ومدبر؛ ليدفع عنهم الأذى)(20).

 

2 – أما في الاصطلاح فهي

"اسم للأحكام والتصرفات التي تُدبر بها شؤون الأمة في حكومتها وتشريعها وقضائها، وفي جميع سلطاتها التنفيذية والإدارية، وفي علاقاتها الخارجية التي تربطها بغيرها من الأمم)(21).
وهذه السياسة كثيراً ما يكون مصدرها عرف الناس، وما هدى إليه أهل البصر في الأمة من طول مرانِهم وممارستهم شؤون الحياة، ومن ذلك ما ورثته الأمة عمن قبلها من العادات والأوضاع وهذا النوع من السياسة هو ما يُطلق عليه اسم السياسة الوضعية.
•    السياسية الوضعية: هي أحكام وقوانين وضعها علية القوم لتدبير شؤون الأمة، وكان عمادهم العرف والعادة والتجارب.
•    السياسة الشرعية: فهي الأحكام التي تُنظم بها مرافق الدولة، وتُدبر بها شؤون الأمة، مع مراعاة أن تكون متفقة مع أحكام الشريعة نازلة على أصولها الكلية ولو لم يدل عليها شيء من النصوص التفصيلية والجزئية الواردة في الكتاب أو السنة(22).

 

ويؤيد هذه الفكرة ما قاله ابن عقيل فيما نقله ابن القيم: "السياسة ما كان فعلاً يكون معه الناس أقرب إلى الصلاح، وأبعد عن الفساد، وإن لم يضعه الرسول، ولا نزل به وحي، فإن أردت بقولك: "إلا ما وافق الشرع – أي لم يخالف ما نطق به الشرع (فصحيح، وإن أردت: لا سياسة إلا ما نطق به الشرع فغلط، وتغليط للصحابة"(23).

 

وخلاصة القول: إن السياسة الشرعية تقوم على عدة قواعد عامة؛ تتمثل في قاعدة رفع الحرج، وقاعدة سد الذرائع، ومبدأ الشورى لرجوع بمعضلات الأمور إلى أهل الذكر هي من أصول الشريعة المحكمة، ومبادئها العامة التي يجب أن تعتمد عليها السياسة الشرعية.

 

فالسياسة الوضعية والأحكام المعتمدة على العرف مثلاً تكون سياسة شرعية، إذا لوحظ اعتداد الشريعة بهذا العرف، فإن لم يُراعَ ذلك كانت سياسة وضعية لا شرعية، فمتى سَلِمت السياسة الوضعية من مخالفات الشريعة الإسلامية وكانت متمشية مع روح الشريعة، ومبادئها العامة كانت نظاماً إسلامياً وسياسة شرعية(24).

 

رابعاً: الفكر والمفكرون

ورد في مختار الصحاح أن "التفكر: التأمل"(25). وقيل: "إنه إعمال العقل في المعلوم؛ للوصول إلى معرفة مجهول ويقال: لي في الأمر فكر: نظر ورويَّة)(26).
كما عُرف بـ(ترتيب أمور معلومة للتأدي إلى مجهول)(27).
ومن التعريفات السابقة يمكن تعريف الفكر السياسي أنه رؤية العلماء الفكرية وأعمال عقولهم فيما يخص شؤون الدولة السياسية، والمفكرون: هم الذين أعملوا عقولهم فيما يخص تدبير شؤون الدولة ونظام الحكم – وكانوا أهلاً لذلك-؛ لينتجوا لنا فكراً سياسياً يشمل كل ما يتصل بنظام الحكم في الدولة الإسلامية.
ويجدر بالذكر أن هناك من يفرق بين المفكرين والعلماء، ومن هؤلاء: الدكتور محمد بن سعيد رسلان حيث يقول: "إن المفكرين وإن كانوا يحملون هم نشر الدين ويملكون وعياً بالقضايا المستجدة ويطلعون على الحضارة الغربية وأوجه نقدها، لكنهم ليسوا من علماء الشريعة وإنما هم مفكرون – على فرض صحة هذا التعبير – وحكماء يستنار برأيهم ويستفاد من علمهم في الجوانب التي أجادوا فيها، ولا يخلط بين تصديهم – باعتبارهم مفكرين – وبين العلماء"(28). والباحث يتفق تماماً على ضرورة هذا التمييز حتى لا يختلط الحابل بالنابل.

 

خامساً: مدرسة الإصلاح

اشتهر الشيخ محمد عبده بدعوته إلى الإصلاح، والإصلاح الذي كان يهدف إليه الشيخ ثلاثة أنواع:
1-    إصلاح الدين.
2-    وإصلاح اللغة والأدب.
3-    إصلاح السياسة.

 

وكل الذين قاموا بالإصلاح في الميادين الثلاثة كانوا من تلاميذه وأصدقائه ممن صاروا على خطاه وتأثروا بطريقته منهم سعد زغلول، وقاسم أمين، وأحمد لطفي السيد، وطه حسين وغيرهم، وكان في مصر تياران قويان يتنازعان حركة الإصلاح:
الأول: مثله فريق المحافظين الذين يرون أن الإصلاح الحقيقي للأمة إنما يكون من خلال نشر التعليم الصحيح بين أفراد الشعب، والتدرج في الحكم النيابي، وكان الإمام محمد عبده، والزعيم سعد زغلول، ممن يمثلون هذا التيار.

 

والثاني: يدعو إلى الحرية الشخصية والسياسية تأسياً بدول أوروبا، وكانت نواته جماعة من المثقفين الذين تعلموا في أوروبا، وتأثروا بجو الحرية فيها، وأعجبوا بنظمها.
وحركة الإصلاح الإسلامي، التي فجرها جمال الدين الأفغاني، تجدها قد استمرت بشكل ما، مع تلامذته، وتلامذة تلامذته حتى اليوم؛ ويشهد لذلك استمرار محمد عبده ورشيد رضا من خلال حسن البنا وجماعة الإخوان المسلمين وتستمر مع الجماعات الإسلامية المنبثقة عنها.
ويشير الباحث إلى أن فكر النهضة والإصلاح يحضر في أدبيات التيار الوسطي في مصر، ممثلاً في بعض الرموز الإصلاحية، من أمثال: الدكتور محمد البهي، والدكتور محمد عمارة، اللذين لا تخلو أعمالهما من آثار هذا الجيل من الإصلاحيين، محققين لآثارهم أو مشتغلين على أعمالهم أو ذائدين عنهم. وأمثال عبد الرحمن الرافعي الذي كتب عن جمال الدين كتاباً تحت عنوان: (جمال الدين الأفغاني باعث الشرق) وكذلك الدكتور محمود قاسم.
ويبدو أن للمدرسة الإصلاحية تأثيراً كبيراً على معظم مفكري بلاد الشام والمغرب، ولذلك تعرض الباحث لآراء بعض مفكريهم لبيان مدى الاتفاق والاختلاف بين مفكري الشام والمغرب وبين مفكري المدرسة الإصلاحية.

 

سادساً: إخوان الصفا

كان للفلسفة الإسلامية شأن عظيم في العصر العباسي، وكان الفلاسفة متهمين بالإلحاد، وكان الانتساب إلى الفلسفة مرادفاً الانتساب للكفر، فاضطر أصحاب الفلسفة إلى التستر فألفوا الجمعيات السرية لهذا الغرض، وأشهرها جمعية إخوان الصفا، وتألفت في بغداد في أواسط القرن الرابع الهجري، وكانوا يجتمعون سراً، ويتباحثون في الفلسفة على أنواعها، حتى صار لهم فيها مذهب خاص هو خلاصة أبحاث فلاسفة الإسلام، بعد اطلاعهم على آراء اليونان والفرس والهند، وتعديلها على ما يقتضيه الإسلام، وخلاصة مذهبهم: "أن الشريعة الإسلامية تدنست بالجهالات، والضلالات، ولا سبيل إلى تطهيرها إلا بالفلسفة؛ لأنها حاوية للحكمة الاعتقادية والمصلحة الاجتهادية، وأنه متى انتظمت الفلسفة اليونانية، والشريعة المحمدية فقد حصل الكمال"(29).

