29 جمادى الأول 1435

السؤال

السَّلام عليكم ورحمة الله وبركاته: أنا شاب أبلغ من العمر 29 عاماً، خاطب ابنة خالي، بنت ليس لها مثيل فى الأدب، ومنتقبة وتتقي الله فيَّ، ولا أرى لها أي خطأ ترتكبه، تحبُّني حبًّا ليس بعده حب، أشعر اتجاهها بالذَّنب وتأنيب الضَّمير من أفعالي، فقد كنت صارحتها قبل الخطوبة بجميع علاقاتى الماضية، وسامحتني، وقالت: نبدأ صفحة جديدة، وأنا ما وفَّيت العهد معها، ورجعت لعلاقاتي القديمة والجديدة، فأنا كثير العلاقات بالبنات والنِّساء، وهذه هي مصيبتى في الحياة، لا أغضُّ بصري أبدًا عن النِّساء إلا فى شهر رمضان فقط أرجع إلى الله، وألتزم الصَّلاة وأتوب، ولكن! سرعان ما يأتي الشَّيطان ويأخذني إلى طريقه. استشرت كثيرًا من النَّاس وأخبرونى بأنَّ الحلَّ في الزَّواج، وأنا موظف راتبي قليل، والشّقة باقي فيها بعض التَّشطيبات، والعفش بأكمله، أمامي أكثر من سنة لأتزوج. أخاف أن ألاقي الله بغير ما يحب، وتأنيب الضَّمير يشغلنى كلَّ ساعة، ولا أستطيع أن أترك هذا الطَّريق.

أجاب عنها:
سعد العثمان

الجواب

الحمد لله وحده، والصَّلاة والسَّلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه...
أخي الفاضل: أشكرك على ثقتك، بموقع المسلم، ومتابعتك له، ونسأل الله - عزَّ وجلَّ - أن يجعلنا أهلاً لهذه الثِّقة، وأن يجعلَ في كلامنا الأثر، وأن يتقبَّل منَّا أقوالنا وأعمالنا، وأن يجعلها كلَّها خالصة لوجهه الكريم، وألا يجعل فيها حظَّاً لمخلوق..آمين.
أخي الكريم: فهمت من عرضك لمشكلتك، أنَّك تشكو من عدم وفائك بالعهد لخطيبتك التي تحبُّك، وقد خنتها بمعاودتك لأخطائك القديمة، بعد مسامحة بينك وبينها، وفتح صفحة جديدة للتَّعامل، وتذكر أنَّ الكثير نصحك بتعجيل موضوع الزَّواج، ويحول دون تعجيله قلَّة المال اللازم لإنهاء الشَّقة والعفش، وتخشى ملاقاة ربِّك وأنت تعصيه، وضميرك يؤنِّبك على تقصيرك، لا تقلق أخي فقد وصلت إلى برِّ الأمان، فإخوانك في موقع المسلم لا تعدم منهم من النُّصح والتَّوجيه لما فيه الخير لك في دينك ودنياك، ألخص لك أخي جواب استشارتك من خلال النِّقاط الآتية:
أولاً: يسرُّ ناظـــره ما ضرَّ خاطره *** لا مرحبًا بسرور عاد بالضَّــرر
فضول النَّظر أصل البلاء؛ لأنَّه رسول الفَرْج، فالنَّظرة المحرَّمة آفة عظمى وبلية كبرى‏,‏ والزِّنا إنَّما يكون سببه في الغالب فضول النَّظر‏,‏ فإنَّه يدعو إلى الاستحسان، ووقوع صورة المنظور إليه في القلب والفكرة‏,‏ فهذه الفتنة من فضول النَّظر‏,‏ وهو من الأبواب التي يفتحها الشَّيطان على ابن آدم، والله عزَّ وجلَّ أمرنا بغض النَّظر، وهو أعلم بنا، وبما يُصلح حالنا، فقال سبحانه:(قُلْ لّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّواْ مِنْ أَبْصَـٰرِهِمْ وَيَحْفَظُواْ فُرُوجَهُمْ ذٰلِكَ أَزْكَىٰ لَهُمْ إِنَّ ٱللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ)النور:30. فأطع ربَّك، وغضَّ بصرك، ألا تخاف من الله أن يُذهب نور عينيك، وتجلس أعمى البصر والبصيرة، لا قدَّر الله.
ثانيًا: (وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا)
وصف الله ميثاق العلاقة الزوجية بالغليظ، فقال سبحانه: (وَأَخَذْنَ مِنكُم ميثَاقاً غَلِيظاً)النساء: 21. فالميثاق الغليظ يقتضي حسن المعاشرة بين الزَّوجين, وأن تقوم حياتهما على الصِّدق والوفاء، لا على الخيانة والكذب, وعلى الحب والتَّفاهم، لا على الأنانية والخداع، وأنت أخي خنت عهدك مع خطيبتك، ونقضت وعدك لها، وعصيت ربَّك، وآذيت إخوانك وأخواتك من المسلمين، بنظرك إلى حرماتهم وأعراضهم، وفسادك لنسائهم وبناتهم بأحاديثك الغرامية معهن، فاتق الله في نفسك، واخف من ربِّك، وانتبه فقد يكون الوفاء من عرضك وبناتك في المستقبل، فلا تتمادى بستر الله لك، فربَّما يأتي اليوم الذي يفضح فيه أمرك، وتتمنى يومها لو تنشق الأرض من تحت قدميك، وتنغمس بداخلها من شدَّة هول الفضيحة.
ثالثًا: عجِّل بالزَّواج.
نصحك الكثيرون بتعجيل الزَّواج، وأنا أنصحك بذلك، فهو العلاج الواقي، والبلسم الشَّافي لمرضك، وتأخيره قد يسبِّب لك فقْد خطيبتك، فلو وصلها خبر بعلاقاتك بالنِّساء، فسيكون ردُّها عنيفًا وقويًا، ولذلك أرى أن تستلف مالاً من أهلك وأصدقائك لما يكفيك لإنهاء شقّتك وعفش بيتك، ولإكمال مشروع زواجك، وتسدِّدهم براحتك بعد زواجك، فصلاح دينك، والمحافظة على خطيبتك الصَّالحة الملتزمة أولى وأسلم وأحكم.
رابعًا: ضميرك حي.
ما دمت يؤنِّبك ضميرك، وتشعر بالنَّدم على فعلك المعاصي، وتراجع نفسك بين الحين والآخر، فأنت صاحب ضمير حي، ولذلك لو تعقد على خطيبتك عقد النِّكاح، وبدل أن تفرِّغ عاطفتك بالحرام، ومحادثة النِّساء الأجنبيات، فرِّغ ذلك مع خطيبتك، فما دمت قد عقدت عليها، فهي بحكم الزَّوجة، تكلُّمها بما تشاء، وتجلس معها متى تشاء، وتحادثها بالوقت الذي تشاء.