آسر القلوب !
14 صفر 1434
معتز شاهين

الطريق إلى الجنة حُف بالشهوات وحظوظ النفس، فهو طريق صعب على النفس البشرية التي جُبلت على النقص وطلب الكمال دون الوصول له، قال تعالى ( وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا، فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا، قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا، وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا ) الشمس 7-10.

ولصعوبة هذا الطريق ووعورته، تتوق النفس إلى رفقة مُطمئِنة، تُشعر من حولها بالأمان والطمأنينة، رفقة هينة لينة، توضح أخطار الطريق؛ وفي نفس الوقت تعطي نصائح للوقاية من تلك المخاطر بدون تعالى أو ترهيب.

فقد روي أن لصا دخل بيت مالك بن دينار - رحمه الله -بينما هو يصلي بالليل , فبحث عن شيء ليسرقه فلم يجد، ثم نظر فإذا بمالك واقف يصلي. فعندها سلم مالك ونظر إلى اللص فقال: ( جئت تسأل عن متاع الدنيا فلم تجد، فهل لك في الآخرة من متاع؟ ). فاستجاب اللص وجلس وهو يتعجب من حال الرجل!

فبدأ مالك يعظ فيه حتى بكى. ثم ذهبا معاً إلى الصلاة، وفي المسجد تعجب الناس من أمرهما "أكبر عالم مع أكبر لص".. أيعقل هذا؟ فسألوا مالكاً فقال لهم: ( جاء ليسرقنا .. فاسرنا قلبه )!!

وتلك هي الوظيفة الحق للداعية، فهو آسر للقلوب!! يأسرها بحلو الكلام وطيبه ولينه، قال تعالى ( فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ .. ) آل عمران - آية 159، فكم من قلب فتح بكلمة طيبة لينة، سهلت عليه طول الطريق، وكم من قلب أغلقت أبوابه بسبب التشدد وكلمات الترهيب والتقريع، فزاغ عن الطريق ولم يعد إليه.

ولنا في رسولنا الكريم – صلى الله عليه وسلم – الأسوة الحسنة ، حينما أتى أعرابي فبايعه ثم انصرف فقام ثم بال فهم الناس به فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لا تقطعوا على الرجل بوله ثم قال: الست بمسلم؟ قال: بلى قال: ما حملك على أن بلت في مسجدنا؟ قال: والذي بعثك بالحق! ما ظننته إلا صعيداً من الصعدات فبلت فيه فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بذنوب من ماء فصب على بوله.

فالمعاملة اللينة مع الأعرابي فتحت قلبه ورسخت الإسلام في قلبه رسوخا، وهذا هو الهدف من الدعوة إلى الله – عز وجل –، فهدفك كداعية هو التصحيح لا المعاقبة، وتوضيح الطريقة الصحيحة للعيش في الدنيا وحقيقة وجود الإنسان ووظيفته الكبرى، وكذلك العمل على تثبيت الإنسان على ذلك الطريق رغم طوله ووعورته وقلة الزاد فيه.
فأكثر أيها الداعية من التصدق على الناس بصدقة الكلمة الطيبة، وبتلك الصدقة تنجيك وتنجيهم يوم القيامة من حر النار.