 

الفصل الأول: أهمية الشورى ومشروعيتها

قبل الدخول في الفصل الأول يحسن أن نبدأ ببيان دلالة الشورى في الإسلام:

دلالة الشورى في الإسلام

يدل مبدأ الشورى في الإسلام على عدة أمور منها:
1-    النزعة الجماعية في التشريع الإسلامي، بحيث تكون السياسة أمراً يشترك فيه الحاكم والمحكوم، بحيث ينشأ بينهما علاقات قوية، وتكافل سياسي في تسيير شؤون الدولة.
2-    يحقق مبدأ الشورى استفادة الأمة من كافة طاقات أبنائها، ولا سيما في شؤون الحكم والسياسة فالشورى تعتبر من خصائص المسلمين؛ ولذلك كانت واجبة من حيث اتخاذها ابتداء، وواجبة التقيد بنتائجها انتهاء.
3-    يدل مبدأ الشورى على أن الطاعة في الإسلام ليست مصدرها "فكرة الحق الإلهي" التي كانت سائدة في أوربا بالنسبة للملوك، في القرن السابع عشر والثامن عشر، وهذا يعني أن الحاكم لا يطاع لذاته ولا لشخصه، وإنما يطاع إذا كان مطيعاً أولاً(30).
ومعروف أن طاعة الحاكم تكون في المعروف وفي غير معصية، وليس صحيحاً أن الحاكم لا يطاع إلا فيما جاء به الشرع أمراً، بل يجب طاعته فيما وراء ذلك من أوامره المتعلقة بالمصالح، ويطاع الحاكم في كل أمر لا يخالف تعاليم الإسلام.

 

المبحث الأول: أهمية الشورى ومشروعيتها

أولاً: أهمية الشورى

إذا نظرنا في المجال السياسي، فإن الشورى فيه واجبة على الحكام وحق للمحكومين، وترجع أهمية الشورى إلى أنها "ألفة للجماعة، وسبب إلى الصواب، وما تشاور قوم إلا هدوا"(31)، ومبدأ الشورى هو الحصن الذي يجب أن يحتمي فيه نظام الحكومة الإسلامية وأحكام الإمامة، ويجب أن يستظل بظلها، وخاصة في عصرنا الحاضر.

 

ثانياً: مشروعية الشورى

الشورى ثابتة بالكتاب والسنة وعمل الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم، وبلغ اهتمام الإسلام بالشورى حداً كبيراً، ومما يدل على ذلك أن إحدى سور القرآن سميت بالشورى، مما يدل على أن لها أهمية في حياة المسلمين وضرورة لتدبير شؤون الدولة، كما أنها ضرورية للأفراد في حياتهم الخاصة.

 

ثالثاً: الأدلة على مشروعية الشورى

يوجد العديد من الأدلة الشرعية التي تدل على مشروعية الشورى ومن هذه الأدلة:
1 – القرآن الكريم: يوجد في القرآن الكريم العديد من الآيات التي تدل على مشروعية الشورى، ومن هذه الآيات قول الله عز وجل: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ} [آل عمران:159].
ففي هذه الآية نجد النص على الشورى قد جاء بصيغة الأمر الذي يتمثل في قوله تعالى: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ} فقد أمر الله تعالى رسوله عليه السلام أن يشاور قومه في الأمر وفي المشاورة فائدتان:
الأولى: تأليف قلوبهم وإشاعة المودة بينهم نتيجة للمشاورة.
الثانية: تعويد المسلمين على هذا النهج في معالجة الأمور لأن الرسول عليه السلام الأسوة الحسنة لهم، فإذا كان يلجأ إلى المشاورة فهم أولى أن يأخذوا بها.
وكذلك قوله تعالى: {وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} [الشورى:38]، ففي هذه الآية يبين الحق سبحانه أن من الصفات الأساسية التي تميز المؤمنين هو أن أمرهم شورى بينهم وشهد لذلك قول القرطبي: "مدح الله المشاورة في الأمور بمدح القوم الذين كانوا يمتثلون ذلك"(32).
ويلاحظ أن السورة نفسها حملت اسم "سورة الشورى" حيث ورد ذكر الشورى في هذه الآية منها وهي قوله تعالى: {وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} وفي هذه الآية يبين الله تعالى أن الشورى هي إحدى الدعائم المهمة التي يقوم عليها المجتمع الإسلامي وما حملت السورة هذا الاسم إلا لبيان العناية بالشورى والتنبيه إلى عظيم أهميتها. وربما سميت بهذا الاسم لأنها السورة الوحيدة في القرآن الكريم التي قرت الشورى عنصراً من عناصر الشخصية الإيمانية الحقة.

 

وقد ورد في القرآن الكريم آيات أخرى غير صريحة في هذا المجال ولكنها تفيد وجوب الشورى وضرورة العمل بها، ومن هذه الآيات قوله تعالى: {وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ} [النساء: من الآية83]. وفي هذه الآية دليل على أن الأمور الهامة التي تعرض للأمة يجب أن ترد إلى أهل العلم بها ليروا فيها رأيهم، ويستنبطوا منها ما فيه مصلحة الأمة، ولا شك أن أهل الشورى هم هؤلاء الذين ترد إليهم هذه الأمور، وأن سبيل الشورى هو خير سبيل للهداية والرشاد.

 

وكما أوجب الإسلام على الأمة كجماعة سياسية أن يكون قاعدة الحكم فيها بالشورى، فإنه أراد للأسرة أن تعتاد الشورى في أموره، وتتخذه منهجاً فقال تعالى: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا لا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ فَإِنْ أَرَادَا فِصَالاً عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلادَكُمْ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُمْ مَا آتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} [البقرة:233].
وكذلك أورد القرآن الكريم في سورة النمل إشارة إلى صورة من صور الشورى في قصة ملكة سبأ في قوله تعالى: {قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنْتُ قَاطِعَةً أَمْراً حَتَّى تَشْهَدُونِ} [النمل:32].

 

وقد ذهب العلماء في تفسير هذه الآية إلى أن الملكة "بلقيس" ملكة سبأ طلبت من قومها أن يشيروا عليها في الأمر الذي نزل بما عندهم من الرأي فما كان لها أن تمضي حكماً حتى يحضروا ويكونوا شاهدين وذكر أن أهل الشورى عندها كانت عدتهم ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً.
ويؤكد سيد قطب أن الشورى من صفات الجماعة المسلمة فيقول عن أهمية الشورى وخطورتها: إن وضع الشورى أعمق في حياة المسلمين من مجرد أن يكون نظاماً سياسياً للدولة، فهو طابع أساسي للجماعة كلها، يقوم عليه أمرها كجماعة، ثم يتسرب من الجماعة إلى الدولة"(33).

 

2 – في السنة النبوية: جاءت السنة النبوية مؤيدة لما ورد في القرآن، من الإشادة بشأن الشورى والدعوة إلى اتباعها، والتنويه بفضلها، فقد حفلت السنة النبوية بكثير من النصوص التي تدل على التزام رسول الله صلى الله عليه وسلم نهج المشاورة قولاً وعملاً حتى صارت الشورى صفة لصيقة به على الرغم أنه معصوم، ويحسن بالبحث أن يذكر أمثلة من السنة القولية، وأخرى من السنة الفعلية.

