7 صفر 1435

السؤال

السلام عليكم: مشكلتي هي أنني أعاني من العاطفة القوية، على الرغم من أنني لم أقم أية علاقة غير شرعية مع أي فتاة من قبل، إلا أنني عندما أرى أي فتاة أقع في حبها، وتظل في ذهني حتى أرى فتاة غيرها، وهكذا يحصل معي مثل ما حصل مع الأولى، في اليوم الثاني والثالث وهكذا...الخ.
أنا مع هذا المشكل منذ سنتين، حتى أهملت كل ما هو مهم في حياتي، إضافة إلى أنني أعاني من الشهوة القوية، والرغبة الشديدة في الجنس، بالرغم من أنني لا أفعل الحرام، ولا أكلم الفتيات. أرجوكم ساعدوني، فأنا أبكي ليلاً ونهارًا على هذا.

أجاب عنها:
همام عبدالمعبود

الجواب

أخانا الحبيب:
السلام عليكَ ورحمة الله وبركاته، وأهلا ومرحبا بكَ، وشكر اللهُ لكَ ثقتكَ بإخوانِكَ في موقع (المسلم)، ونسأل الله (عز وجل) أن يجعلنا أهلا لهذه الثقة، آمين.. ثم أما بعد:
قرأت رسالتك باهتمام شديد؛ ولا شك أن الموضوع على درجة من الأهمية، وفهمت
منها أنك تعاني من "العاطفة القوية"، ومع هذا لم تقم "أية علاقة غير شرعية مع أي فتاة"، غير أنك عندما ترى أي فتاة تقع "في حبها"، وتظل في ذهنك حتى ترى "فتاة غيرها".
كما يتضح من رسالتك أنك تعاني من هذا الأمر "منذ عامين"، حتى "أهملت كل ما هو مهم" في حياتك، إضافة إلى أنك تعاني من "الشهوة القوية، والرغبة الشديدة في الجنس"، على الرغم من أنك تقول إنك لا تفعل "الحرام"، ولا تكلم "الفتيات"، وتختتم رسالتك مؤكدًا أنك تبكي "ليلاً ونهارًا على هذا".
وأود بداية أن أوضح لك بعض الأمور الأساسية التي يجب أن تعلمها، قبل أن أشرع في تقديم الوصفة العلاجية، وهذه الأمور هي:
1) أنك قد فعلت خيرًا إذ لم تقم "أية علاقة غير شرعية مع أي فتاة"، لكون هذه العلاقة التي وصفتها بأنها غير شرعية، هي علاقة محرمة، منهي عنها في القرآن والسنة، حيث يقول تعالى في محكم التنزيل: (وَلاَ تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً) [الإسراء:32]. ففي الآية نهي قاطع عن الاقتراب من الزنا أو الخوض في مقدماته لأنه من الفواحش وسبيله الهلاك في الدنيا والآخرة. وعنه صلي الله عليه وسلم أنه قال‏: "ما من ذنب بعد الشرك أعظم عند الله من نطفة وضعها رجل في رحم لا يحل له‏)‏ والحديث أخرجه ابن أبي الدنيا عن الهيثم بن مالك الطائي مرفوعًا‏.‏
2) أما عن قولك إنك عندما ترى أي فتاة تقع "في حبها"، وتظل في ذهنك حتى ترى "فتاة غيرها"، فهو كلام ينقصه الضبط الشرعي، فالأصل أن المسلم مأمور بغض البصر، وقد حرم الإسلام إطالة النظر من الرجل إلى المرأة ومن المرأة إلى الرجل، فإن العين مفتاح القلب، والنظر رسول الفتنة، وبريد الزنى. لهذا أمر الله المؤمنين والمؤمنات بالغض من الأبصار، وجعل ذلك مقترنا بأمره بحفظ الفروج، قال تعال: (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ* ذَٰلِكَ أَزْكَىٰ لَهُمْ* إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ. وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا* وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَىٰ جُيُوبِهِنَّ* وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَىٰ عَوْرَاتِ النِّسَاءِ* وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ) [النور:30-31].
3) أما عن قولك أنك تعاني من هذا الأمر منذ عامين، وأنك "أهملت كل ما هو مهم" في حياتك، فهو مؤشر خطير، ويحتاج إلى وقفة حقيقية مع النفس، إذ كيف يهمل المسلم كل ما هو مهم في حياته، من أجل نزوة شيطانية، وهذا أمر إن دل على شيئ فإنه يدل على أنني نعاني في حياتنا على قدر بعدنا عن تعاليم ربنا سبحانه وتعالى، وتوجيهات نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، فقف مع نفسك، وراجع ما تقول وتفعل، فالأمر جد وليس بالهزل، والأمر دين، وقد حذر نبينا صلى الله عليه وسلم صحابته الكرام من التهاون في مثل هذه الأمور.
وقد فطن السلف الصالح رضي الله عنهم إلى خطورة النظرة المحرمة، فقال ابن عباس رضي الله عنهما: (الشيطان من الرجل في ثلاثة: في نظره وقلبه وذَكَره، وهو من المرأة في ثلاثة: في بصرها وقلبها وعجُزها). وقال مجاهد - رضي الله عنه-: (إذا أقبلت المرأة جلس الشيطان على رأسها فزَّينها لمن ينظر، فإذا أدبرت جلس على عجُزها، فزينها لمن ينظر). وقال سفيان الثوري- رضي الله عنه-: (إني مع كل امرأة شيطاناً ، وأرى مع الشاب الأمر بضعة عشر شيطانا).
كما فطن الشاعر لهذا الأمر فقال:
كل الحوادث مبداهـا من النظـر *** ومعظم النّار من مستصغر الشررِ
كـم نظرةٍ بلغت من قلبِ صاحبها *** كمبلغ السهم بـلا قوسٍ ولا وترِ
والعبـد ما دام ذا طـرفٍ يُقلّبـه *** في أعين الغيدِ موقوفٌ على الخطرِ
يسـرُ مقلتَه مـا ضـرَّ مُهجتـَه *** لا مرحبًا بسـرورٍ عاد بالضررِ
4) أما قولك إنك تعاني من "الشهوة القوية، والرغبة الشديدة في الجنس"، فهذا أمر يشكو منه بعض الرجال، وخاصة الشباب، وعلى وجه الخصوص في مرحلة المراهقة، غير أن الإسلام وضع له علاجات، أولها: غض البصر عن النساء المحرمات، وثانيها: الزواج، وثالثها: الصوم لقوله صلى الله عليه وسلم، فيما يروى عن ابْنِ مَسْعُودٍ (رضي الله عنه), قَالَ: قَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ (صلى الله عليه وسلم): يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ، "مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمُ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ ؛ فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ ؛ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ".
وختامًا، أنصحك- أخي الكريم- بالتوبة الصادقة من الذنوب، كبيرها وصغيرها، ومراقبة الله عز وجل في كل ما تقول وتفعل، والبعد عن النظرة المحرمة، واللمسة المحرمة، والخلوة المحرمة، وقانا الله وإياكم شر المعاصي والفتن، ما ظهر منها وما بطن، ورزقنا وإياكم سبل الهدي، ومصاحبة الصالحين. وصلِّ اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.