 

أ – ففي السنة القولية:
1- روي أنه قال صلى الله عليه وسلم: "إذا استشار أحدكم أخاه فليشر عليه"(34).
2 – وقال صلى الله عليه وسلم: "المستشار مؤتمن"(35).
3 – وقال صلى الله عليه وسلم: "من استشاره أخوه المسلم فأشار عليه بغير رشد فقد خانه"(36).
4 – وروي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "ما شقي قط عبد بمشورة وما سعد باستغناء رأي، وما خاب من استخار ولا ندم من استشار"(37).
5 – وروي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إذا كان أمراؤكم خياركم وأغنياؤكم سمحاءكم وأمركم شورى بينكم فظهر الأرض خير لكم من بطنها، وإذا كان أمراؤكم شراركم، وأغنياؤكم بخلاءكم، وأموركم إلى نسائكم فبطن الأرض خير لكم من ظهرها"(38).
6 – وعنه صلى الله عليه وسلم قال: "البكر تستأمر والثيب تشاور"(39).
7 – وقال صلى الله عليه وسلم: "لو كنت مؤمراً أحداً من غير مشروة لأمرت ابن أم عبد"، وفي رواية "لو كنت مستخلفاً أحداً من غير مشورة لاستخلفت ابن أم عبد"(40)؛ فلا يجوز أن يولى على المسلمين وال أو يستخلف خليفة بغير مشورة المؤمنين.
8 – (ما رأيت أحداً اكثر مشورة لأصحابه من رسول الله صلى الله عليه وسلم)(41).

 

ب – أما السنة الفعلية:
فهناك العديد من أحداث السيرة النبوية التي تدل على مشروعية الشورى ومنها:
1-    مشاورة النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه يوم بدر في التوجه إلى قتال المشركين(42).
2-    مشاورة النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه قبل غزوة أحد: أيبقى في المدينة أم يخرج إلى العدو(43).
3-    في أسر بدر(44).
4-    مشاورة النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه في عقوبة المنافقين الذين آذوه في أهله، فقال: "ما تشيرون عليّ في قوم يسبون أهلي، ما علمت عليهم من سوء قط"(45).

 

3 – في عهد الصحابة: أما عن أساس الشورى من أفعال الصحابة، فإن الثابت تاريخياً أن الخلفاء الراشدين رضوان الله عليهم اقتدوا برسول الله عليه الصلاة والسلام، فكانوا يتشاورون في كل الأمور المهمة التي تحدث لهم ومنها:
1- أول ما تشاور فيه الصحابة الخلافة، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينص عليها حتى كان فيها بين أبي بكر والأنصار، في حديث السقيفة المشهور.
2 – تشاوروا في أهل الردة واستقر رأي أبي بكر على القتال، وأقنع المسلمين به.
3 – استشار أبو بكر رضي الله عنه صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم من المهاجرين والأنصار في غزو الشام، ذاكراً لهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان عول أن يصرف همته إلى الشام، فقبضه الله إليه، واختار له ما لديه، ثم أضاف أن (العرب بنو أم وأب، وقد أردت أن أستنفرهم إلى الروم والشام، فمن هلك منهم هلك شهيداً، وما عند الله خير للأبرار، ومن عاش منهم عاش مدافعاً عن الدين مستوجباً على الله عز وجل ثواب المجاهدين)، ثم طلب إليهم رأيهم، وبعد مناقشة بينهم أبدى فيها بعض كبار الصحابة كعمر وعبد الرحمن رأيهم انتهت المناقشة بتفويض الخليفة في الأمر، فقام أبو بكر رضي الله عنه يدعو القوم إلى الاستعداد لغزو الروم والشام ويقول: (فإني مؤمر عليكم أمراء وعاقد لهم عليكم فأطيعوا ربكم ولا تخالفوا أمراءكم، ولتحسن نيتكم وسيرتك، فإن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون)(46).
4 – كان القراء هم أهل الشورى لسيدنا عمر، فعن عبد الله بن عباس رضي الله عنه أنه قال: "كان القراء أصحاب مجلس عمر ومشاورته، كهولاً كانوا أو شباباً" أخرجه البخاري.
5 – من المأثور عن عمر رضي الله عنه: "من بايع رجلاً من غير مشورة المسلمين فلا يبايع ولا الذي بايعه غرة أن يقتلا"(47).
6 – الروايات عن عمر رضي الله عنه في جمعة للقراء (أي العلماء)، واستشارتهم في كل ما يهم المسلمين، كثيرة متواترة، ومن ذلك تشاوره معهم في أمر "الخراج"، وهكذا كان مثله غيره، من باقي الولاة والخلفاء في صدر الإسلام.
7 – كان عمر رضي الله عنه يجمع كبار الصحابة في عهده ويمنعهم من الخروج من المدينة لحاجته إلى استشارتهم.

 

المبحث الثاني: الشورى لا الديمقراطية

أولاً: فوائد الشورى والحكمة منها

جاءت الشريعة الإسلامية مقررة لمبدأ الشورى، وذلك في قوله تعالى: {وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ} [الشورى: من الآية38]، وقوله تعالى: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ} [آل عمران: من الآية159]، ولا شك أن مبدأ الشورى يحمل الأمة على المشاركة في الشؤون العامة والاهتمام بها، وتهيئ الأمة للمشاركة في الحكم ولو بطريق غير مباشر، ثم تؤدي الشورى إلى مراقبة الحكام ومحاسبتهم.

 

ويجدر بالذكر أن الحكمة من مشروعية الشورى وضعها يختلف بالنسبة للنبي صلى الله عليه وسلم عنها بالنسبة للخلفاء والرؤساء من بعده صلى الله عليه وسلم فبالنسبة للنبي صلى الله عليه وسلم فقيل عن الحكم من مشروعية مشاروته صلى الله عليه وسلم لأصحابه: إنما ذلك ليستن به من بعده فالله سبحانه قد علم أن النبي صلى الله عليه وسلم ما به إلى أصحابه حاجة، ولكن أراد أن يستن به من بعده. وقيل: بل هو لتطييب نفوس أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، ولتأليف قلوبهم؛ لأن سادات العرب إذا كانوا لم يشاوروا في الأمر شق عليهم، فأمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم بمشاورة أصحابه؛ لئلا يثقل عليهم استبداده بالرأي دونهم(48). وقيل إنما أُمر الرسول بالمشاورة ليتبين له صواب الرأي في التدبير.

 

ويرجح الباحث أن هذا القول الأخير ينطبق على الأمور الدنيوية والمعارك الحربية؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "أنتم أعلم بأمر دنياكم"(49).

 

ومن فوائد الشورى أنها تقي الأمة الكثير من الشرور، ويأتي على رأسها ما يلي:
1 – تعتبر الشورى من الوسائل التي تمنع الاستبداد؛ لأن أهم وظيفة في الدساتير وفي توزيع السلطات وتحديدها وفي أحكام الشورى وضبط موازينها هي "منع الحاكم من أن يستبد برأيه أو يقيم من نفسه جباراً على الناس... فإن الشورى مبدأ فوق المجادلات، وإذا لم تكفلها المواد الصريحة والتطبيقات الصحيحة فليست هناك شورى ولا دساتير، وإن زعم الزاعمون"(50).

 

2 – إن الشورى تقي الأمة سيئات شتى ومنها:
* إعجاب الغبي برأيه ورغبته في فرضه على الناس.
* إن المستبدين يضعون أنفسهم فوق المسؤولية، فهم قد يخطئون الخطأ الرهيب فإذا افتضحوا كان غيرهم غالباً كبش الفداء، والشورى إن لم تق الأمة هذا البلاء فلا معنى لها.
* ومن مميزات الشورى أنها ترد الحاكم إلى حكمه الطبيعي كلما حاول الانتفاخ والتطاول(51).

 

ثانياً: جمع الشورى بين مزايا الديمقراطية والديكتاتورية

يُرجع معظم علماء العصر الحديث فشل النظم الديكتاتورية والديمقراطية إلى أن أصحاب هذه المذاهب يؤثرون المنافع الشخصية والعصبيات الحزبية على المصالح العامة؛ ولأنهم يسمحون للأقلية أن تناقش الرأي الذي أقرته الأغلبية في الوقت الذي انتهى فيه دور النقاش، وأن يشككوا في قيمة الرأي وصلاحيته أثناء تنفيذه، وأحياناً يحدث أن تمتنع الأقلية عن تنفيذ القوانين التي تسنها الأغلبية، فعدم التعاون وفقدان الثقة بين الأحزاب يؤدي إلى فشل هذه النظم.

 

فالنظام الديمقراطي يقوم أساساً على الشورى والتعاون، ولكنه ينتهي بعدم التجرد، وينتهي بسوء التطبيق إلى تسلط الشعب على الحاكم، وانعدام التعاون بينهما.

 

أما النظام الديكتاتوري فيقوم في أساسه على السمع والطاعة، والثقة بين الحاكم وشعبه، لكنه ينتهي بعدم التجرد وسوء التطبيق إلى تسلط الحكام على شعوبهم وانعدام الثقة بينهما.

 

أما النظام الإسلامي فيقوم أساساً على الشورى والتعاون، ولا تسمح قواعد النظام الإسلامي بتسلط فريق على فريق، وبهذا جمع النظام الإسلامي بين الفضائل التي تنسب إلى الديمقراطية وبين المزايا التي تنسب إلى الديكتاتورية، وفي الوقت ذاته يبرأ النظام الإسلامي من المساوئ التي تنسب إلى الديمقراطية والديكتاتورية معاً(52).

 

ومن الباحثين الذين أفاضوا في الحديث عن فوائد تطبيق الأمة لمبدأ الشورى الأستاذ سعيد حوى فذكر منها:
1-    وعي الأمة بقضاياها حتى تصبح السياسة علماً للجميع.
2-    تجعل الشورى الأمة مطمئنة لسلامة السير على المنهج السليم.
3-    الأمن من ندم الاستبداد بالرأي الظاهر خطؤه.
4-    تحتاج أحكام التدبير إلى الشورى.
5-    التجرد بالشورى عن الهوى الساترة حجبه عن الحق.
6-    بناء التدبير بها على أرسخ أساس، والعكس بالعكس.
7-    استمناح الرحمة والبركة.
8-    وجدان الصواب بها عند إشكاله(53).

 

ويبدو أن فوائد الشورى للأمة لا تحصة ففيها من الخير الكثير والكثير، ومنها على سبيل المثال: الأمن من عتب الأمة عند الخطأ، وإقامة الحجة على المعترض، فإذا نوقشت المسألة الاجتهادية من جانب أهل الشورى، وجانبهم الصواب فعندئذ لا يقع اللوم على الحاكم وحده، ومنها أن الشورى هي الوسيلة للكشف عن الكفاءات والقدرات ومواهب الأفراد، فمن خلال الشورى يظهر الأكفاء، وتستفيد الأمة من خبراتهم، ومن خلال الشورى يزداد العقل حكمة وصواباً؛ لأنه يجمع من خلال الشورى آراء الآخرين، فيتميز الرأي الصائب من الآراء المطروحة، فكما يقال: وبضدها تتميز الأشياء.

 

ثالثاً: أوجه الخلاف بين الشورى والديمقراطية

يقرر بعض مفكري العصر الحديث أن جوهر الديمقراطية من صميم الإسلام، فهو ينكر أن يصلي أحد إماماً للناس وهم له كارهون، وإذا كان هذا في الصلاة وهي من العبادات، فكيف يكون الأمر في الحياة السياسية؟ لا شك أنها أوكد؛ لأنها تتعلق بمصالح العباد.

 

وقد سبق الإسلام الديمقراطية الغربية، وذلك بتقرير القواعد التي يقوم عليها جوهر الديمقراطية، لكنه ترك التفصيلات لاجتهاد علماء الإسلام، كل على حسب تخصصه، بحيث لا يتعارض مع أصول دينهم ومصالح دنياهم وتطور حياتهم حسب الزمان والمكان وتجدد أحوال المجتمع(54).

 

ومما لا شك فيه أن هناك أوجه خلاف بين الشورى كمبدأ إسلامي، ورد به القرآن، والسنة النبوية، وطبقه الخلفاء الراشدون، وبين الديمقراطية كمبدأ غربي. ومن أوجه الخلاف بين الشورى والديمقراطية ما يلي:
1 – سلطات مجلس الشورى ليست مطلقة: فهي مقيدة بعدم الخروج على النصوص الشرعية، ويعلل محمد عبده لهذا الأمر بقوله: "إن الشورى من الأمور الشرعية الواجبة، فمن رامها فقد رام أمراً شرعياً قضت به الشريعة وحتمته على الحاكم والمحكوم جميعاً"(55).
فقول محمد عبده: إن الشورى من الأمور الشرعية الواجبة، فمعنى ذلك أن الشورى مقيدة بعدم الخروج على النصوص الشرعية، فالشرع لا يناقض بعضه بعضاً، بخلاف الديمقراطية عند الغرب فلا يقيدها الوحي الإلهي.
أما سلطات المجلس النيابي في الديمقراطية المعاصرة فهي مطلقة، وإذا كان الدستور يقيدها، فإن الدستور نفسه قابل للتغيير؛ ولذلك يقال: إن الأمة مصدر السلطات في الديمقراطية المعاصرة على إطلاق، ولكن في الدولة الإسلامية مصدر السلطات: الكتاب والسنة النبوية أي أن مصدر السلطات هي الشريعة الإسلامية، وإذا قلنا: إن الأمة الإسلامية مصدر السلطات فنضيف إلى ذلك إنها مقيدة بنصوص الشريعة(56).
ويبدو أن السلطة في الديمقراطية الغربية سلطة مطلقة، بينما في التصور الإسلامي مطلقة في نطاق ومقيدة في نطاق آخر، فحيثما وجد النص التشريعي القطعي فليس هناك اجتهاد فردي أو جماعي إلا أن يكون الاجتهاد في التطبيق أو التفسير، وكيفية إنزال حكم القاعدة الشرعية على الواقع المتجدد والمتغير.
ويخلص الباحث إلى أن سيادة الأمة الإسلامية تعتبر ضمن إطار سيادة الشريعة الإسلامية فإذا كان الفكر السياسي في الإسلام يقرر: إن الأمة مصدر السلطات فهذا لا يعني أن هناك تعارضاً بين هذا القول وبين كون القرآن الكريم والسنة النبوية هما مصدرا التشريع في الأساس، فأهل العلم الشرعي من الأمة الإسلامية هم الذين عندهم القدرة على فهم الكتاب والسنة ويستطيعون استنباط الأحكام الشرعية من خلال مصادر التشريع الإسلامي، ثم تنظر في أحوال الأمة ما يصلحها من تشريع بحيث لا يخالف الشريعة الإسلامية، وذلك بالتعاون مع أهل الرأي في المجال السياسي، وهم الذين يطلق عليهم ذووا الخبرة والحكمة.

 

2 – الحقوق والحريات العامة في الشورى تختلف عنها في الديمقراطية المعاصرة من ناحيتين:
الأولى: تتحول الحقوق والحريات العامة في الشورى إلى واجبات دينية واجتماعية حيث تأخذ طابع الوظيفة الاجتماعية التي ترتبط بتحقيق المقصد الشرعي، وبتوازن يحقق مصلحة الفرد والجماعة دون طغيان طرف على آخر، وينبغي على المواطنين التمتع بهذه الحقوق، وإلا أثموا بالترك والتقاعس، أما الديمقراطية المعاصرة فهي تغالي في تغليب الجانب الفردي.
الثانية: الحقوق والحريات مقيدة في الشورى بضوابط من الشريعة، أما في الديمقراطية المعاصرة فهذه الحقوق مطلقة ولا يحدها ضابط إلا عدم الإضرار بالغير والقانون، مع الأخذ في الاعتبار أن القانون نفسه متغير غير ثابت.

 

3 – الشورى الإسلامية مرتبطة بقيم أخلاقية نابعة من الدين نفسه بينما لا تستند الديمقراطية إلى مثل هذه القيم: بل هي قيم نسبية تتحكم فيها رغبات وميول الأكثرية(57).
ويؤكد الدكتور أحمد كمال أبو المجد أن جوهر الديمقراطية المعروفة مقبول في الإسلام، ولكن سلطة الأغلبية ليست مطلقة، فالغالب والأكثر معتمد في العقل والنقل اعتماد العام الكلي، والكثرة توصف لغة وشرعاً بالجماعة، ويرى أن جوهر المقارنة بين الديمقراطية – بمعناها المستقر في الغرب – والشورى التي أمر بها الإسلام يتجلى في أمرين:
الأول: الأساس النظري لكل منهما: فأما الأساس النظري فإن علماء السياسة الغربيين يردون الديمقراطية إلى فكرة العقد الاجتماعي التي قال بها كل من: (لوك) و(هوبز) و(روسو)، وإن كانت أقوال هؤلاء الثلاثة من قبيل الفروض التاريخية التي تتحدث عن مرحلة ما قبل الجماعة المنظمة، فهي أدخل في باب التحليل النظري بالفروض منه في باب التحديد التاريخي الموثق بالوقائع والنصوص.
ويجدر بالذكر أن الفكر السياسي الإسلامي قد اعتمد بدوره على فكرة العقد كأساس لنشأة الدولة وذلك بما تراه جمهرة أهل السنة.
الثاني: اشتراط الفقه الغربي الأغلبية: إن الفقه الغربي يشترط الأغلبية كأساس لاتخاذ القرارات داخل الجماعة، ولكنه لا يشترطها بالضرورة لاختيار رئيس الدولة، بينما ظهرت فكرة الشورى في الفكر السياسي الإسلامي في الميدانين معاً: ميدان بيعة الإمام التي اعتبرت عقداً، وميدان اتخاذ القرارات داخل الجماعة(58).

 

4 – الديمقراطية في أكثر أشكالها ما هي إلا حكم الأكثرية للأقلية، مقابل حكم الأقلية للأكثرية، وهو ما تقوم عليه النظم الاشتراكية: وفي كلا الأمرين يبعد فريق صغير أو كبير عن المشاركة في الحكم. أما مبدأ الشورى فهو إلزام بأخذ رأي الجميع أولاً من غير تمييز بين أقلية أو أكثرية ثم ضرورة العمل بالرأي الذي ظهرت أرجحيته بعد التمحيص العقلي بين الرأيين، لا عملاً بالتعداد غير الواعي للأصابع المرفوعة(59).
والذي يقوم بالتمحيص العقلي هم أهل العلم والخبرة في "الأمر" الذي هو محل الشورى، مع أبعاد بقية الأعضاء الذين لا يتوفر فيهم العلم والخبرة في "الأمر" المراد مناقشته، فإن اختلف أهل العلم والخبرة أخذ برأي الأغلبية منهم وحدهم.

 

5 – إن الديمقراطية الإسلامية (الشورى) تجعل قدر اشتراك الأفراد في إدارة شؤون البلاد أوفر من القدر الذي تعطيه الديمقراطية الغربية: ويؤكد على ذلك الأمر السنهوري بقوله: "إن الديمقراطية الإسلامية تلزم أفرادها لا بإطاعة القانون فحسب، بل بالعمل على حمل الغير على إطاعته، أي أن موقف الفرد موقف إيجابي، لا سلبي كما هي الحال في الديمقراطية الغربية، وتكون حقوق الفرد إذن في الديمقراطية الإسلامية، وقدر اشتراكه في إدارة الشؤون العامة أوفر من القدر المعطى للفرد في الديمقراطية الغربية"(60).
6 – التمييز بين مجال الشورى ومجال التشريع في الإسلام، بخلاف الديمقراطية الغربية: ويعنينا في هذا الخصوص أن نميز بين مجال الشورى ومجال التشريع في الإسلام، ذلك لأن هناك من يخلط بينهما، ويستعملون الشورى والتشريع على أنهما مترادفان. ولذلك يعبرون عن أهل التشريع بأهل الشورى والعكس، مع أن التشريع يختلف عن الشورى، وأهل التشريع ليسوا هم أهل الشورى، ونطاق الشورى، أو مجالها يختلف تبعاً لذلك عن مجال التشريع.
فالتشريع هو وضع القواعد القانونية العامة الملزمة بمعرفة السلطة المختصة، والسلطة المختصة بالتشريع هي الله ورسوله فيما فيه نص، أما فيما ليس فيه نص فإن السلطة المختصة بالتشريع هي الأمة ممثلة في أهل الحل والعقد، وليس للخليفة أي سلطة في التشريع، إلا بصفته مجتهداً من علماء الشريعة، لا بصفته حاكماً، فمجال التشريع إذن هو وضع القواعد العامة الملزمة ويعبر عنه بالمجال التشريعي، وقد تدخل بعض صور الشورى فيه بين أهل الحل والعقد، فيما يعرف بالاجتهاد الجماعي، أو مؤسسة الإجماع.
ومعروف أن الشورى إنما تتعلق بالمجال التنفيذي، وليس لها أي شأن بالمجال التشريعي، فالخليفة أو رئيس الدولة كما نعلم له اختصاصات تنفيذية معينة. وفي نطاق هذه الاختصاصات التنفيذية فإنه يتعين عليه إذا عرضت مسألة مهمة تتعلق بمصلحة عامة للأمة، أن يستشير الأمة فيها.

 

رابعاً: الإسلام لم يحدد شكلاً للشورى

إن الإسلام قرر مبدأ الشورى، أما الشكل الذي تتم به فليس له طريقة أو كيفية ثابتة؛ لأن الشكل متروك للصورة الملائمة لكل زمان ومكان، فشكل الشورى يختلف من بيئة إلى بيئة، ومن زمان إلى زمان. وسيعرض الباحث لوجهة نظر أهم التيارات لشكل الشورى.

1 – عند رواد مدرسة الإصلاح: أما عن نظرة مفكري العصر الحديث إلى شكل الشورى وكيفيتها فقد اتفقوا على عدم وجود طريقة ثابتة تتبع لإجراء الشورى، وقرروا أن شكل الشورى الذي تتم به ليس مصبوباً في قالب حديدي، وأما عن رواد مدرسة الإصلاح فنجد ا لإمام محمد عبده يقرر "إن الشرع لم يجئ ببيان كيفية مخصوصة لمناصحة الحكام، ولا طريقة معروفة للشورى عليهم، كما لم يمنع كيفية من كيفياتها الموجبة لبلوغ المراد منها، فالشورى واجب شرعي، وكيفية إجرائها غير محصورة في طريق معين"(61).

 

ويتضح من النص السابق أن محمد عبده لا يمانع أن تأخذ الأمة الإسلامية كيفية معينة أو طريقة معينة لإجراء الشورى من الأمم الأخرى التي أنشأت له نظاماً مخصوصاً، بل شجع محمد عبده الأخذ عن الأمور الأخرى متى رأينا في الأخذ نفعاً، أما إذا لم نجد في الأخذ عن غيرنا نفعاً فعلينا أن نختار من الكيفيات والأشكال ما يلائم مصالحنا ويطابق منافعنا، ويثبت بيننا قواعد العدل، بل أوجب محمد عبده على المسلمين إذا رأوا شكلاً معيناً لإجراء الشورى، وكان هذا الشكل مجلبة للعدل أوجب أن نتخذ هذا الشكل، ولا نعدل عنه إلى غيره"(62).

 

ويتفق محمد رشيد رضا ومعه السنهوري مع ما ذهب إليه محمد عبده و"تلاميذ مدرسة الإصلاح" من أن الشورى ليس لها شكل محدد في الشريع الإسلامي، ويشهد لذلك أن رشيد رضا ذكر الحكمة من كون الرسول صلى الله عليه وسلم لم يضع نظاماً محدداً للأمة في شكل الشورى وهو أن "النظام يختلف باختلاف أحوال الأمة في كثرتها وقلتها وشؤونها الاجتماعية ومصالحها العامة في الأزمنة المختلفة، فلا يمكن أن تكون له أحكام معينة توافق جميع الأحوال في كل زمان ومكان"(63).

 

ويأسف السنهوري لعدم اهتمام الفقهاء بإجراءات الشورى وأرجع السبب إلى كون "الفقهاء لم يجدوا في السوابق التاريخية في عهد الصحابة... ما يمكن أن يكون أساساً لتنظيم دائم ومستقر للشورى"(64).

 

ويتفق "تلاميذ مدرسة الإصلاح" على أن الإسلام لم يضع شكلاً محدداً للشورى، ويشهد لذلك ما قرره حسن البنا؛ إذ يقول: "إن النظام الإسلامي في هذا (الشورى) لا يعنيه الأشكال ولا الأسماء متى تحققت هذه القواعد الأساسية التي لا يكون الحكم صالحاً بدونها"(65).

 

وذهب عبد القادر عودة إلى أن تنظيم استعمال مبدأ الشورى أمر يختلف باختلاف الزمان والمكان والجماعات، ومن أجل هذه الملابسات تركت الشريعة هذا الأمر ينظمه أولو الأمر والرأي بما يتفق مع ظروفهم"(66).

 

أما سيد قطب فيقرر أن الشورى أصل من أصول الحياة الإسلامية، وأنها أوسع مدى من دائرة الحكم؛ لأنها قاعدة حياة الأمة، ويدل على ذلك قوله: "أما طريقة الشورى فلم يحدد لها نظاماً خاصاً، وتطبيقها إذن متروك للظروف والمقتضيات"(67). ويؤكد سيد قطب في موضع آخر من تفسيره هذا الأمر بقوله: "أما شكل الشورى والوسيلة التي تتحقق بها فهذه أمور قابلة للتحوير والتطوير وفق أوضاع الأمة وملابسات حياتها، وكل شكل وكل وسيلة تتم بها حقيقة الشورى – لا مظهرها – فهي من الإسلام"(68).

 

كما أشار السيد سابق إلى هذه القضية فقال: "إنه ليس ثمة طريق معينة وضعها الإسلام للشورى، ولا لاختيار الحاكم؛ لأن هذا الأمر مما يختلف باختلاف الزمان والمكان، ويتطور حسب الظروف والأحوال"(69).

 

ويجدر بالذكر – من باب تأكيد الفكرة – أن ممن أدرك من المستشرقين رفض تلاميذ "مدرسة الإصلاح" للجمود، والثبات على الشكل الموروث هو "أوليفيه كاريه" ويشهد لهذا المعنى قوله: "إن مفكري الحركة – يقصد حركة تلاميذ مدرسة الإصلاح – لا يزمعون التجمد داخل المواقف التقليدية، وإنما يريدون على العكس تماماً بذل جهود جديدة في مجال البحث والاجتهاد، وذلك بالتحرر من التحجر التقليدي الضيق الأفق الذي تبنى مبدأ إغلاق باب الاجتهاد، فلكل عصر جديد حلول جديدة(70).

 

ويتبين مما سبق أن "تلاميذ مدرسة الإصلاح" لا يتقيدون بشكل معين تقليدي إن صلح لفترة ماضية فقد لا يصلح لفترة غيرها، فالشورى على سبيل المثال مبدأ مقرر في الإسلام، أما الشكل الذي تتم به فليس مصبوباً في قالب حديدي، لكنه متروك للصورة الملائمة لكل قطر أو بلد ولكل زمان؛ لأن الوسائل التي يتم بها تحقيق الشورى أو أي مبدأ آخر قابلة للتطوير وفق أوضاع الأمة الإسلامية، فكل شكل وكل وسيلة تتم بها حقيقة الشورى – وليس مظهرها – فهي من الإسلام.

 

2 – مفكرو الشام والمغرب: أما عن مفكري بلاد الشام والمغرب فلم يختلفوا عما ذهب إليه مفكرو مدرسة الإصلاح، ويشهد لذلك أحد مفكريهم وهو الدكتور مصطفى الزرقا بقوله: "إن الإسلام لم يحدد طريقة تحقيق الشورى؛ لأن ذلك يختلف باختلاف الإمكانيات الزمانية والمكانية، وما يحدث من أساليب جديدة مفيدة"(71).

 

المبحث الثالث: مجالات الشورى وتحديد نطاقها

نطاق الشورى

أما عن نطاق الشورى: فهي المسائل التي يمكن أن تكون محلاً لها، فذلك ما لا نجد له في النصوص المقررة لوجوب الشورى تحديداً قاطعاً. وورد الأمر بالشورى بأنها الشورى في "الأمر"، وفي هذه الكلمة من العموم والإطلاق ما يجعلها تشمل كل شؤون الجماعة المسلمة في كل نواحي حياتها، غير أن مثل هذا الإطلاق – في الواقع – لا يمكن أن يكون مراداً من النصوص التي تأمر بالشورى، ذلك أنه يوجد قيدان يجب التقيد بهما في هذا الخصوص:

أولهما: أن الشورى لا تكون في مسألة ورد فيها نص تفصيلي قطعي الدلالة في القرآن أو السنة التي تعد تشريعاً عاماً.
القيد الثاني: هو أنه حين تعرض مسألة ما على الشورى، فإنه لا يجوز أن ينتهي رأي المستشارين إلى نتيجة تخالف نصاً من النصوص التشريعية(72).

 

أولاً: نطاق الشورى عند مدرسة الإصلاح: اهتم غالب مفكري العصر الحديث بتحديد نطاق الشورى، ومن هؤلاء رشيد رضا الذي حصر مجالات الشورى في عدة أمور وهي:
أ – كل قضية لا نص فيها عن الله ورسوله صلى الله عليه وسلم.
ب – كل أمر ليس فيه إجماع صحيح يحتج به.
ج – الأمر الذي فيه نص اجتهادي وغير قطعي ولا سيما أمور السياسة والحرب المبنية على أساس المصلحة العامة.
د – من الأمور التي تدخل نطاق الشورى: طرق تنفيذ النصوص في هذه الأمور؛ إذ هي تختلف باختلاف الزمان والمكان.
هـ - المصالح العامة للأمة(73)، ويبدو أن السنهوري لم يتعرض لمناقشة هذه القضية عند دراسته لفقه الخلافة وتطورها لتصبح عصبة أمم شرقية.

 

ثانياً: نطاق الشورى عند تلاميذ مدرسة الإصلاح: اهتم تلاميذ "مدرسة الإصلاح" بهذه القضية وأولوها المزيد من اهتمامهم، فيقرر عبد القادر عودة ما ذهب إليه رشيد رضا، ويضيف أن الشورى ليست مطلقة وإنما هي مقيدة بألا تخرج عن حدود ما جاء به القرآن والسنة... فيجب دائماً أن تكون الشورى مطابقة للتشريع الإسلامي ومتابعة لاتجاهاته وروحه"(74).

 

ويلاحظ من النصوص السابقة أن المسائل التي يمكن أن تكون محلاً للشورى لا نجد نصوصاً تحددها تحديداً قطعياً؛ ولذلك ورد الأمر بالشورى في القرآن الكريم بأنها الشورى في "الأمر" وهذه الكلمة تدخل في العموم والإطلاق بحيث تشمل كل شؤون الجماعة المسلمة في كل جوانب الحياة، ولكن هذا الإطلاق لا بد أن يتقيد بقيدين:
أولهما: أن الشورى لا تكون في قضية ورد فيها نص تفصيلي، قطعي الدلالة في القرآن أو السنة، فموضوع الشورى هنا يقتصر على تفسير النص، أو طرق تنفيذه.
ثانيهما: لا يجوز أن تنتهي نتيجة المشاورة إلى نتيجة تخالف نصاً من النصوص الشرعية الواردة في القرآن أو السنة(75).

 

وتناول محمد الغزالي طبيعة الشورى فبين أنها في الأمور التي تتفاوت العقول في إدراكها ووزن ما يرتبط بها من نفع أو ضرر، وما ينتج عنها من نتائج دقيقة أو جليلة، وفي الشؤون التي يصح للجماعة أن تختار ما تميل إليه من بين آراء عديدة، ثم أخرج محمد الغزالي من نطاق الشورى حقائق العلوم فهي ليست موضعاً للجدل تتغلب فيه الكثرة وتتأخر القلة، وكذلك قواعد الدين فليست موضع أخذ ورد، فإذا قال الوحي كلمته في قضية فيجب قبوله من غير توقف(76).

 

ويتبين مما سبق أن الأمور التي ستعرض على الشورى هي كل ما يتصل بمصلحة الجماعة، وتحتاج في الوصول إلى قرار بشأنه إلى إعمال فكر ونظر، ولكن هناك أموراً بحكم طبيعتها تحتاج إلى حسم وسرعة، وهذه تتصل بأمور الإدارة اليومية للجهاز التنفيذي والإداري للدولة، فهذه الأمور لا تحتمل العرض على الشورى خاصة إذا كانت غير مهمة ولا تمس مصالح الأمة(77).

 

ويجدر التنويه بأن فلاسفة الإسلام لم يتناولوا مجالات الشورى على غرار ما تناوله كل من المعتزلة ومفكري العصر الحديث.

 

ويرى الباحث أنه ينبغي أن تخصص الدولة مؤسسات للشورى، وتكون وظائفها محددة تحديداً قاطعاً، ويكون رأي الأكثرية ملزماً للجميع؛ لأن هذه مسائل تنظيمية متروكة للاجتهاد، فتخصيص مؤسسات للشورى وإن كانت مهمة في كل العصور إلا أنها ألزم في العصر الحديث.

 

______________________

(1)    الترمذي – أبواب الجهاد – باب ما جاء في المشورة ج3 ص 129 بدون إسناد.
(2)    لسان العرب: مادة (ش و ر) باب الراء فصل الشين 4/434-435، دار صادر بيروت.
(3)    المصدر السابق: مادة (و ق ب) باب الباء فصل الواو 4/434-435، دار صادر بيروت.
(4)    انظر: المعجم الوسيط 1/518-519 مادة: (ش و ر)، مجمع اللغة العربية بالقاهرة.
(5)    القاموس القويم للقرآن الكريم: إبراهيم عبد الفتاح – مجمع البحوث الإسلامية بالقاهرة ج1/361، 1404هـ/1983م.
(6)    المفردات: الراغب الأصفهاني ص270 – تحقيق: صفوان داوود، دار القلم بدمشق، ط2، 1418هـ.
(7)    د. محمد سليم العوا: في النظام السياسي للدولة الإسلامية ص179، دار الشروق، ط1، 1989م.
(8)    المرجع السابق ص179، دار الشروق، ط1، 1989م.
(9)    فقه الشورى والاستشارة، د. توفيق الشاوي ص116.
(10)    السابق: ص116، دار الوفاء بالقاهرة، ط2، 1413هـ/1992م.
(11)    طبائع الاستبداد: عبد الرحمن الكواكبي ص 23، ط3، دار الشرق العربي – بيروت حلب ، 1411هـ/1991م.
(12)    في النظام الإسلامي للدولة الإسلامية: د. محمد سليم العوا ص180.
(13)    في ظل نظام الحكم الإسلامي: عبد الرحمن عبد الخالق ص14، الدار السلفية ودار القلم بالكويت، طبعة 1975م.
(14)    لسان العرب، مادة (ورث) باب الثاء، فصل الواو مع الراء.
(15)    القاموس المحيط، مادة (ورث) باب الثاء، فصل الواو مع الراء.
(16)    مدخل في دراسة التراث السياسي، د. حامد عبد الله ربيع، ج1 ص138. تحرير وتعليق: د. سيف الدين عبد الفتاح إسماعيل، مكتبة الشروق الدولية، ط1، 1428هـ/2007م.
(17)    المرجع السابق، ص137-138.
(18)    ابن منظور: لسان العرب 6/108، ط3 مادة (س و س) دار صادر، بيروت، 1414هـ/1994م.
(19)    السابق: الموضع نفسه.
(20)    ابن أبي الربيع: سلوك المالك في تدبير الممالك ص176، ط3، تحقيق: د. ناجي التكريتي، دار الشؤون الثقافية العامة، بغداد 1987م.
(21)    الإمام عبد الرحمن تاج: السياسة الشرعية والفقه الإسلامي 1/8 مجمع البحوث الإسلامية، القاهرة 1415هـ/1995م.
(22)    السابق 1/12.
(23)    ابن القيم الجوزية: الطرق الحكيمة في السياسة الشرعية ص 13، تحقيق: محمد حامد الفقي، دار الكتب العلمية، بيروت 1372هـ/1953م.
(24)    عبد الرحمن تاج: السياسة الشرعية، ص12-13.
(25)    الرازي: مختار الصحاح ص509، ط1 مادة (ف ك ر)، مطبعة الحلبي، القاهرة 1414هـ/1994م.
(26)    المعجم الوسيط 2/724، مادة (ف ك ر)، القاهرة 1405هـ/1985م.
(27)    التعريفات: الشريف الجرجاني ص168، ط1 مادة (ف ك ر)، دار الكتب العلمية، بيروت 1403هـ/1983م.
(28)    تمييز العلماء من المفكرين والخطباء، د. محمد بن سعيد رسلان ص36، دار المعارج للنشر والتوزيع بالقاهرة، 1430هـ/2009م.
(29)    تاريخ فلاسفة الإسلام: د. محمد لطفي جمعة، ص253، عالم الكتب بالقاهرة، 1420هـ/1999م.
(30)    د. فتحي الدريني: خصائص التشريع الإسلامي في السياسة والحكم، ص414، ط2، مؤسسة الرسالة، بيروت، 1407هـ1987م.
(31)    ابن العربي: أحكام القرآن مج 4/1668، تحقيق: علي محمد البجاوي، دار المعرفة، بيروت (د.ت).
(32)    الجامع لأحكام القرآن: القرطبي 16/37، دار الكتب العلمية، بيروت، ط5، 1417هـ/1996م.
(33)    في ظلال القرآن: سيد قطب 5/25/3160، دار الشروق، بيروت، ط11، 1405هـ/1985م.
(34)    ابن ماجه – كتاب: الأدب، باب: المستشار مؤتمن ح رقم 3747 ج2 ص1233 بإسناد ضعيف.
(35)    ابن ماجه – ك الأدب – ح 3745-3746، وأحمد 5/274 عن ابن مسعود، والدارمي ج2 ص219، مجمع الزوائد: ج8 ص99، ورواية أبي مسعود عند ابن ماجه بإسناد صحيح.
(36)    أحمد 2/321، 365.
(37)    رواه الطبراني في الأوسط والصغير بإسناد ضعيف، انظر: مجمع الزوائد، ج8 ص99.
(38)    الترمذي – ك الفتن ح2368 ج3 ص361، وقال: هذا حديث غريب.
(39)    أحمد 2/299 من حديث أبي هريرة.
(40)    أحمد 1/76-95، ابن ماجه – المقدمة – مناقب ابن مسعود، ج1 ص49، ح رقم 137.
(41)    الترمذي – أبواب الجهاد – باب ما جاء في المشورة ج3 ص129 بدون إسناد.
(42)    سيرة ابن هشام 2/177، ط1، مكتبة الإيمان بالقاهرة، 1416هـ/1995م.
(43)    المرجع السابق 3/16.
(44)    صحيح مسلم بشرح النووي 12/70 كتاب الجهاد والسير – باب الإمداد بالملائكة في غزوة بدر، الحديث رقم 1763.
(45)    فتح الباري بشرح صحيح البخاري: كتاب الاعتصام، باب: وأمرهم شورى بينهم 13/417 دار الحديث بالقاهرة، ط1، 1419هـ/1998م.
(46)    الصديق أبو بكر: محمد حسين هيكل، ص 281 – 282، النهضة المصرية، 1362هـ.
(47)    صحيح البخاري: ك الحدود رقم 6830، مسند أحمد 1/56، ومصنف عبد الرزاق: ج5 ص 445 ح 9759.
(48)    الكشاف: الزمخشري 1/459، دار إحياء التراث العربي، بيروت، ط1، 1417هـ/1994م.
(49)    صحيح مسلم بشرح النووي: باب: وجوب امتثال ما قاله شرعاً دون ما ذكره من معايش الدنيا على سبيل الرأي، والحديث رقم: 2363.
(50)    في موكب الدعوة: محمد الغزالي ص 169-170، دار الكتب الحديثة بالقاهرة، ط3، 1965م.
(51)    الفساد السياسي في المجتمعات العربية والإسلامية: محمد الغزالي، ص 52-53، ط2، نهضة مصر بالقاهرةن 2000م.
(52)    انظر كلا من:
أ – الإسلام وأوضاعنا السياسية: عبد القادر عودة ص207-208، بيروت، ط7، 1406هـ/1986م.
ب – التشريع الجنائي مقارناً بالقانون الوضعي لعبد القادر عودة: 1/41، دار التراث، القاهرة، 1977م.
(53)    فصول في الإمرة والأمير: سعيد حوى، ص120-122، دار السلام، ط1، 1983م.
(54)    من فقه الدولة في الإسلام: د. يوسف القرضاوي، ص 137، ط2ن دار الشروق بالقاهرة، 1419هـ/1999م.
وانظر: السياسة الخارجية للدولة الإسلامية: عثمان عبده عثمان، ص 248، ط1، دار ومكتبة الهلال، بيروت، 1994م.
(55)    الأعمال الكاملة لمحمد عبده: د. محمد عمارة 1/385، ط1، دار الشروق بالقاهرة وبيروت، 1414هـ/1993م.
(56)    العالم الإسلامي المعاصر بين الشورى والديمقراطية (رؤية نقدية): د. عبد الحميد إسماعيل الأنصاري ص26، ط1، دار الفكر العربي بالقاهرة، 1422هـ/2001م.
(57)    المرجع السابق ص26.
(58)    حوار لا مواجهة: د. أحمد كمال أبو المجد، الكتاب السابع من مجلة العربي ص 117-118، 15 أبريل 1985م.
(59)    الدولة والسلطة في الإسلام: د. محمد معروف الدواليبي، ص 49، دار الصحوة للنشر والتوزيع، 1984م.
وانظر: في النظام السياسي للدولة الإسلامية: د. محمد سليم العوا، ص 200.
(60)    عبد الرزاق السنهوري من خلال أوراقه الشخصية: إعداد: د. نادية السنهوري، و د. توفيق الشاوي، ص 134، ط1، مذكرة رقم: 140.
(61)    الأعمال الكاملة لمحمد عبده: 1/386، د. محمد عمارة، ط1، دار الشروق بالقاهرة بيروت، 1414هـ/1993م.
(62)    المرجع السابق ص 387. وانظر تاريخ الإمام: رشيد رضا 2/199، ط1، مطبعة المنار بالقاهرة، 1350هـ/1931م.
(63)    الخلافة: رشيد رضا، ص 39، الزهراء للإعلام العربي بالقاهرة، 1408هـ/1988م.
وانظر: فقه الخلافة وتطورها: السنهوري، ص 184، ترجمة: د. نادية عبد الرزاق السنهوري، د. توفيق الشاوي، ط2، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1993م.
(64)    فقه الخلافة وتطورها... د. السنهوري، ص 184.
(65)    رسائل البنا: نظام الحكم، ص 213، مجموعة الرسائل، دار الشهاب بالقاهرة، (د.ت).
(66)    الإسلام وأوضاعنا السياسية: عبد القادر عودة، ص 200.
(67)    في ظلال القرآن: سيد قطب مج 1/501، دار الشروق، بيروت، ط11، 1405هـ/1985م.
(68)    المرجع السابق: مج 1/501.
(69)    عناصر القهوة في الإسلام: السيد سابق، ص 196، ط2، دار الكتاب العربي، بيروت، 1398هـ/1978م.
(70)    اليوطوبيا الإسلامية في الشرق الأوسط العربي، وبصفة خاصة في مصر وسوريا: أوليفيه كاريه: مقال ضمن: كتاب السياسة المعاصرة: الإسلام والدولة في عالم اليوم: مجموعة من المستشرقين، تحت إشراف: أوليفيه كاريه، الهيئة العامة للاستعلامات (كتب مترجمة)، عدد: 796، 1991م.
(71)    المدخل الفقهي العام: د. مصطفى الزرقا مج 1/44، ط9، دار الفكر للطباعة بدمشق، 1378هـ/1968م.
(72)    عبد القادر عودة: الإسلام وأوضاعنا السياسية، ص 195-196، انظر: د. محمد سليم العوا: في النظام السياسي... ص 180.
(73)    مجلة المنار: مج 23/10/750-751. وانظر الخلافة: رشيد رضا، ص 38.
(74)    الإسلام وأوضاعنا السياسية، ص 92.
(75)    في النظام السياسي للدولة الإسلامية: د. محمد سليم العوا، ص 185.
(76)    الإسلام والاستبداد السياسي: محمد الغزالي، ص 53.
(77)    في النظام السياسي للدولة الإسلامية: د. محمد سليم العوا، ص 186.